مهرجان الأغنية العمانية 2024
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
تعد الفنون واحدة من أكثر الطرق التي استخدمتها الشعوب للتعبير والتواصل، فهي سمة من السمات الثقافية التي تمايز المجتمعات عن بعضها، وتمثِّل نشاطًا إنسانيًا له خصوصيته وقدرته على التأثير اجتماعيًا وثقافيًا، ولذلك فهي ليست مجرد تسلية أو ترفيه، بقدر ما هي جوهر حضاري له أبعاده وإمكاناته المعرفية والأخلاقية والنفسية، وبالتالي فإن لها انعكاسات إيجابية على التنمية البشرية ورفاه المجتمعات.
فالفنون ترتبط بحياة الناس وأمزجتهم وأنماط تفكيرهم؛ إذ تصوِّر الواقع وتنطلق نحو أفق التطلعات المستقبلية. إنها صور تكشف العمق الحضاري للمجتمعات وتؤسِّس لمفاهيم أخلاقية قادرة على ترسيخ القيم والمبادئ والأفكار الإيجابية، ولهذا فإن مجتمعات العالم توليها أهمية كبرى سواء من خلال تنفيذ المهرجانات أو إقامة الاحتفالات والمناسبات المتخصصة، أو من خلال تشجيع شركات الإنتاج الفني والمسارح ودعم إنشائها بتقديم التسهيلات وتيسير الإجراءات.
إن الاهتمام بالفنون ينطلق من أهميتها في حياة المجتمع وتطوره الثقافي والفكري ولهذا فإن المجتمعات التي تتقدَّم في عالم الأغنية والموسيقى والمسرح وغيرها هي مجتمعات ذات إنتاج متميز شعرًا ولحنًا وتوزيعًا موسيقيًا وقدرة على تصنيع المنتجات والآلات الموسيقية وتقنيات العرض والصوت والمؤثرات، وبالتالي فإن هذه الفنون توفِّر محتوى ومهارات وإبداعات فنية تكشف الوعي بتلك الأهمية من ناحية، والقدرات البشرية المبدعة من ناحية أخرى، فهي الجوهر الحقيقي لتطوُّر الأغنية وتأسيس الفكر الموسيقي النابع من أصالة المجتمع وثقافته وقيمه.
ولذلك فإن تطوير إمكانات المبدعين وتمكينهم يعتمد على قدرة الدولة على إيجاد حاضنات فنية قادرة على الأخذ بأيديهم بدءًا من المدارس التي ترعى المواهب وتطوِّر من إمكاناتها وليس انتهاءً بالمهرجانات والمسابقات الفنية التي تعتمد على نقلهم من مرحلة الهواية إلى الاحتراف وتسويقهم فنيًا وإعلاميًا، فعناية الدولة بالمهرجانات خاصة في المجالات الفنية يحفِّز الإبداعات الفنية، ويعزِّز قدرة المبدعين ويسهِّل إيصال رسالتهم الفنية إلى جمهورهم، وبالتالي فهي حاضنة إبداعية تصقل المواهب وتشذبها، وتساعد في نقلها من مرحلة الهواية إلى الاحتراف.
إن المهرجانات تشكِّل جزءًا أصيلًا من مكونات الأنماط الثقافية التي تتطوَّر من حيث الشكل والمضمون بشكل متسارع بما يتواكب مع التطورات الحضارية، وأولويات المجتمع واحتياجاته، وبنيته التحتية وقدراته البشرية، ولهذا فإنها أحد أشكال النمو الثقافي والمعرفي، ولعل ارتباطها بالثقافة بمجالاتها المختلفة، دفعها نحو ذلك التطوُّر، لذا فإنها تبرز غالبا في تلك الدول التي تتميَّز بالبُعد الثقافي العريق، والتطوُّر المعرفي والتقني، الذي يدفعها إلى تطوير إمكاناتها وصياغة مسارات ثقافية وفنية خاصة في مجالات الموسيقى والأغنية بما يجعلها قادرة على الرسوخ والمنافسة، باعتبارها رسالة ثقافية تنقل القيم والمبادئ والأصالة.
والحق أن عُمان أولت عناية فائقة بالمهرجانات الثقافية عامة والفنية بشكل خاص، فأسسَّت منذ تسعينيات القرن الماضي وقبلها مجموعة من المهرجانات المتخصصة في المجالات الثقافية خاصة السينما، والفنون الشعبية، والأغنية العمانية، وأصبحت تلك المهرجانات البوابة التي تخرَّج فيها مجموعة من المبدعين والفنانين العمانيين الذين ما زال العديد منهم يتمتع بشعبية عالية على المستوى الجماهيري، ولعل إقامة مهرجان الأغنية العمانية لعام 2024 الذي تم تنفيذه خلال الأيام القليلة الماضية مؤشرا مهما على ذلك الاهتمام وتلك العناية.
