رأي الوطن: هروب إسرائيلي جديد من الأزمة المحلية
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
لَمْ تكتفِ دولة الاحتلال الإسرائيليِّ بما تُمارسه من عدوان وقمع وإرهاب في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة، بل تحرص على مدِّ عدوانها الهمجي نَحْوَ سوريا، حيث أدَّى هجومٌ صاروخيٌّ إسرائيليٌّ إلى سقوط أربعة جنود سوريِّين وإصابة أربعة آخرين وإحداث بعض الخسائر المادِّيَّة في محيط العاصمة السوريَّة دمشق، بحسب ما أعلنت وكالة الأنباء السوريَّة نقلًا عن مصدر عسكريٍّ سوريٍّ، الذي أكَّد أنَّ العدوانَ الصاروخيَّ الإسرائيليَّ قَدْ أصاب بعض النقاط في محيط مدينة دمشق، ما يؤكِّد رغبة دولة الاحتلال المارقة في التصعيد المتعمَّد، ومحاولة جرِّ سوريا والمنطقة بكاملها نَحْوَ حربٍ مفتوحة، تقضي على محاولات بسط الاستقرار التي يسعى إليها العديد من الأطراف في المنطقة، والتي انطلقت من عودة دمشق إلى دَوْرها العربيِّ عَبْرَ استعادة مقعدها في جامعة الدوَل العربيَّة.
ولعلَّ تكرار الاعتداءات الصهيونيَّة على الشَّقيقة سوريا يصبُّ ـ بجانب رغبتها في حماية أذرعها من الجماعات المسلَّحة، ومنع سيطرة الدولة السوريَّة على كامل أراضيها ـ في محاولات تغطية مشاكل الكيان الصهيونيِّ المحليَّة، حيث تسعى الحكومة الإسرائيليَّة المتطرِّفة برئاسة نتنياهو إلى تصعيد التوتُّرات في هذه المرحلة؛ للهروب من الأزمات الداخليَّة عَبْرَ تسخين الجبهة الشماليَّة كوسيلة للإلهاء من أجْلِ تخفيف وطأة الضغوط الداخليَّة عَبْرَ إذكاء النَّزعة القوميَّة لدى مناصرِيه من اليمين المتطرِّف، ومحاولة إسكات الأصوات المُعارِضة بصراع مفتعل جديد يعمل على توحيد الجبهات ضدَّ خطرٍ خارجيٍّ، وهي عادة دأبَ رؤساء حكومات الكيان الصهيونيِّ على ارتكابها، كلَّما زادت الضغوط عليها داخليًّا، وتعالت الأصوات إلى تغيير حقيقيٍّ بعيدًا عن الرضوخ للأصوات اليمينيَّة المتطرِّفة. إنَّ هذا العدوان الإسرائيليَّ الجديد يأتي في وقتٍ تتَّجه فيه القوى الإقليميَّة والعالميَّة إلى إحداث تهدئة حقيقيَّة في إقليم الشَّرق الأوسط، وتخفيض التوتُّر في بؤر الصراع الإقليميَّة، ما يفرض واقعًا جديدًا على المشهد الإقليميِّ، تتَّجه فيه الدوَل الكبرى إلى تقارب بنَّاء يُعِيد السَّلام والاستقرار المُفتقَد. ولكن دولة الاحتلال الإسرائيليِّ تخشى من الفاتورة التي يُمكِن أنْ تدفعَها جرَّاء الخطوات التقاربيَّة الأخيرة. لذا تحرص على تأجيج الصراع عَبْرَ العدوان على الأراضي السوريَّة لِتؤكِّدَ أنَّها طرف مباشر في المعادلة الإقليميَّة للأزمة السوريَّة، وأنَّ الحلول المقترحة لا بُدَّ وأنْ تحظَى بقَبولها، عَبْرَ بوَّابة حلفائها الدوليِّين، وهي رسالة تدركها سوريا وتعمل على تفويت الفرصة على الكيان الصهيونيِّ، مع احتفاظ دمشق لنَفْسِها بحقِّ الردِّ في الوقت الذي تراه، وهو حقٌّ أصيل يقرُّه القانون الدوليُّ.
