التطبيع.. أخطرُ ما يتهدّدُ المجتمع
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
د. صالح الفهدي
أعظمُ خطرٍ يواجههُ المجتمعُ هو التطبيع، وأقصدُ بالتطبيع هو التعوُّد على أمورٍ مخالفةٍ لقيمِ المجتمع وآدابه، والنظر إليها على أنها من الأمور العادية؛ بل إنّ بعضها قد يصبحُ من الأمور المُستلطَفة التي يتفكّهُ ويتندّرُ بها الناس!
ويمكننا ملاحظة ذلك عندما يعلِّقُ البعض على تصرفات غير منضبطةٍ لبعض الناس على أنها لا تليق بمجتمعنا المحافظ على قيمه، وآدابه، فلا تكاد تصدِّقُ الردود التي تتسابق معارضةً ذلك التعليق بحجّة مقولة باطلة في معرض النهي عن المنكر "دعوا الخلق للخالق"!، ومعنى اعتراضهم بأن عليكم أن لا تتدخلوا في شؤون الآخرين، وهم في هذا لا يتدبرون ما حدث في الأُمم الأخرى من هلاك لأنهم كما يقول الحق سبحانه وتعالى: "كانُوا لا يتناهوْن عن مُّنكرٍ فعلُوهُ لبِئْس ما كانُوا يفْعلُون" (البقرة: 79).
التطبيعُ آفة المجتمع؛ لأنه بذلك يتعوّدُ على الفواحش فلا يواجهها؛ بل يراها وكأنها خارجة عن مسؤولياته، فتصبح روتينية، عادية، وبالتالي يصبح المنكر مألوفًا، والفحشُ مُعتادًا، ويندرجُ كل ذلك في إطار "الحريات الفردية"؛ حيث لا يجب على أحد أن يقول كلمة حق حتى ينتشر الفساد في المجتمع، وتستشري الفاحشة فيه، فلا يستطيع حينها أن يُعيد النظر إلى ما أفسده هو نفسه.
يقول السيد محسن المدرسي مؤلِّف كتاب "التطبيع مع المنكر": "أما ترى في حياتنا وفي مجتمعاتنا كيف تتغير الموازيين والمعايير، فيصبح المعروف- بحكم الشرع والعقل- مُنكرًا، والمنكرُ معروفًا؟ أما نشاهدُ يوميًا كيف احولّت مجتمعاتٌ غربيةٌ وأخرى شرقية، فجمعت قيمًا أخلاقية عُليا كالعفّةِ والحياء والوفاء والصدق والأمانة ثم وسمتها بوسام التّخلف، وصار حاملها مذمومًا يُسخرُ منه آناء الليل وأطراف النهار؟".
ولا يسلم في كثير من الأحيان من ينتقدُ سلوكيات معيّنةٍ يجدها مجانفةً للفطرة، مخالفةً للأدب؛ إذ تأتيه الردود الهجومية عنيفةً، وقاسيةً، وكأنّما قد نصّب أصحابها دروعًا لكلِّ من ينبري الانتصار لقيم المجتمع، فيهاجمونه، ويتّهمونه بازدراء الآخرين، وتشويه سمعتهم، في حين أن سمعة- أولئك الآخرون- عفنة، تُزكِّم الأنوف، وسيرتهم المنحرفة ظاهرة للناس لا تحتاج إلى دليل.
إنَّ الإشكاليات التي تحدثُ من جرّاء مهاجمة كل من ينتقدُ السلوك الشائن، أو الفعل القبيح، أو الشخص الرديء، تتمثل في أن آخرين لن يجرؤوا على ما قام به من انتقاد خشية مهاجمتهم من قِبل الذين يرون أنهم يتعدُّون على حريات الآخرين، أو يمسُّون سمعتهم.
هكذا تتغيّر المعايير في المجتمع، وذلك بتجميل الشخوص المنحرفةِ عيانًا، بإغداق المديح عليها، وهو ما يعني تسويقها على أنها نماذج مقبولة في المجتمع، بل قد ترقى إلى القدوات الاجتماعية! أذكرُ هنا على سبيل التعجُّب أن حاملًا لشهادةٍ أكاديمية عُليا يُسبغُ الثناء المبالغ على شخصٍ لا تدلُّ سلوكياته المتغنجة، المتكسرة على خصال الرجال وطباعهم. وذلك الثناءُ، والاحتفاء والقبول لَيُشجِّعُ على بروزِ نماذج أُخرى تتوسّعُ في مساحة الظهور الاجتماعي وهكذا ينتقل المجتمعُ من الدائرة الحمراءِ التي كان حازم المعايير فيها، إلى الدائرة الرمادية التي تتأرجحُ فيها آراؤه، ثم ينتقلُ -بسبب ما يروّج لهؤلاء الشخوص- إلى الدائرة الخضراء فيصبح أمر وجودها عاديًا جدًا؛ بل من علامات التعدد والتنوع في المجتمع!
