الجزيرة:
2025-03-16@21:25:44 GMT

لماذا تقلق أفريقيا من احتمال عودة ترامب للرئاسة؟

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

لماذا تقلق أفريقيا من احتمال عودة ترامب للرئاسة؟

لأن تداعيات انتخاب الرئيس السابق دونالد ترامب لفترته الأولى لم تقتصر على بلاده فقط، بل تعدتها إلى فصول من "الإثارة السياسية" ألقت بظلالها على أطراف المعمورة الأربعة -بما فيها القارة الأفريقية– يترقب العديد من صناع القرار في القارة السوداء بقلق ما سيحمله إليهم هذا الشتاء الأميركي بانتهاء الانتخابات.

فقد شهدت أفريقيا تجربة سابقة في عهد ترامب شابتها سلبيات كثيرة، وفي تكثيف بليغ يصف روناك غوبالداس مدير مؤسسة "سيغنال ريسك" المتخصصة في إدارة المخاطر بالقارة الأفريقية النهج الذي اتبعه ترامب تجاه أفريقيا بأنه تراوح بين "الازدراء والإهمال".

هذا التوصيف يكاد يكون سمة عامة في الأدبيات التي قيّمت مقاربة ترامب الأفريقية، مستندة إلى العديد من المؤشرات والأرقام، إذ لم يزر الرئيس السابق القارة السمراء مطلقا، ولم يستقبل في البيت الأبيض إلا 3 رؤساء أفارقة طوال ولايته.

ونُقل عن ترامب أثناء مناقشة بشأن الهجرة وصفه العنصري تجاه أفريقيا بقوله "لماذا عليّ الموافقة على مجيء لاجئين من دول قذرة؟! علينا قبول مزيد من اللاجئين من دول مثل النرويج"، ولم تكن هذه هي المرة الوحيدة التي يصف فيها ترامب المهاجرين الأفارقة بألفاظ مسيئة.

أما حديث الأرقام فكان أكثر وضوحا، إذ انخفضت التجارة بين الطرفين إلى ما يقارب 41 مليار دولار عام 2018 بعد أن كانت 100 مليار في عام 2008.

كما كان لموقف الإدارة الأميركية غير المهتم بالقارة إلى حد كبير آثاره الضارة على الاستثمارات الخاصة الأجنبية الأميركية في أفريقيا، والتي انخفضت بين عامي 2017 و2019 إلى 43.2 مليار دولار من 50.4 مليارا.

إستراتيجية أفريقيا 2018

يرصد مقال كتبه أكاديميان -أحدهما فرانسيس أوسو أستاذ ورئيس قسم التخطيط المجتمعي والإقليمي في جامعة ولاية آيوا الأميركية- تطور المقاربة الأميركية تجاه القارة الأفريقية، عادّا المرحلة التي تسيد فيها بيل كلينتون البيت الأبيض (1993-2001) بداية للمشاركة الجادة والمستدامة بين الطرفين استمرت معطياتها في عهد كل من جورج بوش الابن وباراك أوباما، في حين مثّل انتخاب ترامب عام 2016 إشارة إلى "انفصال جذري عن هذا الإجماع".

لكن في 13 ديسمبر/كانون الأول 2018 أعلن مستشار الأمن القومي الأميركي آنذاك جون بولتون عن إستراتيجية جديدة لبلاده تجاه القارة السمراء، والتي شكلت أحد أهم ملامح سياسات ترامب الأفريقية.

قامت هذه الإستراتيجية على ركائز ثلاث تتداخل فيها العوامل الأمنية والجيوسياسية والاقتصادية، إذ أكد بولتون على ضرورة تطوير الروابط التجارية بين بلاده وأفريقيا، مما يؤدي إلى ازدهار الشركاء الأفارقة، في مقاربة تهدف إلى الحد من النفوذ الصيني.

كما ركزت الإستراتيجية على ضرورة معالجة التحديات الأمنية الخطيرة المتجسدة في الجماعات الإرهابية المسلحة التي تستهدف واشنطن وحلفاءها، إلى جانب إعادة ضبط الأولويات في ما يتعلق بالمساعدات الأميركية لضمان توظيفها بالشكل الأمثل والأكثر جدوى.

