إخفاق جولة الدوحة .. يبقي سيف الحرب مسلطا على المنطقة!!
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
يعتقد العرب المساكين أن جولة مفاوضات الدوحة كانت فاشلة لأنها لم تصل لاتفاق ينهي حرب الإبادة الجماعية في غزة، لكنها بالنسبة للأمريكيين كانت نجاحا جزئيا إذ حققت هدفا أساسيا لواشنطن من هذه الجولة وهي منع الرد الإيراني ورد حزب الله على اغتيال القائدين هنية وشكر.
في هذا السياق كان لافتا اتصال وزير الخارجية القطري مع نظيره الإيراني ليومين متتابعين كانت تجري فيهما مفاوضات الدوحة بين حماس وإسرائيل مصحوبة بغمامة تسريبات أمريكية متعمدة «زائفة» عن تقدم كبير نحو عقد الصفقة.
الإيحاء السياسي هنا هو أن تقويض هذا التقدم أمام العالم سيكون مسؤولية طهران وحلفائها في محور المقاومة وهي مسؤولية لا يريد أحد أن يتحملها. لا يمكن لمنصف أو مدقق أن يستبعد تأخر الرد الإيراني ورد المقاومة اللبنانية ورد الحوثيين على تدمير ميناء الحديدة إلا في سياق هذه المناورات السياسية والتفاوضية الدائرة في الشرق الأوسط التي تحرك واشنطن وتتحكم بكل خيوطها.
من هذا تستطيع بسهولة أن تعرف الهدف الأمريكي الأساسي ليس حل الأزمة ولكن وقف التصعيد الحاصل فيها والسيطرة على منسوبه بحيث لا يخترق سقف الحرب المحدودة إلي الحرب في عموم الشرق الأوسط.
باعتراف البيان الثلاثي الصادر في ختام المباحثات فإن المقترح الذي كان على الطاولة في الدوحة هو مقترح أمريكي خالص دعمه (الوسيطان العربيان)!! وباعتراف حركة حماس فإن المقترح الأمريكي تماهى تماما مع تعديلات شروط نتانياهو الخمسة التي أدخلها في مناسبتين مختلفتين وهدف من خلالها باعتراف وزراء وعسكريين إسرائيليين إلى منع الوصول لاتفاق.
أحيانا ما تكون بعض الأخطاء أو زلات اللسان تعبيرا أدق عن الحقيقة وهكذا بدا أول رد فعل من مكتب نتانياهو على اختتام جولة الدوحة دون اتفاق إذ قال: «تقدر إسرائيل الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والوسطاء لإخضاع حماس وإثنائها عن رفضها لصفقة إطلاق سراح الرهائن وتأمل إسرائيل أن تؤدي الضغوط التي يمارسونها إلى دفع حماس إلى قبول مقترح 27 مايو، حتى يصبح بالإمكان تنفيذ تفاصيل الاتفاق» تعدلت الصيغة لاحقا لإقناع حماس بدلا من إخضاع حماس.
الحقيقة أن إخضاع حماس للقبول بـ (قسمة ضيزى) هو جوهر ما سعى إليه موفدا بايدن الكبيران بيرنز وماكجورك في الدوحة.. والحقيقة أن مقاومة حماس لاتفاق من هذا النوع هو سبب الفشل الرئيسي في الدوحة وهو الذي استدعى الحاجة لجولة أخرى في القاهرة تعقد نهاية هذا الأسبوع.
الحقيقة أيضا أن الضغط ومن جميع الأطراف والوسطاء إنما يتم في اتجاه واحد وعلى طرف واحد هو حماس والمقاومة، بينما يقف نتانياهو منتظرا من الجميع أن يحققوا له أهدافه في الحرب التي عجز وأسلحة أمريكا والناتو عن تحقيقها في ميدان القتال.
إسرائيل نتانياهو التي تهاوت قوة ردعها بعد هجوم المقاومة في ٧ أكتوبر وباتت عاجزة عن مواجهة أي تهديد عسكري إلا بطلب معاونة واشنطن.. باتت عاجزة أيضا عن فرض شروطها في صفقة لوقف إطلاق النار إلا بمعاونة واشنطن.
المدهش أنه إذا كان رفض قادة حماس لرسائل أمريكا التي نقلها لهم القطريون والمصريون من خلال المقترح المنحاز لنتانياهو يعبر عن مستوى وازن بين استقلال القرار السياسي حتى عن أقرب داعميها الإعلاميين والماليين وأقرب جيرانها الجغرافيين المؤثرين على غزة.. فإنه يعبر عن اعتمادية إسرائيلية مطلقة على واشنطن وأصدقاء واشنطن العرب لفرض تسوية تخرجها منتصرة «بالواسطة» من حرب عجزت عن كسبها بذراعها.
