جريدة الوطن:
2024-09-19@10:23:03 GMT

بكين والسياسة الناعمة

تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT

بكين والسياسة الناعمة

جاءت زيارة وزير الخارجيَّة الأميركي (أنتوني بلينكن) قَبل فترة إلى بكين، بعد تأجيل طال واستطال، إثْر ما أسمته واشنطن واقعة «منطاد التجسُّس الصيني» الذي دخل أجواءها، قَبل نَحْوِ ستَّة شهور مضت، وتحديدًا في شباط/فبراير 2023، وما استتبعه من تصعيد إعلامي مُتبادل واتِّهامات، بل وتسخين عسكري أميركي في بحر الصين ومضيق تايوان قرب الشواطئ السياديَّة لجمهوريَّة الصين الشَّعبيَّة.


فقَدْ بدأ وزير الخارجيَّة الأميركي، أنتوني بلينكن، محادثات في الصين الشَّعبيَّة، وهي الزيارة الأعلى مستوى لدبلوماسي أميركي منذ نَحْوِ خمس سنوات للصين الشَّعبيَّة. وبجدول أعمال كان زاخمًا بالملفات والعناوين، حيث تُشدِّد بكين على الخطوات التي اتَّخذتها على الصعيد الدبلوماسي لتعزيز موقفها الرافض لمنطق القوَّة الأميركي التي تستعرض حالها في بحر الصين والعلاقات العسكريَّة التسليحيَّة (التحالفيَّة) مع تايوان، وتزويد الأخيرة بالعتاد المُتطوِّر في مواجهة بكين، خصوصًا سلاح الطيران والصواريخ.
وفي الحقيقة، إنَّ المسائل الخلافيَّة بَيْنَ بكين وواشنطن عميقة ومتعدِّدة ولها أكثر من وجْه: اقتصاديَّة، تجارية، عسكريَّة، أمنيَّة، صراعات قوى دوليَّة…إلخ. وتلخّص الصراع الدائر في الخريطة الدوليَّة، بَيْنَ عالَم ينحو نَحْوَ القطبيَّة المُتعدِّدة، وبَيْنَ مَن يدافع عن القطبيَّة الأحاديَّة. ولا ننسى في هذا المقام الصراع الاقتصادي والتجاري بَيْنَ واشنطن وبكين، والحديث المتواتر عن التَّخلِّي الصيني والروسي التَّدريجي عن الدولار، وتوقيع الصين الشَّعبيَّة والسعوديَّة على أربع وثلاثين اتفاقيَّة، بقيمة حوالي ثلاثين مليار دولار، في قِطاعات التكنولوجيا والطاقة المُتجدِّدة والزراعة والعقارات والتعدين والسِّياحة والرعاية الصحيَّة، فضلًا عن صفقة استثمارات بقيمة عشرة مليارات دولار، كذلك الحال مع طهران، حيث تعتمد بكين، وباعتبارها ثاني مُستهلك للطاقة الأحفوريَّة في العالَم على النفط الإيراني والسعودي بشكلٍ أساسي، وعلى الغاز الروسي.
وبالإجمال، ينظر الجانبان الصيني والأميركي إلى الزيارة التي تمَّت لوزير الخارجيَّة الأميركي على أنَّها خطوة، لا يُمكِن اعتبارها قادرة على إحداث أيِّ خرق حقيقي وجدِّي في مسار العلاقات بَيْنَ بكين وموسكو، لكنَّها تُرطب الأجواء نسبيًّا، وقَدْ تمهِّد لزيارات مسؤولين آخرين، تكُونُ ذات أهمِّية أكبر، وتحديدًا لعقد قمَّة طال انتظارها بَيْنَ الرئيس الأميركي، جو بايدن، ونظيره الصيني الرئيس القوي (شي جين بينج).
أخيرًا، إنَّ عدَّة أطراف دوليَّة مؤثِّرة في جنوب شرق آسيا، وعلى مقربة من الواقع الجيوسياسي في تلك المنطقة، تتوجَّس في شأن ما يجري بشأن الوضع المتوتِّر بشأن مسألة تايوان وبحر الصين الجنوبي، وتسعى لخلق فاعليَّة أكثر نجاعة في بناء قنوات اتِّصال بَيْنَ بكين وواشنطن لنزع فتيل التوتُّرات الحاليَّة في منطقة بحر الصين الجنوبي، التي قَدْ تتصاعد خلال أيِّ أزمة محتملة، ومن جملتها ما يجري بَيْنَ السُّفن البحريَّة الأميركيَّة (العسكريَّة) والطائرات في مضيق تايوان أو بحر الصين الجنوبي. فيما الاتِّهامات الأميركيَّة تطول بكين، ومِنها أنَّها باتتْ تمتلك «قاعدة تجسُّس» أنشأتها في كوبا، تقول واشنطن بأنَّ تلك القاعدة تسمح لبكين بالقدرة على مراقبة الاتِّصالات على امتداد جنوب شرق الولايات المُتَّحدة.
إنَّ سياسة بكين تتَّسم بالدبلوماسيَّة الهادئة، التي تتجنَّب عمليَّة «المكابشة» في المواجهة، لكنَّها طويلة النَّفْس، بل وقاسية حتى بنعومتها.
علي بدوان
كاتب فلسطيني
عضو اتحاد الكتاب العرب
دمشق ـ اليرموك
ali.badwan60@gmail.com

