رغم نشأتها في الولايات المتحدة، باتت ظاهرة الجمعة السوداء التسويقية تتجاوز حدودها الجغرافية لتكتسح العالم بأسره، حيث تشهد هذه الظاهرة نموًا متسارعًا وتبنيًا متزايدًا من قبل مختلف الدول.

في المملكة المتحدة، حققت مبيعات الجمعة السوداء أكثر من 8.7 مليار جنيه إسترليني في العام الماضي 2023. كما يتوقع أن تشهد السنوات المقبلةتطوراً ملحوظًا في عالم التسوق، مع تحول الجمعة السوداء إلى مهرجان تسوق عالمي متكامل يعتمد على أحدث التقنيات ويمتد على مدار فترة زمنية أطول، وذلك لتلبية تطلعات المستهلكين المتزايدة وتلبية متطلبات السوق المتغيرة.

لكن مع تتبع دلالات اختيار «الجمعة السوداء»، يتبين أنه يعود إلى واحدة من أبرز الأزمات المالية التي شهدتها الولايات المتحدة، ففي الرابع والعشرين من سبتمبر (يوم الجمعة) عام 1869، وفي قلب صرح المال والأعمال، في وول ستريت بمنهاتن نيويورك، نسج اثنان من كبار المضاربين، جاي جولد وجيمس فيسك، مؤامرة طموحة خلدت في ذاكرة التاريخ، وتمثلت خطتهما الجريئة في السيطرة على سوق الذهب في بورصة نيويورك من خلال شراء كميات هائلة منه، ومن ثم التلاعب بأسعاره لترتفع بشكل جنوني، متوهمين تحقيق أرباح طائلة.

إلا أن طموحاتهما البعيدة ذهبت أدراج الرياح في ذلك اليوم، عندما تدخلت الحكومة الفيدرالية وأفشلت مخططهما، مما أدى إلى انهيار مفاجئ للسوق وإفلاس العديد من المستثمرين الأثرياء، ومنذ ذلك الحين، ارتبط مصطلح "الجمعة السوداء" ارتباطاً وثيقاً بالكوارث المالية، ليصبح رمزاً للانهيارات الاقتصادية المدوية.

ولم يكتسب مصطلح الجمعة السوداء دلالته التسويقية الحالية إلا في منتصف القرن العشرين، بفضل تضافر جهود قوات شرطة فيلادلفيا وتجار التجزئة في المدينة. فمن جهة، استخدمت الشرطة المصطلح لوصف الفوضى التي كانت تنتشر في المدينة عقب عيد الشكر، وذلك بسبب تدفق الزوار من الضواحي لحضور مباراة كرة القدم السنوية حسب تقرير «أرقام وذا أورنيس نيوز».

ومن جهة أخرى، استغل تجار التجزئة هذه الفوضى واعتبروا اليوم التالي لعيد الشكر يومًا حافلاً بالتسوق، فاستخدموا نفس المصطلح للإشارة إلى الزحام الشديد والطلب المتزايد على البضائع. ورغم أن التجار حاولوا في البداية تغيير الاسم إلى "الجمعة الكبيرة" لتجنب الدلالات السلبية المرتبطة باللون الأسود، إلا أن مصطلح "الجمعة السوداء" كان قد ترسخ في أذهان الناس.

ظاهرة عالمية

لذلك، قرر التجار تحويل هذه الدلالة السلبية إلى إيجابية، فربطوا المصطلح بمفهوم الربح المالي، وهو ما يعكس الزيادة الهائلة في المبيعات خلال هذا اليوم. مع مرور الوقت، تحولت الجمعة السوداء، التي كانت يومًا واحدًا من التخفيضات المجنونة، إلى ظاهرة عالمية تستمر لعدة أيام. ولم تعد مجرد حدث تجاري عابر، بل أصبحت موسمًا تسويقيًا حافلاً بالصفقات والعروض التي تمتد لأسابيع، ويعكس هذا التحول تطورًا ملحوظًا في سلوك المستهلك وعادات الشراء.

تُعد الجمعة السوداء حدثًا بارزًا في عالم البيع بالتجزئة، حيث يُحتفل به سنويًا في الولايات المتحدة ويكون في نوفمبر في غالبية دول العالم. ويمثل هذا اليوم انطلاقة موسم التسوق الاحتفالي، ويشتهر بعروضه الترويجية الضخمة التي تجذب أعدادًا كبيرة من المتسوقين سواء في المتاجر الفعلية أو عبر المنصات الإلكترونية، مما يجعله أكثر أيام العام ازدحامًا من حيث الحركة الشرائية.

