إنّ تقرير رئيس وفد التفاوض، الوزير بشير أبو نمو، في محادثات جدة الثنائية بين حكومة السودان والإدارة الأمريكية، هو بمثابةِ تحريرٍ للخلاف بين الطرفين حول مدى استجابة الحكومة لدعوة مفاوضات جنيف. ومع أن التقرير لم يخرج بتوصية مباشرة بعدم المشاركة في المفاوضات المُرتقبة إلاّ أنه رهن الذهاب إلى المفاوضات بعددٍ من الاشتراطات، على رأسها تنفيذ إلتزامات إعلان جدة (ولو أنّه رشح في الميديا تصريح للوزير يوصي بعدم المشاركة).

وفي كل الأحوال ينبغي استمرار هذا التواصل والمحادثات لبناء الثقة ومحاولة بناء علاقات ثنائية مستقرة بين السودان والولايات المتحدة. حقاً، فسبق أن ذكرت أنّ نجاح مفاوضات جنيف التي تدعو لها الإدارة الأمريكية مرهونٌ بالحوار الثنائي يين الولايات المتحدة وحكومة وقيادة جيش السودان.

شواغل الوفد الحكومي

طرح الوفد السوداني على المبعوث الخاص الأمريكي ستة أسئلة تعبر عن مخاوف وهواجس الحكومة السودانية بغرضِ استكشاف رؤية الوفد الأمريكي حول دعوتهم للمفاوضات جنيف. أورد التقرير بإسهاب إجابات وردود رئيس الوفد الأمريكي الإيجابية المُطولة على كل الاستفسارات والتي حملت في باطنها تطمينات للحكومة حول هذه الشواغل:

1. رفض الحكومة لمشاركة دولة الإمارات في مفاوضات جنيف المُرتقبة
2. مُطالبة الحكومة بضرورة تنفيذ إعلان جدة قبل الذهاب لأي مباحثات مستقبلية
3. سؤال الحكومة عن دوافع تحويل منبر التفاوض إلى جنيف
4. سؤال الحكومة عمَّا إذا كان تحديد موعِد المفاوضات مقصود لذاته علماً بأن الموعد يتزامن مع العيد السبعين للقوات المسلحة السودانية
5. تصحيح المعلومات المغلوطة لدى الوفد الأمريكي حول تأشيرات الدخول وانسياب المساعدات الإنسانية
6. وربما السؤال المُهم للحكومة هو ما يتعلق بمستقبل الدعم السريع ورفض السودانيين لأي مستقبل سياسي أو عسكري له بصورة منفصلة. فعلى حَدِّ قول رئيس الوفد في التقرير أنَّ الجانب الأمريكي قد أوضح أنَّه "يؤيدنا تماماً في هذا الطرح وأنه يقوم بتصميم هذه العملية حتى لا يتمكن الدعم السريع من تحقيق المزيد من التوسع في عملياته مما قد يشير لانتصاره، وأنهم لا يرغبون في وجود الدعم السريع أو أن يكون له دور سياسي في مستقبل السودان، وأن مستقبل السودان سوف يحدده الشعب السوداني الذي يرفض الدعم السريع تماماً. مشيرين الى أنهم يدينون اعتداء الدعم السريع على مستشفى الدايات في أم درمان ومستشفى الفاشر وجميع الفظائع والانتهاكات التي ترتكبها المليشيا المتمردة، والتي ظلت أمريكا تصدر عقوبات على بعضهم بسببها وستكون هنالك عقوبات أكثر عليهم في المستقبل، مبيناً أن أمريكا لا تضع الدعم السريع في نفس المرتبة الأخلاقية والقانونية الشرعية التي تضع فيها القوات المسلحة، وأن مباحثات جنيف المحتملة لن تضفي أي صفة قانونية على قوات الدعم السريع".

ليس ذلك فحسب، بل عَدَّد سبعة منجزات للمحادثات الثنائية لصالح الحكومة السودانية:

