هل تدمير غزّة هو نتيجة لهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، أم أنّه جزء من عملية طويلة من القمع والاستئصال والإبادة والاحتلال؟ هل يحقُّ للشعب الفلسطيني مقاومة الاحتلال؟ وهل الحديث عن الإبادة الجماعية هو معاداة للسامية؟
في كتابه الصادر مؤخراً عن دار نشر “لا تيرزا”، بعنوان “غزّة أمام التاريخ”، يحاول المفكّر الإيطالي إنزو ترافيرسو Enzo Traverso تقديم أجوبة مختلفة عن تلك التي المهيمنة في الغرب؛ حيث توصف “إسرائيل” بأنّها جزيرة “الديمقراطية”، وحماس بأنّها “جيش وحشي من سكّان الرمال”.

يقدّم المفكر الإيطالي نصاً سياسياً موجزاً يتناول فيه كيفية بناء مواقف الجلادين والضحايا. نقطة البداية عنده هي المشهد المتناقض المتمثّل في أنَّ “إسرائيل”، بينما تدمّر غزّة وتمارس إبادة جماعية فيها، تقدّم نفسها ضحية “لأكبر مذبحة في التاريخ منذ المحرقة”. وبما أنَّ المحرقة هي مرجع دائم للإسرائيليّين، فإن ترافيرسو يأخذ بعض المقارنات بالحرب العالمية الثانية ويتحدّث عن “نوع من محاكمات نورمبرغ العكسية” حيث لا يتمّ الحكم على الجرائم التي ارتكبها النازيون، بل على الفظائع التي ارتكبها الحلفاء. وبهذا المعنى، يعيد إلى الأذهان الجدل الألماني حول الماضي الهتلري، حيث عرّف المؤرخ المحافظ إرنست نولت الجرائم النازية بأنها “رد فعل” على تهديد البلشفية، ومن ثم كان الضحايا هم الألمان، وليس اليهود. وبعد عرض هذا التشابه، يشير ترافيرسو إلى أنه لتبرير جرائمه، يقوم الاستعمار الصهيوني بالدعاية بأن الضحايا هم الإسرائيليون، وليس الشعب الفلسطيني.

وفي مواجهة هذا التحريف والانقلاب لموقف الضحية والجاني، يتبنّى المفكر الإيطالي تعريف الإبادة الجماعية الذي حدّدته اتفاقية الأمم المتحدة لعام 1948، لتحديد ما يحدث في قطاع غزّة، حيث لا يتعلّق الأمر عنده بحرب بين جيشين، بل إنّه تدمير أحادي الاتجاه، مستمر ولا يرحم، ويهدف بمنهجية إلى القضاء على مجموعة من المراكز الحضرية التي يسكنها ما يقرب من مليوني إنسان فلسطين. إنّه منطق الإبادة الجماعية، وهو ما يقوم به جيش يملك آلة حرب وتكنولوجيا متقدّمة جداً.

يكشف مفارقة دعم الغرب لإبادة جماعية باسم مهمته الحضارية

وبعد ذلك، يتطرّق المؤلّف إلى آليات بناء الخطاب الذي يصدّر “إسرائيل” على أنّها “جزيرة ديمقراطية وسط محيط ظلامي من العالم العربي”. هذا الخطاب السائد في الغرب، والذي تتبناه مؤسّسات السياسة والإعلام الغربيين يعود إلى القرن التاسع عشر، عندما ارتكب الغرب عمليات إبادة جماعية استعمارية باسم مهمته الحضارية، وحتى الآن لا يزال يقوم على افتراضات أساسية هي: “الحضارة” في مواجهة “الهمجية”، و”التقدم” في مواجهة “التخلف”.

كذلك، يقوم هذا الخطاب الإعلامي والسياسي اليوم بربط ذكرى المحرقة تدريجياً بالدفاع عن “إسرائيل” والنضال ضد معاداة الصهيونية. أمّا الدعاية الصهيونية القائمة والمنتشرة فقد استطاعت أن تختزل التاريخ إلى صفحة بيضاء فكأن “كل شيء قد بدأ في 7 أكتوبر وليس باحتلال الأراضي الفلسطينية والتطهير العرقي منذ عام 1948. وفي الوقت نفسه تقول هذه الدعاية بإخفاء التخريب الصهيوني المستمر لأي اتفاق أو بديل غير المفروض من قبل “إسرائيل”.

