إن علاقة الأبناء والآباء فى مرحلة المراهقة لغز يحتاج لفك شفراته حتى نجتازصعوبته، ولكى تنجح هذه العلاقة وجب على الأباء معرفة أسس كيفية بناء جسور الثقة بينهم وبين الأبناء وتشييد دعائم الصراحة والوضوح ومشاركة التفاصيل بلا مخاوف. إن من سمات هذه المرحلة إنغلاق الأبناء على أنفسهم ووضع حواجز حول مساحة خصوصيتهم وبالتالي يفقد الأباء تفاصيل يوم أبناءهم بعد أن كانوا متابعين ومتداخلين في حياتهم بسلاسة من قبل في مرحلة الطفولة.
فعلينا إدراك بأن المراهق يمر بمرحلة انتقالية من مرحلة الاعتمادية والتبعية للاهل في الطفولة لعدم قدرته على رعاية نفسه الى مرحلة الاستقلالية والنضج، ففي هذه المرحلة تتطور قدرات المراهق ويكتسب مهارات تؤهله للاعتماد على نفسه ويبدأ إستقلاله عن الأهل فى بعض التفاصيل الحياتية. فبالتالي يقل إحتياج المراهق للرعاية الأبوية عن مرحلة الطفولة من ثم يقل تعلقه بالآباء والأمهات ويستقل عنهم تدريجيا ويبدأ فى تكوين حياته الاجتماعية من خلال الأصدقاء فيبتعد الأبناء عن الأهل ويتقربوا من أبناء جيلهم.
وتتميز هذه المرحلة أيضا أنها بداية حب الذات وحب الظهور والتميز بين الأقران والانشغال بالمظهر الخارجي ليلقى القبول من الجنس الآخر وانجذاب كل جنس للجنس الآخر عكس مرحلة الطفولة، وتتزامن فترة المراهقة مع فترة البلوغ الجنسى والتى تتسم بكثير من التغيرات الفيزيولوجية والاجتماعية.
على الأهل معرفة سمات هذه المرحلة لدى أبناءهم من التوسع الاجتماعى والاهتمام بالمظهر الشخصى والاندماج مع شخصيات خارج الأسرة والاستقلالية عنها، واختيار الاصدقاء والميل الى الانضمام الى جماعات مختلفة، وانفتاح الميول والاتجاهات، وبدأ الوعى بالشعور بالمسئولية الاجتماعية.
كما تزداد الرغبة فى الاكتشاف والفضول وتجربة ما فى الحياة على اعتبار أنها ملاهي كبيرة يرغب المراهق تجربة لعبة تلو الأخرى، وعندما يتم الرفض من الأباء لتجربة ما لخطورتها أو لحذر الأباء، يقرر المراهق عدم مشاركتهم أوأخذ رأيهم، ويبدأ فى الانغلاق ويعتبرهم عرقلة فى طريق متعته وتقييد لحرياته وتقدمه فى الحياه بانسيابية، ويرى أيضا ان هذا الرفض قصور في تفكير الأهل وعدم تفهمهم الحياه المعاصرة والتغيرات التي حدثت بها، ويرى كل طرف محدودية أفكار الآخر.
وبالتالي يتمرد الأبناء على النفوذ والسلطة الأبوية التي يعتبرها المراهق قيود للحرية وتدخل فى استقلاليتهم، ولا يستوعب الآباء هذه النقلة الحتمية التي تقود الابن المراهق للتطور من الطفولة الاعتمادية الى المسئولية والنضج، وإن هذا الفضول والجرأة على الانفتاح للعالم الخارجيى هو الدافع لتأهيل الشاب للإندماج في المجتمع لتحمل أعباء حياه كاملة ومواجهة تحدياتها. هذه التغيرات المتلاحقة والتقلبات فى المزاج التي لا يستوعبها الأباء تتسبب في فجوة بينهم وبين الأبناء حيث يشعر الأبناء أنهم غير مفهومين ويشعر الأباء بأن أبناءهم يخرجون عن سيطرتهم وتفقد الأسرة وحدتها لغياب تفهم كل طرف لرغبات واحتياجات الأخر والاسباب والدوافع وراء سلوك كل طرف.