• الاعتراف بصفتي الفريق البرهان الجانب الأمريكي أن السيد الرئيس الفريق كرئيس مجلس السيادة ورئيس الدولة وليس فقط القائد العام للقوات المسلحة
• موافقة الجانب الأمريكي على الجلوس مع الوفد كوفد لحكومة السودان
• النجاح في زحزحة موقف الجانب الأمريكي فيما يتعلق بالموعد المحدد في 14 أغسطس وقدموا خيار آخر هو يوم 18 أغسطس 2024
• اعتراف الجانب الأمريكي بأن قوات المليشيا المتمردة هي التي تعيق انسياب المساعدات الإنسانية وتسعى لخلق مجاعة
• انتزاع الاعتراف بعدم المساواة بين القوات المسلحة والمليشيا المتمردة من الناحية القانونية والشرعية
• استجابة المبعوث الخاص لطلب الحكومة بالذهاب إلى بورتسودان لتصحيح المعلومات المغلوطة التي اعتمد عليه في تحليله
• ترحيب المبعوث بالحوار التفاعلي معه وبأنَّه جدير بالذكر أن السيد المبعوث الخاص الأمريكي كان يتمنى أن يلتقي هذا الوفد في وقتٍ مبكر.

للمفارقة، على الرغم من كل هذه الإيجابيات للحوار التفاعلي بين الطرفين التي أسهب فيها تقرير رئيس الوفد نفسه، إلا أنه - باستثناءِ العزمِ على استمرار الارتباط والتواصل مع الجانب الأمريكي – قدم ثلاث توصيات وخطوط حمراء تتناقض مع مضمونه وروحه، (1) رهن الذهاب لجنيف بتنفيذ التزامات إعلان جدة، (2) التمسك بعدم مشاركة الإمارات والإيقاد، و(3) السعي لاستئناف منبر جدة.

I. مخرجات إعلان جدة

بحسب ما ورد في تقرير الوفد الحكومي فإنَّ المبعوث الأمريكي الخاص قد أبان "أنهم يتفقون معنا تماماً في أهمية تنفيذ إعلان جدة وأن إجابتهم على هذا السؤال هي (نعم) وسيتم النقاش حول كيفية تنفيذه". إذن، فالذهاب إلى جنيف لا يتعارض إطلاقاً مع تنفيذ عمليات خروج قوات الدعم السريع من بيوت المواطنين والأعيان والمرافق المدنية، وهذا أمرٌ يستدعي التفاوض حولها، ومن غير الواقعية في شيء أن يتم إجراؤها قبل الجلوس على طاولة المفاوضات. وقد أعلنت الحكومة في بيانٍ مُذاعٍ من نائب رئيس مجلس السيادة في يوليو 2023، مقترح "خارطة طريق الحكومة السودانية لإنهاء الأزمة بالبلاد" من ثلاث مراحل. تُعنى المرحلة الأولي (ب) الفصل بين القوات بالاتفاق على:
a) تحديد مواقع معسكرات جديدة للدعم السريع بالاتفاق بين الطرفين
b) تحديد و تأمين المسارات المؤدية إلى المعسكرات الجديدة
c) حماية و تأمين المعسكرات الجديدة
d) توفير الإمدادات اللازمة لقوات الدعم السريع وتشمل (المواد الغذائية و النثريات)
e) آلية متابعة تنفيذ ومراقبة اتفاق وقف العدائيات
f) الإعلان عن وقف العدائيات وتحديد النطاق الجغرافي الذي يشمله والفترة الزمنية
g) تحريك قوات الدعم السريع في المسارات المحددة في الفقرة (ب) أعلاهُ بخارطة طريق يتفق عليها الطرفان.

في رأينا أنَّه بدلاً عن رفض الدعوة للمفاوضات، فإنَّه من مصلحة السودان أن تذهب الحكومة للتفاوض شريطة أن تُعلن أمريكا وشريكاها في الوساطة "السعودية وسويسرا" أنَّ البند الوحيد في أجندة جنيف فقط هو المفاوضات بشأن تنفيذ إجراءات المرحلة الأولى من خطة الحكومة، ثُمَّ من بعد تأتي المرحلة الثانية حول تقديم المساعدات.

