كان لدى مصر ذات يوم مجتمع يهودي مزدهر يعود تاريخه إلى العصور القديمة، لكنه اختفى فجأة عبر رحلة زمنية متقلبة يرصد تفاصيلها كتاب جديد.

الكتاب الجديد بعنوان "الأماكن المقدسة تحكي حكايات: الحياة والتراث اليهودي في القاهرة الحديثة"، الذي نشرته مطبعة جامعة بنسلفانيا الشهر الماضي، يسلط الضوء على ما يصفه الكاتب بـ"العصر الذهبي لليهود في مصر".

تمكن مؤلف الكتاب، البروفيسور يورام ميتال من قسم دراسات الشرق الأوسط في جامعة بن غوريون في النقب، من الوصول بشكل غير مسبوق إلى المعابد اليهودية في القاهرة من عام 2017 إلى عام 2021 من خلال دوره كمستشار تاريخي للجالية اليهودية في القاهرة، وفق ما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل".

"عصر ذهبي"

أحد الأهداف الرئيسية للكتاب هو إظهار كيف أن "الجالية اليهودية كانت جزءا لا يتجزأ من المجتمع والثقافة والتاريخ المصري"، قال ميتال، متحدثا لصحيفة "تايمز أوف إسرائيل" من الولايات المتحدة، حيث يقضي العام الحالي كعضو في معهد الدراسات المتقدمة في جامعة برينستون.

يتناول جزء كبير من الكتاب ما يسميه ميتال "العصر الذهبي ليهود مصر"، وهي فترة تمتد من أواخر القرن التاسع عشر حتى خمسينيات القرن العشرين. تزامنت هذه الفترة إلى حد كبير مع الحكم البريطاني على مصر، والذي جلب المزيد من الحقوق والفرص للأقليات.

خلال أواخر القرن 19 وبداية القرن 20، تحولت الحياة اليهودية في القاهرة من خلال تدفق اليهود الأشكناز من أوروبا الشرقية، الذين كانوا متميزين عن اليهود الشرقيين والقرائين المحليين. 

وخلال نفس الفترة، تم بناء أحياء جديدة، مما مكن اليهود لأول مرة من إنشاء مراكز ومعابد يهودية جديدة خارج حدود القاهرة القديمة.

وقال الكاتب إنه وجد في سجلات الكنائس اليهودية "رسائل وشهادات محددة" تصف الهروب من مذبحة كيشينيف عام 1903 في فترة الإمبراطورية الروسية (في عاصمة جمهورية مولدوفا حالياً).

وقال إن "النظام الاستعماري" للحكم البريطاني أعطى الأقليات الأوروبية مزايا وحقوقا قانونية واقتصادية إذا هاجروا، وهكذا "أصبحت مصر مغناطيسا".

وكانت مصر مركزا تجاريا واقتصاديا رئيسيا في مطلع القرن 20، وقال ميتال إن هؤلاء الوافدين الجدد اندمجوا في "الجالية اليهودية القوية جدا التي كانت متواجدة في مصر" في ذلك الوقت.

كان مجتمع السفارديم، الذي يتحدث أعضاؤه اللغتين الفرنسية والعربية، تديره عائلات متماسكة من "أباطرة الأعمال اليهود"، الذين كانوا "روادا في تأسيس الصناعة والزراعة المصرية الحديثة" على حد تعبيره. 

وشاركت هذه العائلات الثرية أيضا في اقتصاد فلسطين العثمانية (ثم الانتداب البريطاني)، حيث اشترت العقارات وأرسلت التبرعات إلى الأعمال اليهودية هناك.

وقال ميتال إن الجالية اليهودية الثالثة في القاهرة، القرائيين، رفضوا القواعد والأدب الحاخامي، بما في ذلك التلمود، وبالتالي كانوا "طائفة مختلفة تماما عن اليهود الحاخاميين، وهو انشقاق يعود إلى العصور القديمة".

و"الطقوس الدينية القرائية مختلفة تماما. التقويم القرائي قمري، وأسماء العطلات مختلفة. هناك العديد من العادات المختلفة تماما عما يرتبط عادة باليهود الحاخاميين الهالاخيين"، وفق ميتال. 

وذكر ميتال أن القرائيين يتحدثون بشكل أساسي ويحتفظون بسجلات باللغة العربية و"عاشوا بشكل مشابه جدا لزملائهم المصريين. لقد نظروا لأنفسهم، واعتبرهم المصريون 'أبناء الأرض'".

وأضاف "حافظ القرائيون على معتقداتهم وعاداتهم لكنهم بنوا كنيسا جديدا. كما تركوا أقسامهم في الحي اليهودي واستقروا في أحياء جديدة، لذلك أصبحت الديناميكية الاجتماعية متشابهة بالنسبة للطوائف المختلفة". 

