الجزيرة:
2025-03-19@20:41:18 GMT

لماذا تقلق أفريقيا من احتمال عودة ترامب للرئاسة؟

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

لماذا تقلق أفريقيا من احتمال عودة ترامب للرئاسة؟

لأن تداعيات انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب لفترته الأولى لم تقتصر على بلاده فقط، بل تعدتها إلى فصول من "الإثارة السياسية" ألقت بظلالها على أطراف المعمورة الأربعة -بما فيها القارة الأفريقية– يترقب العديد من صناع القرار في القارة السوداء بقلق ما سيحمله إليهم هذا الشتاء الأميركي بانتهاء الانتخابات.

فقد شهدت أفريقيا تجربة سابقة في عهد ترامب شابتها سلبيات كثيرة، وفي تكثيف بليغ يصف روناك غوبالداس مدير مؤسسة "سيغنال ريسك" المتخصصة في إدارة المخاطر بالقارة الأفريقية النهج الذي اتبعه ترامب تجاه أفريقيا بأنه تراوح بين "الازدراء والإهمال".

هذا التوصيف يكاد يكون سمة عامة في الأدبيات التي قيّمت مقاربة ترامب الأفريقية، مستندة إلى العديد من المؤشرات والأرقام، إذ لم يزر الرئيس السابق القارة السمراء مطلقا، ولم يستقبل في البيت الأبيض إلا 3 رؤساء أفارقة طوال ولايته.

ونُقل عن ترامب أثناء مناقشة بشأن الهجرة وصفه العنصري تجاه أفريقيا بقوله "لماذا عليّ الموافقة على مجيء لاجئين من دول قذرة؟! علينا قبول مزيد من اللاجئين من دول مثل النرويج"، ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يصف فيها ترامب المهاجرين الأفارقة بألفاظ مسيئة.

أما حديث الأرقام فكان أكثر وضوحا، إذ انخفضت التجارة بين الطرفين إلى ما يقارب 41 مليار دولار عام 2018 بعد أن كانت 100 مليار في عام 2008.

كما كان لموقف الإدارة الأميركية غير المهتم بالقارة إلى حد كبير آثاره الضارة على الاستثمارات الخاصة الأجنبية الأميركية في أفريقيا، والتي انخفضت بين عامي 2017 و2019 إلى 43.2 مليار دولار من 50.4 مليارا.

إستراتيجية أفريقيا 2018

يرصد مقال كتبه أكاديميان -أحدهما فرانسيس أوسو أستاذ ورئيس قسم التخطيط المجتمعي والإقليمي في جامعة ولاية آيوا الأميركية- تطور المقاربة الأميركية تجاه القارة الأفريقية، عادّا المرحلة التي تسيد فيها بيل كلينتون البيت الأبيض (1993-2001) بداية للمشاركة الجادة والمستدامة بين الطرفين استمرت معطياتها في عهد كل من جورج بوش الابن وباراك أوباما، في حين مثّل انتخاب ترامب عام 2016 إشارة إلى "انفصال جذري عن هذا الإجماع".

لكن في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018 أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك جون بولتون عن إستراتيجية جديدة لبلاده تجاه القارة السمراء، والتي شكلت أحد أهم ملامح سياسات ترامب الأفريقية.

قامت هذه الإستراتيجية على ركائز ثلاث تتداخل فيها العوامل الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية، إذ أكد بولتون على ضرورة تطوير الروابط التجارية بين بلاده وأفريقيا، مما يؤدي إلى ازدهار الشركاء الأفارقة، في مقاربة تهدف إلى الحد من النفوذ الصيني.

كما ركزت الإستراتيجية على ضرورة معالجة التحديات الأمنية الخطيرة المتجسدة في الجماعات الإرهابية المسلحة التي تستهدف واشنطن وحلفاءها، إلى جانب إعادة ضبط الأولويات في ما يتعلق بالمساعدات الأميركية لضمان توظيفها بالشكل الأمثل والأكثر جدوى.

كما مثلت مبادرة ازدهار أفريقيا التي أطلقتها إدارة ترامب عام 2019 محاولة تستهدف زيادة التجارة والاستثمار المتبادلين بين الطرفين، وذلك من خلال السعي إلى الاستفادة من مشاركة القطاع الخاص لدفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في كل من أفريقيا والولايات المتحدة.

