قد تتفاجأ إذا ما علمت أنّ معظم ما يجري اليوم في الإقليم من تصعيد سياسي ودبلوماسي وعسكري، وإستعراض للأوراق والخيارات المتاحة لاسيما بين إيران وأذرعها من جهة، وإسرائيل والولايات المتّحدة من جهة أخرى، إنما يتمحور في حقيقة الأمر حول الملف النووي الإيراني. في فترة من الفترات كان هذا الملف يتصدر ملفات النقاش بين الدول الكبرى، ويحتل المرتبة الأولى في لائحة القضايا التي يتم التفاوض عليها مع إيران.

ولذلك، فقد كان الملف النووي يتصدر عناوين الصحف والمجلات، ويشغل الحسابات السياسية لدول المنطقة والمجتمع الدولي.

بعد أن تمّ التوصل إلى إتفاق بين إدارة أوباما والنظام الإيراني في العام 2015، شعرت العديد من دول المنطقة بمخاطر هذا الاتفاق لاسيما أنّه كان قد تمّ على حساب التغاضي عن دور إيران في سوريا والتوسّع الإقليمي للنظام الإيراني. وبالرغم من أنّ إدارة أوباما كانت قد إدّعت أنّ الاتفاق يقطع كل الطرق المتاحة لإيران لإمتلاك سلاح نووي، إلاّ انّ الاتفاق في حقيقة الأمر شرّع البرنامج النووي الإيراني بعد انّ غير شرعي، وعزّزه، ورفع الكثير من القيود الأمميّة على طهران بما في ذلك القيود المفروض على تصديرها للسلاح وعلى برنامجها الصاروخي.

عندما جاء ترامب إلى البيت الأبيض، قام بتمزيق الاتفاق ورفع الضغط السياسي والمالي والدبلوماسي على طهران الى أقصى حد، كما قام برد حازم على التصعيد الإيراني ضد المصالح الأمريكية في المنطقة. وكان ممّا فعله أن حيّد أكبر سلاح في ترسانة إيران للتوسّع الإقليمي خلال العقود الماضية الإقليمية عندما قتل قاسم سليماني، مسؤول فيلق القدس في الحرس الثوري الإيراني، والرجل الأبرز في إيران. مشكلة النظام الإيراني مع ترامب أنّه لم يكن رئيساً تقليدياً. الرؤساء السابقون كانوا بمثابة كتاب مفتوح لإيران، ولذلك من كان من السهل قراءة سياساتهم وتوقّع إجراءاتهم والتحضير لسياسات مضادة لها.

نتنياهو هو من يريد إشعال حرب كبيرة مع إيران وأذرعها ليس لكشف إيران فقط، وإنما لأنّ مصلحته الشخصية تقتضي ذلك، ولأنّ حرباً من هذا النوع ستؤدي الى دخول الولايات المتّحدة المعركة الى جانب إسرائيل، وسيضمن ذلك لتل أبيب ليس فقط توجيه ضربات لإيران، وإنما تدمير البرنامج النووي، وربما تغيير النظام أيضاً.في حالة ترامب، لم يكن ذلك ممكنا على الإطلاق. لم يستطع النظام الإيراني معرفة طريقة تفكيره، وحساباته، وهل من الممكن تخمين أو توقّع خطوته القادمة. وبالتالي، لم يكن النظام الإيراني جاهزاً للعبة ترامب، وقد كان من الخطر بمكان الذهاب إلى سياسة حافة الهاوية معه لأنّ إيران قد تصبح الخاسر الأكبر.

عندما وصل جو بايدن الى سدّة البيت الأبيض، سعى إلى إعادة تفعيل الاتفاق، لكن المشكلة كانت أنّ الطرفين ليسا في موقع يخوّلهما العودة ببساطة إلى النص السابق. ولذلك، فقد كان هناك حاجة إلى التفاوض مجدداً على إطار جديد. الولايات المتّحدة تريد إدراج مواضيع أخرى كبرنامج إيران الصاروخي وسياساتها الإقليمية، وإيران لا تريد إدراج هذه المواضيع على طاولة المفاوضات وتريد ضمانات مؤكدة ألاّ يحصل ما حصل معها سابقاً. أجرى الطرفان عند جولات غير مباشرة من المفاوضات انتهت إلى لا شيء.

