الاحتجاجات الطلابية إلى أين؟!
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
د. محمد بن عوض المشيخي **
هناك عبارة تتردد باستمرار وتنصب ويوضع لها براويز جميلة في المكاتب وقاعات اتخاذ القرارات من بعض الساسة والقادة عبر العالم، لكنها لا تُطبَّق إلّا من رحم الله من الحكام؛ مفادها "العدل أساس الملك"، وهذه هي الحقيقة؛ فعند ما تحضر العدالة وتطبق على الجميع باعتبارهم سواسية، تختفي الاحتقانات والاضطرابات، ويسود الأمن والأمان جميع أفراد المجتمع.
ومن المفارقات العجيبة أن معظم صناع القرار في هذا العالم ينسون أو ويتناسون تلك القاعدة الأساسية في إرساء وتقوية نظام الحكم، والتي تمكنهم من كسب قلوب وعقول الرعية بسهولة ويسر. وفي واقع الأمر يجب أن يدرك الجميع أنَّ الكل شركاء في الوطن في السراء والضراء، وبالتالي يتطلع المواطن العادي في أي مكان من المعمورة إلى التقسيم العادل للحقوق والواجبات بين أفراد المجتمع بدون تمييز.
لكن عند ما تجنح الطبقة الحاكمة في أي دولة إلى الانفراد بالسلطة أولًا، ثم اكتناز المال العام على حساب الوطن ومصلحته العليا؛ فقد تتحول الاحتجاجات الطلابية إلى أحد الخيارات المطروحة على الطاولة؛ لكونها تمثل الرهان الأخير والناجح في كثير من المجتمعات الديمقراطية منها والاستبدادية على حد سواء. وخروج طلبة الجامعات للشوارع أصبح ظاهرة عالمية من إندونيسيا شرقًا إلى أمريكا غربًا؛ مرورًا بالقارة العجوز (أوروبا)، التي نجح طلبة الجامعات الفرنسية فيها في صيف 1968 في حرق أصابع أكبر زعيم سياسي في العالم وهو مؤسس الجمهورية الخامسة في فرنسا الجنرال شارل ديجول؛ حيث كانت الاحتجاجات التي شهدتها الجامعات ثم المدن الفرنسية بعد انضمام العمال، وكذلك المُفكِّر والفيلسوف والكاتب المعروف جان بول سارتر للمحتجين من الطلبة في الحي اللاتيني في باريس، حاسمةً بكل المقاييس؛ لكونها تهدف إلى وقف حرب فيتنام وتحسين أوضاع الطبقة المتوسطة التي كانت تُعاني من ظروف معيشية صعبة. وبالفعل هزّت تلك الثورة الطلابية غير المسبوقة العالم من أقصاه إلى أقصاه؛ وأجبرت رئيس فرنسا على الاستقالة؛ بل واعتزال العمل السياسي؛ حيث رفض ديجول إيذاء المحتجين، على الرغم من محاولة وزير الداخلية الفرنسي اتباع سياسة القمع والترهيب في عاصمة النور باريس.
يجب أن يدرك الجميع أنَّ الصراع بين الخير والشر أبديٌ، وسببه الحقيقي الظلم وغياب العدالة الإنسانية بين الحاكم الذي يُصادر الحقوق ويحتفظ لنفسه ولمن حوله من البطانة بالمكاسب والمزايا، وبين المحكوم المغلوب على أمره الذي يجد دائمًا أن قسمته الفُتات الذي في الواقع لا يُسمن ولا يُغني من جوع؛ فالإنسان بطبعة أناني ونفسه أمّارة بالسوء، وعندما تتأزم الأمور وتصل أحوال المجتمع إلى أدنى مستوياتها من شظف العيش والفقر، تظهر في الأفق الحلول الجذرية لتلك التحديات، "وما ضاقت إلّا فُرجت". لكن الفرج هذه المرة يأتي من الميادين والحارات الضيقة وتحديدًا من الجيل الصاعد المُتعلِّم من الشباب؛ إذ يُصبح دور طلبة العلم هنا محوريًا وأساسيًا، فهؤلاء الشباب يملكون قوة جبّارة وطاقة لا يتخيلها أحد. فهُم- أي الطلبة- الذين