يعتقد العرب المساكين أن جولة مفاوضات الدوحة كانت فاشلة لأنها لم تصل لاتفاق ينهي حرب الإبادة الجماعية في غزة، لكنها بالنسبة للأمريكيين كانت نجاحا جزئيا إذ حققت هدفا أساسيا لواشنطن من هذه الجولة وهي منع الرد الإيراني ورد حزب الله على اغتيال القائدين هنية وشكر.

في هذا السياق كان لافتا اتصال وزير الخارجية القطري مع نظيره الإيراني ليومين متتابعين كانت تجري فيهما مفاوضات الدوحة بين حماس وإسرائيل مصحوبة بغمامة تسريبات أمريكية متعمدة «زائفة» عن تقدم كبير نحو عقد الصفقة.

الإيحاء السياسي هنا هو أن تقويض هذا التقدم أمام العالم سيكون مسؤولية طهران وحلفائها في محور المقاومة وهي مسؤولية لا يريد أحد أن يتحملها. لا يمكن لمنصف أو مدقق أن يستبعد تأخر الرد الإيراني ورد المقاومة اللبنانية ورد الحوثيين على تدمير ميناء الحديدة إلا في سياق هذه المناورات السياسية والتفاوضية الدائرة في الشرق الأوسط التي تحرك واشنطن وتتحكم بكل خيوطها.

من هذا تستطيع بسهولة أن تعرف الهدف الأمريكي الأساسي ليس حل الأزمة ولكن وقف التصعيد الحاصل فيها والسيطرة على منسوبه بحيث لا يخترق سقف الحرب المحدودة إلي الحرب في عموم الشرق الأوسط.

باعتراف البيان الثلاثي الصادر في ختام المباحثات فإن المقترح الذي كان على الطاولة في الدوحة هو مقترح أمريكي خالص دعمه (الوسيطان العربيان)!! وباعتراف حركة حماس فإن المقترح الأمريكي تماهى تماما مع تعديلات شروط نتانياهو الخمسة التي أدخلها في مناسبتين مختلفتين وهدف من خلالها باعتراف وزراء وعسكريين إسرائيليين إلى منع الوصول لاتفاق.

أحيانا ما تكون بعض الأخطاء أو زلات اللسان تعبيرا أدق عن الحقيقة وهكذا بدا أول رد فعل من مكتب نتانياهو على اختتام جولة الدوحة دون اتفاق إذ قال: «تقدر إسرائيل الجهود التي تبذلها الولايات المتحدة والوسطاء لإخضاع حماس وإثنائها عن رفضها لصفقة إطلاق سراح الرهائن وتأمل إسرائيل أن تؤدي الضغوط التي يمارسونها إلى دفع حماس إلى قبول مقترح 27 مايو، حتى يصبح بالإمكان تنفيذ تفاصيل الاتفاق» تعدلت الصيغة لاحقا لإقناع حماس بدلا من إخضاع حماس.

الحقيقة أن إخضاع حماس للقبول بـ (قسمة ضيزى) هو جوهر ما سعى إليه موفدا بايدن الكبيران بيرنز وماكجورك في الدوحة.. والحقيقة أن مقاومة حماس لاتفاق من هذا النوع هو سبب الفشل الرئيسي في الدوحة وهو الذي استدعى الحاجة لجولة أخرى في القاهرة تعقد نهاية هذا الأسبوع.

الحقيقة أيضا أن الضغط ومن جميع الأطراف والوسطاء إنما يتم في اتجاه واحد وعلى طرف واحد هو حماس والمقاومة، بينما يقف نتانياهو منتظرا من الجميع أن يحققوا له أهدافه في الحرب التي عجز وأسلحة أمريكا والناتو عن تحقيقها في ميدان القتال.

إسرائيل نتانياهو التي تهاوت قوة ردعها بعد هجوم المقاومة في ٧ أكتوبر وباتت عاجزة عن مواجهة أي تهديد عسكري إلا بطلب معاونة واشنطن.. باتت عاجزة أيضا عن فرض شروطها في صفقة لوقف إطلاق النار إلا بمعاونة واشنطن.

المدهش أنه إذا كان رفض قادة حماس لرسائل أمريكا التي نقلها لهم القطريون والمصريون من خلال المقترح المنحاز لنتانياهو يعبر عن مستوى وازن بين استقلال القرار السياسي حتى عن أقرب داعميها الإعلاميين والماليين وأقرب جيرانها الجغرافيين المؤثرين على غزة.. فإنه يعبر عن اعتمادية إسرائيلية مطلقة على واشنطن وأصدقاء واشنطن العرب لفرض تسوية تخرجها منتصرة «بالواسطة» من حرب عجزت عن كسبها بذراعها.