كما مثلت مبادرة ازدهار أفريقيا التي أطلقتها إدارة ترامب عام 2019 محاولة تستهدف زيادة التجارة والاستثمار المتبادلين بين الطرفين، وذلك من خلال السعي إلى الاستفادة من مشاركة القطاع الخاص لدفع النمو الاقتصادي وخلق فرص العمل في كل من أفريقيا والولايات المتحدة.

لكن المشكلة "الهائلة في إستراتيجية ترامب" -وفق توصيف أحد كبار مستشاري الرئيس الأسبق باراك أوباما للشؤون الأفريقية- أنها صورت القارة كبيدق في لعبة عظيمة، وأن الأفارقة ليس لديهم القدرة على التصرف، وأنه لولا الصراعات الجيوسياسية فإنه ليس ثمة قيمة جوهرية للعلاقات مع دولهم.

وهو تصور قوبل باستياء عبر عنه الرئيس الكيني السابق أوهورو كينياتا قائلا إن القوى المتصارعة على القارة تتصرف كما لو أن أفريقيا "في متناول اليد، وأريد أن أخبرك أنها ليست كذلك".

كينياتا (يسار): القوى المتصارعة تتصرف كما لو أن أفريقيا في متناول اليد (رويترز) في أي مطبخ ستُصنع سياسة ترامب الأفريقية؟

لطالما احتلت أفريقيا درجة متأخرة في أولويات الرئيس السابق دونالد ترامب، وهو ما يشير إلى أن مستشاريه هم من سيتولون صياغة إستراتيجية إدارته في هذا الشأن.

وفي محاولتها تلمس التيارات الموجهة للسياسة الخارجية في حال فوز ترامب تذهب ورقة صادرة عن المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية إلى وجود 3 معسكرات رئيسية داخل الحزب الجمهوري متباينة الرؤى بشأن أولويات السياسة الخارجية لبلادها.

ويتقدم هذه التيارات التقليديون الذين يشكلون القطاع المهيمن في الكونغرس الأميركي والمؤسسة التقليدية في واشنطن، وهم يؤيدون استمرار الزعامة الأميركية للعالم والوجود العسكري الأميركي في أنحاء مختلفة من العالم.

وعلى الطرف الآخر من هذا التيار هناك المعسكر الداعي إلى تقليص جذري للدور الأمني الأميركي في الخارج، وهو يتمتع بدعم القاعدة الشعبية الجمهورية، وبين الاثنين ثمة تيار ثالث أقل شعبية لكنه ذو نفوذ متزايد في دوائر صنع السياسة الخارجية، وتتركز دعواته على أن تتحول آسيا والصين إلى بؤرة تركيز السياسة الخارجية للبلاد.

وترى الورقة أن المعسكرات الثلاثة سيكون لها نفوذ في صنع السياسة الخارجية في حال فوز ترامب، وبالتالي في صياغة رؤيته للقارة الأفريقية، وذلك من خلال السعي إلى تنصيب مؤيديها في المراكز الحساسة المرتبطة بصنع الأجندة السياسية للمرحلة القادمة.

ورغم نأي ترامب بنفسه عنه تذهب العديد من التحليلات إلى أن "المشروع 2025" سيمثل دليل عمل الإدارة القادمة، وهو وثيقة من 900 صفحة ساهمت في إعدادها أكثر من 100 منظمة يمينية وأصدرتها مؤسسة "التراث" المحافظة التي سبق لها تقديم خطط سياسية للإدارات الجمهورية، بما فيها إدارة الرئيس السابق التي تبنت ثلثي مقترحات المؤسسة المذكورة، وفق ما نقلته عنها "بي بي سي".

وفي ما يخص القارة الأفريقية، تضمنت هذه الوثيقة العديد من التوصيات التي يصفها بعض الباحثين بالتغييرات الجذرية في أجندة ترامب للسياسة الخارجية وسياسة الأمن القومي الأميركي تجاه القارة السمراء في مجالات متنوعة تمتد من تحديد الأعداء والحلفاء وكيفية التعاطي معهم إلى ما يتعلق بـ"الحروب الثقافية".

