جريدة الرؤية العمانية:
2025-02-02@02:01:47 GMT

الاحتجاجات الطلابية إلى أين؟!

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

الاحتجاجات الطلابية إلى أين؟!

 

 

د. محمد بن عوض المشيخي **

 

هناك عبارة تتردد باستمرار وتنصب ويوضع لها براويز جميلة في المكاتب وقاعات اتخاذ القرارات من بعض الساسة والقادة عبر العالم، لكنها لا تُطبَّق إلّا من رحم الله من الحكام؛ مفادها "العدل أساس الملك"، وهذه هي الحقيقة؛ فعند ما تحضر العدالة وتطبق على الجميع باعتبارهم سواسية، تختفي الاحتقانات والاضطرابات، ويسود الأمن والأمان جميع أفراد المجتمع.

ومن المفارقات العجيبة أن معظم صناع القرار في هذا العالم ينسون أو ويتناسون تلك القاعدة الأساسية في إرساء وتقوية نظام الحكم، والتي تمكنهم من كسب قلوب وعقول الرعية بسهولة ويسر. وفي واقع الأمر يجب أن يدرك الجميع أنَّ الكل شركاء في الوطن في السراء والضراء، وبالتالي يتطلع المواطن العادي في أي مكان من المعمورة إلى التقسيم العادل للحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع بدون تمييز.

لكن عند ما تجنح الطبقة الحاكمة في أي دولة إلى الانفراد بالسلطة أولًا، ثم اكتناز المال العام على حساب الوطن ومصلحته العليا؛ فقد تتحول الاحتجاجات الطلابية إلى أحد الخيارات المطروحة على الطاولة؛ لكونها تمثل الرهان الأخير والناجح في كثير من المجتمعات الديمقراطية منها والاستبدادية على حد سواء. وخروج طلبة الجامعات للشوارع أصبح ظاهرة عالمية من إندونيسيا شرقًا إلى أمريكا غربًا؛ مرورًا بالقارة العجوز (أوروبا)، التي نجح طلبة الجامعات الفرنسية فيها في صيف 1968 في حرق أصابع أكبر زعيم سياسي في العالم وهو مؤسس الجمهورية الخامسة في فرنسا الجنرال شارل ديجول؛ حيث كانت الاحتجاجات التي شهدتها الجامعات ثم المدن الفرنسية بعد انضمام العمال، وكذلك المُفكِّر والفيلسوف والكاتب المعروف جان بول سارتر للمحتجين من الطلبة في الحي اللاتيني في باريس، حاسمةً بكل المقاييس؛ لكونها تهدف إلى وقف حرب فيتنام وتحسين أوضاع الطبقة المتوسطة التي كانت تُعاني من ظروف معيشية صعبة. وبالفعل هزّت تلك الثورة الطلابية غير المسبوقة العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ وأجبرت رئيس فرنسا على الاستقالة؛ بل واعتزال العمل السياسي؛ حيث رفض ديجول إيذاء المحتجين، على الرغم من محاولة وزير الداخلية الفرنسي اتباع سياسة القمع والترهيب في عاصمة النور باريس.

يجب أن يدرك الجميع أنَّ الصراع بين الخير والشر أبديٌ، وسببه الحقيقي الظلم وغياب العدالة الإنسانية بين الحاكم الذي يُصادر الحقوق ويحتفظ لنفسه ولمن حوله من البطانة بالمكاسب والمزايا، وبين المحكوم المغلوب على أمره الذي يجد دائمًا أن قسمته الفُتات الذي في الواقع لا يُسمن ولا يُغني من جوع؛ فالإنسان بطبعة أناني ونفسه أمّارة بالسوء، وعندما تتأزم الأمور وتصل أحوال المجتمع إلى أدنى مستوياتها من شظف العيش والفقر، تظهر في الأفق الحلول الجذرية لتلك التحديات، "وما ضاقت إلّا فُرجت". لكن الفرج هذه المرة يأتي من الميادين والحارات الضيقة وتحديدًا من الجيل الصاعد المُتعلِّم من الشباب؛ إذ يُصبح دور طلبة العلم هنا محوريًا وأساسيًا، فهؤلاء الشباب يملكون قوة جبّارة وطاقة لا يتخيلها أحد. فهُم- أي الطلبة- الذين يقودون التغيير ويُوجِّهون بوصلة الوطن نحو تحقيق طموحات المجتمع. وللجامعات تأثير كبير على صُنّاع القرار في المُجتمعات المُعاصرة؛ فهي بمثابة العقل المُدبر لتقديم الحلول لمُختلف المشاكل المُستعصية التي تُواجه الشعوب المضطهدة في مُختلف دول العالم، وذلك ليس فقط من خلال خلاصة الأفكار المنهجية والدراسات العلمية الجادة التي يُجريها الطلبة وأساتذتهم في مجالات مُتعددة، خاصة في القضايا السياسية والاقتصادية والظواهر الاجتماعية؛ بل أيضًا من خلال نزولهم إلى الشارع ومواجهتهم الموت بصدورهم المكشوفة أمام الأجهزة الأمنية القمعية التي لا تتردد في الإفراط في إزهاق الأرواح للحفاظ على كراسي المُتنفِّذين من عِلية القوم. كما إنَّ طلاب العلم من الشباب والذين هم في مقاعد الدراسة، يمتلكون طاقات هائلة وأفكارًا خلّاقة يُمكن الاستفادة منها وتسخيرها للارتقاء بالأوطان. ذلك كون أنَّ الجامعات ومراكز الأبحاث تمتلك ذخيرة معرفية متقدمة؛ وأفكارًا جديدة تعتمد على المنطق العلمي وترفض التخلف والاستبداد والخنوع الذي يُمارس من قبل بعض أنظمة الحكم الدكتاتورية التي لا تُدرك أن مصيرها محتوم، إلّا بعد وقوع الفأس في الرأس.