ولأنّ هذه السنة كانت سنة جو بادين الرابعة، عزفت إيران نهاية العام الماضي وبداية هذا العام عن التفاوض، إذ لا مصلحة في عقد إتفاق مع إدارة في وضعية "البطّة العرجاء" كما يُقال. وفي المقابل، خفّفت طهران من وتيرة تخصيب اليورانيوم، فتوارى الملف النووي عن النقاش العام. وكانت طهران أنجزت إتفاق تطبيع للعلاقات مع السعودية برعاية الصين العام الماضي، فضمن لها ذلك إغلاق جبهة الخليج، مما سمح لها بالتفرغ للضغوط المحتملة الأمريكية أو الإسرائيلية. كما عكفت إيران بموازاة ذلك على تطوير أوراق قوّتها الأخرى التي لم تستطع إستخدامها عندما كان ترامب رئيساً، كحزب الله، والحوثي على وجه التحديد، وذلك تحضيراً لمرحلة ما بعد الانتخابات الأمريكية، وإحتمال عودة ترامب. عندها، تكون طهران مستعدة إمّا لسيناريو مفاوضات من موقع قوي، أو لسيناريو معركة من موقع قوي، وفي كلتا الحالتين، تحاول كسب الوقت لإمتلاك القنبلة النووية.

ما حصل هو أنّه وأثناء تحضير إيران لاوراقها، حصلت عملية 7 أكتوبر وإندلعت الحرب الإسرائيلية على غزّة. أعلنت إيران وحزب الله بشكل صريح ألاّ علاقة لهما بما حصل في 7 أكتوبر، وقررتا عدم الدخول في الحرب بعد أن كان البعض يتوقّع أن يرميا بكل ثقلهما في المعركة خلف حماس. وما أن إشتدت المعركة وبدأت إسرائيل تغرق في غزة جرّاء جرائمها، حاولت إيران وأذرعها الاستفادة من الوضع لتحسين صورتهم، ولتسجيل نقاط ضد إسرائيل، ولإختبار مدى جهوزية المحور الإيراني لإمكانية قدوم ترامب. وبناءً عليه قررت إيران أن تجري بعض العمليات المحدودة جداَ والمدروسة بعناية كي لا تتجاوزها أهدافها.

لكن ما حصل هو أنّ إسرائيل رفضت أن يتم استغلالها لكي تحقق إيران أهداف دعائية، وقررت أن تكشف هذه اللعبة من خلال سياسة حافة الهاوية. وعليه، صعّدت إسرائيل بشكل كبير وغير محدود ضد حزب الله وإيران، لدرجة أصبح واضحاً للجميع أنّ من كانوا يدعون إلى فتح الجبهة والحرب الشاملة، أصبحوا يريدون فقط "رد إهانة الاغتيال" وليس التصعيد أو الحرب كما قال المسؤولون الإيرانيون، فضلاً عن أن يكون دعم حماس او تحرير فلسطين. وهذا ما يفسّر كذلك عدم وجود ردود فعل حقيقة من حزب الله، والردود البهلوانية الاستعراضية من إيران.

