بيتر كوراس

ترجمة - أحمد شافعي

هل يجوز قانونيا في ألمانيا أن نقول عبارة «من النهر إلى البحر، ستتحرر فلسطين»؟ يبدو أن الإجابة هي نعم: بوسعك أن تصيح بها من فوق أسطح المنازل باللغات الألمانية أو الإنجليزية أو العربية أو العبرية، طالما أن المحكمة تقبل أنك لا تفعل ذلك للإشارة إلى دعم حماس أو هجومها في السابع من أكتوبر.

تجلى هذا التمييز في حالة الناشطة آفا مويري الأسبوع الماضي، عندما أدينت بتهمة «التسامح مع جريمة» لمبادرتها بالهتاف بالشعار في تجمع حاشد في برلين في الحادي عشر من أكتوبر. إذا فهم الناس أن الناطق بهذه العبارة يعني، على سبيل المثال، أنه يدعم التحرير السلمي للفلسطينيين، فإن نطق بها يكون خاضعا للحماية. لكن رئيسة المحكمة بيرجيت بالزر لم ترَ أن هذا ممكن في هذه القضية، مستشهدة بتاريخ الاحتجاج في قرارها. ومن المتوقع أن تطعن مويري في الحكم أمام محكمة أعلى.

بات هذا الشعار يرمز إلى صدع يشق المجتمع الألماني في غمرة حرب إسرائيل في غزة. فهو بالنسبة لبعض الناس يشير ضمنا إلى إبادة جماعية، وذلك بصفة خاصة بسبب تاريخه الطويل من استخدام حماس وغيرها من المنظمات المقاومة له. ترد أن القاضية قالت إنه من الواضح بالنسبة لها أن الشعار «ينكر على دولة إسرائيل حق الوجود»، في حين أعلنت وزيرة الداخلية الألمانية نانسي فايزر أن الشعار شعار حماس. لكن آخرين يرونه محض دعوة بسيطة إلى حرية الشعب الفلسطيني، التي قد تتصورهها الناطقة بالشعار بعدة طرق. (قال فريق مويري القانوني إنه يجب النظر إلى الشعار باعتباره «تعبيرا مركزيا عن حركة التضامن العالمية مع فلسطين» السابقة تاريخيا على وجود حماس). وفي حين أن المدعين العموميين والشرطة و«قياصرة معاداة السامية» في ألمانيا قد بذلوا محاولات واسعة النطاق لفرض التفسير الأول، فإن المحاكم تميل إلى التفسير الثاني.

كان قرار القاضية في الأسبوع الماضي «مفاجئا ومتناقضا مع قرارات أخرى»، حسبما أخبرني رالف مايكلز، مدير معهد ماكس بلانك للقانون الخاص المقارن والدولي، عبر رسالة إلكترونية. فقد توصلت قضايا مماثلة في مانهايم ومونستر إلى أن العبارة قد تستعمل بمعان يحميها القانون الألماني.

وبرغم أن الحكم قد يكون محاطا بالشكوك، فإن هذه الواقعة تساعد في الكشف عن أبعاد الأزمة الاجتماعية والسياسية التي تواجه ألمانيا. إذ لا يزال هذا البلد يتمسك بالنغمة نفسها التي كان يرددها النازيون وهي أننا ينبغي أن نكون أكثر حذرا لأن الرموز السياسية قد تعني أشياء مختلفة لأشخاص مختلفين في أوقات مختلفة.

قالت مويري، التي اتُهمت بالتعبير عن دعمها لحماس إنها تنتمي إلى أسرة من الشيوعيين الإيرانيين (العلمانيين على الأرجح). وقد ظهرت في الأخبار من قبل، بسبب عملها في محاولة حشد موارد الدولة الألمانية لمنع جرائم الشرف في المجتمعات الإسلامية. ويبدو مستبعدا أن تكون من أنصار الأصوليين الدينيين.