لا تفسير مقنع لعجز أمريكا عن عقد صفقة لوقف إطلاق النار في غزة ومنع حازم لنتانياهو بعدم التسبب في حرب إقليمية في الشرق الأوسط لا تناسب عام انتخابات رئاسية أمريكية حاسمة ولا تناسب متغيرات حرب أخرى تخوضها بالوكالة ضد روسيا في أوكرانيا إلا عدم وجود إرادة سياسية حقيقية لدى الإدارة الأمريكية لاستخدام ما هو متاح لها من موارد وأدوات ضغط استراتيجية هائلة على إسرائيل. أدوات اتضحت بجلاء بعد ٧ أكتوبر من ظواهر اعتماد إسرائيل عليها لإنقاذها عسكريا وحمايتها دبلوماسيا وقانونيا بتهديد وشل إرادة الأمم المتحدة ومنع محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية من فرض عقوبات على جرائم الإبادة الجماعية والتطهير العرقي في غزة.

بعبارة أوضح فإن استمرار الحرب في غزة وعجز بايدن عن إتمام صفقة - يزعم أنه قريب منها من شهر رمضان الماضي أي منذ نحو أربعة أشهر- هي أكبر دليل على أن واشنطن لم تستخدم ثقلها الحقيقي والفعلي على إسرائيل وفضلت باستمرار ممارسة هذا الثقل على المقاومة الفلسطينية عبر حلفائها العرب.

بالنسبة لشبح حرب لم تهدد المنطقة بهذه الخطورة منذ ٥٠ عاما أي منذ حرب أكتوبر ٧٣ وتهدد في هذه اللحظة بعض أهم مصالحها في المنطقة والعالم فإن الولايات المتحدة تفعل القليل سياسيا وأخلاقيا للحيلولة دون اتساع شررها.

هذا القليل الأمريكي- لأنه منحاز كلية للطرف الإسرائيلي- يعود في جزء منه إلى ضغوط السياسة الداخلية الأمريكية ونفوذ الصوت اليهودي وصوت المسيحية الصهيونية في عام الانتخابات ولكن الجزء الأكبر يعود إلي أن التصور الاستراتيجي الأمريكي تغير بعد السابع من أكتوبر وصار متفقا مع إسرائيل في أن الاستمرار في إدارة الصراع مع محور المقاومة لهيمنتها على المنطقة لم يعد مجديا وأن وقتا قادما لابد أن تنتقل فيه إلى حسم هذا الصراع حسما عسكريا تاما.

الخلاف بين واشنطن وتل أبيب هو خلاف على التوقيت.. واشنطن تريد أولا مد مظلة التطبيع واستكمال الحلف الإبراهيمي ومد نطاقه العربي واستكمال بناء قدرات حلف النقب للدفاع الجوي وتحويله لحلف عسكري كامل أمريكي/ إسرائيلي/عربي ضمن متطلبات استراتيجية أخرى قبل الشروع في المواجهة الكبرى مع إيران وحلفائها التي تراها قادمة لا محالة أما نتانياهو فيعتقد أن الفرصة مواتية لغسل عار جيشه وعاره الشخصي في ٧ أكتوبر في الهزيمة المذلة أمام المقاومة في غلاف غزة. وأن الوقت مناسب لتفجير المنطقة وهزيمة كل أعدائه العرب والإيرانيين مرة واحدة بمعاونة أمريكا والناتو.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: فی غزة

إقرأ أيضاً:

مناقشات “إسرائيلية – أمريكية” في واشنطن: “إسرائيل” لا يمكنها البقاء في حرب لا نهاية لها

الجديد برس:

أكدت وسائل إعلام إسرائيلية، أن “إسرائيل” تبدو كمن يُدير حرباً لا نهائية، من دون أن تُحقق أياً من أهدافها في قطاع غزة، فبعد سنة كاملة من الحرب، “حماس” لم تُدمّر، والأسرى لم يعودوا، وحزب الله يواصل استنزاف الشمال.

ووفق القناة “12” الإسرائيلية، فإن الرئيس السابق لشعبة الاستخبارات العسكرية “أمان” اللواء احتياط عاموس يدلين، ونائب رئيس “MIND ISRAEL” أفنر غولوف والذي خدم مسؤولاً في هيئة الأمن القومي الإسرائيلي عقدا سلسلةً من الاجتماعات في الولايات المتحدة مع كبار المسؤولين والصحافيين، وصانعي الرأي العام وخبراء معاهد البحوث والدراسات، لمناقشة كيفية التعامل مع الجبهة اللبنانية والحرب المستمرة في الشرق الأوسط.

وخرج اللقاء بانطباعات عديدة حول تشكيل السياسة الإسرائيلية، وقالت القناة “12” الإسرائيلية إن الانطباع الأول يتلخص بأن “الولايات المتحدة لا تفهم ما هي أهداف “إسرائيل” الاستراتيجية من الحرب، وفي واشنطن يعتقدون أنها تخوض حرباً لا نهاية لها، تؤدي من جهةٍ إلى تأكّل وضعها الاقتصادي والسياسي، من دون أن تحقق أياً من أهدافها”.

