يشهد عصرنا الحالي تطورًا هائلًا في مجال التكنولوجيا، ولا سيما الإنترنت، الذي أصبح جزءًا لا يتجزأ من حياة الأطفال والشباب مع انتشار الهواتف الذكية بأنواع مختلفة وإمكانيات كثيرة، ورغم الفوائد العديدة التي يقدمها الإنترنت، فإن الإفراط في استخدامه قد يؤثر سلبًا على الصحة النفسية للأطفال.. فكيف يحدث ذلك؟

الآثار السلبية لاستخدام الإنترنت المفرط

أوضح الدكتور وليد هندي، استشاري الصحة النفسية، خلال حديثه لـ«الوطن»، أن كثرة استخدام الأطفال للإنترنت يعود بتأثيرات سلبية كثيرة على صحتهم النفسية، ومن هذه التأثيرات السلبية:

الإدمان: قد يؤدي الاستخدام المفرط للإنترنت إلى إدمان يشبه إدمان المخدرات، حيث يشعر الطفل بالحاجة الملحة للاتصال بالإنترنت، ما يؤثر على أدائه الأكاديمي وعلاقاته الاجتماعية.

العزلة الاجتماعية: يمضي الأطفال الذين يقضون وقتًا طويلًا على الإنترنت، وقتًا أقل في التفاعل مع الآخرين وجهًا لوجه، ما قد يؤدي إلى الشعور بالعزلة والوحدة. القلق والاكتئاب: قد يرتبط استخدام الإنترنت المفرط بزيادة معدلات القلق والاكتئاب لدى الأطفال، خاصة عند التعرض لمحتوى سلبي أو مقارنة النفس بالآخرين. مشكلات في النوم: قد يؤدي التعرض لأضواء شاشات الأجهزة الإلكترونية قبل النوم إلى اضطرابات في النوم، ما يؤثر على المزاج والتركيز. مشكلات في السلوك: قد يتسبب الاستخدام المفرط للإنترنت في ظهور سلوكيات عدوانية أو عنيفة لدى الأطفال، خاصة عند التعرض لألعاب عنيفة أو محتوى غير لائق.

أسباب زيادة استخدام الإنترنت

وأضاف «هندي»، موضحًا أن زيادة استخدام الإنترنت قد يأتي نتيجة لعدة أسباب، منها:

الضغوط الدراسية والاجتماعية: يلجأ بعض الأطفال إلى الإنترنت كوسيلة للهروب من الضغوط الدراسية والاجتماعية. غياب الأنشطة البدنية: يقضي الأطفال وقتًا أقل في ممارسة الأنشطة البدنية، مما يزيد من فرص اللجوء إلى الأجهزة الإلكترونية. تأثير الأقران: قد يشعر الطفل بالضغط لمواكبة أقرانه في استخدام الإنترنت. سهولة الوصول إلى الإنترنت: تتوفر الأجهزة الإلكترونية والإنترنت بسهولة في معظم المنازل، ما يجعل من الصعب على الأطفال مقاومة إغراء استخدامه.

حماية الأطفال من آثار استخدام الإنترنت السلبية

وقدم «هندي» بعض النصائح التي يمكن من خلالها حماية الأطفال من آثار استخدام الإنترنت السلبية، وهي:

وضع قواعد واضحة: يجب على الآباء وضع قواعد واضحة حول وقت استخدام الإنترنت والأجهزة الإلكترونية. مراقبة المحتوى: يجب على الآباء مراقبة المحتوى الذي يتعرض له أطفالهم على الإنترنت. تشجيع الأنشطة الأخرى: يجب تشجيع الأطفال على ممارسة الأنشطة البدنية والهوايات الأخرى. التواصل مع الأطفال: يجب على الآباء التواصل مع أطفالهم بشكل مفتوح حول مخاطر استخدام الإنترنت. طلب المساعدة المهنية: في حالة وجود مشكلة خطيرة، يجب على الآباء طلب المساعدة من متخصص في الصحة النفسية.

المصدر: الوطن

كلمات دلالية: الصحة النفسية للأطفال استخدام الإنترنت الإنترنت والأطفال استخدام الإنترنت یجب على الآباء الصحة النفسیة

إقرأ أيضاً:

الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي

لا يمكن فهم الرفاه الاجتماعي بعيدا عن الصحة النفسية، بوصفها أحد معززات هذا الرفاه؛ إذ تُسهم إيجابيا في تنمية قدرات الأفراد اجتماعيا واقتصاديا، وتساعدهم في إدراك المجتمع الذي يعيشون فيه وفهمه بما يمكِّنهم من التفاعل معه بشكل إيجابي، ويستطيعون بالتالي فهم أهمية دورهم في تنميته من ناحية، وتعزيز إمكانات العمل المشترك القائم على مفاهيم المواطنة الإيجابية.