أحد أهم أعمدة اقتصاد ترامب يتمثل في هيمنة الدوافع القومية والحمائية تماشيا مع شعار "أميركا أولا" (الفرنسية) اقتصاد أفريقيا في حروب الكبار

وفي تقييمه لكيفية تأثير تداعيات انتخاب ترامب لولاية ثانية على الاقتصادات الأفريقية يذهب تحليل صادر عن معهد أفريقيا للدراسات الأمنية إلى أن أحد أهم أعمدة "اقتصاد ترامب" يتمثل في هيمنة الدوافع القومية والحمائية تماشيا مع شعار "أميركا أولا" بما قد يتضمنه من زيادة الضرائب على الواردات، مما سيخلق تأثيرات تضخمية تؤدي إلى رفع أسعار الفائدة من قبل بنك الاحتياطي الفدرالي الأميركي.

هذه التوجهات تحمل في طياتها ما يقلق القادة الأفارقة، ولا سيما ما يتعلق بالتأثيرات السلبية على اقتصادات بلادهم، إذ ستؤدي إلى زيادة تكاليف خدمة ديونها، والحال أنها لا تزال تعاني من تآكل احتياطياتها المالية تحت ضغط جائحة كورونا والأوضاع الدولية غير المستقرة، وعلى رأسها حرب أوكرانيا.

بالمقابل، إن عودة إدارة ترامب إلى سياسات التراجع عن الاستثمار وتخفيض المساعدات ستكون آثارها مدمرة على اقتصادات القارة، ولا سيما لقطاعات الرعاية الصحية وعواقب تغير المناخ التي تفتقر أفريقيا إلى الموارد الكافية للتعامل معها.

كما أنه من المحتمل أن تقوم الإدارة الجديدة بمراجعة الترتيبات التجارية مثل قانون النمو والفرص في أفريقيا، والسعي إلى المزيد من الصفقات التجارية الثنائية، وهو ما قد يقوض منطقة التجارة الحرة القارية الأفريقية، وفق تقديرات معهد أفريقيا للدراسات الأمنية.

"الحرب التجارية" المتوقعة -بحسب تحليل منشور في "فورين بوليسي"- ستترك تداعياتها على التجارة الأفريقية التي ستجد نفسها في مرمى نيران معارك ينخرط فيها شركاؤها التجاريون الرئيسيون، مما من شأنه أن يخلق تأثيرا مثبطا للنمو ويعطل سلاسل التوريد تاركا آثاره الضارة على الدول الأفريقية التي تعاني الهشاشة الاقتصادية أصلا.

زيادة التنافس الجيوسياسي

تستعرض دراسة صادرة عن المركز الأوروبي للعلاقات الخارجية السيناريوهات المتوقعة لإدارة ترامب، إذ تشير إلى إجماع المعسكرات الرئيسية الثلاثة داخل الحزب الجمهوري على اعتبار الصين هي التحدي الأعظم لمصالح الأمن القومي الأميركي، وأنه من الضروري تفوق واشنطن في سباق المنافسة التكنولوجية مع بكين.

وسينعكس تصاعد التنافس الأميركي الصيني سلبا على الدول الأفريقية مع تزايد التوترات الجيوسياسية وسياسات الاستقطاب الدولي، مما قد يشعل اضطرابات وحروبا باردة وساخنة حول موارد القارة، ولا سيما على الدول التي تختزن ما يمكن وصفها بمعادن صناعة المستقبل المرتبطة بالتحول نحو الطاقة النظيفة والمستدامة كالكونغو الديمقراطية وغيرها.

وتدعو وثيقة "المشروع 2025" إلى تعزيز الاعتماد على التعاون مع الحلفاء الأوروبيين -ولا سيما فرنسا– في شمال أفريقيا إلى قيادة عمليات مكافحة الإرهاب ومواجهة التدخل العسكري والسياسي لروسيا في المنطقة من خلال مجموعة فاغنر.