وشكلوا مجتمعات جديدة ومبان جديدة في الأحياء اليهودية القديمة في القاهرة، وهناك العديد من المعابد اليهودية القديمة مثل بن عزرا في حي الفسطاط.

وكنيس بن عزرا هو مصدر "جنيزة القاهرة" الشهيرة، وهي كنز دفين من الوثائق التاريخية والدينية.

ويشير الكتاب إلى أنه في نهاية القرن 19، "بدأ اليهود في مغادرة الأحياء القديمة واستقروا في الأحياء الجديدة في القاهرة. وحتى ذلك الوقت، كانت الغالبية العظمى من اليهود يعيشون في الحي اليهودي".

واشترت العائلات الثرية الأراضي وبنت الفيلات في الأحياء الراقية الجديدة مثل المعادي أو مصر الجديدة، بينما اشترت العائلات ذات الدخل المتواضع شققا في مناطق أخرى، حتى مع بقاء العديد من اليهود في الحي اليهودي القديم حيث عاشوا لأجيال. 

وقال ميتال إن هذا التغيير كان جزءا من "مواجهة الحداثة"، حيث "لم يعد الانتماء الديني هو المعيار للمكان الذي تعيش فيه". ومرت أقليات أخرى، بما في ذلك المسيحيون الأقباط والأرمن، بعملية مماثلة.

وقال ميتال إن اليهود "أقاموا معابد يهودية جديدة بالقرب من الأماكن التي انتقلوا إليها". ويتابع "إذا نظرت إلى الهندسة المعمارية والعناصر التي خزنتها هذه المعابد اليهودية، إذا نظرت إلى الأنشطة غير الدينية التي استضافتها، كل هذا يكشف عن التباين الاجتماعي والطرق المتنوعة التي تم بها بناء الهوية الاجتماعية والثقافية اليهودية الحديثة".

على سبيل المثال، في المعابد اليهودية الأقل ثراء، كان لكل مقعد لوحة تحمل رقما وليس اسما، لأن أفراد المجتمع لا يمكنهم التبرع بما يكفي لشراء مقعد دائم. ولكن في المجتمعات الميسورة، "لديك لوحة معدنية بأسماء محددة، وإذا نظرت إلى الأسماء بعناية، لديك خريطة اجتماعية للنخبة اليهودية في ذلك الوقت".

قال ميتال إن بحثه في السجلات التابعة للمعابد مكنه من إعادة بناء كيفية إقامة الجاليات اليهودية المختلفة في القاهرة لحفلات الزفاف وغيرها من النشاطات مما يوفر نافذة على "الاختلافات الاجتماعية والطبقية، من خلال المعابد اليهودية".

نهاية العصر الذهبي

وانتهى هذا "العصر الذهبي" في غضون جيل بعد "حرب الاستقلال" الإسرائيلية عام 1948، وفق الكتاب.

وكانت حرب عام 1948 حدثا رئيسيا في تاريخ المنطقة، وكانت مصر متورطة بشكل مباشر في الحرب مع إسرائيل الوليدة. عندها وجدت الجالية اليهودية نفسها في وضع صعب للغاية"، بحسب ميتال. 

ومع بدء الحرب، "تم اعتقال عدة مئات من اليهود، ومصادرة بعض الممتلكات، وأصبح الخطاب ضد اليهود أسوأ بكثير"، بحسب تعبيره.

ونتيجة لذلك، غادرت آلاف العائلات اليهودية مصر. 

وبين عامي 1948 و 1951، "هاجر حوالي ربع إجمالي المجتمع (اليهودي). أقل من نصف هؤلاء قرروا الوصول إلى إسرائيل".

وأطاح انقلاب عسكري عام 1952 بالنظام الملكي ووصل الزعيم القومي، جمال عبد الناصر، إلى السلطة. بعد أربع سنوات، قام عبد الناصر بتأميم قناة السويس وأدت الأزمة الناتجة إلى حرب السويس عام 1956 مع إسرائيل وفرنسا وبريطانيا.

وقال ميتال: "تم سجن آلاف الرجال اليهود الذين تراوحت أعمارهم بين 18 و60 عاما وصودرت العديد من الممتلكات" ، مما أدى إلى المزيد من الهجرة اليهودية. 

وفي الفترة من 1956 و 1962، "أفرغت الجالية اليهودية في مصر ... بقي بضعة آلاف فقط بعد عام 1962، وعانوا بعد حرب عام 1967. تم سجن العديد من الرجال وتعذيبهم، مما مثل نهاية المجتمع. معظم الذين كانوا لا يزالون في مصر غادروا البلاد في نهاية المطاف".

وبتشجيع من حكامه العسكريين، اعتبر المجتمع المصري، خاصة منذ حرب عام 1967، الإسرائيليين واليهود على حد سواء أعداء، ولكن في الآونة الأخيرة كان هناك اهتمام متجدد "رائع" بهذا التاريخ الغني، بحسب تعبير الكاتب.

