الانقسام المالي اليمني.. أزمات نقدية متواصلة ترهق الاقتصاد
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
شمسان بوست / متابعات:
لم تتسبّب الحرب التي يشهدها اليمن منذ عام 2015 بانقسام اليمن سياسياً وعسكرياً فقط بين الحكومة المعترف بها دولياً والتي تتخذ من عدن عاصمة لها، وجماعة الحوثيين التي تُسيطر على صنعاء وشمال اليمن، بل امتد الانقسام إلى القطاع المالي والاقتصادي الذي شهد انقساماً أيضاً ألقى بآثاره السلبية على السكان.
وتظهر ملامح هذا الانقسام من خلال وجود بنكين مركزيين أحدهما في صنعاء تابع للحوثيين، والآخر في عدن تابع للحكومة المعترف بها دولياً، بالإضافة إلى تعامل مناطق الحوثيين بالعملة القديمة وتعامل مناطق الحكومة المعترف بها دولياً بالعملة الجديدة المطبوعة بعد 2016، وهو ما تسبب بسعري صرف للريال اليمني مقابل العملات الأجنبية، إذ إن سعر صرف الدولار في مناطق الحوثيين يساوي 535 ريالاً، فيما يبلغ في مناطق الحكومة الشرعية 1900 ريال.
وفي إطار مشاورات السلام القائمة برعاية أممية والتي يرعاها المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ يبرز الملف الاقتصادي كأهم الملفات في الأزمة اليمنية، حيث يسعى المبعوث الأممي لوضع حلول من شأنها توحيد البنك المركزي الإيرادات وسعر صرف العملة.
وقال المستشار المالي عبد الغني الصبري لـ”العربي الجديد” إن سلطة الحوثيين فرضت استقلالية العملة القديمة ورفعت قيمتها عن الطبعة الجديدة، ورفعتها بالقوة مقابل العملات الأجنبية، ضاربة بنظريات العرض والطلب عرض الحائط، كما أن ثبات العملة يرجع إلى زيادة المعروض، منها الناجم عن وصول جميع التحويلات الخارجية لليمن كاملاً إليها، ومن ضمنها تحويلات المغتربين والمنظمات الدولية العاملة في اليمن، وكذلك شراء عملة الحكومة الشرعية الأجنبية وعملة المواطنين التي يحصلون عليها من تحويلات المغتربين عن طريق فروعها في مناطق الشرعية وإرسالها إلى صنعاء.
ولفت إلى أن هذا المعروض الزائد من النقد الأجنبي لدى حكومة الحوثي لم يوجه إلى تغطية أية نفقات حكومية، سواء في الداخل أو الخارج، فرواتب الموظفين الحكوميين ونفقات الجهات الحكومية الخدمية والجيش والأمن والجميع شبه متوقفة إلا النزر اليسير”.
وأضاف المستشار المالي أن انخفاض سعر العملة في مناطق الشرعية مقابل العملة الاجنبية أقرب ما يكون إلى أنه خاضع لنظرية العرض والطلب الناجم عن قلة المعروض من العملة الأجنبية بسب التدهور الأمني وشح الموارد المالية والاقتصادية للموازنة العامة للدولة الشرعية، وتوقف أهم مواردها؛ النفط والغاز، مع بقاء صرف النفقات العامة للجهات الحكومية والجيش والأمن”.
بدوره، شرح الخبير الاقتصادي ضيف الله سلطان لـ”العربي الجديد” أن “هناك أسباباً عدة تقف وراء الانقسام المالي والمصرفي في اليمن، وفي مقدمتها الانقسام السياسي، ويضاف إلى الأزمة توقف صادرات الغاز والنفط وتراجع تدفق النقد الأجنبي وانكماش الناتج المحلي الإجمالي بنحو 50 في المائة”.
وأضاف الخبير الاقتصادي أن من ضمن أسباب الانقسام المالي والمصرفي نقل إدارة البنك المركزي من صنعاء إلى عدن في 2016، وقيام إدارة البنك بطباعة كمية كبيرة من النقود من دون احتياطي نقدي، وكذلك توقف تصدير النفط والغاز مع زيادة في النفقات، وخاصة رواتب المسؤولين في الخارج التي تصرف بالعملة الصعبة، إذ يُصرف أكثر من نصف مليار دولار كرواتب للمسؤولين”.