حقوق الإنسان إلى الصفوف الخلفية

وصف تقرير حالة العالم الصادر عام 2021 عن هيومن رايتس ووتش رئاسة دونالد ترامب بأنها كانت "كارثة لحقوق الإنسان"، وهو ما نجد مفاعيله أفريقيا من خلال العديد من المظاهر كتقديم الدعم لبعض الحكومات وتجاهل ممارساتها القمعية ما دامت متفقة مع المصالح الإستراتيجية لواشنطن.

ويشير موقع "بيزنس دايلي" إلى أن إستراتيجية أفريقيا التي أعلنتها إدارة ترامب عام 2018 لم تحتوِ سوى على إشارة واحدة إلى حقوق الإنسان قياسا بـ16 مرة في نظيرتها التي أصدرتها إدارة باراك أوباما.

وبالنظر إلى التراجع النسبي للنفوذ الغربي في أفريقيا وتزايد الصراع الجيوسياسي مع الصين وروسيا فإن من المرجح لجوء ترامب لدفع الملفات الحقوقية إلى الخلف سعيا لاكتساب المزيد من زعماء القارة إلى جانبه.

ختاما، رغم الصبغة السلبية التي ترسم الكثير من محاولات استشراف تداعيات انتخاب ترامب على القارة الأفريقية فإن ثمة فرصا قد تحملها هذه الخطوة إن تمكنت دول القارة من التعاطي بكفاءة مع طبيعة الصراعات الجيوسياسية المتوقعة.

كما أن موقف واشنطن المناهض للصين قد يفتح الأبواب أمام الأسواق الأفريقية لملء الفراغ في سلاسل التوريد العالمية شريطة أن تتمكن من التصرف بسرعة وبشكل إستراتيجي.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات القارة الأفریقیة السیاسة الخارجیة الرئیس السابق إدارة ترامب العدید من ولا سیما من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس

منذ القرن التاسع عشر، لعبت الولايات المتحدة دورًا رئيسيًا في دعم المشروع الصهيوني، سواء على المستوى الديني أو السياسي. تجسد ذلك من خلال شخصيات مثل وارد كريسون، الذي كان من أوائل الأميركيين الداعمين لفكرة تشجيع الاستيطان الصهيوني في فلسطين، وصولًا إلى دونالد ترامب، الذي تبنى سياسات تسعى إلى إعادة تشكيل مستقبل غزة بما يخدم المصالح الصهيونية.

ترامب وغزة.. رؤية اقتصادية أم تهجير قسري؟

منذ أن عاد الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى المشهد السياسي كرئيس للولايات المتحدة الأميركية، تصاعدت تصريحاته المثيرة للجدل بشأن الصراع الفلسطيني- الإسرائيلي. وخاصة فيما يتعلق بقطاع غزة.

وسط حرب الإبادة المستمرة على الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، طرح ترامب عدة أفكار تتعلق بمستقبل القطاع وسكانه، من بينها فرض السيطرة الأميركية على غزة، وإعادة توطين السكان الفلسطينيين في دول أخرى، وإلغاء حق العودة، ثم قال ما قد يفيد بغير ذلك لاحقاً.

قال ترامب أن الولايات المتحدة يجب أن تتولى السيطرة على قطاع غزة بعد انتهاء العمليات العسكرية بين إسرائيل وحركة حماس.

ويعتقد أن هذا الإجراء سيسهم في إعادة إعمار غزة وتحويلها إلى مركز اقتصادي وسياحي، مشيرًا إلى أن الأوضاع الحالية تجعل القطاع غير صالح للعيش. برر ترامب هذه الفكرة بضرورة إيجاد حل شامل يعيد تشكيل مستقبل غزة بما يتماشى مع الاستقرار الإقليمي.

إعلان

لذلك اقترح ترامب في يناير/ كانون الثاني 2025 إعادة توطين سكان غزة في دول أخرى، مثل الأردن ومصر، مع تقديم حوافز مالية لهذه الدول لاستيعاب الفلسطينيين النازحين. ويعتقد أن هذا الخيار سيمنح سكان غزة فرصة لحياة أفضل بعيدًا عن الظروف المعيشية القاسية داخل القطاع، معتبرًا أن غزة لم تعد مؤهلة للسكن بعد الدمار الواسع الذي شهدته.

