التراجع التكتيكي.. هل هو عنوان عقيدة طهران الدفاعية حاليا؟
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
طهران- بخلاف عناوين الأخبار المتصدرة، مرّر المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي تصريحات رسم من خلالها ملامح العقيدة الدفاعية لبلاده في هذه المرحلة التي يسيطر عليها ترقب الرد الإيراني على إسرائيل بعد اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" إسماعيل هنية في العاصمة طهران.
ورأى المرشد في كلمته، بحضور العديد من عائلات الشهداء، أن "العدو" يسعى بالحرب النفسية إلى خلق حالة من الخوف والتراجع.
ولم يأتِ هذا التصريح خفيف الوطأة على أرض سياسية وإعلامية ملغومة؛ فقد فسّره بعضهم بأنه إجازة للتراجع من أجل مصالح البلاد ومنفعة الشعب، بمعنى أن إيران قد لا ترد، أو ربما هو تبرير لسيناريو الرد الذي قررته طهران إن لم يأت بحجم التوقعات. ويجيء هذا التفسير في وقت تتوعد فيه إيران وحلفاؤها إسرائيل برد قاسٍ.
وداخليا، تصدّرت أقوال المرشد عناوين الإعلام المقرب من التيار الإصلاحي، بينما لم يتعامل معها الإعلام المحافظ بالأهمية ذاتها، بل حاول تهميش التفسير الإصلاحي الذي عدّه "تهدئة للأوضاع وتهيئة للرد المحدود".
الحرب خارج الحدودوكان كبير مستشاري المرشد للشؤون العسكرية يحيى رحيم صفوي قد صرح سابقا بأن "علينا زيادة عمق دفاعنا الإستراتيجي.. والدفاع عن بلادنا خارج حدودنا..". وبيّن أن "عمق دفاعنا الإستراتيجي هو البحر الأبيض المتوسط والبحر الأحمر، وعلينا أن نزيده بمقدار ٥ آلاف كيلومتر".
وتعدّ العقيدة الدفاعية الإيرانية مكوّنا أساسيا في إستراتيجيات الأمن القومي الإيراني، وتعكس مجموعة من المبادئ والتوجهات التي تتبعها إيران في تطوير سياساتها العسكرية والدفاعية. وتتشكل هذه العقيدة في ظل بيئة إقليمية ودولية متغيرة، وتستند إلى مجموعة من العوامل التاريخية، والجغرافية، والدينية التي تؤثر على إدراك إيران للتهديدات والفرص.
وبدراسة هذه العقيدة، يمكن فهم كيفية استعداد إيران للدفاع عن سيادتها وأمنها القومي، وذلك من خلال التركيز على:
تطوير قدرات الردع العسكري. وتبنّي إستراتيجيات دفاعية متعددة الجوانب تشمل الحرب غير التقليدية. والاكتفاء الذاتي في الصناعات الدفاعية مثل الصواريخ والمسيّرات. وكذلك تعزيز نفوذها الإقليمي، ورسم خط حليف لها ممتد من حدودها إلى "حدود العدو".ومن ثم، يعدّ فهم هذه العقيدة أمرا حيويا لتحليل السياسات الإيرانية وتقييم استقرار المنطقة وتأثيرات هذه السياسات على الأمن الإقليمي والدولي.
"المرونة التكتيكية"ويرى أستاذ العلاقات الدولية مصطفى نجفي أن تصريحات المرشد بشأن التراجع التكتيكي جزء من إستراتيجية إيران العسكرية والأمنية الوطنية في العقود الأربعة الماضية، أي منذ الثورة الإسلامية. والمعنى الذي كشفت عنه تصريحات المرشد -حسب نجفي- هو المرونة التكتيكية دون التراجع الإستراتيجي في أساسيات الصراع.
وبيّن نجفي -في حديثه للجزيرة نت- أن العقيدة الدفاعية العسكرية الإيرانية تتضمن المبادئ الآتية:
تجنب التدخل المباشر في الصراعات وإشعال الحروب. أولوية الدفاع بدلا من الهجوم. تعزيز الردع الدفاعي.وأوضح المحلل أن إيران حاولت في العقود الأربعة الماضية جعل هذه المبادئ أساسا لعملية صنع القرار ونموذجا لسلوكها. وقال إن إيران تُعدّ "جهة مرنة تكتيكيا"، وهي بذلك "تتمتع بمهارة خاصة في القدرة على التكيّف مع أي موقف وأي صراع".
وخلص نجفي إلى أن هذه المرونة تنعكس في بعض الصراعات في إعطاء الأولوية للدفاع، وفي أخرى للهجوم بأشكال مختلفة.