لكن المشكلة "الهائلة في إستراتيجية ترامب" -وفق توصيف أحد كبار مستشاري الرئيس الأسبق باراك أوباما للشؤون الأفريقية- أنها صورت القارة كبيدق في لعبة عظيمة، وأن الأفارقة ليس لديهم القدرة على التصرف، وأنه لولا الصراعات الجيوسياسية فإنه ليس ثمة قيمة جوهرية للعلاقات مع دولهم.

وهو تصور قوبل باستياء عبر عنه الرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا قائلا إن القوى المتصارعة على القارة تتصرف كما لو أن أفريقيا "في متناول اليد، وأريد أن أخبرك أنها ليست كذلك".

كينياتا (يسار): القوى المتصارعة تتصرف كما لو أن أفريقيا في متناول اليد (رويترز) في أي مطبخ ستُصنع سياسة ترامب الأفريقية؟

لطالما احتلت أفريقيا درجة متأخرة في أولويات الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما يشير إلى أن مستشاريه هم من سيتولون صياغة إستراتيجية إدارته في هذا الشأن.

وفي محاولتها تلمس التيارات الموجهة للسياسة الخارجية في حال فوز ترامب تذهب ورقة صادرة عن المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى وجود 3 معسكرات رئيسية داخل الحزب الجمهوري متباينة الرؤى بشأن أولويات السياسة الخارجية لبلادها.

ويتقدم هذه التيارات التقليديون الذين يشكلون القطاع المهيمن في الكونغرس الأميركي والمؤسسة التقليدية في واشنطن، وهم يؤيدون استمرار الزعامة الأميركية للعالم والوجود العسكري الأميركي في أنحاء مختلفة من العالم.

وعلى الطرف الآخر من هذا التيار هناك المعسكر الداعي إلى تقليص جذري للدور الأمني الأميركي في الخارج، وهو يتمتع بدعم القاعدة الشعبية الجمهورية، وبين الاثنين ثمة تيار ثالث أقل شعبية لكنه ذو نفوذ متزايد في دوائر صنع السياسة الخارجية، وتتركز دعواته على أن تتحول آسيا والصين إلى بؤرة تركيز السياسة الخارجية للبلاد.

وترى الورقة أن المعسكرات الثلاثة سيكون لها نفوذ في صنع السياسة الخارجية في حال فوز ترامب، وبالتالي في صياغة رؤيته للقارة الأفريقية، وذلك من خلال السعي إلى تنصيب مؤيديها في المراكز الحساسة المرتبطة بصنع الأجندة السياسية للمرحلة القادمة.

ورغم نأي ترامب بنفسه عنه تذهب العديد من التحليلات إلى أن "المشروع 2025" سيمثل دليل عمل الإدارة القادمة، وهو وثيقة من 900 صفحة ساهمت في إعدادها أكثر من 100 منظمة يمينية وأصدرتها مؤسسة "التراث" المحافظة التي سبق لها تقديم خطط سياسية للإدارات الجمهورية، بما فيها إدارة الرئيس السابق التي تبنت ثلثي مقترحات المؤسسة المذكورة، وفق ما نقلته عنها "بي بي سي".

وفي ما يخص القارة الأفريقية، تضمنت هذه الوثيقة العديد من التوصيات التي يصفها بعض الباحثين بالتغييرات الجذرية في أجندة ترامب للسياسة الخارجية وسياسة الأمن القومي الأميركي تجاه القارة السمراء في مجالات متنوعة تمتد من تحديد الأعداء والحلفاء وكيفية التعاطي معهم إلى ما يتعلق بـ"الحروب الثقافية".

أحد أهم أعمدة اقتصاد ترامب يتمثل في هيمنة الدوافع القومية والحمائية تماشيا مع شعار "أميركا أولا" (الفرنسية) اقتصاد أفريقيا في حروب الكبار

وفي تقييمه لكيفية تأثير تداعيات انتخاب ترامب لولاية ثانية على الاقتصادات الأفريقية يذهب تحليل صادر عن معهد أفريقيا للدراسات الأمنية إلى أن أحد أهم أعمدة "اقتصاد ترامب" يتمثل في هيمنة الدوافع القومية والحمائية تماشيا مع شعار "أميركا أولا" بما قد يتضمنه من زيادة الضرائب على الواردات، مما سيخلق تأثيرات تضخمية تؤدي إلى رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي.

