الدويري: عمليات المقاومة الأخيرة في غزة جزء من حرب استنزاف
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
سرايا - قال الخبير العسكري والإستراتيجي اللواء فايز الدويري بأن عمليات المقاومة التي تنفذها ضد جيش الاحتلال مؤخرا تمثل جزءا من حرب الاستنزاف التي ستجبر جيش الاحتلال على الانسحاب.
وأضاف أن هذه العمليات هي التي دفعت بعض قادة الجيش للحديث عن "استكمال المهام" وضرورة الخروج من "وحل ورمال" غزة، مؤكدا أن توغل الاحتلال في أي منطقة ستواجهه المقاومة بمعارك مماثلة لتلك التي جرت في منطقة تل الهوى.
وفيما يتعلق باعتراف الجيش الإسرائيلي بمقتل ضابط برتبة رائد في كتيبة إسناد لوجستي، أوضح الدويري أن العملية تمت في المنطقة الشمالية حيث تم توسيع محور نتساريم من 2 إلى 4 كيلومترات لتوفير مزيد من الأمان للقوات المتحركة، باستثناء عمليات "القصف القوسي".
كمين مركب وفي تصوره للعملية، يرى الدويري أنها كانت عبارة عن كمين استهدف آليات عسكرية تقليدية مدولبة كانت تتحرك في المنطقة، وتم رصدها من قبل المقاومة وتحديد اتجاهاتها وتوقيت مرورها، وقامت العناصر بزراعة عبوات متفجرة مسيطر عليها في طريق مرورها، وتم تفجيرها عند مرور الأهداف.
وأضاف أن كتائب القسام -الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) كانت تتوقع أن بعض الجنود سيحاولون الهرب، لذلك كان لابد من التعامل معهم بالأسلحة الرشاشة، واصفا العملية بأنها "كمين مركب" مبني على استطلاع مسبق حدد الزمان والمكان بدقة.
واعتبر الدويري قيام أحد عناصر القسام بإعداد وتجهيز الصواريخ -التي قصفت بها الكتائب حشودا لقوات الاحتلال شرق خان يونس- تحت مراقبة الطائرات المسيرة الإسرائيلية نقطة تسجل لصالح المقاومة التي تستطيع أن تتكيف وتعمل تحت كل الظروف.
وأشار إلى أن مقاربة جيش الاحتلال تتمثل في إعادة انتشار كاملة باعتباره أنجز المهمة، باستثناء محوري نتساريم وفيلادلفيا، وهي السياسة التي يصر عليها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو وكأنه يحاول أن يبتز العالم بالحرب الإقليمية.
ومن وجهة نظر عسكرية قال الدويري إن ورقة التلويح بالحرب الإقليمية يجب أن تكون بيد المقاومة وليست بيد نتنياهو، لأن المقاومة تمتلك أوراق القوة ويمكن أن تلوح بها.
وختم الدويري بالقول إن استمرار مثل هذه العمليات يشكل تحديا كبيرا للقيادة العسكرية الإسرائيلية، ويجبرها على إعادة تقييم إستراتيجيتها في غزة، مما قد يؤدي في النهاية إلى قرار الانسحاب تحت ضغط الخسائر المتزايدة وعدم تحقيق الأهداف المعلنة للعملية العسكرية.
إقرأ أيضاً : “تهديدات بالاغتيال” لنشطاء داعمين للمقاومة الفلسطينية في تونسإقرأ أيضاً : لماذا لم ترد إيران على اغتيال هنية حتى اليوم؟إقرأ أيضاً : ترامب: مناظرتي مع هاريس ستكون أسهل من مناظرتي مع بايدن
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
إقرأ أيضاً:
التهجير والفشل الاستعماري
حاتم الطائي
◄ ترامب يواجه فشلًا ذريعًا في تنفيذ مُخططاته الاستعمارية
◄ محاولات تهجير الفلسطينيين استمرارٌ لجرائم الإبادة الجماعية
◄ المقاومة الباسلة وصمود الشعب الفلسطيني سيُفشلان أي تهجير
الرئيسُ الأمريكيُّ دونالد ترامب- والذي ما يزال مُنتشيًا بفوزه في الانتخابات الأخيرة- يُواجه فشلًا ذريعًا في مُخططاته الاستعمارية والخبيثة التي يستهدف من خلالها الاستيلاء على الدول ومُقدراتها وثرواتها، بدءًا من سعيه لـ"استرداد" قناة بنما، مرورًا بإعلان رغبته شراء جزيرة جرينلاند الدنماركية، وأن تكون كندا الولاية الأمريكية رقم 51، وتغيير مُسمى خليج المكسيك ليكون "خليج أمريكا"، وأخيرًا غطرسته الزائفة بأنَّه سيُرسل سكان غزة إلى الأردن ومصر.
