جريدة الوطن:
2025-05-03@04:51:53 GMT

بكين والسياسة الناعمة

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

بكين والسياسة الناعمة

جاءت زيارة وزير الخارجيَّة الأميركي (أنتوني بلينكن) قَبل فترة إلى بكين، بعد تأجيل طال واستطال، إثْر ما أسمته واشنطن واقعة «منطاد التجسُّس الصيني» الذي دخل أجواءها، قَبل نَحْوِ ستَّة شهور مضت، وتحديدًا في شباط/فبراير 2023، وما استتبعه من تصعيد إعلامي مُتبادل واتِّهامات، بل وتسخين عسكري أميركي في بحر الصين ومضيق تايوان قرب الشواطئ السياديَّة لجمهوريَّة الصين الشَّعبيَّة.


فقَدْ بدأ وزير الخارجيَّة الأميركي، أنتوني بلينكن، محادثات في الصين الشَّعبيَّة، وهي الزيارة الأعلى مستوى لدبلوماسي أميركي منذ نَحْوِ خمس سنوات للصين الشَّعبيَّة. وبجدول أعمال كان زاخمًا بالملفات والعناوين، حيث تُشدِّد بكين على الخطوات التي اتَّخذتها على الصعيد الدبلوماسي لتعزيز موقفها الرافض لمنطق القوَّة الأميركي التي تستعرض حالها في بحر الصين والعلاقات العسكريَّة التسليحيَّة (التحالفيَّة) مع تايوان، وتزويد الأخيرة بالعتاد المُتطوِّر في مواجهة بكين، خصوصًا سلاح الطيران والصواريخ.
وفي الحقيقة، إنَّ المسائل الخلافيَّة بَيْنَ بكين وواشنطن عميقة ومتعدِّدة ولها أكثر من وجْه: اقتصاديَّة، تجارية، عسكريَّة، أمنيَّة، صراعات قوى دوليَّة…إلخ. وتلخّص الصراع الدائر في الخريطة الدوليَّة، بَيْنَ عالَم ينحو نَحْوَ القطبيَّة المُتعدِّدة، وبَيْنَ مَن يدافع عن القطبيَّة الأحاديَّة. ولا ننسى في هذا المقام الصراع الاقتصادي والتجاري بَيْنَ واشنطن وبكين، والحديث المتواتر عن التَّخلِّي الصيني والروسي التَّدريجي عن الدولار، وتوقيع الصين الشَّعبيَّة والسعوديَّة على أربع وثلاثين اتفاقيَّة، بقيمة حوالي ثلاثين مليار دولار، في قِطاعات التكنولوجيا والطاقة المُتجدِّدة والزراعة والعقارات والتعدين والسِّياحة والرعاية الصحيَّة، فضلًا عن صفقة استثمارات بقيمة عشرة مليارات دولار، كذلك الحال مع طهران، حيث تعتمد بكين، وباعتبارها ثاني مُستهلك للطاقة الأحفوريَّة في العالَم على النفط الإيراني والسعودي بشكلٍ أساسي، وعلى الغاز الروسي.
وبالإجمال، ينظر الجانبان الصيني والأميركي إلى الزيارة التي تمَّت لوزير الخارجيَّة الأميركي على أنَّها خطوة، لا يُمكِن اعتبارها قادرة على إحداث أيِّ خرق حقيقي وجدِّي في مسار العلاقات بَيْنَ بكين وموسكو، لكنَّها تُرطب الأجواء نسبيًّا، وقَدْ تمهِّد لزيارات مسؤولين آخرين، تكُونُ ذات أهمِّية أكبر، وتحديدًا لعقد قمَّة طال انتظارها بَيْنَ الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره الصيني الرئيس القوي (شي جين بينج).
أخيرًا، إنَّ عدَّة أطراف دوليَّة مؤثِّرة في جنوب شرق آسيا، وعلى مقربة من الواقع الجيوسياسي في تلك المنطقة، تتوجَّس في شأن ما يجري بشأن الوضع المتوتِّر بشأن مسألة تايوان وبحر الصين الجنوبي، وتسعى لخلق فاعليَّة أكثر نجاعة في بناء قنوات اتِّصال بَيْنَ بكين وواشنطن لنزع فتيل التوتُّرات الحاليَّة في منطقة بحر الصين الجنوبي، التي قَدْ تتصاعد خلال أيِّ أزمة محتملة، ومن جملتها ما يجري بَيْنَ السُّفن البحريَّة الأميركيَّة (العسكريَّة) والطائرات في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي. فيما الاتِّهامات الأميركيَّة تطول بكين، ومِنها أنَّها باتتْ تمتلك «قاعدة تجسُّس» أنشأتها في كوبا، تقول واشنطن بأنَّ تلك القاعدة تسمح لبكين بالقدرة على مراقبة الاتِّصالات على امتداد جنوب شرق الولايات المُتَّحدة.
إنَّ سياسة بكين تتَّسم بالدبلوماسيَّة الهادئة، التي تتجنَّب عمليَّة «المكابشة» في المواجهة، لكنَّها طويلة النَّفْس، بل وقاسية حتى بنعومتها.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
ali.badwan60@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة الأمیرکی بحر الصین

