فرنسا وبريطانيا: الشرق الأوسط أقرب للحرب أكثر من أي وقت مضى
تاريخ النشر: 18th, August 2024 GMT
سرايا - بينما لا يزال الغموض سيد الموقف حول المفاوضات التي جرت الجمعة، وقبله في الدوحة بشأن وقف النار في غزة، وسط سعي واشنطن إلى الانتهاء من اتفاق جديد عن الهدنة أواخر الأسبوع المقبل، في ختام المحادثات المرتقبة في القاهرة، أطل بيان فرنسي بريطاني.
خطر قريب جداً
فقد أعلن البلدان أن الشرق الأوسط بات أمام خطر اندلاع صراع أكثر من أي وقت مضى، مشيرين إلى التوترات مع إيران والتصعيد جنوب لبنان.
وأضافتا في بيان، السبت، أنهما حضتا إيران ووكلاءها على التراجع عن تهديداتهم، مشددتين على دعم جهود التوصل إلى اتفاق التبادل والتهدئة في غزة.
كما اعتبرتا أن حل الدولتين فقط يمكن أن يجلب السلام العادل لإسرائيل والفلسطينيين.
وشددتا على أن للجميع مصلحة في استقرار المنطقة ككل، ولدى الجميع مسؤولية محددة لدعم إنهاء التصعيد الحالي، وضمان سلام دائم لصالح الإسرائيليين والفلسطينيين والمنطقة بأكملها.
كما أكدتا على وجوب أن تضغط كل الأطراف من أجل وقف التصعيد الآن، مع دعم الجهود لوقف إطلاق النار، واتفاق إطلاق سراح المحتجزين والأسرى بقيادة الولايات المتحدة ومصر وقطر.
وأكدتا أن الوضع لم يعد يحتمل إضاعة أي فرص من شأنها أن تنهي الحرب الإسرائيلية المستمرة منذ 10 أشهر على القطاع المحاصر.
أتى هذا البيان المشترك بينما كشف مسؤولون أميركيون أن الرئيس الأميركي جو بايدن يسعى لإبرام اتفاق يهدف إلى التوصل لاتفاق حول غزة بحلول نهاية الأسبوع المقبل، بينما يحاول أيضًا ردع إيران وحزب الله عن شن هجوم على إسرائيل يمكن أن يقوض هذه الجهود.
كما أكد أحد المسؤولين المطلعين أن اتفاق التبادل ووقف النار في القطاع الفلسطييني أصبح جاهزا للتنفيذ، حسب ما نقل موقع "أكسيوس"، السبت.
وأوضح أن المقترح الجديد الذي طرح خلال مفاوضات الدوحة أفضل الممكن في الوقت الحالي، مضيفاً أنه يضمن الإفراج عن المحتجزين وتخفيف المعاناة في غزة.
المفاوضات مستمرة
يشار إلى أن الوسطاء المصريين والقطريين والأميركيين كانوا أعلنوا في بيان مشترك عقب انتهاء مفاوضات الدوحة، مساء الجمعة، أن جولة أخرى ستستأنف الأسبوع المقبل في القاهرة.
كما كشفوا أن مقترحا جديدا طرح على الطاولة بهدف سد الثغرات، لافتين إلى أن الأجواء إيجابية.
علماً أن بعض القياديين في حركة حماس أشاروا إلى أن الأجواء الإيجابية التي تحاول الإدارة الأميركية نشرها "واهمة".
وأكد أحد قياديي الحركة أن المقترح الأميركي يحمل شروطا وتعديلات إسرائيلية جديدة لم تطرح في محادثات يوليو الماضي، التي ناقشت خطة أعلنها بايدن يوم 27 مايو. ونصت حينها على ثلاث مراحل تشمل وقفا للنار، وانسحابا للقوات الإسرائيلية من المناطق المأهولة في غزة، وإدخال مساعدات، وإطلاق أسرى فلسطينيين من السجون الإسرائيلية.