هذه التوجهات تحمل في طياتها ما يقلق القادة الأفارقة، ولا سيما ما يتعلق بالتأثيرات السلبية على اقتصادات بلادهم، إذ ستؤدي إلى زيادة تكاليف خدمة ديونها، والحال أنها لا تزال تعاني من تآكل احتياطياتها المالية تحت ضغط جائحة كورونا والأوضاع الدولية غير المستقرة، وعلى رأسها حرب أوكرانيا.

بالمقابل، إن عودة إدارة ترامب إلى سياسات التراجع عن الاستثمار وتخفيض المساعدات ستكون آثارها مدمرة على اقتصادات القارة، ولا سيما لقطاعات الرعاية الصحية وعواقب تغير المناخ التي تفتقر أفريقيا إلى الموارد الكافية للتعامل معها.

كما أنه من المحتمل أن تقوم الإدارة الجديدة بمراجعة الترتيبات التجارية مثل قانون النمو والفرص في أفريقيا، والسعي إلى المزيد من الصفقات التجارية الثنائية، وهو ما قد يقوض منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وفق تقديرات معهد أفريقيا للدراسات الأمنية.

"الحرب التجارية" المتوقعة -بحسب تحليل منشور في "فورين بوليسي"- ستترك تداعياتها على التجارة الأفريقية التي ستجد نفسها في مرمى نيران معارك ينخرط فيها شركاؤها التجاريون الرئيسيون، مما من شأنه أن يخلق تأثيرا مثبطا للنمو ويعطل سلاسل التوريد تاركا آثاره الضارة على الدول الأفريقية التي تعاني الهشاشة الاقتصادية أصلا.

زيادة التنافس الجيوسياسي

تستعرض دراسة صادرة عن المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية السيناريوهات المتوقعة لإدارة ترامب، إذ تشير إلى إجماع المعسكرات الرئيسية الثلاثة داخل الحزب الجمهوري على اعتبار الصين هي التحدي الأعظم لمصالح الأمن القومي الأميركي، وأنه من الضروري تفوق واشنطن في سباق المنافسة التكنولوجية مع بكين.

وسينعكس تصاعد التنافس الأميركي الصيني سلبا على الدول الأفريقية مع تزايد التوترات الجيوسياسية وسياسات الاستقطاب الدولي، مما قد يشعل اضطرابات وحروبا باردة وساخنة حول موارد القارة، ولا سيما على الدول التي تختزن ما يمكن وصفها بمعادن صناعة المستقبل المرتبطة بالتحول نحو الطاقة النظيفة والمستدامة كالكونغو الديمقراطية وغيرها.

وتدعو وثيقة "المشروع 2025" إلى تعزيز الاعتماد على التعاون مع الحلفاء الأوروبيين -ولا سيما فرنسا– في شمال أفريقيا إلى قيادة عمليات مكافحة الإرهاب ومواجهة التدخل العسكري والسياسي لروسيا في المنطقة من خلال مجموعة فاغنر.

حقوق الإنسان إلى الصفوف الخلفية

وصف تقرير حالة العالم الصادر عام 2021 عن هيومن رايتس ووتش رئاسة دونالد ترامب بأنها كانت "كارثة لحقوق الإنسان"، وهو ما نجد مفاعيله أفريقيا من خلال العديد من المظاهر كتقديم الدعم لبعض الحكومات وتجاهل ممارساتها القمعية ما دامت متفقة مع المصالح الإستراتيجية لواشنطن.

ويشير موقع "بيزنس دايلي" إلى أن إستراتيجية أفريقيا التي أعلنتها إدارة ترامب عام 2018 لم تحتوِ سوى على إشارة واحدة إلى حقوق الإنسان قياسا بـ16 مرة في نظيرتها التي أصدرتها إدارة باراك أوباما.

وبالنظر إلى التراجع النسبي للنفوذ الغربي في أفريقيا وتزايد الصراع الجيوسياسي مع الصين وروسيا فإن من المرجح لجوء ترامب لدفع الملفات الحقوقية إلى الخلف سعيا لاكتساب المزيد من زعماء القارة إلى جانبه.

ختاما، رغم الصبغة السلبية التي ترسم الكثير من محاولات استشراف تداعيات انتخاب ترامب على القارة الأفريقية فإن ثمة فرصا قد تحملها هذه الخطوة إن تمكنت دول القارة من التعاطي بكفاءة مع طبيعة الصراعات الجيوسياسية المتوقعة.