وأكد ترامب أن الفلسطينيين الذين يغادرون غزة لن يكون لهم حق العودة، معتبرًا أن المنطقة لم تعد مناسبة لإعادة توطين السكان بعد الأضرار الهائلة التي لحقت بالبنية التحتية. ويرى أن هذا الإجراء ضروري لإيجاد واقع ديمغرافي جديد يمنع العودة الجماعية ويؤسس لمرحلة مختلفة في التعامل مع مستقبل القطاع.

في أعقاب تصريحات ترامب، أصدر وزير الدفاع الإسرائيلي توجيهات بإعداد خطط تتيح للفلسطينيين الراغبين في مغادرة غزة الخروج إلى دول أخرى، ورغم عدم وضوح آلية تنفيذ هذا المخطط، فإنه يتماشى مع بعض الأطروحات التي قدمها ترامب بشأن مستقبل القطاع.

عند كوشنر الخبر اليقين!

بحسب تقرير نشر في موقع "زمان يسرائيل" العبري التابع لـ "تايمز أوف إسرائيل"، فإن الخطوط العريضة للخطة نشأت لدى جوزيف بيلزمان، وهو أستاذ في جامعة جورج واشنطن، الذي نشر مقالًا في يوليو/ تموز 2024 بعنوان "خطة اقتصادية لإعادة بناء غزة".

يحدد الاقتراح خطة للدول والشخصيات الخارجية "للاستثمار" في إعادة بناء غزة بموجب عقد إيجار مدته 50 عامًا، وبعد ذلك سيتم تناول مسألة منح "السيادة" للسكان. ووفقًا للخطة، فإن التركيز الأساسي لإعادة الإعمار سيكون على قطاع السياحة، بما في ذلك بناء الفنادق على شاطئ البحر.

ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن ترامب أخبر نتنياهو في مكالمة هاتفية في أواخر صيف 2024 أن غزة "قطعة عقارية رئيسية"، وأنها قد تكون موقعًا مثاليًا لبناء الفنادق.

إعلان

وقال بيلزمان في بودكاست في أغسطس/ آب إن مقاله "ذهب إلى مؤيدي ترامب، لأنهم كانوا أول من اهتم بها، وليس لمؤيدي بايدن". وأضاف أن صهر ترامب، جاريد كوشنر، "يريد استثمار أمواله فيها… يسيل لعابهم للدخول".

وقال بيلزمان إنه بموجب اقتراحه، سيتم "إخلاء قطاع غزة بالكامل"، مشيرًا إلى أن "الولايات المتحدة يمكن أن تضغط على مصر" لقبول اللاجئين من غزة، لأن "مصر دولة مفلسة" عليها ديون كبيرة للولايات المتحدة.

وسبق أن وصف كوشنر الصراع العربي الإسرائيلي بأكمله بأنه "ليس أكثر من نزاع عقاري بين الإسرائيليين والفلسطينيين"، بحسب تعبيره. وقال في فعالية في هارفارد في  فبراير/ شباط 2024 "العقارات على الواجهة البحرية لغزة يمكن أن تكون ذات قيمة كبيرة، إذا ما ركز الناس على توفير سبل العيش".

الجذور الأولى للفكر الاستيطاني الأميركي

أعادت تصريحات ترامب إلى الأذهان أفكارًا تاريخية مشابهة طرحها وارد كريسون (Warder Cresson) في القرن التاسع عشر. كريسون، الذي كان أوّل قنصلٍ أميركيٍّ في القدس، وداعيةٍ مبكرٍ لفكرة إعادة اليهود إلى فلسطين، تحوّل من المسيحية إلى اليهودية وغير اسمه إلى ميخائيل بوعاز إسرائيل.