ومن هذا المنطلق ولمزيد من الإستيعاب ادعوكم لمشاهدة فيلم "حادثة عائلية غريبة" (Family Switch)، حيث يتبنى الفيلم شعار ضع نفسك مكان الآخر، ويدور الفيلم حول معضلة تفهم أفراد الاسرة لبعضهم، ويطرح فكرة تبادل أفراد الأسرة الأدوار حيث يتسبب لقاء عجوز غامضة فى تبديل الأجساد بين الأم وإبنتها، وبين الأب وابنه، وبين الطفل الرضيع وكلب الأسرة. فعندما تتبادل أفراد الأسرة الأدوار يتفهم كل فرد رغبات واحتياجات الطرف الآخر ويدرك اسباب ودوافع ومبررات سلوكه فيستوعب كل طرف مبررات سلوك الآخر وتستعيد الأسرة وحدتها مرة أخرى.
فعندما نتفهم طبيعة هذه المرحلة، والتي يبدأ فىها الصدام بين الأهل والأبناء بسبب بدأ المراهق تكوين رأى يخالف رأيهم وانفتاحه على أفكار جديدة مختلفة والرغبة فى تبنيها، فيختلط فيها على الأهل الشعور بالإهانة وبين شعورهم بالخوف والحرص على المراهق من عواقب تبني أفكار يمكن أن تؤدي الى عواقب سلبية، فعندما يفرق الأهل بين الاهانة من خروج الابناء من تحت السيطرة وبين الحرص عليهم من عواقب اخطاءهم وأن أبناءنا ليسوا إمتداد لنا ولكنهم أنفس مستقلة لهم تجربتهم الخاصة، حينها تخف حدة صعوبة هذه المرحلة.
فكما قال جبران خليل جبران: "أولادكم ليسوا لكم أولادكم أبناء الحياة المشتاقة إلى نفسها، بكم يأتون إلى العالم، ولكن ليس منكم، ومع أنهم يعيشون معكم فهم ليسوا ملكا لكم. أنتم تستطيعون أن تمنحوهم محبتكم، ولكنكم لا تقدرون أن تغرسوا فيهم بذور أفكاركم، لأن لهم أفكاراً خاصة بهم".
فلندرك أن مرحلة المراهقة بمثابة مرحلة تدريبية على الاستقلال والمسئولية يحتاج فيها الأبناء للتوجيه والإقناع والمتابعة من الآباء فى ظل تدربهم على ممارسة المسئولية المستقلة، فعلينا كأباء وأمهات إدراك الفرق بين الرعاية والسيطرة وبين التوجيه والتحكم وبين المسئولية تجاه الأبناء وتملكهم.
فرعايتنا لأبناءنا تتمثل فى التواجد فى حياة أبناءنا بشكل فعال وتوفير الحب والرغبات والاحتياجات والمساندة، وبذل الجهد في التنشئة والتربية على القيم والمباديء والاخلاق وغرس السليم منها فى نفوسهم، وإيضاح المفاهيم الصائبة من الخاطئة وعواقب كل منها فى الحياه، وفي نفس الوقت إعطاء المراهق حرية منظمة باطر وحدود الدين والعرف والتقاليد، وأن تحكم هذه الحرية بالرقابة والمتابعة وتعزز بالمساندة والتوجية والتحفيزعلى السلوكيات السليمة وضبط السلوكيات الخاطئة بالعقاب المعتدل الذي لا يصل بالمراهق للقسوة أو الأذية البدنية او المعنوية، أما تقييد حريته للخوف من استغلالها بصورة سلبية هو عين السيطرة وسلب حقه فى عيش تجربته فى الحياه.
فتوقع الكمال من مراهق بدون السماح له بالخطأ وتجريمه على هذا بدون إعطاءه الفرصة للتعلم من خطأه وتوجيهه للصواب ومطالبته بالاختيارات السليمة فقط، هو سلب لحقه في عيش تجربته والتعلم منها، ودورنا هو توفير هذا الحق في خوض تجربته في مناخ أسرى مستقر و تحت رعايتنا وإشرافنا على كل العوامل المؤثرة فى مرحلة المراهقة من الأصدقاء ووسائل الإعلام والثقافة وإعطاءة فرصة التدريب العملي على ممارسة تحمل المسئولية وعلى التفاعل مع واقع الحياه بالمباديء والقيم والسلوك القويم التي غرسناها فى التنشئة الأولى فى حياته، فخروج المراهق من السيطرة هو التطور التدريجى نحو دخوله نطاق المسئولية الواعية، وبداية حياته المستقلة التي يستطيع أن يقودها بنجاح وثقة.