في إحدى الدول، يُعجبني تصرُّف عدد من روّاد التواصل الاجتماعي، إذا ما رأوا متجاوزًا على قيم وآداب المجتمع، فإِنهم لا يترددون في إسكاته، وإخراس صوته، حتى لا يشجِّع غيره على ما أتى به من خزايةٍ ودناءة، ولا تقوى عصابته التي تجسُّ نبض المجتمع، فإذا رأوا المجتمع هامدًا، خامدًا، خجولًا من الانتقاد، خائفًا من ردِّة الفعل، ازدادت دسائسهم خبثًا، وتوسّعت أعمالهم التي تستهدف خلخلة مرتكزات المجتمع الدينية والأخلاقية والاجتماعية.
في السابق، كانت حالات الطلاق قليلة، ورغم ذلك لم تكن طبيعية في المجتمع؛ بل يستنكرها، ويستثقلها، أمّا اليوم فرغم كثرة حالات الطلاق فإنها أصبحت أمرًا عاديًا، مألوفًا في المجتمع، والطلاق هو في الحقيقة هدمٌ لأركان المجتمع، وتضييعٌ لفرص ثمينة لنموِّه والإنساني وهو ما يعني وجودهِ ومصيره.
التعاطي مع العنفِ أصبح أمرًا مألوفًا في مجتمعاتنا بسبب مشاهدة الأفلام؛ بل تخصصت مدينة السينما الأمريكية "هوليوود" في إنتاج أفلام "الأكشن" التي تتصدّر الاختيارات في العالم، وهي أفلامٌ فارغةٌ إنسانيًا، قائمةٌ على مشاهد العنفِ والقتل؛ بل إن المشاهد أصبح يستأنس بالفيلم الذي يبدأ بارتكاب جريمة مباشرة لأن ذلك يثير فيه مادة الدوبامين التي تشعره بالسعادة!!
أخطرُ ما يواجهه المجتمع هو تطبيع بعض الأخلاقيات غير السويّة أو السلوكيات الدخيلة عليه، ثم يصبحُ الأمر عاديًا على مرِّ الأوقات، وهذا ما حدث في المجتمعات الأوروبية تحديدًا؛ إذ أصبح انحراف الفطرة الإنسانية، والشذوذ، والعلاقات المحرّمة أمرًا طبيعيًا في المجتمع؛ بل أصبح كل من لا يمارسِ هذه الفواحش في نظرِ أفراده شخصًا غير طبيعي!!
وإذا كان من الأفضل أن لا يتوسّع الحديث عن بعض الحالات الشاذة تمثُّلًا بما قاله سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: "إِنّ لِلّهِ عِبادًا يُمِيتُون الْباطِل بِهجْرِهِ، ويُحْيُون الْحقّ بِذِكْرِهِ"، فإِنّه حينما يُذكر في العلن لا يجب مواجهته بالسكوت، وإنما بانتقاده، ووأدهِ حتى لا يتلقّفه مروِّجو الفساد في المجتمعات.
أرى أن على المجتمع بأفراده ومؤسساته التأكيد بصورة مستمرة على ثوابت أصيلة في ثقافته، لكي يُجلي أيّ شكٍّ يشوِّهُ أخلاقياته، ومبادئه، فيؤكِّدُ على المباديء الأصيلة، والأُسس الواضحة، كما أنّ عليه أن يساند قدواته السويّة، ويجعلها نماذجه المرتضاة، المقبولة، بجانب أن على الأُسر التحدُّث مع أبنائهم عن الأثر الذي يُحدثه تطبيع المنكر على المجتمع.
إنَّ التطبيع يخلقُ الألفة للمساوئ؛ فتنتقلُ من المحرمات إلى المُباحات، وهكذا يصابُ المجتمع في مقتل، ما ينذرُ بتفككهِ، وضعفه، وهو الأمر الذي نحذِّرُ منه اليوم حتى لا تكون عواقبه وخيمةً علينا.. لا قدِّر الله.