لا تفسير مقنع لعجز أمريكا عن عقد صفقة لوقف إطلاق النار في غزة ومنع حازم لنتانياهو بعدم التسبب في حرب إقليمية في الشرق الأوسط لا تناسب عام انتخابات رئاسية أمريكية حاسمة ولا تناسب متغيرات حرب أخرى تخوضها بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا إلا عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الإدارة الأمريكية لاستخدام ما هو متاح لها من موارد وأدوات ضغط استراتيجية هائلة على إسرائيل. أدوات اتضحت بجلاء بعد ٧ أكتوبر من ظواهر اعتماد إسرائيل عليها لإنقاذها عسكريا وحمايتها دبلوماسيا وقانونيا بتهديد وشل إرادة الأمم المتحدة ومنع محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية من فرض عقوبات على جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة.
بعبارة أوضح فإن استمرار الحرب في غزة وعجز بايدن عن إتمام صفقة - يزعم أنه قريب منها من شهر رمضان الماضي أي منذ نحو أربعة أشهر- هي أكبر دليل على أن واشنطن لم تستخدم ثقلها الحقيقي والفعلي على إسرائيل وفضلت باستمرار ممارسة هذا الثقل على المقاومة الفلسطينية عبر حلفائها العرب.
بالنسبة لشبح حرب لم تهدد المنطقة بهذه الخطورة منذ ٥٠ عاما أي منذ حرب أكتوبر ٧٣ وتهدد في هذه اللحظة بعض أهم مصالحها في المنطقة والعالم فإن الولايات المتحدة تفعل القليل سياسيا وأخلاقيا للحيلولة دون اتساع شررها.
هذا القليل الأمريكي- لأنه منحاز كلية للطرف الإسرائيلي- يعود في جزء منه إلى ضغوط السياسة الداخلية الأمريكية ونفوذ الصوت اليهودي وصوت المسيحية الصهيونية في عام الانتخابات ولكن الجزء الأكبر يعود إلي أن التصور الاستراتيجي الأمريكي تغير بعد السابع من أكتوبر وصار متفقا مع إسرائيل في أن الاستمرار في إدارة الصراع مع محور المقاومة لهيمنتها على المنطقة لم يعد مجديا وأن وقتا قادما لابد أن تنتقل فيه إلى حسم هذا الصراع حسما عسكريا تاما.
الخلاف بين واشنطن وتل أبيب هو خلاف على التوقيت.. واشنطن تريد أولا مد مظلة التطبيع واستكمال الحلف الإبراهيمي ومد نطاقه العربي واستكمال بناء قدرات حلف النقب للدفاع الجوي وتحويله لحلف عسكري كامل أمريكي/ إسرائيلي/عربي ضمن متطلبات استراتيجية أخرى قبل الشروع في المواجهة الكبرى مع إيران وحلفائها التي تراها قادمة لا محالة أما نتانياهو فيعتقد أن الفرصة مواتية لغسل عار جيشه وعاره الشخصي في ٧ أكتوبر في الهزيمة المذلة أمام المقاومة في غلاف غزة. وأن الوقت مناسب لتفجير المنطقة وهزيمة كل أعدائه العرب والإيرانيين مرة واحدة بمعاونة أمريكا والناتو.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی غزة
إقرأ أيضاً:
المقاومة تلعب بذكاء والعدو يكرس فشله أكثر.. الهُدنة إلى أين؟
يمانيون/ تقارير
في تطورٍ مفاجئ، أعادت المقاومةُ الفلسطينيةُ فرضَ نفسِها طرفاً فاعلاً في مفاوضات وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، عبر طرح مبادرةٍ تُلقي بظلالها على حسابات الكيان الصهيوني، وتُعقِّد موقفه التفاوضي. جاءت هذه الخطوة بعد تصاعد الضغوط الدولية الفاشلة لإجبار حركة حماس على التنازل عن شرطها الأساسي بوقف الحرب والانسحاب الكامل من غزة، فيما رأت أوساط في العدو الإسرائيلي أن الحركة الفلسطينية نجحت في الاستحواذ على زمام المبادرة عبر طرحها إطلاق سراح خمسة أسرى يحملون الجنسيتين “الإسرائيلية” والأمريكية، ما دفع الكرة إلى ملعب الصهاينة وأربك استراتيجيتها التفاوضية.
منذ اللحظة الأولى، حاول العدو الإسرائيلي تحميل الفلسطينيين وزر فشله العسكري والأخلاقي، فشنَّ حربًا استمرت عامًا وخمسة أشهر استشهد خلالها أكثر من 40 ألف فلسطيني، ثلثاهم أطفال ونساء، وفق تقارير أممية. لكن حماس، برغم الدمار، لم تنكسر، بل حوَّلت الملف الإنساني إلى سلاح تفاوضي. فبينما كان قادة الكيان يتباهون بـ”سحق الإرهاب”، يعترف المحللون والنخبة الصهاينة بشيء آخر مغاير من بينهم إيلان بيتون، القائد العسكري الصهيوني السابق، بالهزيمة والذي يقول في حديثه لإحدى القنوات العبرية:
“ارتكبنا خطأً قاتلًا عندما أوقفنا المرحلة الأولى من الاتفاق دون ضمانات. الآن، الأميركيون يتفاوضون مع حماس فوق رؤوسنا، وحكومتنا تتخبط كعجلة مكسورة!”
