جريدة الرؤية العمانية:
2024-09-11@18:45:53 GMT

التطبيع.. أخطرُ ما يتهدّدُ المجتمع

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

التطبيع.. أخطرُ ما يتهدّدُ المجتمع

 

د. صالح الفهدي

أعظمُ خطرٍ يواجههُ المجتمعُ هو التطبيع، وأقصدُ بالتطبيع هو التعوُّد على أمورٍ مخالفةٍ لقيمِ المجتمع وآدابه، والنظر إليها على أنها من الأمور العادية؛ بل إنّ بعضها قد يصبحُ من الأمور المُستلطَفة التي يتفكّهُ ويتندّرُ بها الناس!

ويمكننا ملاحظة ذلك عندما يعلِّقُ البعض على تصرفات غير منضبطةٍ لبعض الناس على أنها لا تليق بمجتمعنا المحافظ على قيمه، وآدابه، فلا تكاد تصدِّقُ الردود التي تتسابق معارضةً ذلك التعليق بحجّة مقولة باطلة في معرض النهي عن المنكر "دعوا الخلق للخالق"!، ومعنى اعتراضهم بأن عليكم أن لا تتدخلوا في شؤون الآخرين، وهم في هذا لا يتدبرون ما حدث في الأُمم الأخرى من هلاك لأنهم كما يقول الحق سبحانه وتعالى: "كانُوا لا يتناهوْن عن مُّنكرٍ فعلُوهُ لبِئْس ما كانُوا يفْعلُون" (البقرة: 79).

كما إنهم يرون التعليق على انتهاك حرمات المجتمع تشهيرًا بأصحاب التصرفات، مُتغافلين أن من قام بالتصرفات المُنحرفة، وأظهر الميوعة، والغنج بما لا يليق بالرجال، قد أظهروه في العلن، مجاهرين بما يُعدُّ منكرًا، فيصبح على المجتمع أن يذود عن أخلاقهِ بانتقادِ ما يراهُ خارجًا عن الفطرة السليمة، ومخالفًا للدين والآداب العام، والذوق الذي نشأ عليه المجتمع.

التطبيعُ آفة المجتمع؛ لأنه بذلك يتعوّدُ على الفواحش فلا يواجهها؛ بل يراها وكأنها خارجة عن مسؤولياته، فتصبح روتينية، عادية، وبالتالي يصبح المنكر مألوفًا، والفحشُ مُعتادًا، ويندرجُ كل ذلك في إطار "الحريات الفردية"؛ حيث لا يجب على أحد أن يقول كلمة حق حتى ينتشر الفساد في المجتمع، وتستشري الفاحشة فيه، فلا يستطيع حينها أن يُعيد النظر إلى ما أفسده هو نفسه.

يقول السيد محسن المدرسي مؤلِّف كتاب "التطبيع مع المنكر": "أما ترى في حياتنا وفي مجتمعاتنا كيف تتغير الموازيين والمعايير، فيصبح المعروف- بحكم الشرع والعقل- مُنكرًا، والمنكرُ معروفًا؟ أما نشاهدُ يوميًا كيف احولّت مجتمعاتٌ غربيةٌ وأخرى شرقية، فجمعت قيمًا أخلاقية عُليا كالعفّةِ والحياء والوفاء والصدق والأمانة ثم وسمتها بوسام التّخلف، وصار حاملها مذمومًا يُسخرُ منه آناء الليل وأطراف النهار؟".

ولا يسلم في كثير من الأحيان من ينتقدُ سلوكيات معيّنةٍ يجدها مجانفةً للفطرة، مخالفةً للأدب؛ إذ تأتيه الردود الهجومية عنيفةً، وقاسيةً، وكأنّما قد نصّب أصحابها دروعًا لكلِّ من ينبري الانتصار لقيم المجتمع، فيهاجمونه، ويتّهمونه بازدراء الآخرين، وتشويه سمعتهم، في حين أن سمعة- أولئك الآخرون- عفنة، تُزكِّم الأنوف، وسيرتهم المنحرفة ظاهرة للناس لا تحتاج إلى دليل.

إنَّ الإشكاليات التي تحدثُ من جرّاء مهاجمة كل من ينتقدُ السلوك الشائن، أو الفعل القبيح، أو الشخص الرديء، تتمثل في أن آخرين لن يجرؤوا على ما قام به من انتقاد خشية مهاجمتهم من قِبل الذين يرون أنهم يتعدُّون على حريات الآخرين، أو يمسُّون سمعتهم.