وأكد الخبير الاقتصادي أن ما زاد من الانقسام هو إصدار الحوثيين قانوناً يحظر التعاملات الربوية في المناطق الخاضعة لسيطرتهم في 2023 وأدى هذا القانون إلى شل عمليات البنوك التجارية والإسلامية ومؤسّسات التمويل الأصغر، حيث هز ثقة المودعين والمقترضين في النظام المصرفي، ودفع عدداً من البنوك إلى الإفلاس، ليقوم الحوثيون بعدها بإصدار عملة معدنية جديدة فئة 100 ريال وهو ما ساهم بزيادة الانقسام”.
ورأى المحلل الاقتصادي وحيد الفودعي في حديثه لـ”العربي الجديد” أن توحيد سعر الصرف يتطلب تنسيقاً وثيقاً بين البنكين المركزيين في عدن وصنعاء، بما في ذلك توحيد السياسات النقدية والمالية، ويجب القيام بإصلاحات اقتصادية شاملة لتحسين الوضع المالي العام، بما في ذلك تعزيز الثقة في العملة المحلية وتحسين بيئة الأعمال”.
وأضاف المحلل الاقتصادي أن استقرار الوضع الأمني والسياسي يعتبر عنصراً أساسياً لتحقيق توحيد سعر الصرف، إذ إن الاستقرار يعزز الثقة الاقتصادية ويقلل من المخاطر، ويمكن أن يلعب الدعم الدولي دوراً مهماً في توحيد سعر الصرف من خلال تقديم مساعدات مالية وفنية لدعم الاقتصاد وتعزيز استقرار العملة”.
وأشار المحلل الاقتصادي إلى أنه من الصعب تحديد سعر صرف دقيق في حال توحيد العملة بسبب العديد من العوامل المتغيرة والمؤثرة، حيث سيخضع السعر لعوامل العرض والطلب، لكن يمكن تقدير سعر الصرف الموحد على أساس المعطيات الحالية، حيث قد يتراوح السعر بين 1000 إلى 1200 ريال يمني مقابل الدولار الأميركي، مع مراعاة التحسينات المحتملة في السياسات النقدية والاقتصادية بعد التوحيد”.
المصدر: شمسان بوست
كلمات دلالية: سعر الصرف فی مناطق
إقرأ أيضاً:
لماذا طالبت الأمم المتحدة بعثاتها في اليمن بالعودة لتقديم المساعدات الإغاثية في مناطق (أنصار الله)؟
أثارت التقارير التي تتحدث عن توجيهات الأمم المتحدة لبعثاتها وموظفيها في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة "أنصار الله" في اليمن، بالعودة لممارسة أعمالهم، الكثير التكهنات حول الأسباب التي دفعت المنظمة الدولية للإقدام على تلك الخطوة رغم اعتقال موظفيها وتصنيف الجماعة "منظمة إرهابية" من قبل الولايات المتحدة الأمريكية، بحسب سبوتنيك.
ماذا تعني مطالبة الأمم المتحدة لموظفيها بعودة الأعمال الإغاثية في مناطق سيطرة "أنصار الله" بعد توقفها خلال الفترة الماضية؟
بداية، يقول الحقوقي والقيادي بالحراك الجنوبي اليمني رائد الجحافي: "أثارت مطالبة الأمم المتحدة لموظفيها بالعودة إلى ممارسة مهام عملهم في المناطق الواقعة تحت سيطرة الحوثي (أنصار الله)، استغراب الكثير من المتابعين والمراقبين للشأن اليمني، خاصة بعد تصنيف الولايات المتحدة الأمريكية للحوثيين كمنظمة إرهابية".
ضغط أممي
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك": "هذه الخطوة التي أقدمت عليها الأمم المتحدة، والتي حثّت فيها موظفيها على ضرورة العودة إلى صنعاء واستئناف مهامهم من هناك بعد أن كانت قد عملت على تعليق عملياتها في وقت سابق بسبب ما أوضحت أن اعتقالات جديدة طالت موظفيها من قبل الحوثيين، في رأيي هي نوع من الضغط الأممي على الحوثيين لإطلاق سراح موظفيها".