المصدر: جريدة الوطن

كلمات دلالية: ة الأمیرکی بحر الصین

إقرأ أيضاً:

زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني الخليجية تحقق نتائج مُثمرة

 

 

تشو شيوان **

اختتمت مساء يوم الجمعة الماضي زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ إلى السعودية والإمارات التي استغرقت أربعة أيام، ولا شك أنَّها حققت نتائج مُثمرة لتعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين الصين ودول الشرق الأوسط، إضافة إلى ضخ قوة إيجابية للحفاظ على السلام والتنمية والاستقرار في المنطقة خصوصًا لما تمر به من تحديات كبرى تتطلب حلولاً وشراكات كبرى.

خلال الزيارة إلى السعودية، أجرى رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ محادثات مع ولي العهد ورئيس الوزراء السعودي الأمير محمد بن سلمان، وشارك في رئاسة الاجتماع الرابع للجنة المشتركة الصينية السعودية رفيعة المستوى، كما أجرى مناقشات مع ممثلي مجتمع الأعمال السعودي. وقال لي تشيانغ إن الصين تضع تطوير العلاقات مع المملكة العربية السعودية كأولوية في دبلوماسيتها الشاملة وخاصة في الشرق الأوسط، وإن الصين مستعدة للعمل مع السعودية لدعم بعضهما البعض بقوة، وتعزيز دور آلية اللجنة رفيعة المستوى، وتحقيق تنمية جديدة وأكبر للعلاقات الثنائية. ويتعين على الجانبين زيادة توسيع حجم التجارة الثنائية، وتشجيع شركاتهما على الاستثمار، والحفاظ بشكل مشترك على استقرار سلسلة الإنتاج والتوريد العالمية. ترغب الصين في تنظيم فعالية "العام الثقافي الصيني السعودي 2025" مع السعودية، وتعزيز التبادل والتعاون الشعبي والثقافي، ومواصلة تعزيز التفاهم والترابط بين الشعبين.

وتأمل الصين أن تواصل الشركات السعودية التعمق في السوق الصينية والاستثمار بقوة أكبر في الصين. وفي هذا الصدد، تعمل الحكومة الصينية على زيادة تسهيل الوصول إلى الأسواق، وتنفيذ الرفع الشامل للقيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في قطاع التصنيع، وتوفير ضمانات الخدمة للشركات الأجنبية، حتى تتمكن الشركات الأجنبية من ترسيخ جذورها في الصين والفوز في الصين. وأثناء زيارته هذه المرة، التقى لي تشيانغ أيضًا جاسم البديوي الأمين العام لمجلس التَّعاون لدول الخليج العربية، وأعرب عن استعداد الصين لتعزيز تنسيق السياسات مع مجلس التعاون لدول الخليج العربية من خلال آليات مثل الحوار الاستراتيجي بين الصين ودول مجلس التعاون الخليجي، ودعم دول المنطقة لحل الخلافات والنزاعات عبر الحوار والتشاور وتحقيق صداقة حسن الجوار الدائمة.