ويسابق الوسطاء الوقت من أجل حث الطرفين إسرائيل وحماس على التوصل لاتفاق يفضي إلى تبادل المحتجزين والأسرى، ويخفف التصعيد غير المسبوق في المنطقة، وسط توعد إيران بضرب إسرائيل ردا على اغتيالها رئيس المكتب السياسي لحماس في طهران يوم 31 يوليو الماضي.
المصدر: وكالة أنباء سرايا الإخبارية
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
ردع الحوثي: خيار إستراتيجي نحو الاستقرار في الشرق الأوسط
"الجغرافيا هي العامل الأكثر أهمية في السياسة الخارجية لأنها العامل الأكثر ديمومة" بهذه العبارات حدد الأميركي نيكولاس سبيكمان أستاذ العلاقات الدولية وأحد مؤسسي المدرسة الواقعية الكلاسيكية في السياسة الخارجية الأمريكية في كتابه الشهير "جغرافية السلام" الدور المحوري للجغرافيا في صناعة القرار العالمي حيث خلصت أبحاثه إلى أن فهم الجغرافيا وأهميتها يساعد بشكل كبير على فهم الديناميكيات التي تؤثر على الاستقرار والسلام في عالم يعج بالمخاطر والأزمات.
الهجوم الأمريكي على أهداف عسكرية تابعة لميليشيا الحوثي في اليمن لا يمكن فهمه إلا من خلال سعي الإدارة الأمريكية لتحريك الجغرافيا من أجل بناء الاستقرار وترسيخ السلام بوضع قواعد اشتباك إقليمية جديدة في الشرق الأوسط تستهدف أساسا تقليم أظافر إيران الإقليمية وتطهير خطوط الاتصال البحرية في مضيق باب المندب من سيطرة التنظيمات الإرهابية والجماعات المسلحة، التي هددت بشكل مباشر الملاحة الدولية طوال عقود بشكل أثّر على التجارة الدولية والاقتصاد العالمي.
وحسب معطيات إدارة معلومات الطاقة الأمريكية لسنة 2023 يعتبر باب المندب نقطة اختناق للنفط والغاز الطبيعي، حيث مثل 12% من تجارة النفط المنقولة بحراً و8% من تجارة الغاز الطبيعي المسال في النصف الأول من عام 2023، حيث أن متوسط تدفقات تجارة النفط عبر مضيق باب المندب انخفض إلى 4 ملايين برميل يومياً حتى أغسطس 2024، مقارنةً بـ8.7 مليون برميل يومياً عام 2023 حيث فضلت شركات النقل العالمية سلك طرق أطول وأكثر تكلفة حول أفريقيا.
وبشكل عام توجد ثمانية معابر عالمية لها أهمية بالغة في خطوط الملاحة الدولية وأمنها يؤثر بشكل مباشر على الاقتصاد العالمي واستقرار الأسواق المالية الدولية، أو ما يسمّى في الجغرافيا السياسية بنقاط الاختناق الإستراتيجية.
نصف هذه المعابر الثمانية العالمية منتشر خارج منطقة الشرق الأوسط، ويتركز النصف الآخر من هذه المعابر الحيوية في منطقة صغيرة نسبياً حيث يلتقي جنوب غرب آسيا بأوروبا وأفريقيا: مضيق البوسفور في تركيا، وقناة السويس في مصر، ومضيق باب المندب في البحر الأحمر، ومضيق هرمز في الخليج العربي. كما تُعد هذه المنطقة أهم مصدر للطاقة اللازمة لاستدامة النمو الاقتصادي العالمي.
ومن زاوية التحليل الجيوسياسي والجيواقتصادي، تعتبر هذه المعابر البحرية من أهم النقاط في تمرير النفط والغاز المسال من مراكز الإنتاج إلى مواقع الاستهلاك. ويمثل مضيق باب المندب نقطة جيوسياسية إستراتيجية ذات أهمية عسكرية واقتصادية كبيرة لمختلف المحاور الدولية والقوى الإقليمية بعبور حوالي 25000 قطعة بحرية سنوياً، أي بمعدل 75 قطعة يومياً، ويُعتبر المضيق ممراً حيوياً للتجارة العالمية، لاسيما في ما يتعلق بنقل النفط والغاز.