كان من أبرز دعاة فكرة توطين اليهود في فلسطين، مؤمنًا بأن الله خلق الولايات المتحدة لدعم اليهود، وأن النسر الأميركي سيحقق نبوءة أليشع بتغطية الأرض بجناحيه. أعلن كريسون أن "لا خلاص لليهود إلا بقدومهم إلى إسرائيل"، وكرس حياته لتحقيق هذه الرؤية.

في 22 يونيو/ حزيران 1844، رحل كريسون إلى فلسطين حاملًا علمًا أميركيًا وحمامة بيضاء كان ينوي إطلاقها عند وصوله. وعندما وصل كريسون إلى فلسطين، واستقر في القدس، أسس "ختمًا قنصليًا" ومد حماية أميركية على يهود المدينة، الذين كان العديد منهم فقراء يعتمدون على المساعدات الخارجية.

في عام 1852، أسس مستعمرة زراعية يهودية لتدريب المهاجرين على الزراعة، وحاول إنشاء مستوطنة في وادي رفائيم بمساعدة موسى مونتفيوري، لكن جهوده فشلت.

إعلان

ومع ذلك، فإن أفكاره ألهمت آخرين، مثل كلوريندا ماينور (Clorinda Minor)، التي أسست مدرسة الزراعة للأعمال اليدوية لليهود في الأرض المقدسة بالقرب من قرية أرطاس، بالقرب من بيت لحم. وقامت بتأسيس مستوطنة "جبل الأمل" بالقرب من يافا، الذي اشتراها كريسون، باعتبارها "مزرعة أميركية نموذجية" لتعليم اليهود كيفية زراعة الأناناس والموز والليمون.

هندسة جغرافية فلسطين

ما يجمع بين كريسون وترامب هو الإيمان بإعادة تشكيل الواقع الديمغرافي والسياسي لفلسطين لصالح المشروع الصهيوني. فبينما سعى كريسون إلى إعادة توطين اليهود في فلسطين عبر إنشاء مستوطنات زراعية، يسعى ترامب إلى إعادة هندسة الواقع الحالي عبر سياسات التهجير القسري، وإعادة الإعمار تحت السيطرة الأميركية.

مع استمرار هذا النهج عبر التاريخ، تعكس تصريحات ترامب بشأن غزة امتدادًا للفكر الاستيطاني الأميركي الذي بدأ مع وارد كريسون في القرن التاسع عشر. فكما سعى كريسون إلى الاستيلاء على فلسطين عبر الاستيطان، تأتي أطروحات ترامب وكوشنر بواجهة اقتصادية، لكنها في جوهرها تستند إلى نفس الهدف: تفريغ الأرض وإعادة تشكيلها بما يخدم المشروع الصهيوني.

وبينما تغيّرت الأساليب والخطابات، يبقى النهج ثابتًا؛ إعادة هندسة الواقع الفلسطيني وفق مصالح القوى المهيمنة، في استمرارية تعكس كيف يعيد التاريخ نفسه من كريسون إلى ترامب، كل مرة بأسلوب جديد لكن بروح استعمارية واحدة.

الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.

aj-logo

aj-logo

aj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineجميع الحقوق محفوظة © 2025 شبكة الجزيرة الاعلامية

مقالات مشابهة

  • لماذا فشلت خطة ترامب؟
  • لماذا غضب نتنياهو من صفقة تبادل الأسرى التي وافقت عليها حماس؟
  • الشمس والظلام وبينهما أفريقيا
  • جنوب أفريقيا: طرد واشنطن لـ سفيرنا أمر مؤسف
  • قرار مفاجئ.. وزير الخارجية الأمريكي يعلن طرد سفير جنوب أفريقيا
  • سفير جنوب أفريقيا "ليس موضع ترحيب" في أميركا
  • الخارجية: عبد الفتاح صالح عضوا بمجموعة الذكاء الاصطناعي في الاتحاد الأفريقي
  • حرب خفية في أفريقيا.. كيف تنافس روسيا فرنسا على السيطرة؟
  • شرخ في جدار الغرب.. الطلاق بين الولايات المتحدة وأوروبا
  • علم إسرائيل وحمامة بيضاء.. نبوءة القنصل الأميركي في القدس