لجريدة عمان:
2024-09-17@14:16:41 GMT

عندما استقالت نعمت!

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

كان يمكن لهذا المقال أن يكون افتخارًا بشخصية عربية فذة، حققت نجاحًا كبيرًا بجدّها واجتهادها وعصاميتها، كون نعمت شفيق مصرية الأصل والجنسية (إضافة إلى جنسيّتيها الأخريين: الأمريكية والبريطانية)، فقد كانت في عمر السادسة والثلاثين أصغر نائب لرئيس البنك الدولي على الإطلاق، وكانت أيضًا نائب محافظ بنك إنجلترا في فترة من أصعب فتراتها الاقتصادية ألا وهي فترة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تعرف اختصارًا بـ«البريكست»، إذ كانت تتولى الإشراف على ميزانية عمومية حجمها أكثر من ستمائة مليار دولار، وباللهجة الدارجة يمكن أن نقول إنها كانت «تلعب بالفلوس لعب»، وكانت ذات يوم رئيسة لكلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية، قبل أن تصبح العام الماضي أول امرأة تترأس جامعة كولومبيا في نيويورك، التي هي واحدة من أهم وأعرق جامعات العالم.

هذا عدا حصولها على لقب سيدة العام في بريطانيا عام 2006، وتكريم الملكة إليزابيث الثانية لها ومنحها إياها وسام الإمبراطورية البريطانية عام 2015، واختيارها من قبل مجلة «فوربس» الأمريكية ضمن قائمة النساء الأكثر نفوذا في العالم عام 2017، واختيارها كذلك ضمن قائمة «100 امرأة رائدة في الصناعة المالية الأوروبية» عام 2018، وحصولها على شهادات دكتوراه فخرية من عدد من الجامعات. كل هذه إنجازات قلّ أن يحققها شخص واحد، وتدعو فعلًا للافتخار بنعمت شفيق، لولا الأفعى السامة التي سقطت في إناء الحليب فلوّثته. وحدث ذلك تحديدًا في 18 أبريل 2024.

في ذلك اليوم أصدرتْ نعمت شفيق بصفتها رئيسة جامعة كولومبيا قرارها المخزي باستدعاء الشرطة إلى حرم الجامعة العريقة في نيويورك التي تترأسها منذ يوليو 2023م، لفض اعتصام طلبة مؤيدين للقضية الفلسطينية ومندِّدين بالإبادة الجماعية في غزة التي ترتكبها إسرائيل منذ السابع من أكتوبر 2023م، ومُطالِبين الجامعة بسحب استثماراتها في شركات مؤيدة لإسرائيل، فاعتقلت الشرطة نتيجةً لذلك نحو مائة طالب. وعوضًا عن أن يؤدي هذا القرار الأحمق لإخماد احتجاجات جامعة كولومبيا، فقد أشعل - على النقيض من ذلك - فتيل الاحتجاجات الطلابية في جامعات أمريكية أخرى مثل بنسلفانيا وأريزونا وويسكونسن ماديسون ونيومكسيكو، ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، وغيرها، لدرجة أن مدونين مؤيدين لفلسطين شكروا نعمت شفيق بسخرية في وسائل التواصل الاجتماعي على قرارها ذاك، لأنه خدم - دون قصد - القضية الفلسطينية ونشرها، ليس فقط في أوساط الطلبة الأمريكيين، بل في العالم أجمع بعد أن تناقلت وسائل الإعلام احتجاجات هذه الجامعات الأمريكية.

المفارقة هنا أن خسارة نعمت كانت مضاعفة؛ فلا هي أمِنتْ - بقرارها ذاك - غضبَ مؤيدي القضية الفلسطينية، ولا ضمنتْ رضا اللوبي الصهيوني المؤيد لإسرائيل. فالطلبة وأساتذة الجامعات في أمريكا نددوا بها لانتهاكها حرية التعبير في الجامعة، ولأنها «شاركت في اعتداء غير مسبوق على حقوق الطالب»، وفي المقابل طالب أنصار اللوبي الصهيوني في مجلس النواب الأمريكي بإقالتها لأنها في نظرهم لم تبذل جهدًا كافيًا لمنع ما وصفوه بـ«معاداة السامية» في جامعتها، والتي تعني قمع الطلبة بشكل أكبر، وقد استجوبوها لعدة ساعات في المجلس، وتذللتْ لهم أيما تذلل، خشية أن يصير مصيرها كمصير رئيستي جامعتَيْ هارفارد وبنسلفانيا اللتين أجبرتا على الاستقالة للسبب المزعوم نفسه؛ التساهل مع معادة السامية! ولذا فقد تفاخرت نعمت خلال ردها على أسئلة لجنة التعليم والقوى العاملة بالكونجرس الأمريكي أنها أوقفت خمسة عشر طالبا في جامعة كولومبيا عن العمل، كما أخبرت اللجنة أن أحد الأساتذة الزائرين، الذين جهروا برفضهم لممارسات الكيان الإسرائيلي، واستمرار الإبادة الجماعية في قطاع غزة، طُرِدَ شرّ طردة، ولن يعمل أبدا في جامعة كولومبيا مرة أخرى. وحين سئلت عما إذا كانت ستعزل أستاذا آخر من منصبه القيادي، لتضامنه مع فلسطين، سارعت إلى الرد بالإيجاب، وتحدثت بإسهاب عن التفاصيل التأديبية، التي عادة ما تكون سرية بالجامعات، كل ذلك لتقنع لجنة مجلس النواب أنها لم تتقاعس في محاربة «معاداة السامية». فهل اقتنع المجلس؟ لا طبعًا، بل طالبها بعض أعضائه بالاستقالة.