هذا الفشل الرئاسي تجلّى في مواقف كثيرة؛ أولها أنَّ المحاكم الفيدرالية الأمريكية أجهضت بعض قراراته الرئاسية، وأمرت بوقف تنفيذها لأنها تُخالف الدستور الأمريكي، مثل قرار منع الحصول على الجنسية بالولادة. كما إنَّ فرنسا اقترحت على الدنمارك إرسال قوات عسكرية لمُواجهة مساعي ترامب، وردعه عن أيِّ محاولة للاستيلاء على الجزيرة، كما زادت الدنمارك من إنفاقها الدفاعي المُخصص لحماية جرينلاند. وهذه تطورات خطيرة يتعين على المؤسسات الوازنة في الولايات المتحدة الانتباه لها، إذ تشي بتوترات دبلوماسية ربما تقود إلى توترات عسكرية، ومن ثم تندلع مواجهات حربية، من المُؤكد أن العالم في غنى عنها. فقد رأينا ما الذي تسببت فيه الحرب الروسية الأوكرانية، وكذلك العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة؛ إذ إن عالم اليوم المُتشابك غير قادر على تحمُّل أي حروب أو صراعات عسكرية.
أما مُقترحات ترامب بخصوص تهجير سكان قطاع غزة إلى الأردن ومصر، والتي كشفت- بلا ريب- عن حقيقة الخطط الخبيثة التي سعى الاحتلال الإسرائيلي إلى فرضها كأمر واقع منذ بدء العدوان على القطاع، فقد قوبلت برفض قاطع من كلٍ من الأردن ومصر؛ سواءً رسميًا أو شعبيًا، وقد تابع الجميع التصريحات الرسمية الصادرة عن قيادتي البلدين، وعلى مستوى وزيري الخارجية، فضلًا عن الرفض الشعبي الجارف، لا سيما وأنَّ الأردن ومصر تُدركان جيدًا تبعات تهجير أي مواطن فلسطيني من أرضه، والذي يعني عدم العودة نهائيًا. ويكفي أنَّ الشعب الفلسطيني في كل جولة مفاوضات عبثية مع الاحتلال، يُطالب بحق العودة، وهي من الحقوق التي أقرتها المواثيق الدولية ومقررات الشرعية الدولية، ولكن بالطبع إسرائيل تضرب بها عرض الحائط.
لكن ثمَّة سؤال يطرح نفسه بقوة: لماذا هذا الإصرار من دونالد ترامب على تنفيذ تهجير قسري لشعب غزة بزعم الرغبة في إعادة تعمير القطاع؟
الجواب واضح وضوح الشمس منذ اللحظة التي قرَّر فيها الاحتلال الإسرائيلي الرد على عملية "طوفان الأقصى"، من خلال شن أعنف هجوم عسكري في تاريخ العسكرية الحديثة على بيئة مدنية، إذ بلغ حجم المتفجرات التي سقطت على القطاع نحو 100 ألف طن، تسببت في دمار 440 ألف وحدة سكنية، و980 ألف متر طولي من البنية التحتية (صرف صحي ومياه)، و2.8 مليون متر طولي من الطرق والشوارع، و3700 كيلومتر طولي من خطوط وشبكات الكهرباء. ناهيك عن تدمير القطاع الصحي والقطاع التعليمي؛ إذ دمر القصف 34 مستشفى، و500 مدرسة وجامعة كان يدرس بها نحو 800 ألف طالب وطالبة، علاوة على تدمير 1000 مسجد، والتقديرات الأولية لهذه الخسائر تصل إلى 38 مليار دولار. أما على المستوى الإنساني، فيكفي أن نعلم أن 7 آلاف عائلة مُحيت أسماؤها من سجلات الأحياء، وأصبح يعيش في القطاع اليوم 39 ألف طفل يتيم.