عسكرياً، يُعد المضيق نقطة مراقبة حيوية للقوى البحرية، حيث يُمكنها التحكم في مسارات الملاحة ومنع التهديدات المحتملة، يتداخل ذلك مع النزاعات الإقليمية والمخاطر المهددة للاستقرار، حيث تسعى مختلف القوى إلى تعزيز نفوذها وضمان أمن خطوط الإمداد ويتجلى ذلك في وجود أكثر من 19 قاعدة في المضيق، مما يزيد من تعقيد الديناميكيات الجيوسياسية، حيث يُعتبر المضيق محوراً للتجارة الدولية، إذ يؤثر على حركة السلع الأساسية بين القارات وأيّ اضطرابات في الملاحة قد تؤدي إلى آثار سلبية على الأمن الغذائي والطاقة للدول المتلقية، مما يبرز الحاجة إلى استقرار هذا الممر.
من الناحية الاقتصادية، تساهم الحركة الكثيفة للقطع البحرية عبر المضيق في تعزيز الاقتصاديات المحلية والإقليمية، حيث يجسد مضيق باب المندب تقاطعاً حيوياً للأبعاد العسكرية، الحيوية، والاقتصادية، مما يجعله محوراً رئيسياً في الديناميكيات الجيوسياسية العالمية.
فالعملية العسكرية الأمريكية بدأت بإطلاق الطائرات المهاجمة من حاملة الطائرات الأمريكية هاري ترومان وقد استخدمت طائرات F/A18 سوبر هورنت للتغطية الجوية ولمهمة الهجوم الفعلية ترافقها قاذفات قنابل موجهة لتغطية جميع مهام الحرب الإلكترونية والتشويش، وبالتالي فهذه العملية هي تجسيد عملي لإستراتيجية "مفهوم الولوج العملياتي المشترك” الذي وضعته القيادة العسكرية الأمريكية بهدف ضمان القدرة على ولوج القوات الأمريكية أيّ موقع أو مسرح نزاع، سواء على الأرض أو الجو أو الفضاء أو البحر أو في مجال الإنترنت، وضمان استمرارية وجودها فيه في مواجهة إستراتيجية “منع الوصول/منع دخول المنطقة" الذي تحاول إيران وأدواتها تنفيذها في مضيق باب المندب منذ عقود.
يمكن تعريف هذه الإستراتيجية العسكرية كمجموعة من القدرات المتداخلة عبر مجالات متعددة مثل الهواء والأرض والبحر والحرب الإلكترونية والذكاء الاصطناعي والحروب السيبرانية، بهدف وحيد هو فرض أقصى قدر من الاستنزاف على قدرة القتال الحربية للولايات المتحدة وحلفائها في البحر الأحمر وبالتالي فقد وضعت القوات الأمريكية من خلال هجومها الأخير الإطار العملي لتطوير تصوّر شمولي لمجابهة التحديات التي قد تنجم عن تهديدات منع الولوج والمناطق المحرمة الإيرانية التي كانت إيران عبر الحرس الثوري وأدواته الإقليمية تحاول توسيع مجالها إلى مضيق جبل طارق أو عبر سفن التجسس الإيرانية المرابطة في المضيق كبهشاد وسافيز اللتين كانتا تقومان بالتجسس وجمع المعطيات لصالح الحوثيين بنقل المعلومات والإحداثيات وعمليات التتبع للسفن التجارية لتنفيذ عمليات القرصنة واستهداف وتعطيل الملاحة في المضيق.