كما أن موقف واشنطن المناهض للصين قد يفتح الأبواب أمام الأسواق الأفريقية لملء الفراغ في سلاسل التوريد العالمية شريطة أن تتمكن من التصرف بسرعة وبشكل إستراتيجي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القارة الأفریقیة السیاسة الخارجیة الرئیس السابق إدارة ترامب العدید من ولا سیما من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

حروب نتنياهو الكثيرة.. لماذا لن يحسمها ولماذا ستنفجر في وجهه؟

الهروب للأمام هو أحد خيارات الساسة في مواجهة التحديات المستعصية. وقد وجد نتنياهو نفسه بعد 15 شهرا من العدوان على غزة أمام لحظة تشبه لحظة بداية الحرب، فبعد أن وقّع على اتفاق وقف إطلاق النار مع حركة حماس، ظهر للجميع خلال الإفراج عن دفعات الأسرى أن أهداف الحرب المعلنة رسميا من طرف الحكومة الإسرائيلية، والمتمثلة في استخدام نهج الضغط العسكري للإفراج عن الأسرى، والقضاء على القدرات العسكرية للمقاومة، وتفكيك قدرات حماس على إدارة شؤون الحكم في غزة، لم تتحقق رغم المجازر الواسعة التي أدت إلى استشهاد 50 ألف شخص ودمرت قطاع غزة.

هنا أصبح نتنياهو أمام مفترق طرق، إما الإقرار الذاتي بالفشل في الحرب عبر تنفيذ بنود المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار بما يشمله من الانسحاب من محور فيلادلفيا، والسماح بدخول آلاف الخيم والمنازل الجاهزة، فضلا عن مئات شاحنات المساعدات الغذائية والوقود يوميا، والبدء في مفاوضات المرحلة الثانية التي ستقود إلى وقف الحرب والانسحاب من كامل قطاع غزة وبدء إعادة الإعمار، وإما خرق الاتفاق والعودة للحرب وارتكاب المجازر مجددا سعيا لتحقيق عدة أهداف داخلية وخارجية. وتبنى نتنياهو الخيار الثاني عبر شن سلسلة غارات جوية واسعة ليلة 18 مارس/آذار الجاري أسفرت عن استشهاد ما يزيد عن 430 شخصا، فضلا عن إصابة المئات في الضربة الافتتاحية فقط.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2هل الاعتناء بالنفس أكذوبة رأسمالية؟list 2 of 2كيف نفهم الدروز؟ وكيف يؤثرون على مستقبل سوريا؟end of list إعلان الأهداف الداخلية

يُعد نتنياهو رئيس الوزراء الأطول حكما في تاريخ إسرائيل، فمجموع فترات حكمه حتى الآن بلغت 18 عاما، ونجح خلالها في قيادة حزب الليكود وإعادته مجددا لمقعد الحكم بعد انشقاق رئيس الوزراء الأسبق شارون عن الليكود عبر تأسيسه حزب كاديما، فضلا عن نجاحه في إضعاف أحزاب اليسار، وفي مقدمتها حزب العمل الذي أصبح جزءا من الماضي أكثر من كونه فاعلا في المشهد الإسرائيلي بعد اندماجه مع حزب ميرتس تحت لافتة حزب الديمقراطيين في عام 2024.

سرب "صقر" إحدى الوحدات العسكرية التي شاركت في عملية طوفان الأقصى (مواقع التواصل الإجتماعي)

لقد تعرض نتنياهو لزلزال صبيحة طوفان الأقصى هدد بختم مسيرته السياسية بأكبر إخفاق أمني في تاريخ إسرائيل منذ حرب أكتوبر/تشرين الأول 1973، لكن "بيبي" -كما يحب أن يطلق على نفسه- عمل بالوصية التي أوصى بها جاريد كوشنر كبير مستشاري الرئيس ترامب في إدارته الأولى وزوج ابنته، حيث قال كوشنر في مذكراته "أخبرني نتنياهو أنه تعلم في بداية حياته السياسية أن أهم شيء هو الزخم. كلما سقط يبحث عن أي أخبار جيدة ويجعلها أكبر شيء، في السياسة تولد الانتصارات المزيد من المكاسب"، وهو ما حرص نتنياهو على فعله في الحرب عبر البحث عن إنجازات يستثمرها سياسيا لتعويض الإخفاق غير المسبوق الذي مُني به يوم الطوفان.