إقرأ أيضاً:

هل تمثل سندات الدين العام الأمريكي سلاحًا فعّالا بيد بكين؟

نشرت صحيفة "لوبوان" الفرنسية تقريراً سلطت فيه الضوء على علاقة الدَيْن العام الأمريكي بالتوازن الجيوسياسي بين الولايات المتحدة والصين، موضحة أن الصين تملك ما يمثل 2.6 بالمئة من الدين العام الأمريكي، وهو ما يحدّ من قدرتها على التأثير في سياسات واشنطن.

وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن تحليل موقع الدين العام الأمريكي في الصراع بين القوتين العظميين، يساعد في تقييم الوضع المالي للولايات المتحدة، ومدى صحة القول بأن الصين "تمتلك أمريكا" من خلال حيازتها لسندات الخزانة الأمريكية.

في عام 2020، بلغ معدل الدين العام الأمريكي إلى الناتج المحلي الإجمالي مستوى مماثلاً لذلك الذي سُجل في نهاية الحرب العالمية الثانية.

وذكرت الصحيفة أن الدين العام الأمريكي اتخذ منذ عام 1981 منحى تصاعديًا، مع انخفاض طفيف في التسعينيات، مؤكدة أن الحروب، مثل حرب العراق، والأزمات الاقتصادية مثل أزمة الرهن العقاري وأزمة كوفيد-19، أسهمت في زيادة الدين من 62 بالمئة عام 2007 إلى 120 بالمئة عام 2024.

كما أن خطة التحول البيئي والاستثمار في الطاقات البديلة التي أطلقها الرئيس الأمريكي السابق جو بايدن بعد الجائحة ساهمت في إبقاء الدين على مستواه المرتفع.

تطور هيكل الدين
بلغ الدين الفيدرالي مع نهاية 2024 نحو 36 تريليون دولار، منها 80 بالمئة مملوكة لمستثمرين محليين وأجانب (يُعرف بالدين الذي تحتفظ به العامة)، و13 بالمئة لدى البنك الاحتياطي الفيدرالي، و7 بالمئة موزعة بين الوكالات الحكومية والضمان الاجتماعي. وكانت نسبة الدين الذي تحتفظ به العامة تبلغ 60 بالمئة عام 2000.

هذا الدين الذي يتم تداوله عبر الأسواق المالية يُعد مصدرا رئيسيا لتمويل النفقات العامة، ويملكه أفراد وشركات وصناديق تقاعد وصناديق استثمار، بالإضافة إلى دول أجنبية. غير أن الاعتماد على التمويل الخارجي قد يؤدي إلى تقليص الاستثمار الخاص وزيادة تقلبات الاقتصاد.