من هنا، لم يعد ما يُعرف بـ"الربيع العربي" حكرًا على العرب؛ بل إن رياح التغيير قد هبّت من كل الاتجاهات الأربعة؛ وغزت افريقيا وتحديدًا كينيا التي استطاع الشارع فيها، إسقاط الحكومة خلال أسابيع قليلة؛ بسبب استحداث ضرائب جديدة في ذلك البلد الذي يُعاني فيه معظم افراده من الفقر. كما زحف طلبة جمهورية بنجلاديش على قصر رئيسة الوزراء الشيخة حسينة التي استحوذت على السلطة في هذا البلد دون منافس لمدة 16 سنة بالتمام والكمال، وكان الهروب الكبير إلى الهند مصيرها، مثل كل الطُغاة والمنبوذين من شعوبهم عبر التاريخ. لقد كانت مطالب الطلبة مشروعة ومنطقية منذ بداية الحراك الطلبي السلمي، وتتمثل في توزيع الوظائف على أساس الكفاءة وليس المحسوبية، ولكن كان الرد هو قتل المتظاهرين دون رحمة؛ إذ بلغ عدد الضحايا أكثر من 300 قتيل. ومن المؤسف حقاً قيام الشرطة في بنجلاديش ومن بعدها المحاكم بتنفيذ أوامر القتل التي أتتْ تباعًا من رئيسة الوزراء ومساعديها دون مُسوِّغ أو أرضية قانونية لذلك. وبعد نجاح المظاهرات، اختفت الشرطة من الساحات وأُقيل العديد من المسؤولين في السلك القضائي وتولى الجيش حفظ الأمن في هذا البلد. وأسند الجيش مهامَ تولي الحكومة المؤقتة في البلاد وبناءً على تزكية قادة الانتفاضة الطلابية، إلى أستاذ الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل للسلام نظير تأسيسه بنكًا محليًا لمُساعدة المحتاجين، لتأسيس مشاريع صغيرة تُنقذهم وأُسرهم من الفقر الشديد؛ فهو واحدٌ من القامات الاقتصادية المشهود لها بالعمل الخيري والوقوف مع فقراء بنجلاديش منذ عدة عقود.

وفي الختام.. يجب على جميع الدول، الاستفادة من الدروس الثمينة التي تحدث من حولنا؛ ونشاهدها يوميًا عبر القنوات التلفزيونية العالمية، ونتجنَّب كل ما يُشكِّل خطرًا على أمننا الاجتماعي، ولا يُمكن أن يتحقق ذلك إلّا بجهود جماعية يتضافر فيها الجميع لنشر العدالة ومحاربة الظلم والفساد أينما كان صاحبه أو مصدره.

** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري

رابط مختصر

المصدر: جريدة الرؤية العمانية

إقرأ أيضاً:

شرم الشيخ تحتضن الملتقى القمي لقادة الاتحادات الطلابية بالجامعات

ينظم قطاع الأنشطة الطلابية ومعهد إعداد القادة الملتقى القمي لقادة الاتحادات الطلابية بالجامعات والمعاهد المصرية بالمدينة الشبابية بشرم الشيخ، خلال الفترة من 1 إلى 4 فبراير 2025، تحت شعار "اتحاد طلاب الجمهورية.

يأتي ذلك بالتعاون مع مؤسسة إعداد القادة، وصندوق صندوق مكافحة وعلاج الإدمان والتعاطي التابع لرئاسة مجلس الوزراء، تحت رعاية وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. 