تسبق الجمعة السوداء أشهر من التخطيط الدقيق لدى تجار التجزئة، حيث يسعون لتجهيز مخزونهم وحملاتهم التسويقية وعملياتهم اللوجستية لاستيعاب الطلب المتزايد.مع تطور سلوك المستهلك وتحول مشهد التسوق نحو الرقمية، بات التركيز منصباً على المبيعات عبر الإنترنت بجانب التسوق التقليدي. وقد أصبحت التجارة الإلكترونية ركيزة أساسية في فعاليات الجمعة السوداء، حيث يفضل العديد من المتسوقين راحة التسوق عبر الإنترنت وتجنب الزحام في المتاجر التقليدية.

منصة فريدة

تُعد الجمعة السوداء منصةً فريدةً تكشف عن أحدث صيحات الاستهلاك وتسليط الضوء على المنتجات الأكثر طلباً، ففي هذا اليوم، تشهد الإلكترونيات، مثل الهواتف الذكية وأجهزة الكمبيوتر المحمولة، إقبالاً كبيراً من قبل المتسوقين. كما تزداد شعبية الأجهزة المنزلية والملابس ومنتجات التجميل والألعاب وأجهزة الألعاب، مما يجعلها خيارات مثالية للمستهلكين خلال هذا المهرجان التسويقي الاستثنائي.

تكشف الدراسات الاستهلاكية أن جاذبية عروض الجمعة السوداء تتجاوز الحاجة الملموسة، لتلامس أوتار الرضا النفسي الذي يولد عن اقتناص صفقة استثنائية.

إنها الإثارة المتمثلة في شراء سلعة بسعر أقل من المعتاد، وهو ما يدفع المستهلكين إلى التخطيط الدقيق لرحلات تسوقهم، والبحث الحثيث عن أفضل العروض لتعظيم وفوراتها. علاوة على ذلك، يسود لدى المستهلكين خوف شديد من تفويت الفرصة، وهو ما يشكل قوة دافعة رئيسية وراء الإقبال المكثف على التسوق في هذا اليوم.

تستغل الشركات هذا الخوف بذكاء من خلال اللجوء إلى "مبدأ الندرة"، حيث تفرض قيودًا صارمة على الكميات المتاحة، مما يخلق وهم العرض المحدود.

هذا التكتيك يولّد إحساسًا قويًا بالإلحاح، يدفع المستهلكين إلى الإسراع في الشراء للاستفادة من الخصومات الكبيرة. ويزداد هذا الإحساس سوءًا بفعل عوامل خارجية مثل التغطية الإعلامية المكثفة قبيل الجمعة السوداء، وزيادة استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وتزامن الحدث مع موعد صرف الرواتب لدى الكثيرين.

تعتبر مبيعات وإيرادات الجمعة السوداء، عادةً، هائلة بالنسبة للعديد من الشركات، مما قد يُحدث تأثيراً كبيراً على أرباحها الصافية. ولهذا، يُعتبر هذا الحدث مؤشراً حيوياً لصحة قطاع التجزئة بأكمله، إذ يعكس قوة الإنفاق الاستهلاكي واتجاهات التسوق السائدة.

مبيعات التجزئة عبر الإنترنت

يشار إلى أن مبيعات التجزئة عبر الإنترنت خلال حدث الجمعة السوداء في الولايات المتحدة قد شهدت نموًا هائلاً على مدار السنوات القليلة الماضية. فمنذ عام 2013، حيث بلغت المبيعات 1.93 مليار دولار، ارتفعت بشكل مطرد لتصل إلى 7.4 مليارات دولار في عام 2019. وفي عام 2022، حققت المبيعات قفزة نوعية لتصل إلى رقم قياسي بلغ 9.12 مليار دولار، وذلك وفقًا لأحدث البيانات التي أصدرتها شركة أدوبي أناليتكس.

هذا الرقم القياسي يعد مؤشراً قويًا على استمرار زخم التسوق الإلكتروني، حتى في ظل التحديات الاقتصادية التي يشهدها العالم، مثل ارتفاع معدلات التضخم. ومن المتوقع أن تستمر هذه الوتيرة الصاعدة في عام 2023، حيث تتجاوز المبيعات حاجز 9.8 مليار دولار. وكشفت أرقام الاتحاد الوطني لتجارة التجزئة أن العروض الترويجية، وعلى رأسها الشحن المجاني، كانت وراء الارتفاع الصاروخي في مبيعات الإنترنت خلال الجمعة السوداء بمتوسط خصومات وصل إلى 25%، وخصومات كبيرة تجاوزت في كثير من الأحيان 70%، لم يستطع المستهلكون مقاومة هذه الإغراءات.