فحكومة الحرب التي شكلها نتنياهو رفقة قائدي الجيش السابقين غانتس وإيزنكوت سرعان ما تفككت، وحمّلهما نتنياهو مسؤولية كبح جماحه وتقييده عن استهداف حزب الله في لبنان. وبعد مغادرتهما الحكومة، قرر نتنياهو في منتصف سبتمبر/أيلول 2024 نقل ثقل العمليات إلى الجبهة الشمالية واضعا عودة المستوطنين إلى منزلهم شمال فلسطين المحتلة ضمن أهداف الحرب، وذلك قبل أقل من شهر على الذكرى الأولى لطوفان الأقصى، ليبحث عن صورة نصر يفتخر به بعد سنة من الحرب.

إعلان

وشن الاحتلال هجمات أجهزة البيجر واللاسلكي، وقتل قادة حزب الله، ونفذ عملية برية بحجة تفكيك البنية التحتية العسكرية للحزب في قرى الشريط الحدودي جنوب نهر الليطاني، وعزا نتنياهو لنفسه النجاح في ذلك، ثم أطاح بعدها بوزير الدفاع غالانت بحجة فقدانه الثقة به، ثم دفع وزير الدفاع الجديد كاتس رئيس الأركان هاليفي للاستقالة، ليعين إيال زامير سكرتير نتنياهو العسكري سابقا رئيسا للأركان، وليتبقى فقط كعقبة أمامه مدير الشاباك رونين بار المشرف على فريق التفاوض في صفقة وقف إطلاق النار.

للتغلب على رونين بار، أطاح به نتنياهو أولا من رئاسة فريق التفاوض، وعيّن الوزير رون ديرمر بدلا منه، ثم طلب في مارس/آذار الجاري من بار الاستقالة، وهو ما رفضه بار في بيان رسمي معلنا أنه لن يستقيل وسيبقى في منصبه لحين استكمال الإفراج عن بقية الأسرى، في حين تدخلت المستشارة القضائية للحكومة جالي بهراف ميارا معلنة رفضها إقالة بار في ظل التحقيقات التي يجريها الشاباك بحق عدد من العاملين في مكتب نتنياهو بتهم متعددة، منها تسريب وثائق سرية لصحيفة بيلد الألمانية للتأثير على المفاوضات الخاصة بحرب غزة، وتلقي أموال من دولة أجنبية.

يساهم تجدد الحرب في تقوية جبهة نتنياهو ضد مدير الشاباك، كما يغطي على إجراءات عزل المستشارة القضائية ذاتها، مما سيؤدي حال النجاح فيه إلى تمكن نتنياهو من الهيمنة على الجيش والأمن العام، حيث سيصبح وزير الدفاع ورئيس الأركان ومدير الشاباك من رجال نتنياهو.

وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير أحد متطرفي حكومة نتنياهو (الفرنسية)

كذلك يعزز تجدد الحرب تماسك الائتلاف الحكومي، فوزير الأمن القومي إيتمار بن غفير رفقة وزراء حزبه الصهيونية الدينية سبق أن استقالوا اعتراضا على اتفاق وقف إطلاق النار، ورهنوا عودتهم للحكومة بتجدد الحرب، في حين علّق وزير المالية سموتريتش بقاءه في الحكومة بعدم الانخراط في المرحلة الثانية من الاتفاق، وشدد على أنه لن تكون هناك مرحلة ثانية حسب وعد نتنياهو له، وقد أوفى نتنياهو بوعده له ونقض الاتفاق، ولذا كان أول قرارات نتنياهو عقب اليوم الأول من تجدد القتال إعادة بن غفير للحكومة مجددا، رغم رفض المستشار القضائية للحكومة.

إعلان

إن عودة بن غفير وحزبه للائتلاف الحاكم تمنح نتنياهو أغلبية مريحة في الكنيست، مما يزيد فرص بقاء الائتلاف الحاكم حتى موعد الانتخابات القادمة في عام 2026 دون الحاجة لخوض انتخابات مبكرة أو الاستجابة لابتزازات بعض الأحزاب الصغيرة في الائتلاف، وبالأخص في ملف تمرير الميزانية الحكومية خلال الشهر الجاري أو فيما يخص تجنيد الحريديم في الجيش.