الاتحادات الطلابية ركيزة بناء جيل واع

وأكد الدكتور أيمن عاشور، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، أن الاتحادات الطلابية هي الركيزة الأساسية لبناء جيل واعٍ وقادر على المساهمة في تنمية المجتمع، موضحا أن وزارة التعليم العالي والبحث العلمي حريصة على دعم الأنشطة الطلابية بمختلف أشكالها، باعتبارها عنصرًا أساسيًا في تكوين شخصية الطالب الجامعي. 

وتابع أنه من خلال هذا الملتقى، نسعى إلى توفير بيئة مناسبة لتبادل الخبرات، وتنمية المهارات القيادية للطلاب، بما يعزز دورهم في بناء مستقبل الوطن. إن الاتحادات الطلابية بجانب كونها ممثلة عن طلاب الجامعات والمعاهد، فهي أيضًا قوة دافعة لتطوير العملية التعليمية والحياة الجامعية، ونتطلع إلى استمرار مثل هذه اللقاءات التي تسهم في خلق جيل قادر على تحقيق التنمية المستدامة.

ويهدف الملتقى إلى تعزيز دور الاتحادات الطلابية في تطوير الأنشطة الجامعية، واستحداث أنشطة جديدة تتماشى مع متطلبات الجمهورية الجديدة، وفقًا للاستراتيجية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي.

يشهد اليوم الأول من الملتقى حفل تنصيب اتحاد طلاب الجمهورية، ويليها جلسة حوارية مع النائب أحمد فتحي، عضو مجلس النواب ورئيس مجلس أمناء مؤسسة شباب القادة، لمناقشة بعض القضايا المرتبطة بالاتحادات الطلابية ودورها في الحياة الجامعية.

وتتضمن فعاليات الملتقى ورش عمل ذاتية تناقش  مدى إمكانية استحداث أنشطة طلابية جديدة وتعظيم الاستفادة من الأنشطة القمية بين الجامعات، بالإضافة إلى المائدة المستديرة والتي تجمع بين رؤساء الاتحادات الطلابية ونوابهم لمناقشة سبل تطوير الأنشطة الطلابية في الجامعات والمعاهد المصرية.

كما يشمل البرنامج رحلات ترفيهية وأنشطة رياضية وثقافية لتعزيز التواصل والتعاون بين الطلاب المشاركين.

وأوضح الدكتور كريم همام، مستشار وزير التعليم العالي للأنشطة الطلابية ومدير معهد إعداد القادة، أن هذا الملتقى يمثل منصة مهمة للحوار والتفاعل بين قادة الاتحادات الطلابية من مختلف الجامعات والمعاهد المصرية، ويأتي هذا الملتقى في إطار رؤية وزارة التعليم العالي لتعزيز دور الاتحادات الطلابية، وتمكين الطلاب من تطوير أنشطتهم بما يتناسب مع تطلعات الجمهورية الجديدة. نؤمن بأن القيادات الطلابية الفاعلة هي اللبنة الأولى لصناعة قادة المستقبل، ومن خلال ورش العمل والجلسات الحوارية، نهدف إلى وضع استراتيجيات عملية للنهوض بالأنشطة الطلابية وتعظيم الاستفادة منها. إن تمكين الطلاب من المشاركة في اتخاذ القرار يعزز من قدرتهم على الإبداع وتحمل المسؤولية، ويؤهلهم ليكونوا قادة في مجالاتهم المختلفة.

مقالات مشابهة

  • شرم الشيخ تحتضن الملتقى القمي لقادة الاتحادات الطلابية بالجامعات والمعاهد المصرية
  • شرم الشيخ تحتضن ملتقى قادة الاتحادات الطلابية بالجامعات والمعاهد المصرية
  • جامعة ميشيغان تعلق عمل مجموعة مؤيدة لفلسطين بعد قرار ترامب
  • شرم الشيخ تحتضن الملتقى القمي لقادة الاتحادات الطلابية بالجامعات
  • جامعة أميركية تعلق عمل مجموعة مؤيدة لفلسطين عامين
  • عبدالرحمن طلبة يحرز ذهبية كأس العالم لسلاح الشيش للناشئين بكرواتيا
  • مصانع العقول: الجامعات التي تغير العالم – الحلقة 2
  • تعرّف على المنظمة التي تلاحق مجرمي الحرب الإسرائيليين بجميع أنحاء العالم
  • هذا الكاتب أكل في أفخم مطاعم العالم وهذه أفضل الوجبات التي تذوقها
  • إعلامي أمريكي بالرياض: المملكة ليست التي كنا نقرأ عنها بالأخبار إنها مختلفة تمامًا .. فيديو