كما أنَّه لَمْ يَعُدْ خافيًا على عاقل رغبة دولة الاحتلال الصهيونيِّ في استمرار حالة الصراع السوريِّ الداخليِّ، حتَّى تستنزفَ تلك الصراعات مقدَّرات الدولة السوريَّة، وتضعفها على المديَيْنِ المتوسِّط والبعيد؛ لِيكُونَ للكيان الصهيونيِّ دَوْر برعاية حلفائها في أيِّ تسويات مستقبليَّة، وتخلق وضعًا سوريًّا جديدًا، يكُونُ حريصًا على خدمة المصالح الصهيونيَّة. لكن على الرغم من ذلك يبقى أنْ نؤكِّدَ أنَّ ما تمارسه دولة الاحتلال المارقة من عدوان على سوريا، لَنْ يُحقِّقَ أهدافها وأطماعها، بل سيؤدِّي إلى إشعال بؤرة توتُّر جديدة في المنطقة، سيكُونُ لها مردود عكسيٌّ على تلك الأطماع الصهيونيَّة، خصوصًا مع المعضلة التي تواجهها دولة الاحتلال في الأراضي الفلسطينيَّة المحتلَّة رغم ارتفاع وتيرة العدوان.
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: دولة الاحتلال
إقرأ أيضاً:
سوريا بين شبح العقوبات وترتات إعادة التموضع الإقليمي
في أروقة الأمم المتحدة وعلى مقاعد مجلس الأمن، تتشكل ملامح مرحلة جديدة في الملف السوري، لكنها لا تخلو من التعقيد والغموض. بين مطالب أميركية صارمة بقطع طريق الإرهاب، وإبعاد النفوذ الإيراني، والتخلي عن أي دور للفصائل الفلسطينية، تقف دمشق عند مفترق طرق تاريخي، تحاول من خلاله التخفيف من العقوبات الخانقة وتلميع صورة الدولة الجديدة أمام المجتمع الدولي.
وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني، بلغة دبلوماسية ناعمة، أعاد التأكيد أن العقوبات لا تطال النظام فحسب، بل تساهم في تفشي اقتصاد الظل وتغذية الشبكات غير الشرعية، بينما تحرم البلاد من فرص التعافي الاقتصادي والعدالة الانتقالية.
في المقابل، لم تغفل الإدارة الأميركية عن طرح شروط تبدو، في بعض جوانبها، تعجيزية، مما يوحي بأن واشنطن لا تبحث فقط عن تغيير في السلوك، بل عن تغيير في البنية السياسية العميقة.
في الخلفية، تتسارع تحركات إقليمية غامضة. فقد شهدت دمشق، لأول مرة منذ عقود، زيارات حاخامات من أصول سورية إلى مسقط رأس أجدادهم، وسط ترحيب إعلامي إسرائيلي لافت. بالتوازي، جرت زيارات نادرة لشيوخ دروز إلى الأراضي المحتلة، في خطوات تبدو كمحاولات متقدمة لاختراق الحواجز النفسية بين مكونات الجغرافيا السورية وإسرائيل، استعدادًا لاحتمالات جديدة للتموضع السياسي.
أما على الصعيد الاقتصادي، فتتوالى الأنباء عن جهود تقودها الرياض والدوحة لإنهاء ملف الديون السيادية السورية المتعثرة، مما يمهد الطريق لتحريك ملف إعادة الإعمار الذي ظل حتى الآن رهينة للصراعات الدولية والإقليمية. ومن المتوقع أن تسدد السعودية جزءًا من متأخرات سوريا لدى البنك الدولي، في خطوة قد تفتح الباب أمام تدفق منح وقروض بمئات الملايين لإصلاح قطاعي الكهرباء والبنية التحتية.
وفي كواليس هذه الترتيبات، تجري اتصالات سرية مع الجانب الروسي، الذي بدا أكثر انفتاحًا على تخفيف الحضور العسكري المباشر، مقابل ضمان مصالحه الاقتصادية والأمنية عبر صيغ جديدة للشراكة مع السلطة السورية ومؤسسات دولية، في مشهد يُراد له أن يعيد رسم خريطة النفوذ بطريقة أكثر مرونة وأقل صدامًا مع الغرب.
تبدو سوريا اليوم ساحة اختبار كبيرة: هل تنجح القيادة الجديدة في تجاوز إرث الماضي، والالتفاف على شروط الغرب الثقيلة؟ أم أن شبكة المصالح الإقليمية والدولية ستعيد إنتاج أزمات قديمة بثوب جديد؟
في كل الأحوال، لم يعد المشهد السوري شأنًا داخليًا خالصًا، بل أصبح قطعة شطرنج تتحرك فيها أيادٍ كثيرة في الخفاء، بانتظار اللحظة التي يتم فيها الإعلان عن قواعد اللعبة المقبلة.
محمد سعد عبد اللطيف
كاتب صحفي وباحث في الشؤون السياسية والجيوسياسية
البريد الإلكتروني: [email protected]