كما واجه ناشطون الاعتقال لاستخدامهم أشكالا مختلفة من التعبير، مثل «من ريسا إلى نهر شبريه»، في إشارة إلى مطعم شعبي للوجبات السريعة في برلين ونهر يقسم العاصمة الألمانية. ولعل الأمر الأبرز هو أن شرطة برلين حظرت الغناء والهتاف وإلقاء الخطب بلغات غير الألمانية والإنجليزية في بعض المظاهرات.

ولكن هذا الشعار من أوجه كثيرة لا يشكل حتى جزءا مهما من القصة. فقد أثارت اتهامات معاداة السامية في ألمانيا دعوات للترحيل من جانب أعلى المناصب السياسية. وفي المناخ الحالي، رأينا أن التمويل المخصص لفضاءات اجتماعية وللتعليم العالي وللمراكز الثقافية وللفنانين قد تم سحبه أو التشكيك فيه ــ وكثيرا ما يجري ذلك دونما مراعاة لمعايير الديمقراطية، أو الإجراءات القانونية الواجبة، أو العمل المهم الذي تؤديه هذه المؤسسات والأفراد في كثير من الأحيان.

بالنسبة للعديد من القادة الألمان العازمين على منع انتشار معاداة السامية، لا تمثل اعتراضات المحاكم والمراقبين القانونيين لصالح حرية التعبير إلا محض دليل على الحاجة إلى قوانين أفضل. وأكثر هذه الاعتراضات إثارة للقلق هو على الأرجح مشروع قرار يناقش في البوندشتاج. وفي حال إجازته، فسوف يسن مجموعة واسعة من التدابير التي يخشى المنتقدون أن يكون لها تأثير مخيف واسع النطاق على حرية التعبير في ألمانيا، بوجود بند فيه يطالب أي شخص يسعى للحصول على تمويل فيدرالي بالخضوع لفحص الخلفية الذي تجريه هيئة الاستخبارات المحلية في ألمانيا. ويحظى مشروع القانون بدعم واسع النطاق عبر الطيف السياسي.

قد يصعب ألا نسمع أصداء من فرويد في رؤية الألمان لشبح الإبادة الجماعية في دعوة إلى الحرية. فبالنسبة للعديد من الألمان، كما أشار ألكسندر ومارجريت ميتشيرليتش في كتابهما المهم الصادر سنة 1967 بعنوان «العجز عن الحزن»، كانت نهاية الحرب العالمية الثانية تعني كبت معاناة الهزيمة وشدة تعلقهم بهتلر. ومن الصعب أن نتصور أن الحزن المكبوت على هتلر منتشر في ألمانيا اليوم على نطاق واسع، ولكن من الصعب أيضا أن نهرب من نتيجة مفادها أن هناك نوعا من التشوهات النفسية المنتشرة على نطاق واسع فيما يتعلق بقضايا اليهود والحياة اليهودية. ومن هنا عبثية اعتقال الشرطة الألمانية لناشطين يهود ومنع مظاهرة لجماعة يهودية يسارية بناء على تخوف على الرفاه اليهودي.

ثمة تخوفات مشروعة من أن ارتباط شعار «من النهر» الخاص بتحرير فلسطين ارتباطا وثيقا ومؤلما بأفعال حماس. ولكن هذه المخاوف قابلة لأن تعالجها ألمانيا بالصراحة. فآلام كل إنسان تستحق الاحترام والأخذ في الاعتبار، وإذا ما شعر بعض الناس بصدمة من شيء ما، فيجب أن يكون لذلك شأنه. ولكن لا يمكن أن نسمح لصدماتنا بتحديد رؤيتنا للعالم. فبوسعنا عبر طرق كثيرة أن نتخيل فلسطين حرة دون أن ينطوي ذلك على إبادة جماعية. وحتى لو أن الشعار ارتبط ذات يوم بحماس، فليس بالضرورة أن يكون كذلك اليوم. هناك أشخاص في ألمانيا يستثمرون «من النهر إلى البحر» بما تراكم من كرامة وأمل في حركات الاحتجاج غير العنيفة. ولكن يجب السماح لهم بالحديث، ويجب أن تبدأ ألمانيا في الإنصات.