خطة حسم الحرب

بجوار أهداف السياسة الداخلية، توجد أهداف أخرى تتعلق بالحرب ذاتها، ففي ظل الضوء الأخضر من الإدارة الأميركية، وتصريحات الرئيس ترامب عن تهجير سكان غزة، والتسريبات عن اتصالات أميركية مع حكومتي السودان وأرض الصومال لبحث استقبالهما أهل غزة، بعد رفض مصر والأردن مخطط التهجير، أصبحت العودة للحرب هي الخيار الأكثر عملية لنتنياهو لتنفيذ خطة ترامب.

فاليمين الصهيوني الديني في حكومة نتنياهو يضع ضمن أهدافه منذ بداية الحرب تهجير أهل غزة وإعادة الاستيطان، وهي مطالب لم تكن تحظى بدعم من إدارة بايدن أو الدول الأوروبية، ولذا لم يضعها نتنياهو ضمن أهداف الحرب المعلنة. أما الآن فلدى نتنياهو فرصة تاريخية للاحتماء بترامب وتنفيذ ما يعتبرها خطة حسم بتهجير الفلسطينيين من غزة كخطوة أولى يتبعها بتهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، وبذلك يجلب من منظوره لدولة الاحتلال الأمن المفقود، وينهي الصراع الذي بدأ في عام 1948.

لقد حاول نتنياهو عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار أكثر من مرة، وصولا لاتخاذه قرارا بغلق معابر غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار الجاري، وذلك للضغط على المقاومة لتمديد المرحلة الأولى من الاتفاق ضمن معادلة تقتصر على تبادل الإفراج عن الأسرى دون الإعلان عن إنهاء الحرب أو إدخال مستلزمات إعادة الإعمار.

في المقابل التزمت المقاومة ببنود الاتفاق، وانخرطت في مفاوضات ثنائية مباشرة مع إدارة ترامب عبر مبعوثه للرهائن آدم بولر، وهنا اختار نتنياهو تفجير الاتفاق عسكريا وقطع الطريق على المفاوضات الأميركية مع حماس، فافتتح جيش الاحتلال الحرب مجددا بغارات جوية واسعة طالت العشرات من قادة العمل الحكومي ولجان الطوارئ في غزة رفقة عائلاتهم، مما أسفر عن مقتل نحو 430 شخصا في اليوم الأول فقط.

إعلان

تشير طبيعة الاستهداف الإسرائيلي إلى رغبة في إحداث حالة فوضى في قطاع غزة عبر تصفية الأشخاص الذين تولوا تسيير الحياة المدنية خلال فترة الهدنة، وتشديد الضغوط على السكان عبر التوسع في المجازر بالتزامن مع سياسة التجويع وغلق المعابر ومنع دخول المساعدات بأنواعها المختلفة، مما يهيئ البيئة لسيناريو التهجير، كما يضغط على قيادة المقاومة لقبول معادلة تبادل الأسرى دون إنهاء الحرب.

يدرك نتنياهو أن خطة التهجير تواجه عدة تحديات في مقدمتها تمسك الفلسطينيين بأرضهم، ورفض المحيط الإقليمي للتهجير، فضلا عن مزاجية ترامب، الذي قد يتراجع في أي لحظة عن دعمه للخطة. ولذا يراهن نتنياهو على تحقيق أهداف أخرى أقل في حال الفشل في تنفيذ التهجير، وفي مقدمتها نزع سلاح غزة، ونفي كوادر وقيادات فصائل المقاومة من القطاع، وهو ما سبق أن صرح به نتنياهو أثناء إلقائه خطابا أمام الكونغرس الأميركي في العام الماضي قائلا "الحرب في غزة ستنتهي فورا إذا استسلمت حماس وألقت سلاحها وأعادت الأسرى".

إعادة هندسة المنطقة

يكرر نتنياهو منذ طوفان الأقصى أنه سيغير وجه المنطقة وسيعيد هندسة الشرق الأوسط، وهو ما لا يمكن تنفيذه إلا بالحرب والمجازر.

يرى اليمين الصهيوني أنه وجّه ضربات قوية لخصوم إسرائيل لكنه لم يتمكن من القضاء عليهم، مما يمنحهم الفرصة لامتصاص الضربات الموجهة لهم والنهوض مجددا، ولذا تسيطر عليه فكرة كسر عظامهم للتخلص منهم نهائيا.

