طوفان الأقصى بين مسار التفاوض واستمرار العدوان
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
على مدى أكثر من 7 أشهر نجحت إسرائيل – ونتنياهو تحديدًا – في إحباط أي تقدم يمكن أن تحققه مفاوضات وقف الحرب، وتبادل الأسرى بشكل منهجي وضمن سياسة محددة، منذ قمة باريس الأولى التي عُقدت نهاية يناير/كانون الثاني الماضي بعد أن تمّ تأجيلها، ثم تم إفشالها على خلفية مماطلة نتنياهو في منح صلاحيات لرئيس الموساد ديفيد برنيع.
وفي قمة القاهرة يوم 13 فبراير/شباط، تم إرسال وفد للاستمتاع فقط، كما تم إضافة المستشار الشخصي لنتنياهو أوفير فولك للوفد. وتم إفشال قمة باريس الثانية في 23 فبراير/شباط، وكذلك المفاوضات التي جرت في الدوحة في 16 مارس/آذار، وذلك بتقييد التفويض الممنوح للوفد المفاوض.
لا نية لإبرام صفقةبعد رد حماس الإيجابي على الإطار الذي قدمه الرئيس الأميركي بايدن، رد مسؤول سياسي كبير (نتنياهو) بأن إسرائيل ستواصل الضغط العسكري، وأن هناك ثغرات في الاتفاق. وبعد 3 أيام أصدر نتنياهو بيانًا بشأن الخلافات المتبقية، وأكد استمرار الحرب حتى تحقيق الأهداف والنصر الحاسم.
فيما بعد تم اجتياح رفح؛ بحجة القضاء على 4 كتائب متبقية لحماس فيها. رغم التحذيرات الأميركية، تم السيطرة على محور صلاح الدين، ومعبر رفح بين مصر وغزة والذي تم إغلاقه ومنع أي مساعدات إنسانية عبره، دون أي اكتراث لحجم الضحايا المدنيين، أو أي اعتبار للتحذيرات من استهدافهم.
واضح من هذا السياق، أن إسرائيل غير مكترثة بإبرام صفقة لإنهاء الحرب، أو البحث في شروط إنجازها. كما أن لديها القدرة على تجاوز أي ضغوط خارجية أو داخلية، وذلك لتحقيق الهدف الذي له الأولوية على أي أهداف أخرى وهو استعادة الردع المفقود أمام المقاومة في غزة وفي الإقليم، استعدادًا لاستعادة سياق ترتيب المنطقة وَفق مصالح ورؤية إسرائيل وأميركا.
يمسك نتنياهو بمشهد المفاوضات، ويرسل وفد التفاوض إلى جولات التفاوض ولديه النية والإرادة المسبقة لإفشالها، بالحديث عن النصر الحاسم، واستمرار الحرب، والهدنة المؤقتة لمدة 42 يومًا؛ لاستعادة بعض الأسرى، وتدمير القدرات العسكرية والحكومية لحماس، فضلًا عن الشروط الجديدة في كل جولة تفاوض، وغيرها من الدعاوى.
وإذا تمّ الاقتراب من التوصل لأي اتفاق يتم التنصل منه والتراجع عنه؛ لأن الأمر لا يتعلق بتحسين شروط التفاوض، بل بالاستمرار في الحرب في سياق رؤية إستراتيجية لمواصلة العدوان وتوسيعه – إن أمكن – في خدمة ترتيبات اليوم التالي للحرب، والذي يتعلق بمصير غزة والضفة ومستقبل فلسطين وإسرائيل بشكل عام. وهذه الرؤية الإستراتيجية مشتركه بين إسرائيل والولايات المتحدة الأميركية والغرب عمومًا. وهي عامل أساسي في تجاوز أي ضغوط لإنجاز الصفقة.
الضغوط الداخليةالمجتمع الصهيوني في مجمله ينحرف نحو التطرف، وأكثر من 70% يؤيدون الاستمرار في الحرب، ولا يأبهون بكل الجرائم التي يرتكبها جيشهم في غزة، والاختلاف أساسًا يتمحور حول سُلم الأولويات. أهل الأسرى ومؤيدوهم يعتبرون استعادة الأسرى في صفقة تبادل له الأولوية على استمرار الحرب التي يمكن استئنافها بعد استعادتهم.
وفي كل الأحوال، وما دام لم يتم تعطيل الحياة العامة – كما يطالب باراك رئيس الوزراء السابق – فإن تأثير الشارع الإسرائيلي يبقى ضعيفًا، ويمكن امتصاص غضب الشارع بإرسال وفود التفاوض، وتحميل حماس مسؤوليّة الفشل.
وبعد الإنجازات التكتيكية لإسرائيل باغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران، والشهيد فؤاد شُكر في ضاحية بيروت الجنوبية، خفتت الأصوات المناهضة للحرب، وتحسن موقف نتنياهو الشعبي أمام معارضيه الذين باستعراضهم نستنتج أن معظمهم أكثر تطرفًا منه: "غانتس، ليبرمان، ساعر". وهكذا يبقى استمرار العدوان متصدرًا جدول أعمال إسرائيل.