اقرأ أيضاً«آي صاغة»: الذهب يرتفع 3% بالبورصة العالمية خلال أسبوع.. ويشهد استقرارا في السوق المحلي

نقطة تحول حرجة تشهدها السياسة النقدية الأمريكية الأشهر المقبلة.. ماذا يحدث؟

شروط ومعايير انضمام الشركات المقيدة لمؤشر إيجي إكس30 بالبورصة المصرية

المصدر: الأسبوع

كلمات دلالية: الولايات المتحدة سوق الذهب التجارة الإلكترونية الجمعة السوداء تجار التجزئة وول ستريت متطلبات السوق الولایات المتحدة الجمعة السوداء عبر الإنترنت هذا الیوم

إقرأ أيضاً:

أبرز شركات الطيران التي علقت رحلاتها للمنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية

دفعت المخاوف من اتساع رقعة الصراع في الشرق الأوسط شركات طيران عالمية إلى تعليق رحلاتها للمنطقة، أو تجنب المجالات الجوية التي تنطوي على مخاطر.

وفيما يلي بعض شركات الطيران التي عدلت خدماتها من المنطقة وإليها:

الخطوط القطرية

علقت شركة الطيران القطرية مؤقتا رحلاتها من وإلى إيران ولبنان مؤقتا.

مصر للطيران

علقت شركة الطيران المصرية في سبتمبر/أيلول رحلاتها الجوية إلى بيروت حتى "يستقر الوضع".

طيران الإمارات

ألغت الشركة المملوكة للدولة في الإمارات الرحلات إلى بيروت وبغداد حتى نهاية الشهر الجاري.

فلاي دبي

قال متحدث باسم شركة الطيران الإماراتية في 30 أكتوبر/تشرين الأول إن الرحلات الجوية بين دبي وبيروت لا تزال معلقة، في حين أن الرحلات الجوية إلى العراق وإيران تعمل.

الخطوط العراقية

أوقفت الخطوط الجوية العراقية، الناقل الوطني، رحلاتها إلى بيروت حتى إشعار آخر.

الخطوط الجزائرية

علَقت شركة الخطوط الجزائرية رحلاتها من وإلى لبنان حتى إشعار آخر.

بيغاسوس

ألغت شركة الطيران التركية رحلاتها إلى بيروت حتى 15 من الشهر الجاري.

إيران إير

ألغت الخطوط الجوية الإيرانية جميع الرحلات من وإلى بيروت حتى إشعار آخر.

الخطوط الإثيوبية

قالت شركة الطيران الإثيوبية -في منشور على منصة فيسبوك أمس إنها علقت رحلاتها إلى بيروت حتى إشعار آخر.

 كوريندون إيرلاينز

ألغت شركة الطيران التركية رحلاتها الجوية من وإلى تل أبيب حتى يناير/كانون الثاني من العام المقبل.

 مجموعة لوفتهانزا

علقت المجموعة الألمانية رحلاتها الجوية إلى تل أبيب حتى 25 من الشهر الجاري، بينما علقت شركة الطيران منخفض التكلفة "يورو وينغز" التابعة لها الرحلات حتى نهاية الشهر. وألغت المجموعة الرحلات الجوية من وإلى طهران حتى 31 يناير/كانون الثاني 2025، ومن وإلى بيروت حتى 28 من الشهر الذي يليه.

وقالت الخطوط السويسرية (سويس) -وهي جزء من المجموعة- بشكل منفصل إنها ستلغي رحلاتها إلى بيروت حتى 18 يناير/كانون الثاني.

وعلقت شركة "صن إكسبرس" -وهي مشروع مشترك بين الخطوط التركية ولوفتهانزا- رحلاتها إلى بيروت حتى 17 ديسمبر/كانون الأول.

رايان إير

ألغت أكبر شركة طيران منخفض التكلفة بأوروبا رحلاتها من تل أبيب وإليها حتى نهاية هذا العام. وقال الرئيس التنفيذي مايكل أوليري أول أمس للصحفيين إن تعليق الرحلات من المرجح أن يستمر حتى نهاية مارس/آذار المقبل.

شركة إيجه الجوية

ألغت شركة الطيران اليونانية رحلاتها من وإلى بيروت حتى 17 ديسمبر/كانون الأول، ومن وإلى تل أبيب حتى 17 من الشهر الجاري.

طيران البلطيق

ألغت شركة إير بالتيك (طيران البلطيق) المملوكة لحكومة لاتفيا رحلاتها من وإلى تل أبيب حتى نهاية الشهر الحالي.

