بدا رئيس وزراء إسرائيل «بنيامين نتنياهو» اليوم وقد أصبح فكرة ظلامية لا تؤمن إلا بالابادة الجماعية ولا تسعى إلا من أجل استمرار الحرب الضروس التى تشرعها ضد الفلسطينيين منذ السابع من أكتوبر الماضى والتى أسفرت حتى الآن عن أكثر من مائة وأربعين ألف قتيل وجريح معظمهم من النساء والأطفال، وما يزيد على عشرة آلاف مفقود وسط دمار هائل طال البنية التحتية ومجاعة قاتلة.
إنه رئيس وزراء اسرائيل «بنيامين نتنياهو» الذى سكنته غريزة الشر، وسيطرت عليه الرغبة العارمة فى إشعال الحروب وتغذيتها حتى لا يخمد أوارها. ومؤخرًا قال فى لقاء مع مجلة «تايم» الأمريكية: (إذا كنت تريد السلام، فاستعد للحرب)، وهو ما يعنى أن «نتنياهو» لا يسعى إلى السلام، ولا يستخدم إلا أدوات الحرب والإبادة لتحقيق الهدف المنشود. تحدث «نتنياهو» فى المقابلة التى أجرتها معه مجلة « تايم» الأمريكية عن استمرار الحرب، ولم يلتزم بموعد للتوصل إلى اتفاق لإعادة الرهائن وعودة سكان الشمال إلى ديارهم. ولكنه يبدى اهتمامًا بالغًا عندما يتطرق بالحديث إلى حركة حماس فيقول: (إنه ملتزم بتدمير حماس حتى لا تتمكن من إعادة بناء نفسها).
لقد كان لرئيس وزراء اسرائيل «بنيامين نتنياهو» تصريح قبل أربعة أشهر قال فيه إن إسرائيل على بُعد خطوة واحدة من تحقيق النصر الكامل. غير أن الأرقام والمستجدات تشير إلى واقع مختلف كلية، حيث أسفرت الحرب التى أشعلها منذ السابع من أكتوبر الماضى عن قتل 689 جنديًا، وإصابة أكثر من 4252 مقاتلًا، ولا يزال هناك نحو 115 مدنيًا اسرائيليًا محتجزًا لدى حماس دون أمل فى إطلاق سراحهم. والثابت اليوم أن ذاكرة «نتنياهو» تخونه، فهو يرفض تحمل المسئولية أو حتى الاعتذار، ويكتفى فقط بالتعبير عن عن أسفه لما حدث فى هجوم السابع من أكتوبر، وكأنه مراقب دولى وليس المهندس الذى أمر بتحويل ملايين الدولارات إلى غزة، والتى انتهى بها الأمر لتكون فى أيدى حماس لتستفيد منها فى تعزيز قوتها.
ذاكرة «نتنياهو» لم تعد كما كانت، فعندما سئل عن الشراكة الائتلافية مع «ايتمار بن غفير»، و«بتسلئيل سموتريتش» قال إن جميع الحكومات الاسرائيلية كانت تعتمد على أنظمة برلمانية وائتلافات، وإن الحكومات السابقة شكلت ائتلافات مع أحزاب مرتبطة بجماعة الإخوان المسلمين التى ترفض وجود اسرائيل دون أن تلقى أى انتقادات على ذلك. وكان «نتنياهو» يشير بذلك إلى رئيس (القائمة العربية الموحدة «منصور عباس» الذى اعترف علنا بحق إسرائيل فى الوجود، وأبدى رغبته فى الاندماج من أجل مصلحة الأجيال القادمة، الذى لا يزال حزبه يتعاون مع الائتلاف الحالى فى تمرير القوانين.
«نتنياهو» أصبح هو وحكمه مجرد فكرة وليس أكثر من ذلك. وإذا كان فكرة فسيكون مسموح له بتغيير القانون حتى يتمكن من تعيين المفوض القادم للخدمة المدنية، والذى سيكون فى الأساس مفوض خدمة «نتنياهو». ومن المقبول له أيضًا تهريب ابنه على متن طائرة رئيس الوزراء، وأيضًا من المقبول له توجيه وزير العدل لعدم تعيين رئيس للمحكمة العليا، فحين تكون فكرة فأنت قادر على كل شىء.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: سناء السعيد رئيس وزراء إسرائيل الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين قطاع غزة محكمة العدل الدولية أعمال الإبادة الجماعية
إقرأ أيضاً:
رفعت عينى للسما
فى هذه الأيام الحالكة السواد، يتوق المرء إلى تلك اللحظات التى تحمله إلى الفرح والأمل والتوازن النفسى يصنع لنا مسارات التفاؤل بمستقبل، يعد بفيض ممتع من الفن الملهم الراقى. تملكتنى تلك اللحظات مع تتابع تترات النهاية للفيلم الوثائقى «رفعت عينى للسما» الذى يعرض الآن فى قاعات العرض، وقدم خلاله المخرجان «أيمن الأمير» و«ندى رياض» تجربة شديدة التفرد والخصوصية والإبداع، عملا من أجل إنجازها بلا كلل لأربعة أعوام، ليأتى فيلمهما حافلا بالصدق الفنى والرؤية الواعية التى تحملها رسائل تنطوى على الاحتفاء بمقاومة كافة عوامل التخلف الاجتماعى، الذى ترسخه تقاليد بالية تؤسس قواعد قهرها إلى الطرف الأضعف فى معادلة الهيئة الاجتماعية: المرأة.
