جريدة الرؤية العمانية:
2025-04-17@05:45:08 GMT

الاحتجاجات الطلابية إلى أين؟!

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

الاحتجاجات الطلابية إلى أين؟!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

هناك عبارة تتردد باستمرار وتنصب ويوضع لها براويز جميلة في المكاتب وقاعات اتخاذ القرارات من بعض الساسة والقادة عبر العالم، لكنها لا تُطبَّق إلّا من رحم الله من الحكام؛ مفادها "العدل أساس الملك"، وهذه هي الحقيقة؛ فعند ما تحضر العدالة وتطبق على الجميع باعتبارهم سواسية، تختفي الاحتقانات والاضطرابات، ويسود الأمن والأمان جميع أفراد المجتمع.

ومن المفارقات العجيبة أن معظم صناع القرار في هذا العالم ينسون أو ويتناسون تلك القاعدة الأساسية في إرساء وتقوية نظام الحكم، والتي تمكنهم من كسب قلوب وعقول الرعية بسهولة ويسر. وفي واقع الأمر يجب أن يدرك الجميع أنَّ الكل شركاء في الوطن في السراء والضراء، وبالتالي يتطلع المواطن العادي في أي مكان من المعمورة إلى التقسيم العادل للحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع بدون تمييز.

لكن عند ما تجنح الطبقة الحاكمة في أي دولة إلى الانفراد بالسلطة أولًا، ثم اكتناز المال العام على حساب الوطن ومصلحته العليا؛ فقد تتحول الاحتجاجات الطلابية إلى أحد الخيارات المطروحة على الطاولة؛ لكونها تمثل الرهان الأخير والناجح في كثير من المجتمعات الديمقراطية منها والاستبدادية على حد سواء. وخروج طلبة الجامعات للشوارع أصبح ظاهرة عالمية من إندونيسيا شرقًا إلى أمريكا غربًا؛ مرورًا بالقارة العجوز (أوروبا)، التي نجح طلبة الجامعات الفرنسية فيها في صيف 1968 في حرق أصابع أكبر زعيم سياسي في العالم وهو مؤسس الجمهورية الخامسة في فرنسا الجنرال شارل ديجول؛ حيث كانت الاحتجاجات التي شهدتها الجامعات ثم المدن الفرنسية بعد انضمام العمال، وكذلك المُفكِّر والفيلسوف والكاتب المعروف جان بول سارتر للمحتجين من الطلبة في الحي اللاتيني في باريس، حاسمةً بكل المقاييس؛ لكونها تهدف إلى وقف حرب فيتنام وتحسين أوضاع الطبقة المتوسطة التي كانت تُعاني من ظروف معيشية صعبة. وبالفعل هزّت تلك الثورة الطلابية غير المسبوقة العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ وأجبرت رئيس فرنسا على الاستقالة؛ بل واعتزال العمل السياسي؛ حيث رفض ديجول إيذاء المحتجين، على الرغم من محاولة وزير الداخلية الفرنسي اتباع سياسة القمع والترهيب في عاصمة النور باريس.