II. عدم مشاركة الإمارات والإيقاد

في رأينا أنَّ وجود الإمارات كمراقب لا يضير السودان في شيء، طالما ظلت مُتهمةً بإزكاء نار الحرب ‌لإسنادها قوات الدعم السريع، مما يجعلها صاحبة مصلحة بغض النظر عن المواقف المُتباينة حولها.
إن مفاوضات جنيف ليست هي المكان لحسم أمر العلاقات الثنائية معها، وليس من شروط التفاوض وقف الحكومة لاتهاماتها المشفوعة بالشواهد والتقارير الدولية لضلوع الإمارات غير المباشر في الحرب ومطالبتها بتحمُل النصيب الأكبر في تعويضات خسائر الحرب وإعادة البناء والتعمير. كما أنَّ حضور المفاوضات لا يمنع الحكومة في خطابها الافتتاحي من تعرية دور الإمارات في توسيع نطاق الحرب، وتوجيه الأسئلة إلى الولايات المتحدة بشأن موقف الإدارة من قوات الدعم السريع والإمارات، بل وممارسة الضغوط على الجانبين بحضور وشهادة كافة أطراف المجتمع الدولي لوقف دعم قوات الدعم السريع فوراً واتخاذ التدابير والآليات اللازمة لضمان ذلك. يوفر منبر جنيف فرصة للحكومة لتنبيه الولايات المتحدة لِفَهم وتَفَهُّم الخطر الحقيقي الذي يمثله الإسناد الخفي لقوات الدعم السريع على أمن واستقرار السودان وأمن واستقرار المنطقة بأكملها.
ومن جانب آخر، يبدو أنَّ الميل نحو مقاطعة منبر جنيف يتناقض مع موقف الحكومة في موضوعين، أولهما: أن الحكومة كانت قد قبلت بالمشاركة المباشرة لدولة الإمارات في اجتماع المنامة، خلال النصف الثاني من فبراير الماضي، على الرغم من عدم الإعلان عنه رسمياً حتى هذه اللحظة. وثانيهما: أنَّ العلاقات الدبلوماسية بين السودان والإمارات ما زالت سارية بعد مرور أكثر من 16 شهراً منذ اندلاع الحرب، والسفيران المُعتمدان يُمارسان عملهما المعتاد، مما يُضعف حجة الحكومة بعدم رغبتها في وجود الإمارات جالسة على كرسي "مُراقب" خلف طاولة التفاوض، ويجعل رفضها للمشاركة موقفاً مُربكاً ومُرتبكاً! ومن زواية أخرى ، الإ‌مارات لا تزال هي منفذ التجارة الخارجية الأول للسودان منذ تسعينات القرن الماضي بعد المقاطعة الأمريكية، وحتى بعد الحرب ظلت صادرات الذهب السوداني مستمرة إلى الإمارات (عن طريق بنك النيلين).
أما الإيقاد فأصلاً لم يأت ذِكرها في الدعوة الأمريكية للمفاوضات، بل ربما أنَّ المبعوث الخاص هو الذي عرض أمر دعوتها، والتي اكتفت بمشاركة الاتحاد الإفريقي. وفي رأينا أنَّ الإيقاد لا مكان لها من الإعراب بعد أن أضحى أمر الحوار "السوداني السوداني" بيد الاتحاد الإفريقي الذي شرع في ابتدار أعماله بحوار تحضيري، في منتصف يوليو المُنصرم.

III. تحويل المنبر من جدة إلى جنيف
ما المشكلة في أن يكون مقر المفاوضات جنيف وليس جدة؟ في رأينا أنَّ منبر التفاوض لا يعرف بالمكان venue بل بأجندة وموضوعات التفاوض، خاصةً وأنَّ المبعوث الخاص أكد للوفد الحكومي أنَّ مفاوضات جنيف ستكون امتداداً لمباحثات جدة. فإذا كان اجتماع جنيف سيناقش الشأن العسكري ولا يعنى بالعملية السياسية كما نص بذلك إعلان جدة، فأين المشكلة؟ أضِف إلى ذلك أنّ مؤتمر القاهرة للقوى السياسية والمدنيةّ، في 6 يوليو الماضي، أكد على ضرورة الالتزاح بإعلان جدة والنظر في آليات تنفيذه وتطويره لمواكبة مستجدات الحرب، واجتماع جنيف مؤهلٌ للنظر في هذه الأليات.
IV. طبيعة وفد الحكومة التفاوضي
إحدى نقاط الخلاف بين الوفدين هي طلب الإدارة الأمريكية أن تَغلُب المشاركة العسكرية في تشكيل وفد الحكومة للمفاوضات وأن يرأسه قائد عسكري برتبة رفيعة بحيث يكون مُفوضاً تفويضاً كاملاً لاتخاذ القرارات. فالمبعوث الأمريكي يرى أنَّ جنيف ستكون منبراً بتمثيل أعلى وأرفع من الجانب الأمريكي وجميع الشركاء الذين سيشاركون في المنبر، وأنهم يتوقعون مثل ذلك من القوات المسلحة. في ظني أنَّ هذه نقطة يمكن تجاوز الخلاف حولها بتقديم الاقتراحات العملية على نهج مفاوضات نظام الإنقاذ مع الحركة الشعبية شمال. حينئذٍ كان وفد الحكومة يقوده الأمين العام للحزب الحاكم بينما يرأس المفاوضات في الشأن العسكري رئيسا هيئة الأركان من الجانبين (الفريقان عماد عدوي وجقود مكوار). بجانب أنَّ رئيس وفد مفاوضات الحكومة الانتقالية مع الحركات المسلحة في جوبا كان برئاسة الفريق حميدتي قائد قوات الدعم السريع، ولو أنَّه كان نائباً لرئيس مجلس السيادة. ومع ذلك، فالتفاوض في المرحلة الثانية بحسب مقترح خارطة طريق الحكومة سينتقل إلى مناقشة قضية توصيل المساعدات الإنسانية مما قد يستدعي أن يقود الوفد من تراه مؤهلاً من بين صفوفها. وما قد يحسب على موقف الحكومة المعارض لرئاسة قائد عسكري لوفد التفاوض أنَّ وفد الحكومة في مفاوضات جدة كان بقيادة اللواء أبوبكر فقيري بينما ترأس وفد الدعم السريع العميد عمر حمدان (ضابط بالجيش كان ضمن المنتدبين لقوات الدعم السريع).