وبعد هذا يتطرق الكاتب بتوسع إلى موضوع معاداة السامية. فبينما تقتل آلة الحرب المدنيين الأبرياء، يصف سلاح الإعلام والسياسة كل ما من شأنه انتقاد “إسرائيل” بأنه “معاد للسامية”، مشيراً إلى أنه اتهام خطير بقدر ما هو كاذب، ولا سيّما أن العديد من الطلاب والأساتذة اليهود، وحتّى طلاب إسرائيليين، شاركوا في مظاهرات في مختلف بلدان العالم ضد المذبحة التي يتعرض لها الشعب الفلسطيني، وصولاً إلى نتيجة أن “معاداة السامية أصبحت سلاحاً” لـ “تجريم انتقاد إسرائيل”.

يشكّل كتاب “غزة أمام التاريخ”، نداءً قوياً ضد الأعمال الإجرامية التي تقوم بها “إسرائيل”، والتي تدعمها الدول الإمبريالية سياسياً ومادياً، ولا سيّما أن مؤلفه هو مفكّر إيطالي شهير متخصص في مسألة اليهوديات والهولوكوست.

المصدر: الوحدة نيوز

كلمات دلالية: الامم المتحدة الجزائر الحديدة الدكتور عبدالعزيز المقالح السودان الصين العالم العربي العدوان العدوان على اليمن المجلس السياسي الأعلى المجلس السياسي الاعلى الوحدة نيوز الولايات المتحدة الامريكية اليمن امريكا انصار الله في العراق ايران تونس روسيا سوريا شهداء تعز صنعاء عاصم السادة عبدالعزيز بن حبتور عبدالله صبري فلسطين لبنان ليفربول مجلس الشورى مجلس الوزراء مصر نائب رئيس المجلس السياسي نبيل الصوفي

إقرأ أيضاً:

دبلوماسي أمريكي سابق: إسرائيل تستخدم «معاداة السامية» لكتم صوت معارضيها

قال وليام لورانس، الدبلوماسي الأمريكي السابق، إن رفض إسرائيل لقرار الجنائية الدولية، هو رد فعل نمطي من إسرائيل التي تعتبر أي انتقاد لها بمثابة معاداة للسامية، مؤكدا أن القوانين الفيدرالية وقوانين الولايات الأمريكية تصنف أي شكل من أشكال معاداة السامية كخرق للقانون، ما يجعلها أداة قوية تستخدمها تل أبيب لإسكات الأصوات المعارضة.

قرار المحكمة الجنائية الدولية مبرر

وأضاف «لورانس»، خلال مداخلة مع الإعلامية جمانا هاشم، ببرنامج «10 داونينج ستريت»، أن قرار المحكمة الجنائية الدولية مبرر تمامًا، نظرًا لما ارتكبه رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو من جرائم حرب، لافتا إلى أن هناك العديد من النقاط التي تم التغاضي عنها.

وأكد أن جميع الأطراف تدرك ما تقوم به إسرائيل من قتل للأطفال والنساء والمدنيين بشكل عام، بالاضافة إلى قصف المستشفيات والبنى التحتية، متابعا: «هذا كله يبرر في إطار القانون الدولي صدور مذكرات الاعتقال».

وأشار «لورانس»، إلى أن المجتمع الدولي يسعى لتنفيذ القرار، الذي يعد قرارا غير مسبوق، مواصلا: «أرى أنه كان ينبغي على المحكمة الجنائية الدولية أن تتخذ أيضا إجراءات ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وقادة آخرين».

مقالات مشابهة

  • “الشويهدي” يناقش الصعوبات التي تواجه عمل منظمات المجتمع المدني
  • ما هي قاعدة “حتسور” الجوية الصهيونية التي استهدفها حزب الله للمرة الثانية
  • وزير النفط يقوم بزيارة تفقدية إلى شركتي “البترول الوطنية” و”كيبك”
  • “الأونروا”: إمدادات الغذاء التي تدخل غزة لا تلبي 6% من حاجة السكان
  • خبير فرنسي: هذه هي الإدارة الأكثر معاداة للفلسطينيين في التاريخ الأميركي
  • الرئيس الكولومبي: هدف حرب الإبادة التي تمارسها “إسرائيل” في غزة منع قيام وطن للفلسطينيين
  • شاهد الشخص الذي قام باحراق “هايبر شملان” ومصيره بعد اكتشافه وخسائر الهايبر التي تجاوزت المليار
  • دبلوماسي أمريكي سابق: إسرائيل تستخدم «معاداة السامية» لكتم صوت معارضيها
  • أولمرت: الصهيونية الدينية أخطر على إسرائيل من التهديدات الخارجية وجيشنا ارتكب جرائم حرب
  • هناك فرق كبير بين السودان وإسرائيل.. السودان زمن الإنقاذ كان “دولة مارقة”