يجب أن يدرك الجميع أنَّ الصراع بين الخير والشر أبديٌ، وسببه الحقيقي الظلم وغياب العدالة الإنسانية بين الحاكم الذي يُصادر الحقوق ويحتفظ لنفسه ولمن حوله من البطانة بالمكاسب والمزايا، وبين المحكوم المغلوب على أمره الذي يجد دائمًا أن قسمته الفُتات الذي في الواقع لا يُسمن ولا يُغني من جوع؛ فالإنسان بطبعة أناني ونفسه أمّارة بالسوء، وعندما تتأزم الأمور وتصل أحوال المجتمع إلى أدنى مستوياتها من شظف العيش والفقر، تظهر في الأفق الحلول الجذرية لتلك التحديات، "وما ضاقت إلّا فُرجت". لكن الفرج هذه المرة يأتي من الميادين والحارات الضيقة وتحديدًا من الجيل الصاعد المُتعلِّم من الشباب؛ إذ يُصبح دور طلبة العلم هنا محوريًا وأساسيًا، فهؤلاء الشباب يملكون قوة جبّارة وطاقة لا يتخيلها أحد. فهُم- أي الطلبة- الذين يقودون التغيير ويُوجِّهون بوصلة الوطن نحو تحقيق طموحات المجتمع. وللجامعات تأثير كبير على صُنّاع القرار في المُجتمعات المُعاصرة؛ فهي بمثابة العقل المُدبر لتقديم الحلول لمُختلف المشاكل المُستعصية التي تُواجه الشعوب المضطهدة في مُختلف دول العالم، وذلك ليس فقط من خلال خلاصة الأفكار المنهجية والدراسات العلمية الجادة التي يُجريها الطلبة وأساتذتهم في مجالات مُتعددة، خاصة في القضايا السياسية والاقتصادية والظواهر الاجتماعية؛ بل أيضًا من خلال نزولهم إلى الشارع ومواجهتهم الموت بصدورهم المكشوفة أمام الأجهزة الأمنية القمعية التي لا تتردد في الإفراط في إزهاق الأرواح للحفاظ على كراسي المُتنفِّذين من عِلية القوم. كما إنَّ طلاب العلم من الشباب والذين هم في مقاعد الدراسة، يمتلكون طاقات هائلة وأفكارًا خلّاقة يُمكن الاستفادة منها وتسخيرها للارتقاء بالأوطان. ذلك كون أنَّ الجامعات ومراكز الأبحاث تمتلك ذخيرة معرفية متقدمة؛ وأفكارًا جديدة تعتمد على المنطق العلمي وترفض التخلف والاستبداد والخنوع الذي يُمارس من قبل بعض أنظمة الحكم الدكتاتورية التي لا تُدرك أن مصيرها محتوم، إلّا بعد وقوع الفأس في الرأس.

من هنا، لم يعد ما يُعرف بـ"الربيع العربي" حكرًا على العرب؛ بل إن رياح التغيير قد هبّت من كل الاتجاهات الأربعة؛ وغزت افريقيا وتحديدًا كينيا التي استطاع الشارع فيها، إسقاط الحكومة خلال أسابيع قليلة؛ بسبب استحداث ضرائب جديدة في ذلك البلد الذي يُعاني فيه معظم افراده من الفقر. كما زحف طلبة جمهورية بنجلاديش على قصر رئيسة الوزراء الشيخة حسينة التي استحوذت على السلطة في هذا البلد دون منافس لمدة 16 سنة بالتمام والكمال، وكان الهروب الكبير إلى الهند مصيرها، مثل كل الطُغاة والمنبوذين من شعوبهم عبر التاريخ. لقد كانت مطالب الطلبة مشروعة ومنطقية منذ بداية الحراك الطلبي السلمي، وتتمثل في توزيع الوظائف على أساس الكفاءة وليس المحسوبية، ولكن كان الرد هو قتل المتظاهرين دون رحمة؛ إذ بلغ عدد الضحايا أكثر من 300 قتيل. ومن المؤسف حقاً قيام الشرطة في بنجلاديش ومن بعدها المحاكم بتنفيذ أوامر القتل التي أتتْ تباعًا من رئيسة الوزراء ومساعديها دون مُسوِّغ أو أرضية قانونية لذلك. وبعد نجاح المظاهرات، اختفت الشرطة من الساحات وأُقيل العديد من المسؤولين في السلك القضائي وتولى الجيش حفظ الأمن في هذا البلد. وأسند الجيش مهامَ تولي الحكومة المؤقتة في البلاد وبناءً على تزكية قادة الانتفاضة الطلابية، إلى أستاذ الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل للسلام نظير تأسيسه بنكًا محليًا لمُساعدة المحتاجين، لتأسيس مشاريع صغيرة تُنقذهم وأُسرهم من الفقر الشديد؛ فهو واحدٌ من القامات الاقتصادية المشهود لها بالعمل الخيري والوقوف مع فقراء بنجلاديش منذ عدة عقود.

وفي الختام.. يجب على جميع الدول، الاستفادة من الدروس الثمينة التي تحدث من حولنا؛ ونشاهدها يوميًا عبر القنوات التلفزيونية العالمية، ونتجنَّب كل ما يُشكِّل خطرًا على أمننا الاجتماعي، ولا يُمكن أن يتحقق ذلك إلّا بجهود جماعية يتضافر فيها الجميع لنشر العدالة ومحاربة الظلم والفساد أينما كان صاحبه أو مصدره.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

رئيس الجمعية العامة: يجب مكافحة العبودية الحديثة التي يرضخ لها 50 مليون شخص حول العالم

 

قال رئيس الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيليمون يانغ، إن تحديات العبودية الحديثة والاتجار بالبشر تُمثل انتهاكات لحقوق الإنسان الأساسية، و”تُهين كرامة الإنسان وتُسيء إلى الإنسانية”.