عملياً رد جماعة أنصارالله المنتظر لن يتجاوز الخطوط الحمراء المرسومة في إطار قواعد الاشتباك الإقليمية التقليدية المتوافق عليها بين جميع الأطراف، فالحوثي في اليمن لا يمتلك القرار السيادي الوطني لتحريك ترسانته من الصواريخ الباليستية والمسيرات الإستراتيجية لاستهداف العمق الإسرائيلي أو القواعد الأمريكية في الخليج إلا بموافقة من غرفة العمليات المركزية للحرس الثوري في طهران، كما أن الإسناد العملياتي من باقي أدوات إيران في المنطقة هو أمر شبه مستحيل خاصة وأن الموقف الإيراني في الشرق الأوسط يعيش أصعب أيامه منذ الحرب الإيرانية – العراقية في ثمانينات القرن الماضي بسقوط النظام البعثي السوري وهزيمة حماس العسكرية في قطاع غزة وتحييد حسن نصرالله وكامل القيادة العسكرية العليا لحزب الله، لذا تصعيد الموقف العسكري في مضيق باب المندب الذي يشكل خاصرة الملاحة الدولية وضع لا تتفق عليه أغلب القوى الإقليمية الفاعلة، وتحويل البحر الأحمر إلى أحد مسارح المواجهة بين إيران والولايات المتحدة وإسرائيل، أمر يقلق الخاسر الأكبر في الموضوع جمهورية مصر العربية التي تتكبد قناة السويس خسائر بالمليارات نتيجة تعطل وعرقلة الملاحة التجارية في القناة.
في الجانب المظلم من القصة هناك جانب أخلاقي يستوجب تحرك المجتمع الدولي، فميليشيا الحوثي وبأوامر مباشرة وتحت إشراف عبدالملك الحوثي ترتكب في المناطق الخاضعة لسيطرتها انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان على شكل إعدامات ميدانية دون محاكمة واختطافات وعمليات قرصنة واحتجاز قسري لمئات الآلاف من اليمنيين خارج أيّ مراقبة للمنظومة الأممية لحقوق الإنسان.
وأكد الفريق الحقوقي اليمني خلال اللقاء المنعقد بالمفوضية السامية لحقوق الإنسان بمدينة جنيف على هامش الدورة الـ53 لمجلس حقوق الإنسان أن منظمات المجتمع المدني اليمنية رصدت ووثقت نحو 238 طفلاً جرى تجنيدهم بعد الاتفاقيات التي وقّعتها ميليشيات الحوثي مع الأمم المتحدة سنة 2018، كما أن الفريق الحقوقي اليمني أكد أن ما تقوم به الميليشيات الحوثية من زراعة الألغام والعبوات المفخخة بشكل ألعاب يصعب التعرف عليها وبأشكال أحجار وتشكيلات مموهة ليكون معظم ضحاياها من الأطفال.
والأكيد أن الشعب اليمني الذي يعاني جراء هذه الممارسات الخطيرة هو الضحية الحقيقية في هذه الأزمة باختطاف الدولة اليمنية ووضع مقدراتها في خدمة المشروع الإقليمي لنظام الولي الفقيه وتحويل الشعب اليمني إلى رهينة في يد الميليشيا دون وازع أخلاقي أو إنساني يشكل وجودها في أحد أهم خطوط التماس الجيوسياسي العالمي خطرا على الأمن الإقليمي والعالمي .
العملية العسكرية الأمريكية ضد الحوثي هي جزء من نهج شامل في مواجهة الإرهاب في الشرق الأوسط، وردع الحوثي يتطلب وضع إستراتيجيات شاملة ومتعددة الأبعاد ورؤية شاملة تضمن الأمن والسلام لكل شعوب المنطقة وبناء إطار أمني إقليمي مستدام، فالأمن الإقليمي في مضيق باب المندب لا يمكن تحقيقه من خلال الإجراءات العسكرية وحدها، بل يحتاج إلى تكامل مختلف الجهود السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
وينطلق ذلك بتقديم الدعم الإنساني والاقتصادي للشعب اليمني كخطوة أساسية نحو تعزيز الاستقرار تحت قيادة الحكومة الشرعية المعترف بها دولياً والتي تسيطر على حوالي 60% من المساحة الجغرافية لليمن.