لا تكاد تمرُّ أيَّام، أو على الأكثر أسابيع، حتى تصدرَ قرارات بعقوبات جديدة على روسيا أو غيرها، خصوصًا من الولايات المُتَّحدة وبريطانيا. وأصبحت أخبار العقوبات الجديدة شِبْه روتينيَّة إلى الحدِّ الذي لَمْ تَعُدْ معه تحتلُّ مكانة متقدِّمة في أجندة المنافذ الإعلاميَّة. لكنَّ الأمْرَ لا يقتصر على مدى أهمِّية تلك القرارات بشأن العقوبات إعلاميًّا، إنَّما يتجاوز ذلك إلى النَّيْل من جدوى العقوبات ذاتها كسلاح في الصراع بَيْنَ الولايات المُتَّحدة وحلفائها ومَن تَعدُّهم يُمثِّلون تحدِّيًا لاستراتيجيَّاتها العالميَّة من الصين إلى روسيا وغيرهما.
لَمْ يبدأ استخدام سلاح العقوبات مؤخرًا، لكنَّه في البداية قَبل عقود قليلة كان يتمُّ استخدامه إلى جانب أسلحة الصراع الأخرى بما فيها العمل العسكري والدبلوماسي. أمَّا في السنوات الأخيرة فكان التوسُّع في ذلك السلاح الاقتصادي بديلًا تقريبًا عن الحرب المباشرة. واتَّسق ذلك مع زيادة أهمِّية الاقتصاد حتى على حساب السِّياسة. وليس أدلَّ على ذلك من أنَّ القدر الأكبر من عمل أجهزة الأمن والاستخبارات حَوْلَ العالَم أصبح يركِّز على الاقتصاد والمال والأعمال. ووصلَ الأمْرُ أنَّ «التجسُّس الاقتصادي» الذي كان في السَّابق محصورًا بَيْنَ الشركات المتنافسة أصبح في صميم عمل الحكومات ومؤسَّساتها. وهكذا أصبح سلاح العقوبات مكملًا لمنظومة تجعل الصراعات اقتصاديَّة أكثر مِنها عسكريَّة وسياسيَّة. لذا، شهدنا مع بداية المواجهة في أوكرانيا أقسى حزمة عقوبات اقتصاديَّة فرضتها الولايات المُتَّحدة وحلفاؤها الغربيون على روسيا بهدف شلِّ اقتصادها تمامًا وإجبار الكرملين على الرجوع عن ضمِّ مناطق من أوكرانيا. وتوالَتْ حزم العقوبات منذ العام الماضي حتى يكادَ يكُونُ «سلاح العقوبات» لدى الغرب على روسيا قَدْ نفدَ. بالتوازي، يفرض الغرب عقوبات على الصين في إطار صراع استراتيجي تقوده أميركا أيضًا. وربَّما كانت العقوبات على الصين أقلَّ نطاقًا وقوَّة من تلك على روسيا، لكنَّها أيضًا استمرار لعقوبات وقيود بدأت الإدارة الأميركيَّة السابقة فرضها على الصين بهدف وقف، أو على الأقل إبطاء، صعودها الاقتصادي السريع.
الواقع أنَّ الصين بدأت بالعمل على تعزيز قوَّتها الاقتصاديَّة، ثم أخذت تعمل على تطوير قدراتها العسكريَّة والدبلوماسيَّة وغيرها من أسباب القوَّة التي تُمكِّنها من أداء دَوْر على ساحة السِّياسة الدوليَّة. لكن الإفراط في استخدام سلاح العقوبات يبدو جليًّا أكثر في حالة العقوبات على روسيا حتى وصل الأمْرُ إلى حدٍّ يفوق الوفرة ويصل إلى مستوى الإغراق. والنتيجة الطبيعيَّة أنَّ تلك العقوبات أصبحت إلى حدٍّ ما غير مؤثِّرة، ليس فقط لامتصاص موسكو صدمة العقوبات الأولى غير المسبوقة وعدم انهيار اقتصادها كما كان الغرب يأمل. ولكن لأنَّ عدد الدوَل التي لَمْ تمتثل للمطالب الأميركيَّة والغربيَّة بالمشاركة في العقوبات من بدايتها آخذ في الزيادة. بل حتى بعض الدوَل التي تَسِير في ركاب أميركا والغرب لَمْ تَعُد تلتزم بكُلِّ حِزَم العقوبات المفروضة على موسكو أو أغلبها أو بعضها. وهكذا بدأ تأثير تلك العقوبات يقلُّ بشكلٍ مطَّرد. وتلك نتيجة طبيعيَّة للإغراق الذي يقلِّل القِيمة، مِثلما يحدث في السلع حين تزيد وفرتها في السوق إلى حدِّ الإغراق فتنهار قيمتها/سعرها.