وأضافت القناة أن واشنطن ملتزمة بالدفاع عن “إسرائيل” وأمنها، ولكن هذا الدفاع ليس “شيكاً مفتوحاً”، مشيرةً إلى أن المجتمعين أكدوا أن أولى المكالمات الهاتفية التي سيُجريها الرئيس المنتخب ستكون لنتنياهو، وسيطلب منه إنهاء الحرب قبل توليه منصبه في يناير، وإذا واصلت “إسرائيل” القتال، فقد تواجه رئيساً يضع إنهاء الحرب كأولوية قصوى ويفرضها على “إسرائيل” حتى من دون عودة الأسرى في قطاع غزة.

وحول صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، قالت القناة “12” الإسرائيلية إن الأمريكيين يلقون اللوم في فشل الصفقة على رئيس المكتب السياسي لحركة حماس، يحيى السنوار، لكنهم يشيرون إلى أن حماس ردت بالإيجاب في يوليو على مقترح نتنياهو الذي تبناه الرئيس الأمريكي جو بايدن، وكانت هي التي أضاعت فرصة إعادة مواطنيها وكان هذا في نظر الأمريكيين خطأً فادحاً.

ولفتت القناة إلى أن المجتمعين سلطوا الضوء على المخاوف الأمريكية من فشل الوساطة الأمر الذي سيؤدي إلى تصعيد في الشرق الأوسط، لذلك، فإن البديل الأمريكي قد يكون الانسحاب من الوساطة على الأقل إلى ما بعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية.

وكشفت القناة الإسرائيلية أن أحد الانطباعات تتلخص في أن أمريكا تقيس كل تحرك عسكري أو سياسي من ناحية تأثيره على فرص كامالا هاريس في هزيمة المرشح ترامب، مضيفةً أن صفقة الأسرى ووقف إطلاق النار في غزة، تخدم هاريس؛ ويُنظر إلى الفشل في التوصل إلى اتفاق على أنه سلاح في يد ترامب لضرب الإدارة الحالية، كما أن الخوف من حرب إقليمية من شأنها أن تسبب أضراراً استراتيجية في حملة هاريس، والإدارة الأميركية عازمة على منعه بأي ثمن.

وبشأن إيران، خلص الاجتماع إلى أن الولايات المتحدة لا تريد الدخول في مشاكل مع طهران في الوقت الحالي، وذلك لغياب استراتيجية متماسكة، ومن الواضح أن أي مرشح يدخل البيت الأبيض عليه أن يوقف تقدم إيران نحو حصولها على السلاح النووي، وكبح توسعها في الشرق الأوسط.

ورفض المجتمعون حرب الاستنزاف التي لا نهاية لها، لذلك يقول المسؤولون الأمريكيون للإسرائيليين إذا كنتم تريدون مواصلة المناوشات مع وجود خطر انزلاقها إلى حرب إقليمية فنحن لسنا معكم في هذه الاستراتيجية.

وقالت القناة “12” الإسرائيلية، إن أجواء التفاؤل تسود في واشنطن بشأن تمكن الوسيط آموس هوكستين من الوصول إلى تسوية بشأن جبهة الإسناد اللبنانية تبقي حزب الله بعيداً من الحدود، ولكن بعد إيقاف النار في قطاع غزة.

وأشارت القناة إلى أن انتقاد الإدارة لـ”إسرائيل” يتلخص في 3 أمور رئيسة، وهي: عدم رغبتها في تحديد أفق سياسي لملايين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، وعدم اكتراثها للمدنيين الذين ارتقوا خلال الحرب، وعدم كبحها لإرهاب المستوطنين في الضفة الغربية.

وفي وقتٍ سابق، تحدث تقرير لـ “معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي” عن استمرار الحرب على قطاع غزة، وعن جدوى ذهاب “إسرائيل” نحو توسع الحرب على جبهات أخرى، مؤكداً أن “الفوائد الاستراتيجية للحرب مع لبنان، سوف تفوق الضرر الناجم عنها”.

مقالات مشابهة

  • السنوار سيوجه رسالة مباشرة إلى فلسطين والعالم قريبا
  • أسامة حمدان: غزة سيحكمها الفلسطينيون والمقاومة قادرة على الاستمرار
  • قيادي بحماس: غزة سيحكمها الفلسطينيون والمقاومة قادرة على الاستمرار
  • الحرب الغربية على الشعب الفلسطيني ‏والتنكر لحق المقاومة
  • حماس: إذا وسعت إسرائيل الحرب في جبهات جديدة فإنها ستتعرض لآلاف الصواريخ
  • حماس: آلاف الصواريخ ستعترض إسرائيل لو توسعت الحرب في جبهات جديدة
  • وليد العمري: الصاروخ اليمني هز إسرائيل وكشف 3 مستويات إخفاق لديها
  • لماذا لا تنسحب مصر وقطر من الوساطة بين إسرائيل وحماس
  • لابيد يزور واشنطن هذا الأسبوع لبحث هذه الملفات
  • مناقشات “إسرائيلية – أمريكية” في واشنطن: “إسرائيل” لا يمكنها البقاء في حرب لا نهاية لها