لَمْ أعثر على ما يُلبِّي الإجابة عن متطلَّبات (ثقافة استهلاك الطعام) برغم أنَّ هذا العنوان كان مدرجًا على جدول قمَّة الغذاء التي انعقدت خلال الأسبوع الأخير من الشهر الماضي يوليو (تموز) في العاصمة الإيطاليَّة روما برعاية منظَّمة الأغذية والزراعة (الفاو)، وبحضور حشدٍ من الزعماء السِّياسيِّين، وخبراء يُمثِّلون 166 دولة ومنظَّمة، وبمئات العناوين المستلَّة من هذا الموضوع، شحةً، أو توفرًا، أو تسعيرةً، أو نوعيَّة التغذية المتوازنة صحيًّا، أو لمجرَّد ملء البطون.
لا شكَّ هناك تحذيرات من الإفراط بالأكل على الصحَّة الجسديَّة، ولكن لَمْ يتأسَّس منهج سلوكي يحكمه الالتزام، يتعلَّق بتقدير ما ينبغي أن تأكلَه تلافيًا للبقايا الزائدة التي باتت أحد أعباء نقص الغذاء، وهنا تكمن المفارقة بَيْنَ القائمتَيْنِ، الحسابيَّة، والأخلاقيَّة. لقَدِ ارتكز عدم الاهتمام الدولي بهذا النَّوع من الثقافة الاستهلاكيَّة الغذائيَّة، على ذريعة، أنَّ الأولويَّة ينبغي أن تُعطى لتوفير الطعام ووصوله إلى مَنْ لا يتوافر لهم، وهذا صحيح إلى حدٍّ ما، ولكن مقابل ذلك هناك عيِّنات إحصائيَّة تُشير إلى أنَّ فضلات الطعام تُعطي مؤشِّرات لاغية لفكرة العدالة.
لقَدْ (تميَّزت) دوَل وأقاليم على وقْع الولائم، وصار بذخ الموائد مفخرة المفاخر، يعرضها البعض للدلالة على أنَّه فارس الجميع في الإغداق الغذائي. ووفق المعطيات التي تمَّ بموجبها تنظيم جدول أعمال قمَّة الغذاء فإنَّ هناك خبراء حضروا المؤتمر وهم على بَيِّنَة من الإسراف المؤسف بالأطعمة التي تذهب هدرًا، وإنَّ المعالجة العادلة للأزمات المتكررة بشأن توفير الغذاء في العالَم تحتاج ضِمْنَ أولويَّاتها الأساسيَّة مراجعة الهدر في الموائد.
وبتوصيف آخر للعدالة، لو أنَّ الجميع يأخذ كفايته من الطعام على وفق حاجاته مِنه، فإنَّ من الحتمي أن يُسهمَ ذلك إلى حدٍّ ما في تحقيق أعلى درجات الترشيد، وعندها ستدخل البَشَريَّة في حسابات جديدة لتحقيق التضامن الغذائي العامِّ.
إنَّ وضع معايير لثقافة استهلاك الغذاء أمْرٌ لا مناصَ من تحقيقه، وإذا كانت هناك دعوات ملحَّة الآن لعدم ربط تجارة الغذاء بالخصومات السياسيَّة والأمنيَّة وتحريرها من الربح الفاحش فإنَّ وجود ثقافة استهلاكيَّة غذائيَّة متوازنة يُعدُّ واحدًا من شروط التصدِّي لأزمات الغذاء.
لقَدِ استهزأ الكثير من النَّاس عندما قاد بان كي مون الأمين العامُّ السابق للأُمم المُتَّحدة حملة دوليَّة لغسل اليدَيْنِ وتنظيفهما حماية من الأوبئة وتبَيَّنَ أنَّها كانت ضروريَّة جدًّا ظهرت موجباتها عندما ضرب وباء كورونا العالَم.
السؤال هنا: هل يُمكِن أن يَقودَ أنطونيو جوتيريش الأمين العامُّ الحالي حملة بعنوان (لا تأخذ إلَّا حاجتك من الطعام فقط)؟ الأمْرُ ممكن جدًّا، ولكن سيتعرَّض جوتيريش إلى حملة استهزاء على غرار ما حصل لبان كي مون، وربَّما ستقودها الشركات المتاجرة بالغذاء.
تُفيد المعطيات التي تمَّ بموجبها تنظيم جدول أعمال قمَّة الغذاء، بأنَّ هناك خبراء حضروا المؤتمر وهم على بَيِّنَة عالميَّة من الإسراف المؤسف للأطعمة التي تذهب هدرًا مُتوخِّين المعالجة العادلة مع وقفة دوليَّة تصون الالتزام بهذا التوجُّه. لا شكَّ ستنشغل البَشَريَّة حينها في حسابات جديدة لتحقيق التضامن الغذائي العامِّ، وستثبت مقاييس الشروط الأخلاقيَّة التي تصون الكرامة الإنسانيَّة. بخلاصة، العالَم بحاجة ماسَّة لثقافة استهلاكيَّة للغذاء يحكمها العدل، إحدى الضمَّادات اللازمة لمعالجة التدهور الذي ضرب الأولويَّات.
عادل سعد
كاتب عراقي
abuthara@yahoo.com
المصدر: جريدة الوطن
إقرأ أيضاً: