لا يتوقف الحديث في الأوساط الثقافية عن أزمة كبرى في قراءة الشعر ونقده. الناشرون يحجمون باعتذار عن نشر دواوين الشعر لأن عناوينها تتذيل قائمة المبيعات في كل معارض الكتب بعواصم العالم العربي حيث لا تُجزي حتى تكلفة شحنها. المؤسسات الثقافية مستعدة لتنظيم أمسيات وندوات تناقش الأزمة في الشعر أكثر من ترحيبها بفكرة تنظيم أمسية شعرية لن يحضرها إلا قلة من المهتمين أو الفضوليين في ساعة فراغ، لكأنما الحديث عن أزمة الشعر تبدو أكثر جماهيرية من الشعر نفسه.
لعلهم على حق كلهم على حق، بمن فيهم دعاة إنشاء المحميات الشعرية. غير أن الشكوى من تآكل جماهيرية الشعر العربي توحي لمن يسمع التعبير بأن المشكلة تكمن حصرا في الجمهور العام الذي لا يقرأ الشعر؛ أي أن القراء العاديين (التلامذة في المدارس والجامعات، موظفي الوزارات ورجال الأمن والعمَّال في الشركات النفطية والمتقاعدين وسائقي سيارات الأجرة وغيرهم من فئات وشرائح المجتمع) هم الطرف الذي كان يُتوقع منه أن يتجمهر للشعر، بيد أنه ولأسباب كثيرة تخلَّف عن هذا الدور. لكننا، وفي معرض الحديث عن الأزمة ولوم القارئ العادي، قلما نسأل السؤال الأكثر أهمية بنظري في هذا الصدد من توبيخ الجمهور الذي لا يقرأ الشعر أو الذي لا يقرأ بصفة عامة: كيف هو حال الشعر بين مثقفينا؟ هل يقرأ مثقفو اليومَ الشعرَ العربي ويعتنون به كصلب أسياسي من أصلاب هذه الثقافة؟ هل يتمتع الكتَّاب الداخلون إلى باحة الكتابة من أبواب متفرقة بأدنى ذاكرة وذائقة شعرية؟ وأخشى أن يكون السؤال الضروري التالي: هل يقرأ الشعراءُ الشعرَ اليوم؟
«المثقفون» الذين لا يقرأون الشعر ولا يعرفونه ليسوا مجرد ظاهرة من ظواهر خصخصة الحياة الثقافية الجديدة فحسب، بل هم في الوقت نفسه نتاج التربية الأدبية والعلمية، الذاتية أو المؤسسية. فعلى شاكلة من لا يحب قراءة الروايات، هناك من يعترف بوضوح أيضا بأنه لا يقرأ الشعر لأنه لا يُحبه! وفي أفضل الحالات يعترف بأنه لا يحب الشعر لأنه مشغول بقراءة السرد أو الفلسفة اليونانية أو تاريخ الحروب الصليبية، أو ربما لأنه وجد نفسه مهتما فجأة بالاقتصاد السياسي! تقريبا هو نفسه مثلا لا يلعب البيسبول لأنه لا يحبها ولذلك يفضل كرة الطاولة عليها؟! هكذا تقريبا، أليس كذلك؟ وهناك صنف يقرأ الشعر إلا أنه يتعالى على قراءة الشعراء المحليين، وهو أمر غريب لكنه مع ذلك مفهوم بالنسبة لي. أما الصنف الآخر الأغرب هو ذاك الذي لا يقرأ الشعر العربي لأنه يحب الشعر المترجم فقط، ربما نكاية في الوزن والقافية!
لا بدَّ من القول قبل أي شيء بأن القراءة القائمة على الميل الذوقي (أحب ولا أحب) قد تصنع قارئا ذكيا إلا أنها لا تصنع مثقفا. ثم إنه ليس على المثقف المشتغل في أي مجال آخر غير الأدب أن يُحب الشعر، وإن كان لا يحبه فليس عليه أن يكرهه مقابل ذلك وهذا لا يعفيه من قراءته. باعتقادي أن هذه مسألة في غاية البداهة. السؤال هنا ليس سؤال حب أو كراهية لتفرُّعٍ اختياريّ جانبي من فروع المعرفة التي بوسع كاتب ما أن يتجاهلها كقارئ دون أن يخسر الكثير، السؤال هنا عن الأهمية المعرفية للشعر كمكون أساسي للوعي والنفسية العربية.
لا داعي للتذكير مرارا بالمركزية التاريخية لهذا الفن اللغوي المكثف في الثقافة العربية، حيث يحتل الشعر مكانته كثقافة داخل الثقافة، ويعبر عن نفسه بلغةٍ خاصة داخل اللغة العربية. فبإهماله للشعر سيخسر الكاتب أكثر من القارئ العادي مصدرا رئيسا من مصادر الخبرة البشرية، والذي لخَّص وكثَّف لغة علاقة الإنسان بالوجود وحفر أسئلته الأولى عن الغيب والموت والحياة والطبيعة كما دوّن تاريخه في المكان وعاداته وأشجانه. هذا على صعيد الأهمية المعرفية فحسب، والتي أعتقد أنها تعني كثيرا بالنسبة للمثقف النفعي، فضلا عن القيم الجمالية لذاتها في الشعر وطاقته العاطفية.
لا شك أن الشعر كأي فن آخر يتطلب مهارة خاصة في التلقي وذائقة متعددة مرنة تتطور بالقراءة المستمرة والمنفتحة. وغياب ثقافة الشعر هذه لدى شريحة واسعة من المثقفين ينعكس، مضمونا وشكلا، على كتاباتهم ومجالات عملهم الثقافي والإعلامي، خاصة إذا ما امتلك مثقف بلا ثقافة شعرية سلطة تخوله نشر أو رفض نصوص شعرية في مجلة أو دار نشر. أما التجلي الأهم لغياب الثقافة الشعرية فنجده في اللغة المتخشبة الفقيرة التي تُكتب بها كُتب ودراسات ومقالات في مجالات شتى، وهو ما يكشف عن غياب التربية الأدبية و التأسيس اللغوي للكاتب اعتمادا على الشعر والأدب، فاللغة الفقيرة تُفقر الفكرة وتجفف حيويتها وتفقدها والوصول والتواصل، إذ لا يمكن التنظير أو التأسيس للفكرة في الهواء، لأن الفكر يحتاج للغة كي يتجسد عبر الكتابة، واللغة كما نعلم هي أرض الفكر ومنبته.
المصدر: لجريدة عمان
إقرأ أيضاً:
فضل قراءة سورة يس في النصف من شعبان.. نفحات ربانية من «قلب القرآن»
يظل شهر شعبان من الأشهر المباركة، إذ يتسابق المسلمون فيه إلى الطاعات والتقرب إلى الله بالأعمال الصالحة، ويأتي فضل قراءة سورة يس في هذا الشهر الكريم كواحد من العبادات التي وُردت حولها العديد من الأحاديث والأقوال، إذ يُطلق عليها «قلب القرآن» لما تحمله من معاني عظيمة وأسرار روحية تلامس القلوب وتُطمئن النفوس.
فضل قراءة سورة يس في النصف من شعبانوفيما شهدت ليلة النصف من شعبان اهتماما خاصا بقراءة سورة يس، فإن فضلها لا يقتصر على ليلة بعينها، بل يمتد طوال الشهر، إذ يُستحب الإكثار من تلاوتها بنية التوفيق والبركة ودفع البلاء، كما ارتبطت قراءتها بأحوال متعددة، منها الشفاء من الأمراض، والتخفيف عن المحتضرين، وجلب السكينة إلى القلوب.
وأكدت دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي أن ليالي النصف من شعبان من الليالي المباركة التي اختصها الله بفضل عظيم، حيث تتجلى فيها رحمته ومغفرته لعباده، فقد ثبت في الحديث عن النبي أنه قال: «إِذَا كَانَتْ لَيْلَةُ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ، فَقُومُوا لَيْلَهَا وَصُومُوا نَهَارَهَا، فَإِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ فِيهَا لِغُرُوبِ الشَّمْسِ إِلَى سَمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَقُولُ: أَلَا مِنْ مُسْتَغْفِرٍ فَأَغْفِرَ لَهُ؟ أَلَا مُسْتَرْزِقٌ فَأَرْزُقَهُ؟ أَلَا مُبْتَلًى فَأُعَافِيَهُ؟» رواه ابن ماجه .