ينطوى عنوان الفيلم على مضمونه: «رفعت عينى للسما» ليس استجداء أو ضعفا، كما هو المعنى المضمر الشائع لرفع العين إلى السماء، ولا قلة حيلة، بل أملا فى رحمة السماء الواسعة والممتدة، وشغفا بالأحلام والأخيلة التى تتشكل حين النظر إلى النجوم والكواكب فى أرجاء هذا الكون، وصولا لثقة بالنفس، تقود لرفع الرأس عاليا إلى السماء.
ويحكى الفيلم تجربة مجموعة فتيات موهوبات مفتونات بالفنون الإبداعية، ومسكونات بإيمان عميق بقدرة الفن على التأثير فى الواقع أو تغييره، من قرية البرشا - وهو اسم فرعونى للقرية ويعنى بالعربية مقاطعة الأرنب- إحدى قرى مركز ملوى بمحافظة المنيا، التى تقع شرق نهر النيل، حيث يجرى بجمال خلاب لا مثيل له، أحد أوسع فروع النهر، لتكوين «فرقة بانورما البرشا» لتقديم العروض المسرحية، فى شوارع القرية التى تعد نموذجا لكل قرى الصعيد. وبوعى تلقائى، أدركت فتيات البرشا أن الفن هو اللغة المشتركة التى يمكن للناس، أن يفهموا بها بعضهم البعض، برغم اختلاف ثقافتهم ومشاكلهم. فبدأن بتأسيس خشبة للمسرح للقيام بالتدريبات، وجلن شوارع القرية وهن يقرعن آلات إيقاعية، لتقديم مشاهد من عروضهن لأهلها.
أما المشاهد المسرحية، فهى تقدم نقدا لاذعا لما تتعرض له الفتيات من زواج قسرى، وتنمر تسلط ذكورى على مصائرها، داخل الأسرة والمجتمع. ولأنه نقد ينطوى على أهازيج غنائية، فهو يتحلى بالجاذبية والتسلية التى تنجح فى جذب انتباه أهالى القرية. ويعرج الفيلم لمصائر الفتيات أعضاء الفرقة حيث تتخلى إحداهن بالزواج عن حلمها أن تصبح مطربة مثل أصالة. وتستنيم أخرى لطلب خطيبها مغادرة الفرقة، برغم تشجيع أبيها لها على مواصلة حلمها كراقصة باليه وممثلة، وتتشبث ثالثة بحلمها وتقرر السفر للقاهرة لكى تلتحق بمعهد الفنون المسرحية، لكى تدرس فن التمثيل الذى عشقته.
ويأتى المشهد الختامى للفيلم مفعما بالإيحاءات البارعة. جيل جديد نشأ فى ظلال فرقة بانوراما البرشا، وتأثرا بها، متسلحا هذه المرة بما قد تعلمه من دروس نجاحها وإخفاقها، وشتاتها، يجوب أنحاء البرشا، وهو يقرع بشغف وهمة الطبول لإيقاظ الغافلين، ومواصلة الطريق الذى مهدته الفتيات، نحو الحرية والتحقق.
لم يكن غريبا أن يفوز الفيلم بجائزة العين الذهبية، للنقاد فى الأفلام التسجيلية فى مهرجان كان هذا العام، فقد مهد صدقه وتعبيره البسيط العفوى والمتقن عن واقع ريفى تقليدى، الطريق نحو هذا الفوز. فضلا عن التوظيف المتقن للغة والاستخدام الذكى للصورة، وللرموز الكنسية، والقرع المدوى للطبول، بما ينطوى عليه من معانى التحذير والتنبيه الإنذار، والسرد التلقائى والتجريبى لممثلين مبتدئين، وكلها أدوات تصوغ واقعا فنيا ينشد فيه الإنسان بالشجاعة والحرية مواجهة التهميش. ومثلما شيدت واقعية نجيب محفوظ الطريق نحو عالميته، فإن فيلم ندى رياض وأيمن الأمير «رفعت عينى للسما» يؤسس لسينما تسجيلية مصرية، تخطو بثبات نحو العالمية.