هكذا تتغيّر المعايير في المجتمع، وذلك بتجميل الشخوص المنحرفةِ عيانًا، بإغداق المديح عليها، وهو ما يعني تسويقها على أنها نماذج مقبولة في المجتمع، بل قد ترقى إلى القدوات الاجتماعية! أذكرُ هنا على سبيل التعجُّب أن حاملًا لشهادةٍ أكاديمية عُليا يُسبغُ الثناء المبالغ على شخصٍ لا تدلُّ سلوكياته المتغنجة، المتكسرة على خصال الرجال وطباعهم. وذلك الثناءُ، والاحتفاء والقبول لَيُشجِّعُ على بروزِ نماذج أُخرى تتوسّعُ في مساحة الظهور الاجتماعي وهكذا ينتقل المجتمعُ من الدائرة الحمراءِ التي كان حازم المعايير فيها، إلى الدائرة الرمادية التي تتأرجحُ فيها آراؤه، ثم ينتقلُ -بسبب ما يروّج لهؤلاء الشخوص- إلى الدائرة الخضراء فيصبح أمر وجودها عاديًا جدًا؛ بل من علامات التعدد والتنوع في المجتمع!

في إحدى الدول، يُعجبني تصرُّف عدد من روّاد التواصل الاجتماعي، إذا ما رأوا متجاوزًا على قيم وآداب المجتمع، فإِنهم لا يترددون في إسكاته، وإخراس صوته، حتى لا يشجِّع غيره على ما أتى به من خزايةٍ ودناءة، ولا تقوى عصابته التي تجسُّ نبض المجتمع، فإذا رأوا المجتمع هامدًا، خامدًا، خجولًا من الانتقاد، خائفًا من ردِّة الفعل، ازدادت دسائسهم خبثًا، وتوسّعت أعمالهم التي تستهدف خلخلة مرتكزات المجتمع الدينية والأخلاقية والاجتماعية.

في السابق، كانت حالات الطلاق قليلة، ورغم ذلك لم تكن طبيعية في المجتمع؛ بل يستنكرها، ويستثقلها، أمّا اليوم فرغم كثرة حالات الطلاق فإنها أصبحت أمرًا عاديًا، مألوفًا في المجتمع، والطلاق هو في الحقيقة هدمٌ لأركان المجتمع، وتضييعٌ لفرص ثمينة لنموِّه والإنساني وهو ما يعني وجودهِ ومصيره.

التعاطي مع العنفِ أصبح أمرًا مألوفًا في مجتمعاتنا بسبب مشاهدة الأفلام؛ بل تخصصت مدينة السينما الأمريكية "هوليوود" في إنتاج أفلام "الأكشن" التي تتصدّر الاختيارات في العالم، وهي أفلامٌ فارغةٌ إنسانيًا، قائمةٌ على مشاهد العنفِ والقتل؛ بل إن المشاهد أصبح يستأنس بالفيلم الذي يبدأ بارتكاب جريمة مباشرة لأن ذلك يثير فيه مادة الدوبامين التي تشعره بالسعادة!!

أخطرُ ما يواجهه المجتمع هو تطبيع بعض الأخلاقيات غير السويّة أو السلوكيات الدخيلة عليه، ثم يصبحُ الأمر عاديًا على مرِّ الأوقات، وهذا ما حدث في المجتمعات الأوروبية تحديدًا؛ إذ أصبح انحراف الفطرة الإنسانية، والشذوذ، والعلاقات المحرّمة أمرًا طبيعيًا في المجتمع؛ بل أصبح كل من لا يمارسِ هذه الفواحش في نظرِ أفراده شخصًا غير طبيعي!!

وإذا كان من الأفضل أن لا يتوسّع الحديث عن بعض الحالات الشاذة تمثُّلًا بما قاله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إِنّ لِلّهِ عِبادًا يُمِيتُون الْباطِل بِهجْرِهِ، ويُحْيُون الْحقّ بِذِكْرِهِ"، فإِنّه حينما يُذكر في العلن لا يجب مواجهته بالسكوت، وإنما بانتقاده، ووأدهِ حتى لا يتلقّفه مروِّجو الفساد في المجتمعات.

أرى أن على المجتمع بأفراده ومؤسساته التأكيد بصورة مستمرة على ثوابت أصيلة في ثقافته، لكي يُجلي أيّ شكٍّ يشوِّهُ أخلاقياته، ومبادئه، فيؤكِّدُ على المباديء الأصيلة، والأُسس الواضحة، كما أنّ عليه أن يساند قدواته السويّة، ويجعلها نماذجه المرتضاة، المقبولة، بجانب أن على الأُسر التحدُّث مع أبنائهم عن الأثر الذي يُحدثه تطبيع المنكر على المجتمع.

