المجتمع وتعزيز المفاهيم المرتبطة باقتصاديات التشارك
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
مبارك بن خميس الحمداني
في العقدين الماضيين، نما مفهوم وممارسات الاقتصاد التشاركي بشكل موسع حول العالم؛ هذا النمو نتيجة صعود بعض اللاعبين الأساسيين في الأسواق، الذين شكّل نموذج عملهم نجاحًا على مستوى المجتمعات التي نشطوا فيها أو عبر الحدود. فكرة اقتصاد التشارك تقوم على مشاركة الأصول بين الأفراد والمؤسسات، سواء كانت تلك الأصول معدات أو مركبات أو عقارات أو ما شابهها؛ وذلك قصد تعظيم القيمة الاقتصادية لذلك الأصل من ناحية، وضمان استدامته من ناحية، وتوسيع نطاق المستفيدين منه من ناحية أخرى.
وفي ضوء هذه المعطيات ظهرت شركات وتطبيقات أصغر، إما أن تطبق نموذج الشركات والتطبيقات الكبرى في اقتصاد المشاركة، أو أنها تنحصر في تقديم خدمات أصغر وأكثر تخصيصًا، وعلى المستوى المحلي ظهرت بعض التطبيقات التي يمكن القول أنها تأخذ بنموذج الاقتصاد التشاركي وخاصة في مجال التنقل، مما يوحي أن هناك أساس اقتصادي جيد يمكن البناء عليه لتنشيط وتشجيع مثل هذا النوع من الاقتصاديات.
نعتقد أن المرحلة الحالية في الاقتصاد العُماني تحتاج إلى تنشيط مفاهيم وتطبيقات وممارسات الاقتصاد التشاركي، لعدة دواعٍ؛ منها الدواعي الاقتصادية المتمثلة في أن مثل هذا النوع من الاقتصاديات قادرة على خلق موارد جديدة للأفراد، واستحداث فرص عمل تتناسب مع الطبيعة الحرة للعمل، عوضًا عن كونه نمط ممكن للقطاعات الاقتصادية الأخرى؛ فاقتصاديات التشارك في مجال النقل والتنقل تزيد الطلب على السياحة المحلية، وتسهل انتقال الساكنة والزوار إلى وجهات مختلفة، وتيسر نمط طلب الأفراد على الخدمات والوجهات. واقتصاديات التشارك في مجال الإقامة والتجارب تنشط قطاع العقار، وتزيد الطلب على الخدمات السياحية المتنوعة وخصوصًا تلك القائمة على عنصر التجارب الثقافية، وتوسع فرص السياحة المحلية بين المدن المختلفة.
وعليه أصبح من الجيد اليوم التركيز على البنى التشريعية والتنظيمية لهذا النمط من أنماط الاقتصاد، بالإضافة إلى حث الشباب ورواد الأعمال والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة على توسيع نطاق الخدمات والمنتجات التي يمكن أن تدخل تحت هذا النمط من أنماط الاقتصاد. في مارس 2019 نشرت مجلة nature مقالة بعنوان: «الاقتصاد التشاركي يعزز المجتمعات المستدامة» حيث يذكر الباحثون أن «اقتصاد المشاركة له تأثيرات إيجابية، من خلال خفض إجمالي الموارد المطلوبة، والمساعدة في تقليل الملوثات والانبعاثات والبصمات الكربونية. فسلوك مشاركة المركبات مثلًا يقلل عدد الكيلومترات المقطوعة. ويحفز التغييرات طويلة الأمد في سلوك المستهلك من خلال تحويل خيارات النقل الشخصية من الملكية إلى تلبية الطلب». ما يعنينا هنا هو الدواعي الاجتماعية؛ وهي مرتبطة بطبيعة الطلب على الاستهلاك في الاقتصاد التشاركي؛ حيث إن المحرك الأساس هي طبيعة جيل الألفية، الجيل المحتك بشكل موسع بالتقانة والتطبيقات المحمولة، والتي بدورها تضعه أمام تجارب وخدمات ومنتجات من شأنها أن تدفع نحو تغيير أنماط الاستهلاك، وخاصة الاستهلاك التفاخري، والتملك غير المحدود للمنتجات دون قيمة اقتصادية معظمة. الجانب الآخر هو في تحفيز تنويع دخول الأفراد والأسر، وبناء أمان اقتصادي ومالي للأفراد (من مصادر أقل مخاطرة) وهي الأصول الثابتة التي يمتلكونها سواء كانت سيارات أو عقارات أو مهارات أو أدوات، والأمر الآخر فإن اقتصاديات التشارك كما تثبت الكثير من التجارب والأبحاث لها دور أصيل في إعطاء صبغة جديدة للتضامن الاجتماعي، وفي نقل المجتمعات إلى حالة التبادلية الاجتماعية، وعوضًا