أَكُلُّ الدَهرِ حَلٌّ وَاِرتِحالٌ؟!
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
يوسف عوض العازمي
@alzmi1969
"لقد كانت الثورة الفرنسية، والحروب الثورية، ونهوض وسقوط نابليون، هي التي جعلت التاريخ لأول مرة: تجربة جماهيرية". جورج لوكاش.
**********
عندما يتحدث الشخص- أي شخص- عن النجاح والهمة والسعي، يستحب أن يكون منطقيًا متمكنًا من حديثه، بحيث تكون له تجربة معينة أو حتى تجارب، فشل أو نجح فيها، هنا بالذات في موضوع الفشل والنجاح علينا الاقتناع بأنَّ لكل إنسان معايير معينة للفشل وكذلك للنجاح، وهنا بالطبع لا أقصد معايير الإعلام العربي في القرن الماضي، الذي يحول الفشل لنجاح كبير وبقدرة قادر، وعلى أنغام خطابات أحمد سعيد رحمه ورحمنا الله.
معايير الفشل والنجاح تتفاوت بين هذا وذاك، هذه وتلك.. لا يوجد معيار متفق عليه مائة بالمائة بين الناس، لكل معاييره، تصور هناك شركة تجارية تحقق خسائر بنسبة ثلاثين بالمئة وتعتبر ذلك نجاحا، وقد تقيم حفلا إبتهاجا بتلك الخسارة، قد يكون ماحدث هو نجاح، لأن الوصول إلى هذه النسبة بناء على السياق العام لظروف الشركة يعتبر نجاحًا، يتبادر للذهن أن هناك ظروفًا قاهرة جعلت هذه الخسارة في عرف القائمين على الشركة نجاحًا، نتذكر هنا المعلق الرياضي الكويتي خالد الحربان ومقولته الشهيرة: لكل مباراة ظروفها. وغير ذلك من الأمثلة الدارجة والمعروفة التي تضع نسبة الفشل أو النجاح بناء على ظروف معينة، وأحيانا معقدة، وكم من نجاحات معلنة عناوينها، وهي في الحقيقة فشل ذريع، وسوء ما بعده سوء.
هل يعد ما سبق له علاقة بالثقافة العامة للبشر، بشكل خاص أو عام، طرأ علي هذا السؤال؟ أذكر أني قرأت في أحد الكتب المتخصصة في علم الاجتماع عن مفهوم الثقافة هذه العبارة: "تعني الثقافة في نظر علماء الاجتماع جوانب الحياة الإنسانية التي يكتسبها الإنسان بالتعلم لا بالوراثة" (1).
حتى في المدارس والطلبة، بعض الطلبة يعتبر النجاح الحصول على نسبة نجاح قريبة من السقوط، وكذلك هناك طالب يعتبر نسبة التسعين بالمائة فشلًا ذريعًا، لأنَّ الهدف كان أعلى من هذه النسبة، وتتراوح وتتفاوت الأسباب والظروف لكل حالة، وبلا شك تعكس حالة ثقافية معينة ذات خصوصية.
الفشل والنجاح كلاهما يحتاجان كثيرًا من المفاهيم، وأُلِّفت عنهما وبهما العديد من النظريات، وأسهب علماء الاجتماع والفلسفة والسياسية والتاريخ في الحديث حولهما؛ بل إن كلا هاتين الصفتين (هل تعتقد أنهما صفتان؟!) سيطرا على جزءٍ غير بسيط من كتب الدراسات الإنسانية ووفق مفاهيم وأفكار ونظريات عدة.
وفي النهاية لكل مِنَّا قناعته الخاصة بالفشل أو النجاح، وكذلك الجهات الخاصة والدول أيضًا تتعامل مع مؤشرات الفشل والنجاح بدقة وحساسية، لذلك لتكن لك شخصيتك المستقلة ولتكن لك معاييرك الخاصة للفشل لا سمح الله، أو النجاح، فلا يعلم بظروفك أو ما تمر به إلا الله (إن كنت كاتمًا ذلك).