إنَّ التطبيع يخلقُ الألفة للمساوئ؛ فتنتقلُ من المحرمات إلى المُباحات، وهكذا يصابُ المجتمع في مقتل، ما ينذرُ بتفككهِ، وضعفه، وهو الأمر الذي نحذِّرُ منه اليوم حتى لا تكون عواقبه وخيمةً علينا.. لا قدِّر الله.

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

في المناظرة... كيف أصبح ترامب عدواً لنفسه؟

يرى تشارلز ليبسون، أستاذ العلوم السياسية الفخري بجامعة شيكاغو، أنه في حال انتخاب كامالا هاريس رئيسة، فإن فوزها سيعود إلى أدائها في المناظرة التي جرت في فيلادلفيا ليلة الثلاثاء.

كانت إجاباته غاضبة ودفاعية ومطولة وغير منضبطة

ويشير ليبسون إلى أن إجابات هاريس، رغم غموضها في بعض الأحيان، كانت ملهمة وموجهة نحو المستقبل. وقد تمكنت من تجنب الأخطاء التي غالباً ما شابت تصريحاتها السابقة. وفي المناظرة، كانت واضحة وفصيحة، مما أعطاها أفضلية كبيرة.

وذكر تشارلز ليبسون في مقال نشره في مجلة "سبكتيتور" أن كامالا هاريس أظهرت مستوى عالٍ من المهارة السياسية خلال المناظرة، حيث نجحت في تجنب التورط في التصريحات الأكثر تطرفاً التي أدلت بها في الفترة ما بين 2019 و2020، والتي غالباً ما تنكرها الآن.

وأضاف ليبسون أنه كان بإمكان ترامب استغلال هذه التصريحات ضدها، لكنه نادراً ما فعل ذلك، مما أتاح لهاريس فرصة للتألق دون ضغط كبير.

موقف ذكي

في مقالته، أشار تشارلز ليبسون إلى أن كامالا هاريس نجحت بشكل فعال في ترسيخ موقفها المؤيد لحقوق المرأة في الاختيار، ووجهت انتقادات حادة لدونالد ترامب على موقفه من هذه القضية.

ورغم أنها أخطأت في التعبير عن آرائه بشأن التلقيح الصناعي، إلا أن ترامب سارع إلى تصحيحها.

كما أشادت هاريس بقانون الرعاية الصحية الذي أقره باراك أوباما (أوباما كير)، وهو موقف شعبي على المستوى الوطني، وربطته بتصويت السناتور جون ماكين، مما يعد حركة ذكية في ولاية أريزونا المتأرجحة.
والأهم من ذلك، أظهرت هاريس قدراتها القيادية والسيطرة التي يتوقعها الناخبون من الرئيس، وأثبتت من خلال أدائها أنها مستعدة لتولي منصب القائد الأعلى، وهو الهدف الأساسي الذي سعت لتحقيقه في المناظرة.

هكذا أضر نفسه

على النقيض من أداء كامالا هاريس، أضر دونالد ترامب بنفسه خلال المناظرة من خلال إظهاره الغضب والدفاعية، وهي صفات قد تجذب أنصاره، لكنها تنفر الديمقراطيين والمستقلين، خاصة النساء.

ورغم ذلك، تمكن ترامب من التركيز على بعض القضايا الأساسية التي تكسبه تأييداً، مثل الهجرة والجريمة والحروب الطويلة.

كما قدم حجة قوية بأنه سيعزز التكسير الهيدروليكي، وهو موضوع مهم في ولاية بنسلفانيا، زاعماً أن إدارة هاريس ستوقف هذه العملية، رغم نفيها لذلك.
مع ذلك، كانت نقاط ترامب كثيراً ما تضيع بسبب المبالغات والانفعالات، مما أفقده فرصة استغلال حجة مركزية: "هل أنت أفضل حالاً الآن مما كنت عليه قبل أربع سنوات؟".

وبدلاً من أن تكون هذه النقطة محور نقاشه، ضاعت في التفاصيل الصغيرة. من جهتها، قلبت هاريس المعنى لتشير إلى أن خصمها كان يدير حملة تركز على الماضي. 

Say what you will. Trump lost this debate.

He never smiled. He never connected w/the Camera (the public).

He sounded like an old Get Off My Lawn Angry Biden.

It was Awful. Will the public see through it?