إن الصحة النفسية اليوم تُعد من بين تلك المرتكزات الأساسية التي تقوم عليها رفاهية المجتمعات، فلن يصل المجتمع إلى تحقيق أهدافه ما لم يكن أفراده أصحاء ليس بدنيا وحسب بل أيضا نفسيا وعاطفيا وذهنيا. إنها المعادلة الرئيسة التي تتخذ أبعادا اجتماعية واقتصادية ذات أهمية قصوى، خاصة في ظل المتغيرات الحالية التي تمثِّل مشتتات ذهنية ونفسية تقود المجتمعات إلى طرق مظلمة ما لم تكن واعية ذهنيا ونفسيا، ومدركة للمخاطر التي باتت تشكِّل تحديات على مستوى التنمية.

ولهذا فإن خبراء الطب النفسي يوصون بأهمية تعويد الأطفال والناشئة بشكل خاص على (التكيُّف)، وتدريبهم (على التعامل مع تحديات الحياة اليومية بشكل فاعل)؛ بحيث ينشأون في بيئة صحية تؤهلهم على المرونة والمواءمة والتصالح والتسامح، وغيرها من القيم التي تؤصِّل إمكاناتهم وقدراتهم على التكيُّف ومعالجة المشكلات بأسلوب أكثر إيجابية، وتعوِّدهم على السلوكيات التي تنم عن أخلاق مجتمعهم وقيمه السمحة.

ولعل هذا التكيُّف يتطلَّب القدرة على الممارسة المُثلى للعديد من العادات التي تقتضي تحقيق تلك الأهداف، ومن بين تلك الممارسات يأتي (التأمُّل)، باعتباره أحد أبرز أدوات العناية الذاتية، التي تعزِّز الصحة النفسية؛ فهو من الممارسات العامة المعروفة على مستوى المجتمعات، والتي دعت إليها الأمم عبر الحضارات، بل حضَّت عليه الأديان، ومن بينها الدين الإسلامي الذي يأمرنا بالتأمل في خلق الله والتفكُّر في ملكوته، عبر إعمال العقل وإطلاقه بحكمة وعمق.

إن التأمل باعتباره أداة مهمة يقتضي التفكُّر وتركيز الانتباه بقدرة الله سبحانه في خلقه، وبكل ما حولنا، وبما حبانا الله إياه من نِعم تقتضي الشكر، فإنه أيضا قوة داخلية وشعور بالرضا والسلام والمحبة؛ لما له من أهمية - بحسب العديد من الأدبيات - في (خفض التوتر، وتحسين التركيز والتوازن العاطفي وتخفيف القلق والاكتئاب وتحسين جودة النوم). إنه أداة تدعم تحسين الصحة البدنية عموما.

ولذلك فإن العالم يحتفل في الواحد والعشرين من ديسمبر من كل عام بـ (اليوم العالمي للتَّأمُل)، الذي يهدف - حسب اليونسكو - إلى (زيادة الوعي بالتأمل وفوائده، واستذكار حق كل إنسان في التمتع بأعلى مستوى ممكن من الصحة البدنية والعقلية)، الأمر الذي يدفع العالم إلى تعزيز تلك الأهمية ودعم أفراده إلى العناية بفكرة التأمل نفسها؛ كونها قائمة على إعمال الفكر والتعَّمق في الذات وما حولنا من متغيرات بل وما يحصل في العالم من تحديات تستوجب إعمال العقل والتفكُّر؛ فكل ما حول الإنسان من نِعم وما يمُّر فيه من محن إنما تحتاج منه التأمُّل والوقوف الحكيم، لا التسرُّع والاندفاع وجلد الذات، بما قد لا يضر بالنفس وحسب بل أيضا يصيبها بالكثير من الأمراض النفسية، التي تجعله مكبلا، غير قادر على المضي في حياته، وعاجز عن إسعاد نفسه وأهله، بل قد يصل إلى إيذاء نفسه وإيذاء من حوله.

أما التأمُّل باعتباره ممارسة فإنه يمثِّل القدرة على التصالح مع الذات وفهمها وفق محددات اجتماعية تعزِّز الصحة النفسية، وتدعم تحقيق الرفاه؛ فكلما تمتع أفراد المجتمع بالصحة النفسية، كانت قدرتهم على العمل والعطاء والإقبال على الحياة أكبر، ولهذا فإن التأمُّل والوعي به يقوم على توجهات المجتمع في العناية بالصحة النفسية، وبناء عالم أكثر مرونة وإيجابية وخدمة للسلام والمحبة.

ولأن الرياضات عموما بأنواعها وأشكالها تقدِّم ضمن مجموعة من الأدوات التي تساعد أفراد المجتمع على التغلُّب على الكثير من الإرهاصات النفسية والجسدية التي تحدث في كثير من الأحيان دونما قصد، سواء خلال العمل و التعامل مع الناس أو حتى من ضغوطات الحياة عموما، فإن الرياضات الروحية المختصَّة بالجانب النفسي تقدِّم نفسها باعتبارها خيارا مناسبا للتعمُّق وإعمال الفكر والشعور بالهدوء والسكينة.