وقال ميتال إنه بعد حركة الاحتجاج الجماهيرية في "الربيع العربي" بالفترة من 2010 إلى 2012، والتي أطاحت في مصر بالرجل القوي حسني مبارك من السلطة، "تعرض ملايين المصريين لتمثيلات للماضي اليهودي" من خلال سلسلة من المسلسلات التلفزيونية والأفلام الوثائقية والروايات والكتب التي تركز على اليهود والتي تم إنتاجها في مصر.

وأوضح ميتال أن هذه الأعمال الجديدة قدمت "وصفا مختلفا وإيجابيا للغاية" ليهود مصر يختلف عن "السرد القومي المهيمن" للحكومة وكان أيضا على النقيض من "السرد الإسلامي واسع الانتشار".

لكن الكاتب يخلص إلى أن الحرب الحالية والاضطرابات الإقليمية الحالية أوقفت تماما ما كان "اتجاها إيجابيا لإعادة تقييم الماضي اليهودي لمصر خلال العقدين الأولين من القرن الـ21".

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: المعابد الیهودیة الجالیة الیهودیة العصر الذهبی الیهودیة فی فی القاهرة العدید من من خلال فی ذلک فی مصر

إقرأ أيضاً:

وفد حماس يجري مشاورات في القاهرة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار

قالت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) إن وفدا برئاسة خليل الحية وصل القاهرة وبدأ لقاءات مع مسؤولين مصريين لمتابعة تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار.

وقال مصدر فلسطيني لوكالة الصحافة الفرنسية اليوم الأربعاء إن الوسطاء القطريين والمصريين يعملون بشكل مكثف لحل الأزمة المحيطة باتفاق وقف إطلاق النار في غزة، بعدما هددت إسرائيل باستئناف القتال إذا لم تفرج حركة حماس يوم السبت المقبل عن الرهائن المتفق عليهم.

وقال المصدر -الذي طلب عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول التصريح عن الامر- إن "الوسطاء على تواصل مع الطرف الأميركي.. ويعملون بشكل مكثف من أجل إنهاء الأزمة لإلزام إسرائيل بتنفيذ البروتوكول الإنساني في اتفاق وقف النار وبدء مفاوضات المرحلة الثانية".

وبدا وقف إطلاق النار مهددا في الأيام الأخيرة، حيث حذر رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو أمس الثلاثاء من أن جيشه سيستأنف الحرب إذا لم تطلق حماس سراح الرهائن السبت.

وقال في بيان "إذا لم تُعد حماس رهائننا بحلول ظهر يوم السبت، فإن وقف إطلاق النار سينتهي، وسيستأنف الجيش القصف المكثف حتى إنزال هزيمة حاسمة بحماس".

وشكل تهديده صدى لتهديد الرئيس الأميركي دونالد ترامب الذي توعد بفتح أبواب "الجحيم" إذا لم تفرج حماس عن "جميع" الرهائن الإسرائيليين لديها السبت.

إعلان

وأعلنت حماس الاثنين أنها لن تفرج عن الرهائن حتى تتوقف إسرائيل عن تعطيل الاتفاق وتعود إلى الالتزام به وتسمح بدخول المساعدات الإنسانية.

والأربعاء، ذكر رئيس المكتب الإعلامي الحكومي التابع لحماس في غزة سلامة معروف أنه تم تسجيل "أكثر من 270 جريمة جديدة من انتهاكات وخروقات ارتكبها جيش الاحتلال الصهيوني منذ دخول وقف إطلاق النار حيز التنفيذ".

وأضاف أن أبرز الخروقات "إطلاق النار على المواطنين وقتل 93 شهيدا وإصابة العشرات وعدم الإلتزام بالبروتوكول الإنساني".

مقالات مشابهة

  • وفد حماس يجري مشاورات في القاهرة بشأن اتفاق وقف إطلاق النار
  • أوكرانيا تعلن بشكل مفاجئ استعدادها لحل مع روسيا عبر تبادل الأراضي
  • وفاة حارسة مرمى كرة يد فرنسية بشكل مفاجئ
  • خبراء دوليون: العالم يشهد انتهاء ظاهرة المدير التقليدي
  • تاجيل محاكمة المتهمة بقتل طفله لسرقة قرطها الذهبي بالفيوم
  • «ترامب» يفرض رسوماً على واردات «الصلب والألومنيوم» وأوروبا تردّ «بشكل موحّد»
  • بشكل مفاجئ.. ترامب يأمر بتعليق وكالة حماية المستهلك
  • ممثلان يهوديان يحصلان على جوائز أفضل ممثل عن أدوارهم اليهودية
  • سفير ترامب يلوح باعتزام “المجنون” مطالبة السعودية بأراضي اليهود في الدرعية
  • اليهود هم الخطر الحقيقي على الأُمَّــة