فحزب الله في لبنان فقد أغلب قادته والعديد من عناصره وأسلحته، فضلا عن انقطاع شريان إمداده بسقوط نظام الأسد في سوريا، كما تتواصل الضربات والغارات الإسرائيلية ضد عناصر ومخازن أسلحة الحزب حتى في مناطق خارج جنوب الليطاني مثل بعلبك والبقاع، في حين تعرضت المقاومة الفلسطينية في غزة إلى ضربات باغتيال العديد من قادتها واستشهاد أعداد كبيرة من كوادرها، في وقت يتعرض فيه سكان القطاع لإحدى كبرى المجازر الجماعية في القرن الحادي والعشرين.

إعلان

وفي سوريا، عملت إسرائيل على تدمير بقايا أسلحة الجيش السوري الثقيلة من طائرات ودبابات وسفن، فضلا عن مخازن الأسلحة الإستراتيجية، واحتلت المنطقة العازلة وجبل الشيح بأكمله، ونفذت عمليات مداهمة وتفتيش في الجنوب السوري، وصولا لإعلانها على لسان وزير الدفاع كاتس حظر وجود أي أسلحة ثقيلة في المنطقة الممتدة من جنوب دمشق إلى الحدود مع الجولان بعمق 65 كيلومترا، مما يعني تجريد العاصمة دمشق من أي دفاعات فعالة وجعلها ضمن دائرة الاستهداف الإسرائيلي في أي وقت بحجة حفظ أمن إسرائيل.

كتابات بالعبرية خلفتها قوات الاحتلال على حيطان مبنى محافظة القنيطرة والمحكمة المجاورة (الجزيرة نت)

أما حركة أنصار الله في اليمن، فقد تكفلت بها إدارة ترامب، حيث أعادت إدراجها على قوائم الإرهاب الأميركية، ثم بدأت بشن عملية عسكرية هجومية عليها وفق نهج يختلف عن نهج إدارة بايدن الذي اقتصر على عمليات دفاعية استهدفت تدمير منصات إطلاق الصواريخ ومخازن الطائرات المسيرة والرادارات.

فقد أضاف الجيش الأميركي لبنك أهدافه منازل قادة حوثيين ومقرات في أحياء سكنية، مما أسفر عن سقوط عشرات الضحايا، في حين جاءت الضربات الأميركية بشكل استباقي ردا على تعهد الحوثيين بمنع السفن الإسرائيلية من الإبحار في البحر الأحمر لحين إدخال المساعدات إلى غزة، والتلويح بإعادة إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة باتجاه إسرائيل في حال عودة الحرب على غزة، وهو ما حدث بالفعل يوم 18 مارس/آذار الجاري بإطلاق صاروخ من اليمن باتجاه قادة نيفاتيم الجوية في النقب.

ويهدف نتنياهو إلى تأمين إسرائيل عبر استهداف خصومها على أراضيهم، وشن هجمات استباقية تقضي على المخاطر قبل تبلورها وتحولها إلى تهديد، لكنه يرى أن تلك الجهود لن تكفي وحدها، فيتحين الفرصة لاستهداف المنشآت النووية الإيرانية باعتبارها الجائزة الكبرى التي عجز عن تحقيقها في ظل الرفض الأميركي من طرف الإدارات السابقة في واشنطن.

إعلان

فإدارة ترامب الحالية تضع الخيار العسكري ضد إيران على الطاولة، وأرسل ترامب رسالة إلى طهران يعرض فيها التفاوض وفق الشروط الأميركية أو مواجهة عمل عسكري، وذلك بعد أن بدأ في فرض سياسة الضغط القصوى التي تهدف لتقييد وتصفير صادرات النفط الإيرانية.

ويقصد بالتفاوض هنا التفاوض على صفقة شاملة لا تقتصر على البرنامج النووي إنما تشمل البرنامج الصاروخي الإيراني، وعلاقة إيران بالجماعات الحليفة لها بالمنطقة، مما يعني التفاوض على حصة إيران من النفوذ الإقليمي وتجريدها من أدواتها الدفاعية الأساسية، الأمر الذي يعني في جوهره تقديم عرض استسلام مقابل تجنب الحرب، وهو ما يصعب أن تقبله طهران التي تخشى بعد تجريدها من أدوات تأثيرها ونفوذها أن تكون الخطوة التالية هي العمل على تغيير نظام الحكم بها.