التغيير ــ وكالات 
جاءت هذه التصريحات خلال فعالية عُقدت في مقر الأمم المتحدة اليوم الثلاثاء، أطلقت خلالها اللجنة العالمية المعنية بالعبودية الحديثة والاتجار بالبشر تقريرا يكشف أن ما يُقدر بـ 50 مليون رجل وامرأة وطفل لا يزالون عالقين في العبودية حول العالم.

ويتناول التقرير أسباب التعرض للعبودية الحديثة والاتجار بالبشر، ويطرح توصيات واضحة لاتخاذ إجراءات عاجلة لمكافحتها.

وأكد يانغ أن التقرير بمثابة “جرس إنذار” ودعوة لتعزيز الإجراءات الرامية إلى معالجة أسباب وأبعاد وآثار العبودية الحديثة والاتجار بالبشر، مؤكدا أن جميع البلدان تتأثر بهذه الآفة – سواء كانت بلدان منشأ أو عبور أو وجهة.

وأضاف: “واحد من كل ثلاث ضحايا للاتجار بالبشر طفل. هذه حقيقة مؤلمة. ومعظم ضحايا الاتجار هم من النساء والفتيات، واللواتي غالبا ما يعانين من عنف وحشي وأشكال مختلفة من الاستغلال والاعتداء الجنسيين”.

وأشار رئيس الجمعية العامة إلى أن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة رفضت “هذه القسوة منذ زمن طويل”، واعتمدت معاهدات تاريخية لمحاربتها، بما في ذلك الإعـلان العالمي لحقوق الإنسان – الذي كان واضحا في حظر العبودية وتجارة الرقيق بجميع أشكالها. وأضاف: “ما نحتاجه الآن هو التنفيذ. نحن بحاجة إلى العمل”.

وحث يانغ الدول الأعضاء على تعزيز التدابير التي تكافح العبودية الحديثة والاتجار بالأشخاص، وتمنع ترسيخهما، بما في ذلك من خلال سن سياسات تراعي الصدمات النفسية وتركز على الناجين، مع مراعاة التحديات الفريدة التي تواجهها مختلف المناطق.

وأضاف: “نحن بحاجة إلى سياسات تعزز النمو الشامل، وتوفر فرصا متساوية للحصول على الرعاية الصحية والتعليم والتدريب على المهارات وفرص العمل. يجب أن تُمكّن سياساتنا المرأة وتحمي الأطفال”.

ووعد  يانغ بإبقاء هذه القضايا في دائرة الضوء العالمية، وشدد على أهمية الشراكات مع المجتمع المدني والقطاع الخاص وغيرهما من الأطراف لمحاربة هذا الخطر العالمي بنجاح.

الوسومالعبودية الحديثة المجتمع المدني رئيس الجمعية العامة يانغ

مقالات مشابهة

  • أمين الفتوى: الرحمة هي الأساس الذي يُبنى عليه أي مجتمع إنساني سوي
  • الدب الأمريكي الذي قد يقتل صاحبه!
  • الجامعة الافتراضية تحذر الجهات التي تستخدم اسمها في الإعلانات والأمور ‏المتعلقة بالخدمات الطلابية ‏
  • WSJ: فريق مغمور كلفه ترامب بتدمير الجامعات الأمريكية بعد الاحتجاجات الداعمة لغزة
  • أوباما يعبر عن تأييده لهارفارد ويدعو الجامعات الأخرى لمقاومة سياسات ترامب
  • ابن حزم الأندلسي.. العالم والفقيه والشاعر الذي أُحرقت كتبه
  • رئيس الجمعية العامة: يجب مكافحة العبودية الحديثة التي يرضخ لها 50 مليون شخص حول العالم
  • نيويورك تايمز: خبايا الحملة التي يشنها ترامب ضد الجامعات الأميركية
  • تيلستار.. القمر الصناعي الذي غيّر شكل كرة القدم
  • شهادة حول قصور المجتمع الدولي في السودان