يقودون التغيير ويُوجِّهون بوصلة الوطن نحو تحقيق طموحات المجتمع. وللجامعات تأثير كبير على صُنّاع القرار في المُجتمعات المُعاصرة؛ فهي بمثابة العقل المُدبر لتقديم الحلول لمُختلف المشاكل المُستعصية التي تُواجه الشعوب المضطهدة في مُختلف دول العالم، وذلك ليس فقط من خلال خلاصة الأفكار المنهجية والدراسات العلمية الجادة التي يُجريها الطلبة وأساتذتهم في مجالات مُتعددة، خاصة في القضايا السياسية والاقتصادية والظواهر الاجتماعية؛ بل أيضًا من خلال نزولهم إلى الشارع ومواجهتهم الموت بصدورهم المكشوفة أمام الأجهزة الأمنية القمعية التي لا تتردد في الإفراط في إزهاق الأرواح للحفاظ على كراسي المُتنفِّذين من عِلية القوم. كما إنَّ طلاب العلم من الشباب والذين هم في مقاعد الدراسة، يمتلكون طاقات هائلة وأفكارًا خلّاقة يُمكن الاستفادة منها وتسخيرها للارتقاء بالأوطان. ذلك كون أنَّ الجامعات ومراكز الأبحاث تمتلك ذخيرة معرفية متقدمة؛ وأفكارًا جديدة تعتمد على المنطق العلمي وترفض التخلف والاستبداد والخنوع الذي يُمارس من قبل بعض أنظمة الحكم الدكتاتورية التي لا تُدرك أن مصيرها محتوم، إلّا بعد وقوع الفأس في الرأس.
من هنا، لم يعد ما يُعرف بـ"الربيع العربي" حكرًا على العرب؛ بل إن رياح التغيير قد هبّت من كل الاتجاهات الأربعة؛ وغزت افريقيا وتحديدًا كينيا التي استطاع الشارع فيها، إسقاط الحكومة خلال أسابيع قليلة؛ بسبب استحداث ضرائب جديدة في ذلك البلد الذي يُعاني فيه معظم افراده من الفقر. كما زحف طلبة جمهورية بنجلاديش على قصر رئيسة الوزراء الشيخة حسينة التي استحوذت على السلطة في هذا البلد دون منافس لمدة 16 سنة بالتمام والكمال، وكان الهروب الكبير إلى الهند مصيرها، مثل كل الطُغاة والمنبوذين من شعوبهم عبر التاريخ. لقد كانت مطالب الطلبة مشروعة ومنطقية منذ بداية الحراك الطلبي السلمي، وتتمثل في توزيع الوظائف على أساس الكفاءة وليس المحسوبية، ولكن كان الرد هو قتل المتظاهرين دون رحمة؛ إذ بلغ عدد الضحايا أكثر من 300 قتيل. ومن المؤسف حقاً قيام الشرطة في بنجلاديش ومن بعدها المحاكم بتنفيذ أوامر القتل التي أتتْ تباعًا من رئيسة الوزراء ومساعديها دون مُسوِّغ أو أرضية قانونية لذلك. وبعد نجاح المظاهرات، اختفت الشرطة من الساحات وأُقيل العديد من المسؤولين في السلك القضائي وتولى الجيش حفظ الأمن في هذا البلد. وأسند الجيش مهامَ تولي الحكومة المؤقتة في البلاد وبناءً على تزكية قادة الانتفاضة الطلابية، إلى أستاذ الاقتصاد الحائز على جائزة نوبل للسلام نظير تأسيسه بنكًا محليًا لمُساعدة المحتاجين، لتأسيس مشاريع صغيرة تُنقذهم وأُسرهم من الفقر الشديد؛ فهو واحدٌ من القامات الاقتصادية المشهود لها بالعمل الخيري والوقوف مع فقراء بنجلاديش منذ عدة عقود.
وفي الختام.. يجب على جميع الدول، الاستفادة من الدروس الثمينة التي تحدث من حولنا؛ ونشاهدها يوميًا عبر القنوات التلفزيونية العالمية، ونتجنَّب كل ما يُشكِّل خطرًا على أمننا الاجتماعي، ولا يُمكن أن يتحقق ذلك إلّا بجهود جماعية يتضافر فيها الجميع لنشر العدالة ومحاربة الظلم والفساد أينما كان صاحبه أو مصدره.