هل تنجح خطط نتنياهو؟

يبدو نتنياهو كمن يسير على حد السيف في مخاطرة قد تؤدي لتفجير المنطقة بأكملها، ففرض حلول وجودية يدفع لردود فعل قوية وحادة، وما كان طوفان الأقصى ذاته إلا رد فعل على السياسات الإسرائيلية التي عملت على خنق القضية الفلسطينية، وتزامن مع موجة تطبيع سرعان ما اصطدمت بحقائق الواقع.

يقاتل نتنياهو على أكثر من جبهة، فهو يعمل على توليد نسخة جديدة من الدولة في إسرائيل، نسخة تقصي اليسار من دوائر السلطة والنفوذ، وتنزعه من آخر معاقله في قيادة الجيش وأجهزة الأمن والقضاء، كما يعمل على تغيير الأوضاع في غزة ولبنان وجنوب سوريا، في وقت تقدم له إدارة ترامب مظلة حماية سياسية وعسكرية، بل تتكفل بمواجهة الجهات البعيدة جغرافيا مثل الحوثيين في اليمن، في حين بدأ التصعيد تدريجيا ضد إيران.

تشييع جنازة نصر الله وصفي الدين في فبراير/شباط 2025 ببيروت (الجزيرة)

لكن الإمعان في الضغوط وكسر الخطوط الحمراء غالبا ما يؤدي لردات فعل عكسية، مما يهدد استقرار إسرائيل مجتمعيا وداخليا في ظل الدعوات لاحتجاجات خلال الأيام القادمة اعتراضا على الإقالات التي يقوم نتنياهو، كما سيغرق إسرائيل في دوامة صراعات مع محيطها العربي والإسلامي تستنزف مقدراتها وتفقدها الأمن الذي تبحث عنه، ففي النهاية تصطدم إسرائيل بمكونات راسخة في المنطقة، سواء في فلسطين أو لبنان أو سوريا، في وقت تتأزم فيه علاقاتها مع مصر والأردن، وستدفع سياساتها خصومها للتكتل ضدها.

إعلان

كذلك قد يؤدي الدعم الأميركي المفتوح بهدف حسم الصراع إلى تفجر صراعات أكثر ضراوة، وهو ما لا تريد واشنطن الانخراط فيه. وقد أثبتت تجارب حربي العراق وأفغانستان أن بإمكان واشنطن تحقيق إنجازات عسكرية في بداية الحرب لكنها سرعان ما تغرق في وحل حروب استنزاف ليس لها نهاية، وقد أوردت بولا بروديل هذا المعنى بشكل معبر في كتابها عن سيرة الجنرال بترايوس قائد القيادة المركزية سابقا، حيث راسل جندي أميركي بأفغانستان أحد نواب الكونغرس عام 2010 قائلا "لا فرق إن بقينا هنا أربع سنوات أو 40 سنة، فالنتيجة ستظل كما هي. سنواصل الدفع بمزيد من الجنود الأميركيين للهلاك، بينما الأفغان يقاتلون دون انتظار موعد لانتهاء الحرب". وما حدث بأفغانستان هو نفسه ما يحدث في فلسطين منذ عام 1948 حتى اليوم.

مقالات مشابهة

  • لا تقلق .. والد زيزو يرد على ممدوح عباس بشأن تجديد اللاعب للزمالك
  • حروب نتنياهو الكثيرة.. لماذا لن يحسمها ولماذا ستنفجر في وجهه؟
  • لوفيغارو: 15 إجراء فرنسي مضاد لمقاربة الأزمة مع الجزائر
  • لماذا قصف ترامب الحوثيين فجأة؟
  • محللون: الدعم الأميركي شجع نتنياهو ولا يمكن إنهاء حماس لا بالحرب ولا بالصفقات
  • ترامب × بوتين| صفقة تثير العاصفة الأوروبية.. التقارب الأمريكي الروسي يقلق أوروبا وتدرس تأثيره المحتمل على أمن القارة العجوز
  • عودة تصفيات المونديال الأفريقية.. آمال العرب معلقة
  • مصر تتصدر أفريقيا في المنشآت الدينية وتحتضن أكبر مسجد في القارة السمراء
  • وزير الخزانة الأميركي: "لا ضمانات" بعدم حدوث ركود اقتصادي
  • وزير الخارجية الأمريكي: سنتخذ إجراءات ضد الدول التي فرضت علينا رسوما جمركية