وخلال زيارته إلى الإمارات، التقى رئيس مجلس الدولة لي تشيانغ بالشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، وأجرى محادثات مع نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وحضر منتدى الأعمال الصيني الإماراتي. وأشار لي تشيانغ إلى أنَّ الصين والإمارات شريكان حميمان على طريق التنمية المشتركة، وأن تعزيز التعاون العملي يصالح المصالح الأساسية للطرفين. ولطالما وضعت الصين الإمارات العربية المتحدة كأولوية في دبلوماسيتها في الشرق الأوسط، وهي على استعداد لمواصلة العمل مع الإمارات للمضي قدمًا جنبًا إلى جنب، ودعم بعضهما البعض، وبناء أساس سياسي متين للعلاقات الثنائية ومواصلة تكثيفها، والتعاون في مختلف المجالات لتستمر العلاقات بين البلدين في التجدد وتحقيق المزيد من الحيوية. ويتعين على الجانبين زيادة استغلال إمكانات التعاون وتوسيع نطاق التجارة الثنائية وإيجاد المزيد من نقاط النمو الاقتصادي الجديدة وتعزيز التنمية المستدامة لكل منهما.

وعلى هذا الأساس، ترغب الصين في تعميق الشراكة الإستراتيجية الشاملة بين البلدين، وذلك من خلال اغتنام الفرص الجديدة للبناء المشترك عالي الجودة لمبادرة "الحزام والطريق"، واغتنام الفرص الجديدة للتكامل الوثيق بين استراتيجيات التنمية الصينية والإماراتية، واغتنام الفرص الجديدة للابتكار في الصناعة العلمية والتكنولوجية، لجذب مزيد من الاستثمارات لكلا البلدين.

لقد شهدت العلاقات بين الصين والدول العربية تطورًا مُستمرًا بشكل ملحوظ خلال السنوات الماضية؛ حيث أقيمت الدورة الأولى من القمة الصينية العربية في ديسمبر عام 2022، ومن المتوقع أن تعقد الدورة الثانية من القمة الصينية العربية عام 2026، وقد أصبحت الصين تهتم بتعميق العلاقات مع الدول العربية على المستويات كافة، وخاصة لدول الخليج العربية، ومن المؤكد أن الصين ودول الخليج العربية ستودي دورًا أكبر على الساحة الدولية وتساهم في تحسين الحوكمة العالمية في المستقبل.

** صحفي في مجموعة الصين للإعلام، متخصص بالشؤون الصينية وبقضايا الشرق الأوسط والعلاقات الصينية- العربية

رابط مختصر

مقالات مشابهة

  • بسبب تايوان.. الصين تفرض عقوبات على 9 شركات أميركية
  • تايوان أم المجر.. أين صُنعت أجهزة البيجر التي انفجرت بحزب الله اللبناني؟
  • عروض مذهلة لألوان الفوانيس باحتفالات مهرجان القمر في بكين.. فيديو
  • اختراق مخابراتي غير مسبوق والشحنة ملغمة قادمة من تايوان… هذه الطريقة التي فجرت بها أجهزة الاتصال في لبنان
  • أجهزة الاتصال التي انفجرت بأيدي عناصر حزب الله في لبنان فخختها إسرائيل ومصدرها تايوان
  • هذه الطريقة التي فجرت بها أجهزة الاتصال في لبنان.. شحنة ملغمة قادمة من تايوان
  • زيارة رئيس مجلس الدولة الصيني الخليجية تحقق نتائج مُثمرة
  • عفو مُعلّق ومفاوضات مُعقّدة: العدل والسياسة يتشابكان في قاعة البرلمان
  • «الصيد» تبحث تنظيم عمليات الاستيراد والتصدير مع الملحق التجاري في بكين
  • مجلس شؤون خدمة المجتمع بجامعة الفيوم: منح مقدمة من سفارة الصين لحضور دورات تدريبية للعلاج الصيني التقليدي