صورة تجمع الرئيس الإيراني مسعود بزكشيان والشهيد إسماعيل هنية في شوارع طهران (الأناضول) مبدأ الردعومن جانب آخر، رأى الباحث السياسي كيان عبد اللهي أن العقيدة الدفاعية للمرشد تستند إلى الآية (60) من سورة الأنفال بالقرآن الكريم، والمكتوبة أيضا على شعار الحرس الثوري، وهي" وَأَعِدّوا لَهُم مَا استَطَعتُم مِن قُوَّةٍ وَمِن رِباطِ الخَيلِ تُرهِبونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُم وَآخَرينَ مِن دونِهِم لا تَعلَمونَهُمُ اللَّهُ يَعلَمُهُم ۚ وَما تُنفِقوا مِن شَيءٍ في سَبيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيكُم وَأَنتُم لا تُظلَمونَ".
وعلى أساس هذه الآية، يعتقد الباحث -في حديثه للجزيرة نت- أن عقيدة المرشد الدفاعية تقوم على مبدأ "الردع". و"الردع، بطبيعة الحال، لا يعني الحرب الاستباقية التي يستخدمها الغربيون، وخاصة الأميركيين، مبررا لعدوانهم على البلدان الأخرى، بل عقيدة الردع التي تنفي العدوان على أي دولة أخرى" كما يقول.
ويقول عبد اللهي إن تجربة الجمهورية الإسلامية تظهر أن إيران لم تقم بغزو أي دولة عسكريا، ومع ذلك تحافظ على قوتها العسكرية عالية بما فيه الكفاية وتلتزم بمبادئها الأساسية "إلى حد أنه لا يوجد بلد لديه الشجاعة لشن عدوان عسكري على إيران".
واستنادا إلى عقيدة المرشد الدفاعية، فإن الدفاع لا يقتصر على المجال العسكري فحسب، "بل يجب سدّ كل ثغرة ومجال يتيح إمكانية سيطرة العدو على شعب إيران وأرضها"، برأي عبد اللهي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات
إقرأ أيضاً:
هل تسعى أوروبا لتفعيل آلية الزناد مع إيران؟
طهران- على عكس الأجواء الإيجابية التي سادت مباحثات المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية رافائيل غروسي خلال زيارته الأخيرة إلى إيران، أصدر مجلس حكام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، أمس الخميس، قرارا ينتقد رسميا طهران بسبب "عدم تعاونها بما يكفي" في برنامجها النووي.
وجاء في نص القرار أنه "من الضروري والعاجل أن تقدم إيران ردودا فنية موثوقة فيما يتعلق بوجود آثار غير مفسرة لليورانيوم في موقعين غير معلنين قرب طهران، هما تورقوز آباد وورامين".
ورغم مساعي الخارجية الإيرانية الحثيثة لتجنب الانتقاد في اجتماع مجلس المحافظين عبر مباحثاتها مع الوكالة الذرية والترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) والدول الأعضاء الأخرى في المجلس، لكن مشروع القرار الأوروبي حظي بتأييد 19 دولة من أصل 35، في حين عارضته روسيا والصين وبوركينا فاسو، وامتنعت الدول الـ12 الباقية عن التصويت.
في المقابل، ردت طهران بتشغيل أجهزة طرد مركزي جديدة ومتطورة، وذلك تنفيذا لتهديدها بالرد "وفق ما يقتضيه الوضع وعلى نحو مناسب في حال تجاهل الجانب الغربي حسن نية إيران".
العصا والجزرةوقد يفسر ما ورد في أحد التقريرين السريين اللذين قدمتهما الوكالة الذرية المقصود الإيراني بـ"حسن النية"، إذ ذكرت وكالة "رويترز" أن طهران عرضت عدم زيادة مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى درجة نقاء تصل إلى 60%، وقد بدأت بتنفيذ التدابير التحضيرية لذلك.
كما كشف مصدر إيراني مطلع، للجزيرة نت، أن بلاده قطعت تعهدا بالتعاون بقدر أكبر مع الوكالة، ومنها السماح بتفقد عدد من المنشآت النووية التي ترغب بتفقدها، مقابل تخلي القوى الغربية عن مساعيها لإصدار قرار ضد الجمهورية الإسلامية.
وترى الباحثة السياسية برستو بهرامي راد أن المساعي الإيرانية لمنع الجانب الأوروبي من إصدار القرار جاءت متأخرة، وأن إدانة بلادها كانت متوقعة في ظل الفتور الذي خيّم على علاقات طهران مع العواصم الأوروبية خلال السنوات الثلاث الماضية، وأن الجانب الغربي لم يعر سياسة الترغيب والتهديد الإيرانية اهتماما، لأنه كان قد قرر مسبقا استغلال فرصة اجتماع مجلس المحافظين لترجمة التدهور الطارئ على علاقاته معها.
واعتبرت، في حديثها للجزيرة نت، أن رد إيران الفوري بتشغيل أجهزة طرد مركزي متطورة وتأكيدها عزمها مواصلة تعاونها الفني مع الوكالة الذرية مؤشر على استمرار سياسة العصا والجزرة خلال الفترة المقبلة، وأنه لا تغيير في توجّه حكومة الرئيس مسعود بزشكيان الرامي إلى إبقاء باب التفاوض مفتوحا لحلحلة القضايا الشائكة حتى قبيل الاجتماع المقبل للمجلس.