عن ذلك تسهم اقتصاديات التشارك في إعطاء قيمة اجتماعية أكبر للموارد، وحرص أكبر على استثمارها والحفاظ عليها من قبل الأفراد، وتغيير فكرة التملك لغرض التملك إلى فكرة التملك لغرض استبنات قيمة اقتصادية ومورد من الممتلكات، عوضًا عن تعزيز فكرة التشابك والمنفعة المتبادلة من خلال شبكات الأقران والمحيط الاجتماعي العام. تتحدث الكثير من المقالات التي تناقش اقتصاد التشارك كذلك عن أهمية شركات ومؤسسات الاقتصاد التشاركي حتى بالنسبة للحكومات، حيث إن هذا الشكل يولد الكثير من البيانات والمعلومات عن ممارسات وسلوكيات واتجاهات الأفراد والتغير في أنماطهم الاستهلاكية، وبالتالي فهي تستطيع أن توفر للحكومات رصدًا واضحًا يدعم صنع السياسات وخاصة في الجوانب الاقتصادية بناء على تغيرات السوق والمستهلكين. وفي كل الأحوال فإن المنافع التي يوفرها اقتصاد التشارك تدفعنا إلى القول بأهمية أن تعزز مفاهيمه وممارساته حتى في المراحل التعليمية المبكرة، لينشأ الجيل متمكنًا من المفاهيم الاقتصادية، ومتمرسًا لبعض السلوكيات التي تعيد نظرته إلى الموارد الخاصة والعامة، وتجعله قادرًا على رؤية القيمة الاقتصادية الفعلية لما يمتلك وما يحيط به.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الطلب على
إقرأ أيضاً:
«التخطيط»: الإصلاحات الاقتصادية ساهمت في جذب الاستثمارات الأجنبية
التقى الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس مجلس الوزراء، الدكتورة رانيا المشاط، وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، لمتابعة عدد من ملفات عمل الوزارة، على مستوى الجهود الجارية من أجل استكمال مسار الإصلاح الاقتصادي، وتنفيذ البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، فضلًا عن متابعة تطورات مؤشرات الناتج المحلي الإجمالي، والاستثمارات العامة خلال العام المالي الماضي، وإجراءات حوكمة الإنفاق الاستثماري وإفساح المجال للقطاع الخاص، فضلًا عن متابعة نتائج المشاركة المصرية في الاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين، والأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة، وجهود حشد التمويل من أجل التنمية.
تعزيز جهود التمويل العادلوعرضت الدكتورة رانيا المشاط نتائج مُشاركاتها في فعاليات الأسبوع رفيع المستوى للجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك، والاجتماعات السنوية لصندوق النقد والبنك الدوليين بواشنطن، موضحة أن الاجتماعات شهدت زخمًا حول خطة إصلاح الهيكل المالي العالمي، من خلال إصلاح مؤسسات برايتون وودز، مشيرة إلى المساهمات البناءة للجانب المصري في دفع تلك المناقشات، استنادًا إلى علاقاتها القوية وشراكتها الوثيقة مع شركاء التنمية والمنظمات الدولية متعددة الأطراف، فضلًا عن دور مصر المحوري في قارة أفريقيا وهو ما يجعل صوتها معبرًا عن مطالبات القارة لإصلاح الهيكل المالي العالمي وتعزيز جهود التمويل العادل، لدفع مسيرة التنمية.
جذب الاستثمارات الأجنبيةوأوضحت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، أن الاجتماعات شهدت لقاءات متعددة بالتنسيق مع الجهات الوطنية مع مجتمعات الأعمال والمستثمرين الدوليين، وشركات القطاع الخاص، والبنوك الاستثمارية، من أجل التعرف على التطورات الحالية على مستوى الاقتصاد الكلي، واستعراض ما نفذته الحكومة من إصلاحات هيكلية واقتصادية منذ مارس الماضي، عززت استقرار الاقتصاد الكلي، وساهمت في زيادة جاذبية السوق المصرية للاستثمار الأجنبي، رغم التوترات الجيوسياسية التي تمر بها المنطقة، والتحديات الاقتصادية على مستوى العالم، مؤكدةأن الاجتماعات أظهرت اهتمامًا كبيرًا من قبل المستثمرين.