 مجموعة "إير فرانس-كيه إل إم"

مددت "إير فرانس" تعليق رحلاتها بين باريس وتل أبيب حتى 12 من الشهر الجاري، ورحلاتها بين باريس وبيروت حتى نهاية الشهر، ومددت "كيه إل إم" تعليق الرحلات إلى تل أبيب حتى نهاية العام على الأقل.

وألغت وحدة ترانسافيا للطيران منخفض التكلفة التابعة للمجموعة الفرنسية الهولندية الرحلات من وإلى تل أبيب وعمّان وبيروت حتى نهاية مارس/آذار.

إير إنديا

علَقت شركة الطيران الهندية رحلاتها من وإلى تل أبيب حتى إشعار آخر.

بلغاريا إير

ألغت شركة الطيران البلغارية رحلاتها من وإلى إسرائيل حتى 23 ديسمبر/كانون الأول.

كاثي باسيفيك

ألغت الشركة، التي تتخذ من هونغ كونغ مقرا، رحلاتها إلى تل أبيب حتى 25 أكتوبر/تشرين الأول العام القادم.

دلتا إيرلاينز

أوقفت شركة الطيران الأميركية رحلاتها بين نيويورك وتل أبيب حتى مارس/آذار 2025.

إيزي غت

علقت الشركة البريطانية للطيران منخفض التكلفة رحلاتها من وإلى تل أبيب حتى مارس/آذار 2025.

مجموعة الخطوط الدولية (آي إيه غي)

ألغت الخطوط الجوية البريطانية المملوكة لمجموعة الخطوط الجوية الدولية رحلاتها من وإلى تل أبيب حتى نهاية مارس/آذار2025.

وألغت شركة إيبيريا إكسبريس للطيران منخفض التكلفة التابعة للمجموعة رحلاتها إلى تل أبيب حتى نهاية الشهر الجاري، بينما ألغت شركة فيولينغ رحلاتها إلى تل أبيب حتى 12 يناير/كانون الثاني 2025 مع إلغاء الرحلات الجوية إلى عمّان حتى إشعار آخر.

إيتا

مددت الخطوط الجوية الإيطالية تعليق رحلاتها مع تل أبيب حتى نهاية الشهر الجاري.

لوت

ألغت الخطوط البولندية رحلاتها إلى تل أبيب حتى 11 من الشهر الحالي، ومن المقرر أن تنطلق أولى رحلاتها المجدولة إلى بيروت أول أبريل/نيسان 2025.

زوند إير

ألغت الشركة الألمانية جميع رحلاتها إلى بيروت من برلين حتى 8 ديسمبر/كانون الأول، ومن مدينة بريمن حتى 26 مارس/آذار المقبل وكذلك من مطار مونستر/أوسنابروك حتى 29 من الشهر نفسه.

تاروم

مددت شركة الطيران الرومانية تعليق رحلاتها إلى بيروت حتى 15 من الشهر الجاري.

يونايتد إيرلاينز

علقت الشركة ومقرها شيكاغو رحلاتها إلى تل أبيب لفترة غير محددة.

فيرغن أتلانتيك

مددت شركة الطيران البريطانية تعليق رحلاتها إلى تل أبيب حتى نهاية مارس/آذار 2025.

ويز إير

علقت شركة الطيران ومقرها المجر رحلاتها من وإلى تل أبيب حتى 14 يناير/كانون الثاني من العام المقبل.

مقالات مشابهة

  • النقد الدولي: ندعم الإصلاحات العراقية التي تبعد سوق النفط عن الأزمات
  • أبرز وعود ترامب في يومه الأول كرئيس للولايات المتحدة 2024
  • فريق طلابي يبتكر عربة تسوق ذكية بتقنية إنترنت الأشياء
  • نبيلة محمد نجيب.. من هي ابنة هدى سلطان التي لا يعرفها الجمهور؟
  • الانتخابات الأمريكية 2024.. أبرز الولايات التي يتفوق فيها ترامب على هاريس
  • هجمات روسية.. أبرز الحوادث التي شهدتها مراكز الاقتراع في انتخابات الرئاسة الأمريكية
  • انتخابات الرئاسة الأمريكية.. تعرف على أبرز الولايات التي يتفوق فيها ترامب على هاريس
  • «الوطن» تبرز إنجازات دونالد ترامب عندما كان رئيسًا للولايات المتحدة
  • أبرز شركات الطيران التي علقت رحلاتها للمنطقة بسبب الحرب الإسرائيلية
  • الضويني: الأزهر يجدد الدعوة لقادة العالم للاتفاق على مبادئ عظمى تضمن التصدي للتحديات التي تفرضها الأزمات