وتبيّن كذلك أنّ نتنياهو هو من يريد إشعال حرب كبيرة مع إيران وأذرعها ليس لكشف إيران فقط، وإنما لأنّ مصلحته الشخصية تقتضي ذلك، ولأنّ حرباً من هذا النوع ستؤدي الى دخول الولايات المتّحدة المعركة الى جانب إسرائيل، وسيضمن ذلك لتل أبيب ليس فقط توجيه ضربات لإيران، وإنما تدمير البرنامج النووي، وربما تغيير النظام أيضاً.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه إيران الإسرائيلية إيران إسرائيل علاقات رأي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة النظام الإیرانی إیران وأذرعها الملف النووی المت حدة ما حصل

إقرأ أيضاً:

كاتب إسرائيلي يكشف سبب التحركات الإسرائيلية وعلاقتها بـمزاج ترامب

أكد الكاتب والمحلل السياسي البارز في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع، أن "ثورة ترامب" وما يجري في الولايات المتحدة منذ الانتخابات في تشرين الثاني/ نوفمبر هو الثورة، وفي هذا لم يعد يوجد جدال. 

وأضاف الكاتب في مقال له أن "ترامب يغير من الأساس في سلم الأولويات والقيم والسياسة وقواعد اللعب، ومزاجه الثوري يحطم مسلمات، حتى في الجبهة الداخلية وفي الجبهة الخارجية أيضا".

وأوضح أن "المؤسسة السياسية الأمريكية في صدمة؛ والأسرة الدولية في صدمة، ولم يتولى في أمريكا رئيس تصرف مثله ولا حتى ترامب نفسه في ولايته الأولى، الجدال هو على الهدف النهائي: ثمة من يقدر بأن الشيطان ليس رهيبا جدا – خطوات ترامب الفظة هي فقط مواقف مساومة وطريق واع لتحقيق صفقات أفضل وللخروج من حرب في أوروبا لا أمل في الانتصار فيها؛ وثمة من يصرخ بأن الشيطان رهيب بالذات، ونهايته أن يجلب خرابا على أمريكا وعلى الغرب بل وحتى حرب عالمية ثالثة".


وأضاف أن "الزيارة البائسة لرئيس أوكرانيا في البيت البيض توفر مادة للطرفين في الجدال، وتسلسل الأحداث كما جاء في تقارير سي.ان.ان يشير إلى كمين مخطط له: عندما خرج الرئيس الأوكراني من سيارته، وهو يرتدي على عادته منذ بداية الحرب، ملابس سوداء، تشبه البزات العسكرية، قال ترامب بتهكم للصحافيين: "هو يتخفى حقا اليوم". 

وبين أن "أناس ترامب دفعوا إلى الامام، بخلاف الأنظمة، مراسلا لشبكة نائية داعمة لترامب، فقد أرسل المراسل كي يعرض على زيلنسكي سؤالا من مجال الموضة: لماذا لا ترتدي بدلة؟".

واعتبر الكاتب أن هذه "كانت هذه المحطة الأولى في الخازوق، بعدها جاءت الإهانة، على لسان نائب الرئيس فرانس ولسان ترامب نفسه، وفي النهاية طرد الحاشية الأوكرانية من البيت الأبيض بدون وجبة الغداء الموعودة".

وأضاف أن "من يؤمن بأن كل شيء تكتيك، في الطريق إلى عقد الصفقات، سجل أمامه أن زيلنسكي أصدر على الفور بيانا متملقا، في لقاء قمة في لندن، عمل على خطة جديدة لوقف نار تعرض على ترامب؛ ومن يؤمن بأن كله استراتيجية، عبر خيانة الخلفاء وتغيير موازين القوى في العالم سجل أمامه الفزع في أوروبا والفرح في موسكو".

وأوضح أن "إيلون ماسك، الطليعي الذي يقفز أمام المعسكر تبنى تغريدة تدعو إلى حل الناتو، وعندما تكون أمريكا وروسيا ينسقان بينهما من يحتاج إلى الناتو؟ خسارة على المال".


واعتبر أن "ترامب، كما يدعي منتقدوه، يسعى إلى إقامة حلف الزعران هو وبوتين ورئيس الصين، وثلاثتهم سيتقاسمون فيما بينهم مناطق النفوذ في العالم: بوتين يسيطر على شرق أوكرانيا، ولاحقا على أوكرانيا كلها وصولا إلى بولندا، الصين تحتل تايوان، وترامب يحصل على غرينلاند، والاتحاد الأوروبي يتقلص أو يختفي، وأحزاب فاشية جديدة على نمط هنغاريا أوربان تسيطر في أوروبا".