الضغوط الخارجيةجميع وسائل الضغوط الدولية من المؤسسات الدولية بما فيها الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، ومحكمة العدل الدولية، والمحكمة الجنائية الدولية، لا تشكل عوامل ضغط فاعلة أمام الموقف الأميركي المعارض لتفعيل أي من إجراءاتها. ويبقى الموقف الأميركي هو أساس تفعيل أي ضغوط خارجية على إسرائيل.
وغني عن القول، أن العلاقات الأميركية – الإسرائيلية هي علاقات إستراتيجية أعمق من أن تتحكم فيها العلاقات الشخصية بين المسؤولين، وأكبر من أن تخضع لحسابات تأثيرها على الانتخابات الأميركية.
لذلك فإن إدارة الرئيس الأميركي بايدن ونائبته هاريس – وهي ترى أن مصلحتها الانتخابية في إنجاز صفقة تبادل أسرى تضمن نزع فتيل التوتر الإقليمي الذي تحذر منه وتتجنّبه بكل السبل، وتستعيد بموجبها الأسرى الأميركان، وتحقق نصرًا دبلوماسيًا يساعدها في توحيد قاعدتها الانتخابية – لا تمارس، ولا تريد أن تمارس أي ضغوط على إسرائيل لإنجاز هذه الصفقة.
بل تتمادى في دعم إسرائيل وغض النظر عن كل جرائمها، وإمدادها بكل متطلبات الحرب، بما فيها إقرار صفقة أسلحة بقيمة مليارَي دولار قبل أيام من جولة التفاوض التي جرت في الدوحة مؤخرًا، والتي تقول الإدارة الأميركية إنها الفرصة الأخيرة لإنجاز صفقة التبادل.
نتنياهو يرسل وفده المفاوض للدوحة، وهو يدرك أنه لا توجد كوابح أميركية، وأن السلوك الأميركي في الواقع مختلف عن المواقف الأميركية المعلنة، وأن هذا السلوك الأميركي المتناقض، هو ما يدفع نتنياهو لمزيد من التشدد وإفشال المفاوضات، واستمرار العدوان.
المشكلة ليست في نتنياهو الذي أفشل مقترح الرئيس بايدن، والذي هو مقترح إسرائيلي في الأساس، بل في موقف أميركا التي تقدم كل أشكال الدعم العسكري والسياسي لإسرائيل، وتحمل حماس مسؤولية إفشال الصفقة. لأن الموقف الأميركي ينطلق أساسًا من رؤية الغرب للإقليم، ودور إسرائيل فيه، وأن الحرب في غزة جزء من ملفات المنطقة والحرب الأوسع فيها، حتى يبقى الإقليم خاضعًا للسياسة الأميركية، وتحت سيطرتها في مواجهة التحديات الإقليمية والصراع الدولي مع روسيا، وأيضًا الصين الزاحفة للإقليم.
ومن جانب آخر، فإن استمرار العدوان، وفشل المفاوضات لإنجاز صفقة، وتوسيع الاعتداءات إلى طهران وضاحية بيروت الجنوبية، يحمل ذلك خطر الانزلاق إلى توتر إقليمي كبير مع إيران، يسعى إليه نتنياهو، وتتجنبه الإدارة الأميركية، خاصة في مرحلة الانتخابات.
والحال هذه، فإن السيناريو الأفضل للإدارة الأميركية أن يستمر التفاوض، ويتم الإعلان عن تقدم في المفاوضات واستمرارها؛ لتقليص نقاط الاختلاف. وفي نفس الوقت يستمر العدوان على غزة وإن بوتيرة أخف؛ بهدف كسب الوقت، وتجنب التوتر الإقليمي الكبير، حتى نصل إلى الانتخابات الأميركية.
وهذا يناسب إسرائيل على أمل أن يفوز ترامب؛ ليس لأنّه سيكون الأكثر سخاءً في الدعم السياسي والعسكري، والذي تجاوز فيه بايدن كلَّ الحدود، ولكنه سيكون مع اليمين الجمهوري مطلوبًا في دعم إسرائيل في مرحلة ما بعد وقف إطلاق النار، وترتيب المنطقة، وتصفية القضية الفلسطينية باتجاه التهجير، ليس في غزة فقط، بل في الضفة أساسًا، بعيدًا عن أي كيانية فلسطينية.
ونذكّر هنا برؤية ديفيد فريدمان (سفير ترامب السابق في إسرائيل) الذي دعا إلى اعتبار سكان الضفة الغربية مقيمين في إسرائيل.