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
تقرير من تل أبيب: إسرائيل تصرّ على التطبيع مع لبنان
ذكرت القناة الـ"13" الإسرائيلية، اليوم الأربعاء، أنَّ إسرائيل تصرُّ على السّعي للتطبيع مع لبنان.وقالت القناة إنَّ رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عقد جلسة موسعة، مساء اليوم، لتقييم الوضع الأمنيّ تطرّقت إلى القضية اللبنانية.
وأشارت القناة إلى أنه رغم نفي بيروت، تصرُّ القدس على السعي للتطبيع مع لبنان، موضحة نقلاً عن مصدر سياسي قوله إنَّ "المباحثات التي تُجريها إسرائيل مع لبنان والولايات المُتحدة وفرنسا هي جزء من خطة سياسية أوسع تهدف إلى تحقيق التطبيع"، وأضاف: "إنها عملية طويلة وتدريجية وسوف تستغرق وقتاً، وإسرائيل ليس لديها حالياً أي خطط للانسحاب من النقاط الاستراتيجية الخمس في جنوب لبنان".
وتابع: "إذا وصلنا إلى نقاشات حول النقاط الحدودية المتنازع عليها، سترفع إسرائيل دعاوى ضد لبنان، ولن تتنازل إطلاقاً عن أمنها ومصالحها الوطنية. لإسرائيل مصلحة في تعزيز القوى المعتدلة في لبنان على حساب حزب الله وحركة أمل".
في غضون ذلك، قالت قناة "المنار" إنَّ الأميركيين والإسرائيليين يعتبرون أنَّ عمل لجنة مراقبة تطبيق اتفاق وقف اطلاق النار بطابعها العسكري الأمني قد انتهى دورها ولا بدّ من تأليف لجنة دبلوماسيَّة سياسيَّة.
وذكرت القناة أنَّ "لبنان الرسمي رفض هذا الطرح ولم يقبل به كون البعد السياسي الدبلوماسي يعني التطبيع مع العدو". مواضيع ذات صلة تقرير لـ"The Hill": ماذا تحتاج السعودية لإبرام صفقة مع إسرائيل؟ Lebanon 24 تقرير لـ"The Hill": ماذا تحتاج السعودية لإبرام صفقة مع إسرائيل؟ 12/03/2025 21:55:37 12/03/2025 21:55:37 Lebanon 24 Lebanon 24 هل عاد نازحو إسرائيل إلى حدود لبنان؟ تقريرٌ يكشف! Lebanon 24 هل عاد نازحو إسرائيل إلى حدود لبنان؟ تقريرٌ يكشف! 12/03/2025 21:55:37 12/03/2025 21:55:37 Lebanon 24 Lebanon 24 الدويهي: لقد تواطأت وزارة المالية مع مصرف لبنان قبل سنوات لإخفاء تقرير دولي أعده خبراء من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وقد حذر من وقوع لبنان في الهاوية Lebanon 24 الدويهي: لقد تواطأت وزارة المالية مع مصرف لبنان قبل سنوات لإخفاء تقرير دولي أعده خبراء من صندوق النقد الدولي والبنك الدولي وقد حذر من وقوع لبنان في الهاوية 12/03/2025 21:55:37 12/03/2025 21:55:37 Lebanon 24 Lebanon 24 كيف استغلت إسرائيل "اللهجة الفلسطينية واللبنانية"؟ تقريرٌ مثير! Lebanon 24 كيف استغلت إسرائيل "اللهجة الفلسطينية واللبنانية"؟ تقريرٌ مثير! 12/03/2025 21:55:37 12/03/2025 21:55:37 Lebanon 24 Lebanon 24 لبنان عربي-دولي قد يعجبك أيضاً هذا ما بدأت وزارة الداخلية فعله Lebanon 24 هذا ما بدأت وزارة الداخلية فعله 15:34 | 2025-03-12 12/03/2025 03:34:02 Lebanon 24 Lebanon 24 وزير الطاقة تابع مع وفدٍ من البنك الدولي موضوع المياه Lebanon 24 وزير الطاقة تابع مع وفدٍ من البنك الدولي موضوع المياه 15:26 | 2025-03-12 12/03/2025 03:26:10 Lebanon 24 Lebanon 24 سلامة التقى سليم وردة ورئيس مجلس قضاء زحلة الثقافي Lebanon 24 سلامة التقى سليم وردة ورئيس مجلس قضاء زحلة الثقافي 15:20 | 2025-03-12 12/03/2025 03:20:49 Lebanon 24 Lebanon 24 الخير زار رئيس