فمنذ أن بدأ المهرجان في عام 1994 حتى عام 2015، شكَّل فارقا مهما في مسيرة الثقافة في عُمان، من حيث التطوُّر والتنمية الثقافية التي أسسَّت للفكر الثقافي المستنير والواعي والمنفتح على آفاق التطورات الحديثة بما يتواكب مع التنمية المجتمعية في كافة القطاعات؛ إذ أسهم هذا المهرجان منذ إنشائه في دعم المسيرة الفنية للمبدعين والفنانين وقدَّم للشباب آفاقا رحبة لتطوير مواهبهم؛ فمنه خرجت أسماء بارزة في الغناء العماني العربي منهم أحمد الحارثي، وماجد المرزوقي، وسالم العريمي، ومحمد المخيني، وفتحي محسن، وأيمن عبدالناصر، وفاطمة الفارسية، وسميرة البلوشية، وغيرهم من الشباب المبدِع الذي حمل على عاتقه إيصال الرسالة الفنية العمانية محليًا وإقليميًا.
ولهذا فإن إعادة إحياء هذا المهرجان بعد توقف دام أكثر من سبع سنوات يُعد بادرة مهمة وخطوة إيجابية في سبيل استمرار مسيرة التطوير الفني وتقديم ما يمكن من أجل تنمية المواهب الإبداعية الشابة، ودعم قدرتها وحفزها، فالمهرجان حاضنة مهمة للمبدعين، ومنصة تولِّد تفاعلات جديدة وتنتج أنماط حديثة من أنماط الغناء وأشكاله، إضافة إلى دورها في حفز مواهب التأليف الغنائي، والتلحين والتوزيع الموسيقي والأداء وغير ذلك. إنها ساحة فنية ذات إمكانات إبداعية تكشف مستقبل تلك الأنماط الغنائية والفنية المتنوعة.
لقد قدَّم مهرجان الأغنية العمانية في نسخته الثانية عشرة لعام 2024 مواهب شابة ذات إمكانات فنية ستُسهم في تطوير أنماط الغناء العربي، وتقدِّم الفنون العمانية باعتبارها أصلًا من أصول ذلك الغناء؛ فالمتابع لأعمال المهرجان وعروضه سيعرف أنه كان ساحة فنية عامرة بالفنون العمانية التي رسخَّت أصالتها من امتدادها الحضاري، فظهرت الأغاني التي قدَّمها المتسابقون باعتبارها أنماط غنائية عمانية لحنا وموسيقى وأداء، إنها صورة من صور التطوُّر التنموي الذي يتأسَّس على الثقافة الحضارية الممتدة.
إن هذا المهرجان يشكِّل حاضنة فنية للمواهب ويضمن من خلال تفاعلهم وعروضهم إنشاء تجربة أصيلة ومنفتحة على التطورات، وقادرة على ترسيخ مفاهيم القيم الفنية الأصيلة للدولة، وهي إلى جانب ذلك تقدِّم نفسها باعتبارها جزءا من السياحة الثقافية التي تشكِّل جذبًا سياحيًا للزائر، ومساحة للإمتاع؛ فالأغنية والموسيقى نمطًا من أنماط الرفاه، وساحة ثقافية تكشف للزائر العمق الحضاري للدولة، والتنوُّع الثقافي والإبداعي الذي تتميَّز به، ولهذا فإن هذا المهرجان قدَّم فرصة لزوَّار محافظة ظفار خلال هذا الموسم السياحي للتعرُّف على الفنون العمانية والإبداعات الشبابية الواعدة.
هكذا كان لمهرجان الأغنية العمانية صوتًا واعدًا للغناء والموسيقى، ومساحة واسعة لإضافة مستجدات الفن سواء على المستوى التقني أو الأدائي أو غير ذلك، فهي بوابة مهمة للانطلاق الفني ليس للفائزين الثلاثة وحسب، بل أيضًا لكل المشاركين المتأهلين، الذين تنافسوا للحصول على اللقب، إلاَّ أن الفوائد الحقيقية لهذا المهرجان أو لغيره هي ما يتحقَّق بعد انتهائه؛ أي ما ينفِّذه المبدع أو الفنان من أعمال فنية تضيف إلى الساحة الفنية في عُمان، وهو الأمر الأساسي الذي من أجله تُعقد تلك المهرجانات.
فخلال مهرجانات الأغنية العشر الماضية منذ عام 1994، فاز بالألقاب الثلاثة (البلبل الذهبي، والفضي، والبرونزي) ثلاثون مبدعًا ومبدعة، في حين عَرفت الساحة الفنية منهم أقل من عشرة، وهذا يكشف لنا بوضوح الفاقد بين ما تقوم به المهرجانات وما يواجهه هؤلاء المبدعين من تحديات تحول دون تحقيق طموحهم، لذا فإن تكامل الجهود بين المؤسسات الثقافية من ناحية، وتسهيل الإجراءات الخاصة بشركات الإنتاج من ناحية أخرى، إضافة إلى تعزيز دور الموسيقى واللحن وإيجاد حاضنات متخصصة للشعر الغنائي واللحن والتوزيع الموسيقي، ستضمن إمكانات الوصول بالأغنية العمانية إلى الطموح المنشود.