وحسب بهرامي راد، تمر علاقات بلادها مع العواصم الأوروبية بأحلك مراحلها، وتوقعت استمرار التوتر بينهما خلال العام المقبل وصولا إلى تفعيل آلية الزناد، إيمانا من الجانب الغربي بجدوى سياسة أقسى الضغوط الأميركية على إيران واستنزاف طاقاتها.
ويبدو أن الجانب الأوروبي يعمل من أجل الاحتفاظ بملف طهران النووي بحوزته مع عودة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، ومن المتوقع أن يزداد الشرخ بينهما خلال الفترة المقبلة، كما تقول. وتتوقع أن تبذل الحكومة الإيرانية جهودا أكبر للتعاون خلال الأشهر القليلة المقبلة مع الوكالة الذرية، لكنها استبعدت خروج اجتماع المجلس المقبل بنتيجة مرضية للجانبين الإيراني والأوروبي.
سيناريوهات محتملةوعلّق النائب في هيئة رئاسة البرلمان الإيراني بدورته السابقة، سيد نظام الدين موسوي، على قرار مجلس المحافظين، وكتب على منصة إكس "يبدو أنه من المقرر العودة مجددا إلى الدوامة الباطلة المتمثلة في إصدار الوكالة قرارا ضد إيران وتراجع الأخيرة. لا ينبغي تكرار تلك التجربة المريرة خالية النتائج. الخيار الصائب ليس سوى الرد بخطوة مماثلة مقابل أي خطوة يتخذونها إلى الأمام".
من ناحيته، يرى أستاذ العلاقات الدولية المتخصص في الملف النووي الإيراني محسن جليلوند أن القرار الأخير يضع طهران أمام طيف من الخيارات والسيناريوهات، بدءا من أقصى حد للاستسلام حتى أقصى حد للتمرد، مستدركا أن المجال ما زال مفتوحا أمام إيران حتى الربيع المقبل، حيث ستقدم الوكالة الذرية تقريرا كاملا عن برنامجها النووي.
وفي حديثه للجزيرة نت، يعتقد جليلوند أن الجانب الغربي يتحرك وفق خارطة طريق تبدو شبه محكمة لتفعيل آلية الزناد حتى قبل 18 أكتوبر/تشرين الأول 2025، وهو "يوم النهاية في الاتفاق النووي المبرم عام 2015″، معتبرا أن "أحلى الخيارات المطروحة أمام طهران مر".
ورأى أن السيناريو الأول، المفضل لدى الجانب الغربي والذي يبدو قبوله مستحيلا على الجانب الإيراني، هو النموذج الليبي بأن تقبل خلاله طهران بتفكيك برنامجها النووي أو التخلي عن قدراتها النووية وفقا للإملاءات الغربية، وقد تناهز احتمالات تطبيقه الصفر بالمائة.
أما السيناريو الثاني والأكثر احتمالية وفق جليلوند، فهو تزايد التوتر بين إيران من جهة، والوكالة الدولية للطاقة الذرية والترويكا الأوروبية بدعم الولايات المتحدة من جهة أخرى، وتفعيل آلية الزناد وعودة العقوبات الأممية قبيل يوم النهاية في الاتفاق النووي.
لغة القوةويصف الباحث جليلوند السيناريو الثالث لمستقبل برنامج بلاده النووي بـ"نموذج كوريا الشمالية"، انطلاقا من سياسة أقصى التمرد، موضحا أنه ثمة شريحة في بلاده تعتقد أن الجانب الغربي لا يفهم سوى لغة القوة، وأن صناعة القنبلة النووية وإعلانها رسميا كفيلة بوضع حد للضغوط الغربية وكبح جماح المغامرات الإسرائيلية ضد المنشآت النووية في إيران.
وكانت أوساط إيرانية قد هددت بذلك خلال الفترة الماضية، ويؤكد المتحدث نفسه أن طهران تمتلك بالفعل القدرات الفنية لصناعة هذه القنبلة.
وقد يكون الاستهداف الإسرائيلي، الشهر الماضي، لمجمع "بارتشين" النووي شمال شرقي طهران بمثابة إرسال رسالة حول قدرته على تكرار المغامرة وتجاوز خطوط إيران الحمراء، ولا يستبعد جليلوند استهداف جزء من برنامجها النووي خلال الفترة المقبلة، قائلا إنه من شأن هذا السيناريو أن يضرم النار في المنطقة.
وخلص إلى أن شدة عمليات "الوعد الصادق" الثالثة التي تحضر إيران لتنفيذها ردا على الهجوم الإسرائيلي الأخير قد تخرج التطورات عن مسارها الطبيعي، وقد تشهد المنطقة حربا شاملة قد تكون المنشآت الحيوية الإيرانية والإسرائيلية جزءا منها، مستدركا أن طهران تأخذ أسوأ السيناريوهات بعين الاعتبار في سياساتها، وأنه لا يمكن القضاء على برنامجها النووي بسبب الجغرافيا الواسعة لديها.