إن الصحة النفسية اليوم تغدو أكثر أهمية بالعناية والرعاية من قِبل المجتمعات، لما تمثِّله من مركزية في علاقتها بالتنمية وتحقيق الرفاه المجتمعي، وهي لا تتعلَّق بالتغذية الصحية وممارسة الرياضة عموما، بل أيضا بما ينتجه ذلك من أفكار ومشاعر وسلوك، قد يظهر ضمن تلك العلاقات المتشابكة خاصة في ظل التطورات التقنية التي تجعل الناشئة والشباب بشكل خاص، ينساقون وراء العديد من المغريات والتحديات في عالم افتراضي واسع لا يمكن ضبطه، سوى بإمكاناتهم على تأمُّل كل ما يتابعونه، أو يشاهدونه ويسمعونه، أو يقرأونه، ويتفكَّرون فيه وفق ضوابط قيم المجتمع ومحدداته.

إضافة إلى ذلك فإن حاجة المجتمعات اليوم إلى المرونة والتفاؤل كبيرة؛ فهذه المرونة تمكِّنهم من تخطي العديد من التحديات وتدفعهم إلى حل مشكلاتهم وتحدياتهم وفق رؤية أكثر إيجابية، ولهذا فإن تحقيق الصحة النفسية القائمة على التأمُّل والتفكُّر والعلاقات الإيجابية من خلال الأقران وتحفيز الصحة البدنية، والوعي بقيمة الصحة وعلاقتها بالرفاه الاجتماعي والصحة العاطفية، سيجعل أفراد المجتمعات أكثر قدرة على تخطي الضغوطات وفق مرونة نابعة من تلك العلاقة التي تأسسَّت على السلام الداخلي.

ولهذا فإن عُمان اعتنت عناية فائقة بالصحة النفسية، وبالوعي المجتمعي بأهميتها وقدرتها وإمكاناتها؛ وقد تزايد اليوم هذا الوعي الذي يظهر ليس من خلال الزيارات لمراكز الطب النفسي وحسب، بل أيضا بعناية المؤسسات الحكومية والخاصة والمدنية بالصحة النفسية لموظفيها وتهيئة البيئة الصحية المناسبة لهم، إضافة إلى عناية المؤسسات التعليمية والأكاديمية بهذا القطاع الصحي، التي تقدِّم برامج متخصصة للأطفال والناشئة والشباب، تهدف إلى التوعية وتقديم الدعم النفسي المناسب للطلاب في كافة مراحلهم التعليمية.

إن هذا الوعي المؤسسي ينعكس بدوره على الأفراد من خلال عنايتهم بأنماط الحياة الصحية المختلفة، سواء عن طريق ممارسة الرياضات البدنية أو الروحية، أو الالتزام بالتغذية الصحية، أو حتى عن طريق اختيار البيئة الصحية والأصحاب الإيجابين، وغير ذلك من الممارسات التي تنم عن وعي بأهمية الصحة النفسية وعلاقتها بالتطوير الذاتي النابع من محبة الذات والإيمان بقدراتها وبالتالي تحقيق الرفاه الاجتماعي من ناحية، والتنمية والمواطنة الإيجابية النابعة من عطائه ومشاركته الفاعلة في بناء مجتمعه ووطنه من ناحية أخرى.

ولذلك فإن العناية بالصحة النفسية عموما وبفكرة التأمُّل في حياتنا وما حولنا بشكل خاص، تتطلَّب منا الإيمان بأهميتها وقدرتها على تغيير أنماط ممارساتنا اليومية، للشعور بالسلام الداخلي وحُب الحياة والإقبال على العمل وفتح آفاق جديدة رحبة تتسِّع للجميع، فالحياة جميلة إذا نظرنا بعين الرضا والمحبة وتقبُّل أنفسنا والآخر بتسامح وتفاهم ينم عن أخلاقنا وقيمنا المجتمعية الأصيلة.

عائشة الدرمكية باحثة متخصصة فـي مجال السيميائيات وعضوة مجلس الدولة

مقالات مشابهة

  • وفاة طالبة القليوبية بأزمة قلبية.. تأثير الحزن على الصحة ونصائح للوقاية من الأزمات
  • عودة شلل الأطفال إلى غزة بعد 25 عامًا من الغياب.. فيديو
  • طريقة آمنة لتحضير معجون أسنان الأطفال منزليا
  • لازاريني: لا مكان للأطفال.. 14500 طفل استشهدوا في غزة
  • الميلاتونين لتحسين نوم الأطفال: الفوائد والمحاذير
  • البنك الأهلي الكويتي مصر يواصل دعمه لمشروعات الصحة المجتمعية عبر إطلاق 24 قافلة طبية في 3 محافظات
  • هل يغير الذكاء الاصطناعي مستقبل أطفالنا؟
  • رحلة إبداعية
  • الصحة النفسية والرفاه الاجتماعي
  • دراسة تكشف عمر تدهور صحة القلب للأطفال