ويضيف: لم ندخل في المرحلة الثانية من موقع قوة، بل دخلنا في حالة من التأرجح. وعدم طرحنا لموقف خاص بنا أدخل الأميركيين إلى هذا الفراغ، وقد جاء مبعوث ترامب آدام بولر وطرح مواقفه واتصل بحماس، وقد ضرب بذلك قوة موقف ترامب إلى درجة اضطر ترامب للقول إننا لن نهجر أحدا من غزة!
لم تكن هذه الاعترافات صادرة عن ضميرٍ يقظ، بل عن إدراكٍ مرير بأن المبادرة الفلسطينية مزَّقت ورقة التوت عن عورة الكيان العسكري. فحتى الجنرالات الصهاينة بدأوا يتحدثون بلغة الهزيمة، مثلما سُرب عن قائد المنطقة الوسطى في جيش العدو الاسرائيلي قوله:
“غزة صارت مقبرة لشبابنا. كل بيت ندكّه يتحول إلى فخٍّ يفجر أبطالنا!”
أما على طاولة المفاوضات، فقد نجحت حماس في تحويل شروط واشنطن إلى سلاحٍ ضدها. فبعدما طالبت الإدارة الأمريكية بالإفراج عن أسرى يحملون جنسيتها، وافقت الحركة ببرودٍ على العرض، لكن بشمّاعة جديدة: الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين ووقف الحرب إلى الأبد. هنا اشتعلت الأزمة في “تل أبيب”، حيث صرخ اليئور ليفي، المحلل الصهيوني، منفعِلاً في مقابلته مع قناة عبرية:
“هذه مناورة ماكرة! حماس تُظهر مرونة وهمية لتوريطنا أمام حلفائنا. العالم كله يسأل: لماذا ترفض إسرائيل السلام إن كانت حماس موافقة؟!”
لكن الأسئلة الأكثر إحراجًا تأتي من الداخل الصهيوني نفسِه، حيث خرج أهالي الأسرى الصهاينة يهتفون في شوارع “تل أبيب” آخرها مساء السبت الاحد : “كل يوم تأخير هو جريمة، حكومة نتنياهو تقتل أبناءنا بأيديهم!”. هذه الضغوطات تأتي بعد 15 شهرًا من العدوان على غزة، لم يتحرر سوى عدد من الأسرى الصهاينة، بينما قُتل 43 آخرون بقصف جيش العدو نفسه على غزة، وفق اعترافات مخابرات العدو.
على الصعيد الدولي، ما زال “الضمير العالمي” يتغذى على شعاراتٍ جوفاء. ففي الوقت الذي تدين فيه الأمم المتحدة “الانتهاكات الإسرائيلية”، يمنع الفيتو الأمريكي أي قرارٍ بوقف إطلاق النار. حتى الاتهامات الجديدة بجرائم حرب ضد قادة العدو لم تتحول إلى خطوات عملية، ما دفع تاليا ساسون، المسؤولة الصهيونية السابقة، إلى السخرية:
“أمامكم خياران: إما أن تعترفوا أن “القوة” فشلت في غزة، أو تواصلوا الكذب على أنفسكم حتى تسقط الأرقام عليكم!”
تعم حالة الإحباط الأوساط الصهيونية بمن فيهم المسؤولون السابقون؛ أحدهم ايلان سيغف – مسؤول سابق في الشاباك الصهيوني يقول: “نحن نلعب بالكرة مع أنفسنا ونركض من جهة إلى جهة أخرى لنركل الكرة، ونحن يجب أن نفرض عقوبات على حماس، لكن بعد عودة المختطفين أعتقد أنه قد جاء الوقت بعد عام وخمسة أشهر لنقول الكل مقابل الكل بما في ذلك وقف إطلاق النار لعشر سنوات.”
في الوقت ذاته، تصاعدت احتجاجات المستوطنين داخل كيان العدو الإسرائيلي للمطالبة بإبرام الاتفاق بشكلٍ عاجل، وقد حذّر أهالي الأسرى من أن “استمرار المماطلة يُهدد حياة أبنائهم”، وفق تصريحاتٍ متلفزة. هذه الضغوط الداخلية، إلى جانب الانقسامات المهيأة للتفاقم داخل الائتلاف الحكومي، تُفاقم أزمة مجرم الحرب نتنياهو، الذي يوازن بين مطالب الأسرى ورفضه تقديم تنازلاتٍ خشية إضعاف صورته كـ”زعيم أمني” وهو الذي يقف اليوم في قفص الاتهام القضائي بتهمة الفساد والخيانة والفشل.
يبدو كيان العدو الإسرائيلي اليوم رهن عجزه عن كسر الحلقة المفرغة بين خيارين: قبول صفقةٍ تُوقف الحرب مع الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، أو الاستمرار في حربٍ استنزافية تهدد بانهياره داخليًّا وخارجيًّا. وفي الوقت الذي تُعيد فيه حماس ترتيب أوراقها بذكاء، يبدو أن الكرة اليوم في ملعب “تل أبيب”، لكن الساعة تدقُّ لصالح من يملك إرادة التضحية.
نقلا عن موقع أنصار الله