خلاصة الأمر أنَّ توجه الحكومة برفض المشاركة في مفاوضات جنيف يتناقض مع مضمون وروح تقرير رئيس وفد الحكومة لمحادثات جدة الثنائية ولا يصب في مصلحة السودان والسودانيين المتعلقة آمالهم بوقف الحرب وعودتهم إلى ديارهم. ينبغي على الحكومة الدفع بما حققته من منجزات في هذه المحادثات وما انتزعته من مكاسب خلالها - بحسب تقرير رئيس الوفد - قد تفقدها بمقاطعة المفاوضات المرتقبة. إنَّ هذا الرفض يعني ضمنياً رفض الوساطة الأمريكية بعد أن تمَّ ترفيعها بالتدخل المباشر لوزير الخارجية وبدخول البيت الأبيض على الخط وتعيين الرئيس لمبعوثٍ خاص، كما سيَهُزُّ مصداقية الحكومة نفسها. فهل خسارة أمريكا وأطراف أخرى في المجتمع الدولي تصب في مصلحة البلاد؟

د. الواثق كمير

kameir@yahoo.com  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الحکومة السودانیة قوات الدعم السریع الجانب الأمریکی المبعوث الخاص مفاوضات جنیف وفد الحکومة رئیس الوفد تقریر رئیس الحکومة فی إعلان جدة

إقرأ أيضاً:

الدعم السريع يدمر حاضر السودانيين وقادة الجيش والإسلاميون يدمرون مستقبلهم

منذ ١٧ شهراً، يعيش السودان في صراع مستمر، حيث يجد السودانيون والسودانيات أنفسهم في مواجهة تدمير آني لحاضرهم ومستقبلهم بواسطة أولئك المناط بهم حماية مصالحهم ومن يدعون ذلك.

قوات الدعم السريع والحرب على حاضر السودان

تُعتبر قوات الدعم السريع رمزاً للدمار وعدم الاستقرار في حياة السودانيين. نشأت هذه القوات في إطار نظام الإسلاميين كقوة غير نظامية لها نفوذ واسع، وبدأت عملياتها بتدخلات مدمرة في دارفور، وامتدت تأثيراتها لاحقاً إلى مناطق أخرى، مخلفةً وراءها آثاراً كارثية على حياة الناس ومؤسسات الدولة والمجتمع.
لم تقتصر هجمات قوات الدعم السريع على الاشتباكات المسلحة فقط، بل طالت أيضاً حياة المدنيين وممتلكاتهم، والأنظمة الاجتماعية، والخدمات الأساسية، مما أدى إلى تدمير البنية التحتية وتشتيت السكان ونهب الموارد. وفي ظل سيطرتهم، أصبح من الصعب على المواطنين العيش بأمان أو السعي لكسب العيش، فقد قتلت الناس وهتكت عروضهم ونهبت أموالهم ودمرت سبل حياة الناس بالكامل. هذا الدمار الذي يطال الحاضر لن يختفي بسهولة، إذ أن آثاره الاجتماعية والنفسية والاقتصادية ستستمر لتؤثر على الأجيال القادمة، تاركةً وراءها جروحاً يصعب التئامها.