إطلاق الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للتمويلوتطرقت إلى إطلاق الاستراتيجية الوطنية المتكاملة للتمويل، بالشراكة مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، خلال اجتماعات الأمم المتحدة، والتي تأتي في إطار جهود الدولة لحشد التمويل من أجل التنمية، فضلًا عن نتائج اللقاءات المتعددة التي تم عقدها مع رئيس مجموعة البنك الدولي وقيادات مؤسسة التمويل الدولية والوكالة الدولية لضمان الاستثمار، من أجل الوقوف على الشراكات المستقبلية وتلبية متطلبات التنمية في الدولة، وتوسيع نطاق الشراكة لتشمل المزيد من شركات القطاع الخاص، من خلال إتاحة أدوات التمويل المبتكرة والضمانات، فضلًا عن تعزيز سياسات التنمية الاقتصادية القائمة على الأدلة.
كما عرضت وزيرة التخطيط والتنمية الاقتصادية والتعاون الدولي، المؤشرات الأولية للناتج المحلي الإجمالي في الربع الأول من العام المالي الجاري 2024/2025، بالإضافة إلى تطورات الاستثمارات العامة في الحساب الختامي للموازنة الاستثمارية في العام المالي الماضي 2023/2024.
وأشارت إلى التطورات الإيجابية التي تتحقق على مستوى الأداء الاقتصادي في ظل ما تتخذه الحكومة من إجراءات مُتسقة، من خلال حوكمة الإنفاق الاستثماري، والإصلاحات الهيكلية، وضبط الأداء المالي، من أجل التغلب على التحديات التي يواجهها الاقتصاد المصري، في سياق إقليمي ودولي مضطرب على الجانبين الجيوسياسي والاقتصادي.
كما استعرضت نتائج البرنامج الوطني للإصلاحات الهيكلية، الذي يجري تنفيذه بالشراكة مع الجهات الوطنية المعنية، وبدعم من شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، لتحقيق عدة ركائز رئيسية هي تعزيز القدرة التنافسية للاقتصاد المصري وتحسين بيئة الأعمال، ودعم صمود الاقتصاد الكلي، وتعزيز التحول الأخضر، مضيفة أن ما تم تنفيذه من إصلاحات هيكلية قطاعية يُسهم في دفع استقرار الاقتصاد الكلي وتمكين القطاع الخاص، وجذب الاستثمارات المحلية والأجنبية.
دعم جهود التنمية المحليةوتحدثت الوزيرة عن إطار الاستدامة والتمويل من أجل التنمية الاقتصادية، الذي أطلقته الوزارة مؤخرًا للدمج بين آليات التخطيط والتعاون الدولي، من أجل دعم جهود التنمية الاقتصادية، من خلال محاور رئيسية تتعلق بصياغة سياسة التنمية الاقتصادية القائمة على البيانات والأدلة، لتوفير المعلومات التي تُعزز المناقشات حول الاحتياجات والفرص، وسد الفجوات في مجالات التنمية المختلفة، مع ضمان آليات مراقبة وتقييم قوية لتتبع التقدم وتحسين النتائج، فضلًا عن بناء اقتصاد مرن، وتعزيز استقرار الاقتصاد الكلي، من خلال تنفيذ الإصلاحات الهيكلية، وكذلك حشد التمويلات المحلية والخارجية لتحقيق التنمية المستدامة من خلال إطار وطني مُتكامل للتمويل، يُعزز تخصيص الموارد للقطاعات ذات الأولوية، ويُحفز استثمارات القطاع الخاص.
وأكدت أن الوزارة تستهدف تحقيق تلك الأهداف من خلال إطار وطني لتعزيز الشراكة البناءة بين الأطراف ذات الصلة، قائم على التنسيق الوطني والتعاون الدولي، ويشمل الوزارات والمحافظات والأجهزة الوطنية وشركاء التنمية ومؤسسات التمويل الدولية، وبنوك التنمية متعددة الأطراف، والأمم المتحدة والوكالات المتخصصة، والقطاع الخاص، ومنظمات المجتمع المدني، ومراكز الأبحاث والفكر.