وتابع الجحافي: "بجانب أن دعوة الأمم المتحدة تأتي للضغط على الحوثيين للإفراج عن الموظفين المحتجزين، هناك مساعي من جانب المنظمة الأممية لاستعادة الثقة بينها وبين الحوثيين لقبولهم استئناف عمليات الإغاثة، والأهم من ذلك هو محاولة لتحقيق التوازن بين تأمين سلامة موظفيها وضمان استمرار المساعدات الإنسانية في ظل الظروف المعقدة، التي يشهدها اليمن، من صراعات أدت إلى تفاقم الوضع الإنساني واتساع رقعة المجاعة".
الانتقالي والشرعية
وأشار القيادي الجنوبي اليمني إلى أن "الدعوة بحد ذاتها ضربة قوية لحكومة الشرعية بشكل عام وللمجلس الانتقالي الجنوبي، على وجه الخصوص، باعتبار الأخير ما برح يناشد ويطالب كافة المنظمات الدولية العاملة في صنعاء إلى ضرورة نقل مكاتبها إلى عدن، وأعلن في بيانات رسمية صادرة عنه وعن القوة الأمنية التابع له استعداده لتأمين الموظفين الأمميين وغيرهم من موظفي المنظمات الدولية".
تناقض وحيرة
من جانبه، يقول السياسي الجنوبي عبد العزيز قاسم: "منذ ما بعد الحرب حتى اليوم وقرار الأمم المتحدة بعودة المنظمات إلى مكاتبها في صنعاء المقر الرئيس لها يبدو متناقضا ويدعو للحيرة، وهذا يفسر أن التوصيات تأتي كأدوات ضغط على الحوثيين (أنصار الله) وابتزاز أيضا لعودتهم للحوار".
وأشار في حديثه لـ"سبوتنيك": "قرار التصنيف للحوثيين كمنظمة إرهابية من جانب الولايات المتحدة الأمريكية، يضع الأمم المتحدة محل سخرية وتبدو كأداة بيد دول كبرى، مما يجعلها تنحني أمام مسارها السابق وهو ترك المجال الإنساني جانبا بعيدا عن الزج به في أتون صراعات المصالح، وقد تدخل في مرحلة أتون حرب جديدة تجعل المصالح الدولية في خطر دائم، وقد يمنح الحوثيين فرصة جديدة للتنصل من أي التزامات كانت قد وعدت بها. في الأخير تبدو المسألة أعمق في تعقيدات المشهد اليمني الاستثنائي في المنطقة على عكس بقية الدول الملتهبة".
وقال قاسم إن "قرار عودة المنظمات الأممية، يشير إلى تخوفات من استمرارية الحرب في البحر الأحمر، وكذلك منح الحوثيين شهادة براءة من هذا التصنيف، الذي لا يتوافق حقيقة مع الواقع أو ليس دقيقا".
ولفت قاسم إلى أن "الشرعية اليمنية هزيلة ومرتبكة والقوى المنضوية فيها كالمجلس الانتقالي، الذي شاخ وفشل في احتواء بقية المكونات الأصلية من الحراك الجنوبي، وفشل مع الشرعية في تحقيق أدنى الأهداف كالاستقرار وحماية الملاحة البحرية، ناهيك عن الفساد وتدهور الأوضاع ما جعلت الأمم المتحدة تنحني للطرف الفاعل والمتمثل في الحوثيين".
ورطة حقيقية
بدوره يقول الدكتور عبد الستار الشميري، رئيس مركز "جهود" للدراسات باليمن: "أعتقد أن الأمم المتحدة في ورطة حقيقية، ما بين الضغوط الأمريكية والاحتياجات الإنسانية المُلحة في مناطق سيطرة الحوثيين (أنصار الله) وعمليات خطف واعتقال موظفيها".
وأضاف في حديثه لـ"سبوتنيك"، أن "المنظمات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة في اليمن، تعمل في حقل ألغام حقيقي، فهي تحاول أن توازن نفسها في ظل الوضع الراهن بتقديم خطوة وتأخير أخرى في تلك المناطق".
وتابع الشميري: "الأمم المتحدة تحاول تجنيب العقوبات لبعض الذين سيعملون معها من الشركات أو الموردين والمنظمات، وتحاول القيام بدور إنساني في ظل الصعوبات الحوثية، حيث يحاول الحوثيين الضغط على الأمم المتحدة من خلال اختطاف موظفيها والمطالبة بالمزيد من المعونات والمساعدات، وأعتقد أن هذا الأمر لن يدوم طويلا".