إذن الهدف تمثّل في الإبادة الجماعية لسكان غزة، من أجل تصفية القضية الفلسطينية بالكامل، ومن ثمَّ التخلص من "صداع حل الدولتين"، لا سيما وأن الضفة الغربية مُحتلة بالكامل، ويتم اقتطاع الأراضي منها بصفة مستمرة ومُمنهجة لإقامة مستوطنات، ويتم عزل هذه المستوطنات بجدران شاهقة من الخرسانة، في تقسيمات عنصرية بغيضة تُماثل جدار الفصل العنصري. كما إن القدس هي الأخرى قابعة تحت نير الاحتلال، والمسجد الأقصى المُبارك يخضع للسيطرة الفعلية لقوات الاحتلال هي التي تقرر من يدخل ومن يخرج ومن يصلي؛ بل ربما من يتوضأ!
غير أنَّ المقاومة الباسلة والصمود الأسطوري للشعب الفلسطيني في مواجهة آلة العدوان والحرب أجهضا مخططات الإبادة، إلى جانب صحوة الضمير العالمي التي هزّت أرجاء العالم، شرقًا وغربًا، حتى في عقر دار الأمريكيين، الداعم الأكبر والشريك الأصيل في جريمة الإبادة الجماعية لشعب فلسطين. هذه المقاومة الباسلة التي لقّنت جنود الاحتلال دروسًا قاسية، واستطاعت أن تلحق بهم أضرارًا جسيمة في العُدة والعتاد والأفراد، ويكفي أن الاحتلال أقر بمقتل 1845 إسرائيليًا، من بينهم 841 جنديًا، إلى جانب 23955 مصابًا منذ "طوفان الأقصى"، وأن نحو 70 ألف مستوطن هربوا من المستوطنات بلا عودة حتى اليوم، كما إن تكلفة الحرب على إسرائيل بلغت 67.6 مليار دولار، منها 34 مليارًا تكلفة مباشرة للحرب، و644 مليون دولار خسائر يومية بقطاع البناء، بجانب أن نحو 60 ألف شركة أغلقت تمامًا وأوقفت أنشطتها. ولذلك تكبدت الميزانية العامة لإسرائيل خسائر غير مسبوقة، وبلغ العجز المالي 37.7 مليار دولار.
كل هذه الخسائر إلى جانب الفشل العسكري الذريع لإسرائيل في تحقيق أهدافها المُعلنة للحرب، أجبرت دولة الاحتلال في نهاية المطاف على الخضوع والقبول بوقف الحرب وتنفيذ صفقات تبادل الأسرى، الذين أخفقت في تحريرهم بالقوة العسكرية، لتُؤكد المقاومة الفلسطينية أنَّها على قدر المسؤولية وعلى استعداد لتحمُّل القتال لشهور وسنوات.
ولذلك يسعى ترامب لفرض مخطط التهجير، لكن هذه المرة ليس عن طريق إبادة سكان غزة؛ بل من خلال محاولة فرض هذا الأمر على الأردن ومصر، لكنه اصطدم بجلمود صخرٍ من الرفض الرسمي والشعبي، والتأييد العربي والدولي الواسع النطاق لرفض فكرة التهجير، ولو بصورة مُؤقتة. وقد أصبح هذا المخطط الآن في حكم العدم، في ظل الصمود الفلسطيني غير المسبوق والمشاهد التاريخية لعودة عشرات الآلاف من الشعب الفلسطيني سيرًا على الأقدام من جنوب غزة إلى شمالها، رغبةً في العودة إلى ديارهم المُهدمة والمُدمرة، وكم كان عظيمًا ذلك المشهد الذي تنساب فيه جموع الفلسطينيين في طريقها إلى شمال غزة. وهُنا يتجلى ارتباط الإنسان الفلسطيني بأرضه، وأنه لن يتخلى عنها حتى آخر قطرة من دمه، وهذا ما غرسته المقاومة الفلسطينية في نفوس حاضنتها الشعبية، فرغم كل الآلام والدمار، لم نجد من أبناء الشعب الفلسطيني المُخلصين من يُهاجم المقاومة، بل الجميع ربما اتفق على أنَّ المقاومة هي الممثل الوحيد للشعب الفلسطيني في غزة، وأنَّ مسار المقاومة هو المسار الأقوى والأنجح في انتزاع الحقوق من عدو صهيوني مُجرم مدعوم من أعتى القوى في العالم.
ويبقى القول.. إنَّ أي مُخططات خبيثة تستهدف اقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضه ستبوء بالفشل الذريع، وسينقلب مدبِّروها على أعقابهم خاسرين، ولن تفلح أي قوة في العالم في تصفية القضية الفلسطينية، لأنها لم تعد قضية شعب وأرض؛ بل قضية الإنسانية والكرامة والحرية لكل شعوب الأرض من الأحرار وأصحاب الحق والفضيلة.
رابط مختصر