وأوضحت الصحيفة بأنه بين عامي 2019 و2023، ارتفعت حيازة الأجانب للدين الأمريكي بشكل عام، لكنها شهدت تراجعًا في 2022، ثم قفزت مجددًا في 2023. ومع أن الذروة كانت عام 2011، حيث شكّلت الحيازة الأجنبية 49 بالمئة من الدين العام الذي تحتفظ به العامة، إلا أن هذه النسبة انخفضت إلى 31 بالمئة في 2023، ما يعادل 25 بالمئة من إجمالي الدين.

اليابان في الصدارة
أضافت الصحيفة أنه في سياق التوترات بين الولايات المتحدة والصين، يجدر التذكير بأن أكبر ثلاثة حائزين أجانب للدين الفيدرالي الأمريكي هم: اليابان (1100 مليار دولار)، الصين (800 مليار دولار)، والمملكة المتحدة (700 مليار دولار).

وحسب هذه الأرقام، امتلكت اليابان عام 2023 حوالي 14.3 بالمئة من الاستثمارات الأجنبية في الولايات المتحدة، والصين نحو 10 بالمئة، والمملكة المتحدة 8.5 بالمئة.



بذلك، تمتلك الصين نحو 2.6 بالمئة من إجمالي الدين الأمريكي، وهي نسبة مهمة لكنها لا تُخول لبكين -حسب الصحيفة- التحكم في السياسات الأمريكية، وإذا حاولت الصين بيع هذه السندات لإضعاف واشنطن، ثمة دول أخرى قد تستحوذ عليها.

الصين والاعتماد على الدولار
وأوضحت الصحيفة أن الصين تعتمد بدرجة كبيرة على الدولار، إذ تربط به عملتها (اليوان) بهدف تثبيت سعر الصرف والحفاظ على تنافسية صادراتها، وامتلاك سندات الخزانة الأمريكية يمكّنها من امتلاك احتياطيات كبيرة من الدولار. وإذا فقد العالم الثقة بالدولار، فإن الثقة باليوان ستتضرر كذلك.

ومن ناحية أخرى، إذا قامت الصين ببيع سنداتها في الخزانة الأمريكية بشكل مفاجئ، سيؤدي ذلك إلى انخفاض قيمة الدولار، وارتفاع قيمة اليوان، ما سيقلل من القدرة التنافسية للصادرات الصينية.

وخلصت الصحيفة إلى أن الدين الأمريكي لا يعدّ ورقة مؤثرة في خضم الصراع بين الولايات المتحدة والصين، لأن اعتماد واشنطن على بكين في هذا المجال محدود، ما يعني أن الصين لا "تمتلك" أمريكا، بل تحتاج هي نفسها إلى استقرار الدولار.

مقالات مشابهة

  • بكين منفتحة للتفاوض حول الرسوم .. إذا صححت واشنطن ممارساتها السيئة
  • الإعلام الصيني: إدارة ترامب تحاول بدء التفاوض على الرسوم الجمركية
  • التلفزيون الصيني: أميركا تواصلت مع بكين لبدء محادثات الرسوم
  • إدارة ترامب تضغط على بكين للتفاوض معها بشأن الرسوم الجمركية
  • هل تمثل سندات الدين العام الأمريكي سلاحًا فعّالا بيد بكين؟
  • شي: الاقتصاد الصيني يجب أن يتكيف مع التغيرات الخارجية
  • ترامب يُقلّص دمى الأطفال ليُوسّع الضغط على بكين
  • حرب تجسسية بين ألمانيا والصين.. بكين تنفي بعد اتهامات صريحة من برلين
  • سعود بن صقر يستقبل السفير الصيني
  • البديري .. القوة الناعمة أداة استراتيجية للانتقال من التطرف إلى التسامح