وأشار رئيس مركز "جهود"، إلى أنه "يجري الآن العمل على أن يكون هناك منفذ واحد لتوزيع المساعدات عن طريق الحكومة الشرعية، وإذا ما تم ستذهب المعونات إلى مناطق الشرعية ومنها إلى مناطق الحوثيين ويتم بعدها تنشيط المواني التابعة للشرعية، لكي تصل المعونات بشكل دقيق إلى مستحقيها ولا يتم استخدامها في غير أغراضها".
تخبط أمريكي
وقال توفيق الحميري، مستشار وزارة الإعلام في حكومة البناء والتنمية في العاصمة اليمنية صنعاء، إن "التصنيف الأمريكي لن يغير من الموقف اليمني الداخلي والإقليمي ولن تستطيع أمريكا، التي نصنفها كيانًا معاديا من تحقيق أهدافها من هذا التصنيف".
وأضاف في حديث سابق لـ"سبوتنيك"، أن "تكرار مثل تلك القرارات أو التصنيف يُعد دليلا واضحا على التخبط الأمريكي وانعدام خياراتها في اليمن، فهذا التصنيف كررته أمريكا لثلاث مرات الأولى في يناير/ كانون الثاني 2021، ونحن عقب هذا التصنيف قصفنا قواعد أمريكا في الإمارات وما تسمى بقاعدة الظفرة العسكرية و كثفنا من ضرباتنا للسعودية، بل و استولينا على سفينة روابي الإماراتية المحملة بالأسلحة وداخليا نفذنا عملية البنيان المرصوص باعتبارها أكبر برية لقواتنا المسلحة".
وأشار الحميري إلى أن "التصنيف الأول كان له مردود اقتصادي على اليمن، حيث انخفض سعر صرف الدولار أمام الريال اليمني من 600 ريال إلى 530 ريال ولايزال حتى اللحظة بهذا السعر".
وتابع مستشار وزارة الإعلام، عقب التصنيف الثاني الذي كان في يناير/ كانون الثاني من العام 2024: "استهدفنا البوارج الأمريكية والسفن الحربية في البحر الأحمر والعربي وباب المندب، بل وقصفنا حاملات الطائرات الأمريكية وطاردناها في المنطقة وهربت، وأصدرنا عقوبات على أمريكا عندما أدرجنا سفنها إلى قائمة السفن المحظورة بجانب السفن الإسرائيلية، هذا ما تم من قبلنا عقب التصنيف الثاني".
وأضاف الحميري: "على العالم أن يتوقع ردود فعل يمنية كبيرة عقب التصنيف الثالث، فأمريكا هذه المرة عللت تصنيفها بسبب مناصرتنا لفلسطين ونحن سنعاقبها على مناصرتها للإجرام الإسرائيلي".
وكانت مصادر إعلامية يمنية، قد تحدثت قبل أيام، بأن الأمم المتحدة طالبت موظفيها في تعميم داخلي باستئناف العمل داخل المناطق الخاضعة لسيطرة "أنصار الله".
ويشهد اليمن تهدئة هشة منذ إعلان الأمم المتحدة، في الثاني من أكتوبر/ تشرين الأول 2022، عدم توصل الحكومة اليمنية وجماعة "أنصار الله" إلى اتفاق لتمديد وتوسيع الهدنة التي استمرت 6 أشهر.
ويعاني البلد العربي للعام العاشر تواليًا، صراعًا مستمرًا على السلطة بين الحكومة المعترف بها دوليًا وجماعة "أنصار الله"، انعكست تداعياته على مختلف النواحي، إذ تسبب في أزمة إنسانية تصفها الأمم المتحدة بأنها واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية على مستوى العالم.
وتسيطر جماعة "أنصار الله" منذ سبتمبر/ أيلول 2014، على غالبية المحافظات وسط وشمال اليمن، بينها العاصمة صنعاء، فيما أطلق تحالف عربي بقيادة السعودية، في 26 مارس/ آذار 2015، عمليات عسكرية دعماً للجيش اليمني لاستعادة تلك المناطق من قبضة الجماعة.
وأودت الحرب الدائرة في اليمن، حتى أواخر 2021، بحياة 377 ألف شخص، كما ألحقت بالاقتصاد اليمني خسائر تراكمية تقدر بـ 126 مليار دولار، في حين بات 80 في المئة من السكان البالغ عددهم نحو 35 مليون نسمة، بحاجة إلى مساعدات إنسانية، حسب تقارير الأمم المتحدة.
Your browser does not support the video tag.