قيادة الجيش والإسلاميون وظلالهم على مستقبل السودان

بينما تدمر قوات الدعم السريع الحاضر، يُعَرِّض قادة الجيش والإسلاميون مستقبل السودانيين للخطر. فبدلاً عن بناء جيش وطني موحد، تعتمد قيادة القوات المسلحة والإسلاميون على تعزيز شبكات من الميليشيات القبلية والمناطقية كقوة موازية للدعم السريع، وبعض هذه المليشيات لها امتدادات قبلية مع دول جارة. المفارقة هنا أن هذا النهج ذاته تسبب في معضلة الدعم السريع، الذي يتمتع بعلاقات خارجية مستقلة وموارد مالية وقوانين خاصة.
تشكل هذه التحالفات بين قيادة الجيش والاسلاميين والميليشيات الجديدة هذه والقديمة تهديداً للاستقرار الوطني. فعندما تعتمد المؤسسة العسكرية الأولى في البلاد على الميليشيات، فإن ذلك يقضي على أي فرصة لبناء دولة قوية متماسكة. والأدهى من ذلك، يساهم هذا الأسلوب في تحويل السودان إلى مجتمع مليء بالانقسامات والصراعات الداخلية.
ومن منظور سياسي، فإن استراتيجيات قادة الجيش والإسلاميين تلقي بظلالها على الحكم في البلاد، إذ يركزون على تأمين سلطتهم من خلال تقوية نفوذ الميليشيات بدلاً من السعي لتأسيس نظام ديمقراطي أو حتى نظام عسكري متماسك داخلياً. نتيجةً لذلك، يصبح الانتقال إلى الاستقرار في السودان أكثر صعوبة، ويظل السودان محصوراً في دائرة مغلقة من الانقسامات، مما يعطل أي محاولة جادة لإقامة دولة قائمة على الوحدة وذات استقرار نسبي.

تأثيرات مزدوجة على المجتمع السوداني

وفي ظل هذا الواقع، يجد المواطنون السودانيون أنفسهم في وضع مأساوي. بينما تسلب قوات الدعم السريع الاستقرار من الحاضر، تضمن قيادة الجيش والإسلاميون مستقبلاً مليئاً بالتشظي والانقسامات. هذا الصراع المتبادل يهدد المجتمع السوداني بأكمله، ويمنع أي تقدم حقيقي نحو بناء دولة تحترم مواطنيها وتسعى لتحقيق تطلعاتهم. وبدلاً من أن يكون الجيل الجديد حاملاً لراية النهوض بالوطن، يجد نفسه ضحية لصراع لم يختاره، مما يدفعه إلى الهجرة أو الانخراط في نزاعات لا دخل له فيها. في ظل هذا الوضع، يتم تهميش قطاعات التعليم والرعاية الصحية والتنمية الاقتصادية، فتُترك الأجيال القادمة دون أي أساس قوي لبناء سودان مستقر وربما لا وجود للسودان الذي نعرفه حاليا.

ما يواجهه السودان اليوم هو أزمة وجودية تتطلب تدخلات حاسمة من أجل إعادة بناء مؤسسات الدولة على أسس قومية موحدة، بعيداً عن النزعات القبلية والتحالفات المؤقتة. الحلول قد تكون بعيدة المنال حالياً، لكنها تبدأ بوعي المجتمع السوداني بمخاطر هذه السياسات والسعي للوحدة الوطنية، إضافة إلى ضغط المجتمع الدولي لدعم السودان في سعيه لتحقيق السلام والاستقرار.

mkaawadalla@yahoo.com

محمد خالد  

مقالات مشابهة

  • الخارجية السودانية تتهم الدعم السريع بقتل 120 مدنيا بولاية الجزيرة
  • «القاهرة الإخبارية»: الدعم السريع يستهدف قرى شرق جزيرة السودان
  • السودان: قيادي أهلي يكشف عن «هجوم ضخم» من الدعم السريع على الفاشر
  • اتهامات للدعم السريع بالتحضير لهجوم على شمال دارفور
  • بعد حصار الدعم السريع ... 79 قتيلا بولاية الجزيرة السودانية
  • النازيون السمر.. الدعم السريع وهولوكوست التوحش في السودان
  • أطراف الحرب السودانية ترحّب بفوز «ترامب» بالانتخابات الأمريكية
  • الدعم السريع يدمر حاضر السودانيين وقادة الجيش والإسلاميون يدمرون مستقبلهم
  • الحكومة السودانية تلاحق وتقاضي دول جديدة متورطة في دعم قوات الدعم السريع
  • اتهممها تسليح الدعم السريع..السودان يشكو تشاد لدى الاتحاد الإفريقي