إن دور المهرجانات وأثرها المستدام لا يمكن أن يظهر سوى بإيجاد صناعة فنية للغناء والموسيقى، التي لا يمكن أن تزدهر سوى بفتح مجالات العمل الفني وإيجاد حاضنات إبداعية دائمة بالتعاون مع المؤسسات الثقافية والقطاعات الخاصة والمدنية، ودعم شركات الإنتاج الفني وتمكين دورها المجتمعي.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الأغنیة العمانیة الثقافیة التی هذا المهرجان ت الثقافی من ناحیة التی ت
إقرأ أيضاً:
مهرجان «الفضاءات المسرحية» يكشف عن أسماء العروض المشاركة في دورته الأولى
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
ينظم مسرح نهاد صليحة في السادس من أبريل المقبل، مهرجان «الفضاءات المسرحية المتعددة» في إطار دعم وزارة الثقافة لمختلف الفعاليات والأنشطة الثقافية، تحت رعاية الدكتورة غادة جبارة رئيس أكاديمية الفنون ورئيس المهرجان.
وقد أعلنت إدارة المهرجان عن أعضاء لجنة مشاهدة العروض المسرحية المتقدمة للمهرجان في مسابقة فضاء مسرح العلبة الإيطالية ومسابقة الفضاءات المسرحية غير التقليدية وهم: الدكتور رامي بنيامين الأستاذ بالمعهد العالي للفنون المسرحية ووكيل كلية العلوم السينمائية والمسرحية بجامعة بدر، وباسم صادق الناقد ورئيس قسم المسرح بجريدة الأهرام، وحازم القاضي المعيد بقسم التمثيل والإخراج بالمعهد العالي للفنون المسرحية، ومقرر اللجنة هو الفنان عبد الله محمد.
وقال مدير المهرجان المخرج ومصمم الديكور محمود فؤاد صدقي: إن لجنة المشاهدة قامت باختيار 21 عرضاً فقط من ضمن 141 عرضا تمت مشاهدتها وذلك للمشاركة والعرض خلال الفعاليات التي حدد لها بشكل مبدئي مدة عشرة ايام، بواقع عرضين أو ثلاثة بحد أقصى يومياً في المواقع المتعددة داخل أروقة «أكاديمية الفنون» بالهرم.
وأضاف صدقي ان الدورة الاولى من المهرجان تحمل اسم رئيس أكاديمية الفنون السابق ونقيب الممثلين الدكتور أشرف زكي، وهو ما يرجعه مدير المهرجان إلى رغبتهم في الاحتفاء بما قدمه «زكي» للأكاديمية وللوسط الفني والمسرحي فنياً وإنسانياً، ودوره في تشجيع الشباب، متمنيا له دوام الصحة والعافية خاصة بعد الوعكة الصحية التي ألمت به صباح اليوم.
وكشف صدقي عن نتيجة العروض المشاركة في مسابقة العلبة الإيطالية وهم 11 عرضا: «الجريمة والعقاب» إخراج عماد علواني إنتاج مسرح نهاد صليحة، «حتى يطير الدخان» إخراج كريم ادريانو إنتاج المعهد العالي للفنون المسرحية، وعروض إنتاج نقابة المهن التمثيلية: «مع الشغل والجواز» إخراج عبد الباري سعد، «الشك» إخراج أحمد حتحوت، وعروض إنتاج الهيئة العامة لقصور الثقافة: «احفاد دافنشي» إخراج محمد بهجت، «الطاحونة الحمراء» إخراج حسام التوني، ومجموعة من العروض المستقلة هي : «ليالينا» إخراج محمد الحضري، «ثلاثة مقاعد في القطار الاخير» إخراج مايكل مجدي، «البؤساء» إخراج محمود حسن حجاج، «المفتاح» إخراج محمد طارق، «حكاية من الذاكرة» إخراج إبراهيم حسن.
وأكمل محمود صدقي حديثه عن نتيجة العروض المشاركة فيما يخص مسابقة الفضاءات غير التقليدية فكانت عشرة عروض هم: «جدول الضرب» إخراج محمد فرج إنتاج جامعة المنصورة، و«مسافر ليل» إخراج أحمد علاء علي- إنتاج الهيئة العامة لقصور الثقافة، و«الضيف» إخراج محمد الحضري إنتاج صندوق التنمية الثقافية، وعروض إنتاج المعهد العالي للفنون المسرحية: «فريق الكابتن يحيى الناشد» إخراج مروان جاسور، «حلم ليلى» إخراج ليديا فاروق، «يوميات ممثل مهزوم» إخراج مطر زايد مطر، ومجموعة من العروض المستقلة هي: «مباراة القمة» إخراج اشرف محمد، «الطائر الازرق» إخراج نادين خالد، «الزائر» إخراج جاسمين احمد، «دمي من ورق» إخراج محمد حسن