الحكومة وعرض معه شؤون المنية والشمال Lebanon 24 الخير زار رئيس الحكومة وعرض معه شؤون المنية والشمال 15:16 | 2025-03-12 12/03/2025 03:16:47 Lebanon 24 Lebanon 24 رستم زار وزير العدل: لتطبيق مرسوم استحداث وظائف كتاب عدل بمناطق عكّار Lebanon 24 رستم زار وزير العدل: لتطبيق مرسوم استحداث وظائف كتاب عدل بمناطق عكّار 15:06 | 2025-03-12 12/03/2025 03:06:47 Lebanon 24 Lebanon 24 الأكثر قراءة طريق المطار تغيرت.. قرار سياسي "بدّل معالمها" Lebanon 24 طريق المطار تغيرت.. قرار سياسي "بدّل معالمها" 02:45 | 2025-03-12 12/03/2025 02:45:00 Lebanon 24 Lebanon 24 قرار لوزير المالية بتخفيض غرامات.. إطلعوا عليه Lebanon 24 قرار لوزير المالية بتخفيض غرامات.. إطلعوا عليه 06:41 | 2025-03-12 12/03/2025 06:41:21 Lebanon 24 Lebanon 24 بإطلالة مُحتشمة وأنيقة.. ابنة كارين رزق الله وفادي شربل بغاية الجمال شاهدوا كيف بدت (صور) Lebanon 24 بإطلالة مُحتشمة وأنيقة.. ابنة كارين رزق الله وفادي شربل بغاية الجمال شاهدوا كيف بدت (صور) 01:05 | 2025-03-12 12/03/2025 01:05:42 Lebanon 24 Lebanon 24 بالفيديو.. شارع يجمع علم "القوات اللبنانية" وصورة قياديّ إيراني! Lebanon 24 بالفيديو.. شارع يجمع علم "القوات اللبنانية" وصورة قياديّ إيراني! 14:49 | 2025-03-12 12/03/2025 02:49:52 Lebanon 24 Lebanon 24 هذا ما لاحظه مواطنون في بيروت اليوم Lebanon 24 هذا ما لاحظه مواطنون في بيروت اليوم 11:35 | 2025-03-12 12/03/2025 11:35:48 Lebanon 24 Lebanon 24 أخبارنا عبر بريدك الالكتروني بريد إلكتروني غير صالح إشترك أيضاً في لبنان 15:34 | 2025-03-12 هذا ما بدأت وزارة الداخلية فعله 15:26 | 2025-03-12 وزير الطاقة تابع مع وفدٍ من البنك الدولي موضوع المياه 15:20 | 2025-03-12 سلامة التقى سليم وردة ورئيس مجلس قضاء زحلة الثقافي 15:16 | 2025-03-12 الخير زار رئيس الحكومة وعرض معه شؤون المنية والشمال 15:06 | 2025-03-12 رستم زار وزير العدل: لتطبيق مرسوم استحداث وظائف كتاب عدل بمناطق عكّار 14:49 | 2025-03-12 بالفيديو.. شارع يجمع علم "القوات اللبنانية" وصورة قياديّ إيراني! فيديو صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية Lebanon 24 صور مذهلة ومثيرة.. اكتشاف كائنات بحرية غير معروفة في حملة استكشافية عالمية 05:00 | 2025-03-12 12/03/2025 21:55:37 Lebanon 24 Lebanon 24 "جابتلي المرض".. حسام حبيب يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل خلافاته مع شيرين عبد الوهاب شاهدوا الفيديو Lebanon 24 "جابتلي المرض".. حسام حبيب يخرج عن صمته ويكشف تفاصيل خلافاته مع شيرين عبد الوهاب شاهدوا الفيديو 00:20 | 2025-03-12 12/03/2025 21:55:37 Lebanon 24 Lebanon 24 دعما لإيلون ماسك.. هذا ما سيشتريه ترامب (فيديو) Lebanon 24 دعما لإيلون ماسك.. هذا ما سيشتريه ترامب (فيديو) 16:27 | 2025-03-11 12/03/2025 21:55:37 Lebanon 24 Lebanon 24 Download our application مباشر الأبرز لبنان خاص إقتصاد رمضانيات عربي-دولي فنون ومشاهير متفرقات Download our application Follow Us Download our application بريد إلكتروني غير صالح Softimpact Privacy policy من نحن لإعلاناتكم للاتصال بالموقع Privacy policy جميع الحقوق محفوظة © Lebanon24