بيتر كوراس كاتب ومترجم مقيم في برلين

الترجمة عن الجارديان البريطانية

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی ألمانیا من النهر

إقرأ أيضاً:

ارتفاع حاد في حالات إفلاس الشركات الألمانية وسط الركود

ارتفع عدد الشركات الألمانية التي تقدمت بطلبات لإشهار إفلاسها بشكل حاد في فبراير/شباط الماضي وسط استمرار حالة الركود الاقتصادي.

وأعلن مكتب الإحصاء الاتحادي في فيسبادن، اليوم الجمعة، أنه سجل زيادة بنسبة 12.1% في طلبات إشهار الإفلاس خلال فبراير/شباط الماضي على أساس سنوي.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2الذهب يتجاوز 3000 دولار للأوقية للمرة الأولى في التاريخlist 2 of 2هل يصل سعر الذهب إلى 3500 دولار في 2025؟end of list

وباستثناء يونيو/حزيران 2024، كانت نسبة نمو حالات الإفلاس في خانة العشرات منذ يونيو/حزيران 2023.

وحسب بيانات المكتب، فإن الأرقام لا تشمل سوى حالات الإفلاس التي أصدرت فيها المحكمة قرارا أوليا.

وعادة ما تقدم الشركات طلبا أوليا بإشهار الإفلاس قبل حوالي 3 أشهر من تاريخ صدور قرار المحكمة.

وسجلت المحاكم المحلية 21 ألفا و812 حالة إشهار إفلاس للشركات لعام 2024 بأكمله، بزيادة قدرها 22.4%، مقارنة بعام 2023 الذي سجل أيضا زيادة قدرها 22.1%.

ولم تشهد ألمانيا هذا العدد المرتفع من حالات الإفلاس منذ عام 2015، عندما سجلت 23 ألفا و101 حالة.

وفي عام 2024 زادت مطالبات الدائنين بأكثر من الضعف، لتصل إلى 58.1 مليار يورو، مقابل 26.6 مليار يورو عام 2023.

وعزا المكتب هذه الزيادة الحادة إلى ارتفاع عدد حالات الإفلاس الكبرى التي تجاوزت مطالباتها 25 مليون يورو، والتي ارتفعت بنسبة 127.5%، لتصل إلى 314 حالة.

إعلان

وكانت معظم حالات الإفلاس في قطاعات النقل والمستودعات والبناء وغيرها من قطاعات الخدمات الاقتصادية.

وعلى عكس حالات إفلاس الشركات، ارتفع عدد حالات إفلاس الأفراد بنسبة طفيفة بلغت 6.5% فقط، ليصل إلى 71 ألفا و207 حالات.

مقالات مشابهة

  • رحلة عبد الشافي الأخيرة إلى الداخل
  • الغارديان: التهديد بترحيل محمود خليل تجاهل خطير لحرية التعبير
  • لماذا غضب نتنياهو من صفقة تبادل الأسرى التي وافقت عليها حماس؟
  • هل الإنسان مجبر على أفعاله أم يمتلك حرية الاختيار.. أحمد عمر هاشم يوضح
  • حماس: المجزرة المروعة التي ارتكبها جيش العدو في بيت لاهيا تصعيد خطير
  • ساكو يقترح منح حرية اختيار الدين بعد سن البلوغ في العراق
  • عُمان عبر الزمان يحتفي بتدشين الهوية البصرية والعملة والطابع
  • ارتفاع حاد في حالات إفلاس الشركات الألمانية وسط الركود
  • سقط في مجرى النهر خلال فراره من شخصين!
  • WP: محاولات إدارة ترامب ترحيل محمود خليل تهديد لحرية التعبير المكفولة بالدستور