وأكد أن "هذا عالم يمكن لحكومة إسرائيل أيضا أن تنخرط فيه: فهو يحترم القوة، والقوة في هذه اللحظة في أيدينا؛ هو يحترم السيطرة على مناطق، والمناطق في هذه اللحظة في أيدينا؛ هو ينفر من القيم الديمقراطية القديمة، من حقوق الإنسان، من المعاناة الإنسانية، من العدالة والقضاء، والنفور في هذه اللحظة في أيدينا".


وأكد أنه "بالفعل، الحكومة تسمح لنفسها بأن تتخذ خطوات ما كانت لتطرأ على البال في فترات ولاية رؤساء أمريكيين سابقين، ديمقراطيين وجمهوريين، والقائمة طويلة: خرق الاتفاق الذي وقعته في إطار صفقة المخطوفين؛ حيازة نقاط في دخل أراضي سوريا والإعلان إننا سنبقى هناك إلى الأبد؛ والتهديد علنا بالتدخل في المواجهة بين النظام السوري والدروز في بلدة جرمانا قبل دمشق".

وبين أن ذلك يتضمن "حيازة نقاط في داخل أراضي لبنان بخلاف اتفاق وقف النار؛ وطرد آلاف السكان من مخيمات اللاجئين في الضفة في المنطقة "أ"، وأمر الجيش الإسرائيلي بالبقاء فيها؛ ومنع المساعدات الإنسانية من الدخول إلى غزة؛ والتنكر للمرحلة الثانية من المفاوضات وترك 59 مخطوفا، أحياء وأموات لمصيرهم".

وذكر أنه "في المدى القصير قد يكون هذا مجديا، طالما ترامب يساند إسرائيل فإنها تتمتع بالحصانة، لكن، مثلما تعلم زيلنسكي على جلدته، تأييد ترامب هو موضوع متملص، وعندما شاهد نتنياهو بث الخازوق في البيت الأبيض أقدر بأن بطنه قرقعت، فقبل بضعة أسابيع فقط جلس على الكرسي ذاته، حين لا تكون قيم مشتركة الخيانة تنتظر دوما خلف الزاوية".

وختم الكاتب بالقول: "ربما بسبب البطن التي تقرقع له يسارع لأن يقرر حقائق على الأرض، من غزة حتى نابلس حتى سوريا حتى لبنان: فمن يدري ماذا سيكون مزاج عظيم أصدقاء إسرائيل غدا".

مقالات مشابهة

  • الوكالة الدولية للطاقة الذرية تناقش تقريرا عن ملف إيران النووي
  • الإعلام العبري يكشف عن أساليب تجنيد إيران للجواسيس في إسرائيل
  • تقرير: خبراء صواريخ روس زاروا إيران وسط الاشتباكات مع إسرائيل
  • تقرير: خبراء صواريخ روس توجهوا إلى إيران خلال مواجهة إسرائيل
  • صحيفة عبرية: إسرائيل تستغل الصراع بين إيران وتركيا حول النفوذ في سوريا
  • كاتب إسرائيلي يكشف سبب التحركات الإسرائيلية وعلاقتها بـمزاج ترامب
  • لماذا قررت إسرائيل إيقاف دخول المساعدات الإنسانية لغزة ولماذا تهدد بالحرب؟.
  • استقالة جواد ظريف .. الذراع الأيمن للرئيس الإيراني وأحد مهندسي الاتفاق النووي
  • إسرائيل تعتقل مواطنا بتهمة التجسس لصالح إيران
  • كاتب إسرائيلي يؤكد اقتراب الاحتلال من اتخاذ قرار بشأن مهاجمة النووي الإيراني