المصدر: الأسبوع
كلمات دلالية: المراهقة مراهقون مقالات هذه المرحلة کل طرف
إقرأ أيضاً:
«أمهات مصر» تناقش تأثير الذكاء الاصطناعي وتدعو لتوعية الأبناء بمخاطره
وجهت عبير أحمد، مؤسس اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم وائتلاف أولياء الأمور، تساؤلاً لأولياء الأمور من الأمهات: «كيف يمكننا حماية أولادنا من مخاطر الذكاء الاصطناعي؟ وهل تقومون بمتابعتهم أثناء استخدامهم للتكنولوجيا وتوجيههم؟ شاركونا بتعليقاتكم وتجاربكم».
وقالت عبير أحمد، في تصريحات صحفية، أصبحت التكنولوجيا الحديثة جزءًا أساسيًا من حياتنا اليومية، وتوفر فرصًا تعليمية لا حصر لها، لكنها تحمل في طياتها مخاطر كبيرة إذا لم يتم استخدامها بحذر، ومن الضروري توجيه الأطفال والمراهقين لاستخدامها بطريقة آمنة.
وأكدت عبير على أهمية تخصيص وقت يومي من قبل الأسرة، وخاصة الأمهات، لمراجعة الأنشطة التي يقوم بها الأبناء والتأكد من نوعية المحتوى الذي يتابعونه، كما دعت إلى توعية الأطفال بمخاطر إساءة استخدام الذكاء الاصطناعي و العمل علي تعزيز الثقة بين الآباء والأبناء، وأتباع نهج متوازن يجمع بين التوعية والرقابة خاصة في سن المراهقة.
ودعت مؤسس اتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم وائتلاف أولياء الأمور، المديريات التعليمية إلى التنبيه على المدارس بضرورة تنظيم دورات وورش عمل مخصصة لتعريف الطلاب بأهمية الأمان الرقمي، وكيفية استخدام التطبيقات التكنولوجية بشكل مسؤول، كما أكدت على أهمية التعاون بين المدارس وأولياء الأمور لضمان متابعة دقيقة لسلوك الطلاب.
وتفاعل عشرات الأمهات من أولياء الأمور علي صفحة إتحاد أمهات مصر للنهوض بالتعليم، وإئتلاف أولياء الإمور، في الفيسبوك، حيث قالت ولي أمر: "لازم فعلا نتابع أولادنا انا بتابعهم على طول وبمسك التليفون بتاعهم ولو اى تجاوز منهم بعاقبهم وبخده فترة وبعد كده خلاص، بتابع تانى ورابطة الموبايل بتاعهم على الموبايل بتاعى عشان اولادنا فى سن خطر لازم نركز معاهم دول ميراثنا فى الدنيا ربنا يحفظهم ويبارك فيهم يارب".
وأضافت ولي أمر أخري: " الذكاء الاصطناعي ده كارثة كبيرة لاولادنا على قد ماهو مفيد لكن كلة أضرار لازم على كل ولي امر يتابع أولاده، ويشوف ازاى بيتعامل مع التكنولوجيا ده بتاخد أولادنا مننا، وبيديهم معلومات متناسبش عادتنا ولا تقاليدنا احنا مجتمع شرقى ولينا عادات اتربينا عليها والذكاء الاصطناعي ده منفتح على العالم الاخر وأولادنا بتنبهر بالأفكار الجديدة والغريبة اللى متناسبش، مجتمعنا رجاء من كل أب وأم ياخدوا بالهم من اولادهم ويركزوا معاهم ويتابعوا اولادهم بيتكلموا مع مين وبيقولوا ايه وبياخدوا منهم ايه اولادنا فى سن خطر والتكنولوجيا بقت فى كل حياتنا ربنا يحفظ اولادنا جميعا يارب".
واستكملت ولي أمر أخري: " الموضوع سلاح ذو حدين ولكنه حقيقه مرعب للغايه، لو هننظر للموضوع من الناحيه الايجابيه الذكاء الاصطناعي هيمدهم بكل المعلومات اللي هيحتجوها في مذاكرتهم وعنده معلومات هائله ومفيده جدا، ولو هننظر للذكاء الاصطناعي بالمنظور الآخر فهو خطر كبير وخاصه علي الاطفال والشباب بسن المراهقه لانه عنده أجابه لاي وكل شئ سواء ديني أو وجودي أو معرفي خاص بمنطقه مظلمه كان من المفترض أن الأولاد بحكم التطلع بيسألوا فيها الأم والأب لكن، حاليا الذكاء الاصطناعي هيحل محلهم وهنا يدق ناقوس الخطر ولازم كل أب وأم يخلوا بالهم كويس ويتابعوا اولادهم متابعة مستمره".