إن قوة المقاومة واستمرارها في فلسطين والإقليم سيبقيان العامل الحاسم في تجاوز وإفشال كل هذه المؤامرات.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات استمرار العدوان أی ضغوط فی غزة
إقرأ أيضاً:
تعرف على القيادات الحكومية التي اغتالتها إسرائيل بعد استئناف العدوان على غزة
بعد مرور 85 يوما على اتفاق وقف إطلاق النار بقطاع غزة في 17 يناير/كانون الثاني 2025، نعت حركة المقاومة الإسلامية (حماس) عددا من قادة العمل الحكومي في القطاع، إثر استئناف إسرائيل عملياتها العسكرية في 18 مارس/آذار 2025، وهم رئيس متابعة العمل الحكومي عصام الدعليس، ووكيل وزارة العدل في قطاع غزة المستشار أحمد الحتة، ووكيل وزارة الداخلية اللواء محمود أبو وطفة، والمدير العام لجهاز الأمن الداخلي اللواء بهجت أبو سلطان.
واستأنفت إسرائيل حربها على أنحاء عدة من قطاع غزة بعملية عسكرية سمتها "العزة والسيف" مدعيا أنها تستهدف حركة حماس، وتسبب باستشهاد 356 غزيا فضلا عن مئات الجرحى، فيما حملت حركة حماس رئيس الوزراء اللإسرائيلي بنيامين نتنياهو المسؤولية كاملة عن تداعيات العدوان على غزة.
وذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن القوات الجوية شنّت موجة من الهجمات في جميع أنحاء قطاع غزة، وقالت إن نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس أصدرا تعليمات للجيش الإسرائيلي بالتحرك بقوة ضد حركة حماس في غزة.
كما نقل موقع أكسيوس الأميركي عن مكتب نتنياهو تأكيده أن إسرائيل استأنفت عملياتها العسكرية في غزة "بعد رفض حماس مرة تلو الأخرى إعادة مخطوفينا ورفض عروض الوسطاء".
ولد عصام الدعليس عام 1966 في مخيم جباليا الواقع شمال شرق قطاع غزة، وينحدر من عائلة هُجرت من مدينة أسدود المحتلة.
إعلاننشأ في مخيم النصيرات وسط القطاع، وهو متزوج وله 6 أبناء.
عمل الدعليس مديرا مساعدا في وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، وكان عضوا في اتحاد الموظفين للوكالة، ورئيسا لقطاع المعلمين فيها.
شغل منصب المستشار السياسي لرئيس حركة حماس السابق إسماعيل هنية في الفترة بين عامي 2012 و2014.
كما كان عضوا في الهيئة التنفيذية لحركة حماس بين عامي 2009 و2013، وترأس الدائرة المالية والاقتصادية فيها. وتولى منصب نائب رئيس الدائرة السياسية للحركة من عام 2012 حتى 2020.
في مارس/آذار 2020، انتُخب الدعليس عضوا في المكتب السياسي لحركة حماس في قطاع غزة، وتسلّم رئاسة الدائرة الإعلامية، إلا أنه غادرها لاحقا بعد مصادقة المجلس التشريعي الفلسطيني على قرار تعيينه رئيسا للجنة متابعة العمل الحكومي بالقطاع في يونيو/حزيران 2021.
أحد أبرز قيادات حركة حماس، والشخصية الرئيسية خلف العديد من القرارات الأمنية والسياسية فيها، وكان يشغل منصب وكيل وزارة الداخلية في غزة.
أدى أبو وطفة دورا محوريا في إدارة الشؤون الأمنية للقطاع، خاصة في فترات التصعيد العسكري الإسرائيلي، وأشرف على حفظ الأمن والنظام في غزة، وأسهم في تنسيق العمليات الأمنية بين الأجنحة المختلفة التابعة للحركة، كما كان له دور بارز في ضمان استمرارية الحياة اليومية لسكان القطاع، ما جعله هدفا رئيسيا لإسرائيل.
في يناير/كانون الثاني 2025، وقبيل استئناف العمليات العسكرية الإسرائيلية، جال أبو وطفة في شوارع غزة، متفقدا انتشار قوات الأمن الداخلي وفق الخطة التي وضعتها وزارة الداخلية لتعزيز الأمن بعد حرب استمرت 471 يوما.
وأكد أثناءها التزام الوزارة بمواصلة خدمة المواطنين وتعزيز صمودهم، مع إصدار توجيهات لضمان استقرار الحياة اليومية في غزة.
أحمد عمر الحتة، الملقب بـ"أبو عمر"، حصل على درجة الماجستير في القانون، ثم شغل منصب عميد كلية الرباط الجامعية الشرطية في قطاع غزة. وقد عُين وكيلا لوزارة العدل بغزة في ديسمبر/كانون الأول 2021، خلفا للمستشار محمد النحال.
إعلانوأعلنت حركة حماس استشهاد الحتة إلى جانب عدد من قيادات العمل الحكومي جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي للقطاع في مارس/آذار 2025، وأوضحت مصادر أن الحتة استشهد مع زوجته فاطمة وأبنائه يسرى وعمر وهدى وهاجر وجنان وبنان.