يوم الأربعاء الماضي (14 أغسطس) استسلمت نعمت أخيرًا وقدمتْ مرغمةً استقالتها من جامعة كولومبيا، مسدِلة الستار على أربعة أشهر من الشدّ والجذب ملأتْ فيها الدنيا، وشغلت الناس. نالت نعمت شفيق نهاية يستحقها كل من يتجاهل أن العالم لن يدمره الأشرار فقط، وإنما أيضًا أولئك الممالئون لهم، الساكتون عن جرائمهم، وأنه قد لا يقف الحق دائمًا إلى جانب القوي، ولكن القوة «كل القوة» تقف دائما إلى جانب الحق.

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: جامعة کولومبیا نعمت شفیق

إقرأ أيضاً:

والد الناشطة الأمريكية التركية: ابنتي كانت متمردة ضد الظلم

وصف محمد سعاد أيغي والد الناشطة الأمريكية التركية عائشة نور أزغي أيغي،  ابنته بانها كانت تتحلى بشخصية متمردة ضد الظلم، قبل مقتلها برصاص الجيش الإسرائيلي قبل 10 أيام بالضفة الغربية.

 

وفي حديث للأناضول، أعرب أيغي عن فخره بحياة ابنته الكريمة، مذكِّرا أنها لم تأخذ في الاعتبار الدين أو اللغة أو العرق أثناء مساعدة الناس.

دعوات لصلاة الغائب في المساجد على روح الناشطة عائشة نور تركيا تشيع جثمان الناشطة الأميركية عائشة نور أيغي خلال مظاهرة سلمية

وأضاف أنه حذر ابنته من الموت إذا ذهبت إلى فلسطين، ولكنها أصرت وأخبرته بأنها راضية إذا كان لموتها فائدة.

 

وذكر أنها كانت ذات شخصية "متمردة ضد الظلم" تحب مساعدة الناس على اختلافهم.

كانت تسعى للمطالبة بحقوق الإنسان

وأشار إلى أنها كانت تسعى للمطالبة بحقوق الإنسان، ولا تتردد في الذهاب إلى أي مكان في العالم في الوقت الذي كانت فيه أقرانها يتعلمون كيف يضعون مساحيق التجميل على وجوههن.

 

وأوضح أنها كافحت من أجل السود، ومن أجل مسلمي الروهينغا، ومن أجل الطبيعة خلال حياتها التي استمرت 26 عاما.

 

وأفاد بأنها كانت في طليعة المظاهرات المؤيدة للفلسطينيين التي نظمت في جامعة واشنطن، تنديدا بالفظائع التي ارتكبتها إسرائيل في غزة.

 

وقال والد الناشطة إنه حاول أن يثنيها عن الذهاب إلى فلسطين لشهور طويلة، ولكنها أصرت.

 

وأضاف: "قلتُ لها إنك تذهبين إلى مكان خطير، إلى مكان يعرفون فيه كيف يقتلون الناس".

 

وأردف: "وحين قلت لها ماذا إذا أصابتك رصاصة؟ قالت: إذا كان لموتي فائدة فأنا راضية يا أبي".

 

وقتل الجيش الإسرائيلي بالرصاص الحي الناشطة التركية الأمريكية عائشة نور، أثناء مشاركتها في فعالية منددة بالاستيطان في بلدة بيتا بمحافظة نابلس شمالي الضفة الغربية المحتلة، في 6 سبتمبر الجاري.

 

والجمعة، وصل جثمان الناشطة إلى تركيا، حيث تم دفنها السبت، عقب أداء صلاة الجنازة بعد صلاة الظهر بالمسجد المركزي في مسقط رأسها بمنطقة ديديم غربي البلاد.

 

 

مقالات مشابهة

  • العجمة: مباراة النصر كانت مثل الأكل المسلوق “لا طعم ولا لون ولا رائحة”
  • بن سبعيني:”بدايتي مع دورتموند كانت صعبة”
  • والد الناشطة الأمريكية التركية: ابنتي كانت متمردة ضد الظلم
  • أنشيلوتي : رده فعل جونيور كانت طبيعية بعد تعرضه لإهانات
  • زلزال مدمر بقوة 6.5 درجة يضرب قبالة كولومبيا البريطانية في كندا
  • زلزال قوي يقع قبالة كولومبيا البريطانية
  • زلزال بقوة 6.5 درجة يضرب كولومبيا البريطانية في كندا
  • زلزال بقوة 6.5 درجة يضرب قبالة كولومبيا البريطانية في كندا
  • زلزال بقوة 6.5 درجة يقع قبالة كولومبيا البريطانية في كندا
  • رئيس كولومبيا : المـافـيا أمرت بقـتـلي بشاحنة مليئة بالـديـناميـت