لَمْ يقتصر الإغراق في استخدام سلاح العقوبات على عددها ومداها وحجمها، الذي نسمع به كُلَّ أسبوع تقريبًا، خصوصًا على روسيا وإلى حدٍّ أقلَّ على الصين. بل إنَّ قوى ودوَلًا أخرى بدأت تلجأ لذلك السلاح الاقتصادي كبديل للتدخل العسكري وليس بالتوازي معه. ففي النهاية هناك حرب بَيْنَ روسيا والغرب في أوكرانيا، وحتى بالنسبة للصين هناك توتُّر حَوْلَ تايوان وتنافُس إلى حدِّ الصراع في إنتاج الأسلحة الاستراتيجيَّة وغزو الفضاء. أمَّا على سبيل المثال، فإنَّ استخدام سلاح العقوبات ضدَّ القوى المتحاربة في السودان لا يبدو ذا أثَر تقريبًا. ليس لأنَّ القوى والدوَل التي تفرض تلك العقوبات تستعيض بالسلاح الاقتصادي تمامًا عن أيِّ تدخُّل عسكري، ولكن لأنَّ السودان بالفعل خاضع لعقوبات منذ سنين طويلة، وبالتالي لا معنى لفرض عقوبات جديدة. وفي أحدث إفراط لاستخدام سلاح العقوبات ما أعلنته المجموعة الاقتصادية لدوَل غرب إفريقيا (إيكواس) ضدَّ النيجر عقب الانقلاب العسكري فيها قَبل أيَّام. بل إنَّ نيجيريا أعلنت فيما بعد عن فرض عقوبات على قوى معيَّنة في النيجر.
الخلاصة، أنَّه كُلَّما توسَّعت القوى والدوَل في فرض العقوبات على غيرها كسلاح في الصراعات قلَّت أهمِّية ذلك السلاح وفقَدَ فاعليَّته. بالأساس بسبب الإغراق، وأيضًا لأنَّ تطبيق تلك العقوبات يفتر بالإفراط فيها. ومن الصعب ألَّا تتصوَّرَ بقيَّة الدوَل المطلوب مشاركتها في العقوبات أنَّها قَدْ تصبح في أيِّ لحظة هدفًا لذلك السلاح من قِبل القوى والدوَل التي تفرضه. وذلك كافٍ كَيْ تتردَّدَ تلك الدوَل في المشاركة فيها ما يضعف فاعليَّته أكثر.
د.أحمد مصطفى أحمد
كاتب صحفي مصري
mustafahmed@hotmail.com
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: العقوبات على عقوبات على على روسیا على الصین إلى حد التی ت
إقرأ أيضاً:
الإمارات في الصدارة.. القيمة التسويقية لمنتخبات "خليجي 26"
تبلغ القيمة التسويقية لجميع لاعبي المنتخبات المشاركة في بطولة كأس الخليج العربي "خليجي 26"، حوالي 120.1 مليون يورو، وذلك حسب موقع "ترانسفير ماركت".
يشارك في البطولة 8 منتخبات هي "الإمارات، الكويت البلد المضيف، السعودية، العراق، البحرين، قطر، اليمن، وسلطنة عمان".
ويتصدر منتخب الإمارات القيمة السوقية لمنتخبات البطولة، بـ37.30 مليون يورو، يليه المنتخب السعودي بـ27.10 مليون يورو.
وحل المنتخب القطري ثالثاً من حيث القيمة السوقية بـ19.58 مليون يورو، بينما جاء المنتخب العراقي حامل لقب النسخة الماضية في الترتيب الرابع في القائمة بـ10.95 مليون يورو.
وجاء المنتخب البحريني خامساً بـ9.83 مليون يورو، ثم الأحمر العماني سادساً في الترتيب بـ9.43 مليون يورو.
وبلغت القيمة التسويقية لمنتخب الكويت صاحب الأرض والجمهور 4 ملايين يورو، حل بها في الترتيب السابع لأغلى منتخبات البطولة، قبل المنتخب اليمني متذيل الترتيب بمليوني يورو فقط.
ترتيب المنتخبات من حيث القيمة السوقية في خليجي 26:
1- منتخب الإمارات: 37.30 مليون يورو
2- منتخب السعودية: 27.10 مليون يورو
3- منتخب قطر: 19.58 مليون يورو
4- منتخب العراق: 10.95 ملايين يورو
5 منتخب البحرين: 9.83 ملايين يورو
6- منتخب عمان: 9.43 ملايين يورو
7- منتخب الكويت: 4 ملايين يورو
8- منتخب اليمن: مليونا يورو
أكرم عفيف الأعلى قيمة تسويقية:
على مستوى اللاعبين، يبرز اسم نجم وصانع ألعاب المنتخب القطري أكرم عفيف، كأعلى اللاعبين من ناحية القيمة التسويقية بـ7.50 مليون يورو وفقاً لـ "ترانسفير ماركت".
ويحل مهاجم منتخب الإمارات فابيو ليما ثانياً بقائمة الأعلى قيمة التسويقية بـ7 ملايين يورو، متفوقاً على لاعب منتخب السعودية فراس البريكان التي تقدر قيمته التسويقية بـ5 ملايين يورو.
ويتواجد نجم منتخب السعودية سعود عبدالحميد ولاعب روما الإيطالي بالمركز الرابع بقيمة تصل إلى 4 ملايين يورو، متقدماً على مهاجم منتخب قطر المعز علي بـ3.50 مليون يورو.
ويحتل ثنائي منتخب اليمن رضوان الحبيشي وطارق شهاب المراكز الأخيرة بالقائمة، حيث تقدر قيمة كلاً منهما التسويقية بـ 25 ألف يورو.