Doubtful. They’re pretty stupid. All the betting markets are on KH. https://t.co/pxZDqvaeMG

— BruceAlrighty47 (@BruceAlrighty47) September 11, 2024 أقوى لحظات ترامب... قبل تبديدها

كانت أقوى لحظات دونالد ترامب خلال المناظرة عندما طرح سؤالاً موجهاً لنائبة الرئيس كامالا هاريس في بيانه الختامي، قائلاً: "إذا كانت لديكِ كل هذه الأفكار الرائعة، فلماذا لم تنفذيها خلال السنوات الثلاث والنصف التي شغلتِ فيها أنتِ وبايدن منصبيكما؟" كانت هذه نقطة قوية، لكنها لم تستغل بشكل كامل. بدلاً من التأكيد عليها وتقديم أدلة قوية تتعلق بالهجرة والتضخم والدخل الحقيقي وإعادة بناء الجيش، ترك ترامب الحجة تتلاشى.

بدلاً من التركيز على هذه النقاط، عاد إلى نوبات الاستنكار والمبالغات التي تمكنت هاريس من وصفها بالفعل بأنها أفعال متكررة ومتعبة، مما أفقد ترامب الفرصة لتقديم حجج أكثر إقناعاً.

ليست استراتيجية رابحة

 وإذا كان الموضوع الرئيسي لهاريس هو أن رئاسة ترامب الثانية ستنحصر في النظر إلى الماضي، فإن الرئيس السابق قدم لها الكثير من المواد لتستخدمها. عندما سُئل عما إذا كان قد فاز في انتخابات 2020، كان ينبغي له أن يقول شيئًا مثل: "لدي بعض الآراء حول ذلك، ولكن ما أريد التركيز عليه، مثل الناخبين في جميع أنحاء أمريكا، هو الانتخابات المقبلة. أريد أن أشرح كيف سأجعل أمريكا أكثر ازدهارًا وسلامًا ولماذا منافستي لن تتمكن من تحقيق ذلك."
بدلاً من ذلك، ظل ترامب متمسكاً بسردية الماضي، مما عزز حجة هاريس بأن حملته تركز بشكل أساسي على الماضي، وليس على القضايا الحالية أو المستقبلية التي تهم الناخبين.

So ..... I don't know how strong Donald Trump won the debate, (By the way, he's winning every poll as usual), but kamala definitely lost it. https://t.co/pXq0a1CgMJ

— Joel m. ???????????????? (@realjoemor) September 11, 2024

بدلاً من هذا، قرر ترامب إعادة التنازع بشأن انتخابات 2020. كان يبشر جوقته من الجمهوريين، وينفر الناخبين المترددين ويستسلم لشعوره بالضحية. إنها ليست استراتيجية مناظرة رابحة.

إهدار مكلف

وفقاً للأستاذ الجامعي، لم تكن مشكلة ترامب الرئيسية هي المديران المتحيزان للمناظرة، ولا حتى أداء هاريس السلس والقوي. كانت مشكلته الأكبر هي نفسه. فقد كانت إجاباته غاضبة ودفاعية وطويلة وغير منضبطة، وكأنه يخاطب تجمعاً من أنصاره المخلصين، وليس ملايين الناخبين الذين لم يحسموا قرارهم بعد.
وهذا الأداء المتهور سيكلف ترامب كثيراً، حيث أضاع أفضل فرصة له خلال الحملة الانتخابية وسيضطر لبذل جهود مضاعفة للتعافي.

في المقابل، قامت كامالا هاريس بما هو عكس ذلك تمامًا، حيث استغلت الفرصة في فيلادلفيا وفازت بالمناظرة بسهولة، مما عزز فرصها في الحصول على الفوز الأكبر في الانتخابات المقبلة.

مقالات مشابهة

  • في المناظرة... كيف أصبح ترامب عدواً لنفسه؟
  • إعلام عبري: التطبيع مع السعودية لا يزال على الطاولة.. وهذا ما تحتاجه الرياض
  • أخطر 5 أنواع من الجبن على الصحة.. وأطباء تغذية:احذروا الإفراط في تناولها
  • صدمة غير متوقعة.. هذا أخطر ما يخشاه الاحتلال من تداعيات “عملية الكرامة”
  • تحركات حوثية لدفن أخطر قضية نتيجة تبادل المنافع بين المتهمين والجماعة الانقلابية
  • هل أصبح العالم أكثر نضجًا؟
  • شريف الكيلاني: نتفهم جيدا التحديات التي تواجه المجتمع الضريبي ونعمل على مواجهتها
  • صدمة غير متوقعة.. هذا أخطر ما يخشاه الاحتلال من تداعيات عملية الكرامة
  • إسلاميو المغرب ينتقدون مهنية الإعلام الرسمي ويطالبون بوقف التطبيع
  • أخطر قرية بقنا.. مصرع مسجل خطر فى تبادل إطلاق نار مع الشرطة