الشاعر الجاهلي المثقب العبدي قال ذات مرة مخاطبا ناقته:
أَكُلُّ الدَهرِ حَلٌّ وَاِرتِحالٌ
أَما يُبقي عَلَيَّ وَما يَقيني
مراجع:
علم الاجتماع مع مدخلات عربية، أنتوني غدنز، ترجمة وتقديم: د. فايز الصباغ، الناشر: المنظمة العربية للترجمة، مؤسسة ترجمان، ط 4، ص 82. رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
لماذا هانى أبوريدة؟
لم يكن مفاجأة اختيار المهندس هانى أبوريدة قائمته التى خاض بها قيادة اتحاد الكرة لأربع سنوات مقبلة، وهى قائمة يغلب على أعضائها أنها مغمورة ولم يمارسوا لعبة كرة القدم.
وعندما وقعت عيناى على القائمة قبل الانتخابات تفاءلت وتوقعت نجاحها، وتأكد لى أن أبوريدة سيحقق إنجازاً عندما نجح بالتزكية.
ليس لأن نجوم الكرة سبب فشل الكرة المصرية، أو أنهم قليلو الخبرة، أو أن الرجل عنده «عقدة» من النجوم كما يحاول البعض أن يحلل سبب إعطاء أبو ريدة ظهره لكل ما هو تحت مظلة الكرويين.
فالرجل بحكم خبرته الدولية والمحلية يرى أن أولى خطوات النجاح العمل فى بيئة هادئة بعيدة عن الصراعات والتغنى بالنجومية، والتعالى على الآخرين، وكأن من «لعب» كرة قدم دون دراسة أو عمل إدارى والتدرج بسلمه يحق له فعل أى شىء وقيادة أى منظومة كروية، لا سيما أن هناك قرارات مصيرية تحدد ملامح مستقبل وسمعة الكرة المصرية على المستويين الإفريقى والدولي، وهى فى حاجة لأشخاص قادرين إدارياً على العمل فى أجواء صحية، والسرية هى عنوان النجاح وعدم خروجها من الغرف المغلقة.
ونجح أبو ريدة فى رهانين وليس رهاناً واحداً، الأول.. اختياره أدرجية بامتياز، والثانى تهيئة الأجواء القادرة على القذف بالكرة المصرية خطوات كبيرة للأمام.
وأيّا كانت الأسباب وراء انسحاب الجميع من أمام أبو ريدة وتفسير البعض لها بمسميات غريبة، إلا أنها فى النهاية إمكانيات تضع عضو المكتب التنفيذى بالاتحادين الإفريقى والدولى فى المكانة المناسبة لقيادة الكرة المصرية، خاصة أن عمله بالفيفا أكسبه خبرات ومعرفة كبيرة بـدهاليز الساحرة المستديرة.
وعندما يتعرض رجل مرشح ومنافس لضغوط للانسحاب مهما كان اسمه فهو غير جدير بقيادة الكرة المصرية، والبعض فضل الانسحاب لرغبته فى أن يعيش بقية حياته فى هدوء رغم أنه يعشق النجاحات فى العمل الإدارى احترامًا لشخصه وللمكانة التى حققها من قبل فى صمت دون تجريح أو استثارة غضب الآخرين.
أبوريدة عايش عمالقة الإدارة الكروية فى مصر وكان أحد أعضاء مجلس إدارة المرحوم- بإذن الله- سمير زاهر، ومن المقربين له وصديق عمره ويعلم ما عاناه الراحل صباح مساء، يصحو على مشكلة صباحًا وينام على أخرى وتتخذ قرارات سرية وتذاع فى الفضائيات بعد دقائق، ولا يجد الرجل أمامه سوى «لطم الخدود»!
وأحد الأسباب الرئيسية التى تدعو للتفاؤل أن أبو ريدة بين يديه سلبيات السنوات العجاف الماضية التى تسببت فى أوجاع كثيرة للكرة المصرية بسبب أخطاء إدارية ساذجة أصابت العاملين فى المنظومة، وهو قادر على تلافيها ومن معه من أعضاء المجلس.
وعليه اختيار لجنة فنية تضم 5 أو 6 أفراد، كل عضو مميز فى تخصصه «التحكيم والمسابقات وشئون اللاعبين.. إلخ» يتمتعون بالخبرة والثقة والأمانة.
ويبقى الاختبار الأصعب فى كيفية أن يصبح اتحاد الكرة أقوى من الأندية خاصة الأهلى والزمالك وعدم المحاباة وكيفية مساندة المظلوم وهو تحدٍ سقط كثيرون فى بئر نسيانه وخرج ملف بعضهم رغم بعض النجاح به ثقوب سوداء!