** أكاديمي وباحث مختص في الرأي العام والاتصال الجماهيري
رابط مختصرالمصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
وزير التعليم العالي: الجامعات الأهلية حظيت بثقة المجتمع لجودتها التعليمية
عقد أيمن عاشور وزير التعليم العالي والبحث العلمي، وشريف الشربيني وزير الإسكان والمرافق والمجتمعات العمرانية، اجتماعًا لمتابعة موقف تنفيذ وتشغيل جامعتي العلمين الدولية والمنصورة الجديدة، وذلك تنفيذاً لتوجيهات الرئيس عبدالفتاح السيسي، بالتنسيق بين الوزارتين، وتعظيم دور الجامعات الأهلية.
اهتمام الوزارة بمنظومة الجامعاتوأكّد «عاشور» اهتمام الوزارة بمنظومة الجامعات الأهلية الجديدة، سواء الجامعات الأهلية الدولية، أو المُنبثقة عن الجامعات الحكومية، طبقًا لتوجيهات القيادة السياسية لهذا النمط من التعليم الذي قدم إضافة مُتميزة لمنظومة التعليم العالي المصرية، لافتًا إلى أن الجامعات الأهلية لاقت إقبالًا واسعًا من المجتمع وبلغ عدد المُلتحقين بها هذا العام الدراسي 55 ألف طالبًا، مما يعكس ثقة المجتمع في الجودة التي تقدمها الجامعات الأهلية.
وأكّد وزير التعليم العالي حرص الوزارة على تعظيم الاستفادة من هذه المنظومة بما يحقق أهداف الدولة خاصة وأن الجامعات الأهلية تعُد جامعات ذكية من الجيل الرابع، وتُساهم في تحقيق التنمية المُستدامة ورؤية مصر 2030، ودعم خطة التوسع في إنشاء الجامعات بالمدن الجديدة لإحداث نقلة عمرانية واقتصادية واجتماعية، فضلًا عن دورها في تحقيق أهداف إتاحة التعليم العالي وتلبية الطلب المُتزايد على الالتحاق بالجامعات، ودعم رؤية الدولة لجعل مصر منصة تعليمية جاذبة في المنطقة العربية والشرق الأوسط والقارة الإفريقية.
مدن الجيل الرابعوأكّد «الشربيني» أنَّ وزارة الإسكان مُمثلة في هيئة المجتمعات العمرانية الجديدة، حريصة على استقطاب أكبر عدد من الجامعات بالمدن الجديدة، وخاصة مدن الجيل الرابع، نظرًا لدورها في زيادة عوامل الجذب لتلك المدن، ورفع نسب الإشغال والسكن بالمدن على مدار العام مما يُسهم في الإسراع بمعدلات التنمية، وإتاحة المزيد من الفرص الاستثمارية.
وخلال اللقاء، استعرض الوزيران الموقف الحالي للجامعتين، والمباني التي تمّ تشغيلها، ففي جامعة العلمين الدولية، تم تشغيل مباني كليات (القانون الدولي - هندسة «1 و2» - الحاسبات - الفنون والتصميم - الدراسات العليا - مبنى الخدمات)، بينما في جامعة المنصورة، تم التشغيل الكلي للمباني التالية (كلية المعاملات القانونية الدولية – كلية هندسة المنسوجات – كلية طب الفم والأسنان)، والتشغيل الجزئي لمباني (كلية الطب البشري – كلية الصيدلة والعلوم – مبنى الإدارة)، وجار التجهيز للتشغيل الجزئي لمبنى (كلية الهندسة 1)، خلال العام الدراسي المقبل.
وأكّد الجانبان ضرورة الإسراع بتنفيذ توجيهات الرئيس السيسي، بسرعة إنجاز وتشغيل المنشآت المختلفة بجامعتي العلمين الدولية والمنصورة الجديدة، لتلبية الطلب الكبير والمُتزايد من الطلاب على الالتحاق بهما، كما تمّ الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة من الجانبين للتنسيق بشأن دراسة البدائل المتاحة والمقترحات لسرعة إنهاء وتشغيل باقي المباني والإنشاءات.
وبحث الاجتماع توقيع بروتوكول تعاون بين الوزارتين لدعم المشروعين وإدارتهما وتعظيم الاستفادة من مردودها، واستكمال أعمال الإنشاءات المطلوبة، والتوسع في عقد الشراكات الدولية مع المؤسسات العالمية المرموقة؛ لضمان مواكبة المعايير العالمية للخدمة التعليمية والبحثية.