وليالي شهر شعبان من الليالي العظيمة للدعاء والاستغفار، إذ تُرفع فيها الأعمال إلى الله ويُقدّر فيها الأرزاق والأعمار، حيث أكدت دار الإفتاء أن سورة يس من السور التي وردت بشأنها أحاديث نبوية شريفة، حيث قال النبي: إِنَّ لِكُلِّ شَيْءٍ قَلْبًا، وَقَلْبُ الْقُرْآنِ يَس رواه الترمذي، كما نشرت دار الإفتاء أن قراءة سورة يس ثلاث مرات في ليلة النصف من شعبان من الأعمال المستحبة، وقد جرت العادة على قراءتها في المساجد والبيوت وحلقات الذكر بنوايا مختلفة:
المرة الأولى: بنية الوقاية من الآفات والمصائب.
المرة الثانية: بنية طول العمر والتوفيق للطاعة.
المرة الثالثة: بنية الغنى بالله والاستغناء عن الخلق.
وذكر الإمام محمد متولي الشعراوي أن قراءة سورة يس عند المريض لها تأثير عظيم، فقد ورد عن أُبَي بن كعب - رضي الله عنه - أن الملائكة تحضر عند المريض الذي تُقرأ عنده سورة يس، وتقف صفوفًا حتى وفاته، ثم تشهد غسله وتشييعه والصلاة عليه ودفن، كما جاء في بعض الروايات أن جبريل عليه السلام ينزل بكأس من ماء لمن يقرأها وهو مريض، فيشرب شربة لا يظمأ بعدها.
الأدلة من القرآن والسنة على فضل ليلة النصف من شعبانقال الله تعالى في سورة الدخان: فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ، الدخان: 4، وقد فسّر بعض العلماء هذه الآية بأنها إشارة إلى ليلة النصف من شعبان، حيث تُكتب فيها مقادير السنة القادمة.
كما جاء عن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: إِنَّ اللَّهَ يَنْزِلُ لَيْلَةَ النِّصْفِ مِنْ شَعْبَانَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا فَيَغْفِرُ لِأَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ شَعَرِ غَنَمِ كَلْبٍ رواه أحمد والترمذي .
الأعمال المستحبة في ليلة النصف من شعبانواستكمالا للحديث عن فضل قراءة سورة يس في النصف من شعبان، فإن هناك عدد من الأعمال المستحبة التي يمكن للمسلم أن يفعلها في ليلة النصف من شعبان بشكل خاص، وليالي شهر شعبان بشكل عام، ومنها:
1- الإكثار من الاستغفار والصلاة على النبيأوصى الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، في فيديو بثته دار الإفتاء عبر موقعها الرسمي على «يوتيوب» بالإكثار من الاستغفار 100 مرة على الأقل، والصلاة على النبي ﷺ 1000 مرة أو أكثر، وقراءة أحب جزء من القرآن إلى قلبك، وخاصة سورة يس.
وعلى حسب ما ذكره الدكتور عمرو الورداني، أن من أفضل الأعمال في هذه الليلة التوبة الصادقة من الذنوب، ومن الأدعية المستحبة:«اللهم إني أشهدك أني تبت من ذنوبي كلها ما علمت منها وما لم أعلم، فاللهم تقبل توبتي واغسل قلبي واكتبني في ديوان من أحببت يا تواب يا كريم»
3- قيام الليل وصلاة الوترمن المستحب إحياء ليلة النصف من شعبان بالصلاة وقيام الليل، فقد كان الصحابة والتابعون يحرصون على ذلك.
4. الدعاء بانكسار قلبيُستحب في هذه الليلة التوجه إلى الله بالدعاء بخشوع وانكسار، ومن الأدعية المأثورة:«اللهم إنك تنظر إلى قلبي وأنت اللطيف بحالي، أسألك أن تملأ قلبي سكينة وطمأنينة، وأن تجعلني من الراضين بقضائك.