عربي21:
2024-09-11@16:29:04 GMT

حرب غزة في سياق عالم يزداد توحشا

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

عالمٌ غريبٌ هو ذلك المعاصر الذي نعيش فيه، ولئن كان المطالبون بالتغيير في القرن الماضي، خاصةً في أعقاب المسلختين الكبريين المسميتين بالحربين العالميتين الذين هاجموا القسوة والتوحش والاستغلال، مطالبين حالمين بعالمٍ أكثر عدلاً، تحدوهم آمالٌ عريضة، قائمة على نظرياتٍ بدت راسخةً غنيةً صلدةً ومتماسكة، فالشاهد أن العالم الآن يزداد توحشاً، مع فارق أن أملاً ما، وعداً أو مشروعاً لا يلوح في الأفق، كل ما هنالك هو السعار المتلفع أحياناً بالنفاق، والسافر الصفيق أحياناً أخرى.



لا شك أن همي الأكبر هو حرب الإبادة على غزة، وما يتعرض له شعبنا من تدميرٍ متوحشٍ، بالإضافة إلى كونه ممنهجاً.
المشروع الصهيوني هو مشروع نفيٍ لأي إمكانية للاستقلال والنهوض العربيين الحقيقيين
في الحقيقة لا يروعني إجرام الكيان الصهيوني في حد ذاته، فأنا لم أمِل يوماً لتصديق الأوهام المبثوثة بغزارة عبر وسائل الإعلام العربية، عن إمكانية ما يسمى بـ»السلام»، أو العيش المشترك ولم أبتلع اختراعات وهمية كهذه، فأنا على يقين من أن المشروع الصهيوني هو مشروع نفيٍ لأي إمكانية للاستقلال والنهوض العربيين الحقيقيين.

لكن ما فاجأني هو ذلك الكم المذهل والمرعب من انعدام المبالاة، التي تتلقى بها الأنظمة العربية والحكومات الكبيرة والفاعلة شرقاً وبالأخص غرباً أنباء مجزرة الشعب الفلسطيني.



في ما مضى، كانت هذه الدول على الأقل تتظاهر بالاهتمام، بأنها تدرك أن كارثةً إنسانيةً بشعة تقع، وأنها تسعى لإيقافها وإنقاذ الناس الأبرياء، وفي حالة الأنظمة العربية فإنها تشفع ذلك بإبراز ضعفها الذليل كالمتسول بعاهته، كانوا يبذلون جهداً ليبدوا مقنعين.

أما الآن، فلا شيء قريبٌ من هذا، كأن ما يحدث يقع في المريخ، عالمٌ غريب بالفعل، في مرحلةٍ ما هلل فوكوياما لنهاية التاريخ واستقراره في خانة الليبرالية على الطراز الأمريكي وقبل ذلك كان دانيال بيل قد تناول «نهاية الأيديولوجيا».

لكن ما نراه اليوم هو اضمحلال تام لمفهوم القيمة البشرية وارتداد إلى ما قبل الحداثة والقيم الكونية وحقوق الإنسان.

كتبت وغيري من قبل أن حرب غزة كاشفة، إلا أنني لا بد أن أقرر أيضاً أن أحداً لم يكن يتصور مدى ما ستكشفه ولا أين سيقف.

لقد اتضح على ضوئها أن العالم، والدول الكبرى بالأخص، في صراعها المحتدم على السيادة، بين إمبراطورية أمريكية تنحسر، أو على الأقل تقف في مواجهة قوى صاعدة، قد تحللت من عبء الادعاء بالمبادئ، كأن لسان حالهم يقول «نحن نخوض حرب بقاء ومعركةً وجودية فلا وقت لدينا لتلك اللطائف».

والشاهد أن إسرائيل ليست وحدها التي تجنح نحو اليمين المتطرف، بل إن هذا جزءٌ من تيارٍ عالميٍ عريض، لم نر آخره في اقتراب «حزب لوبن» في فرنسا من الفوز في الانتخابات وترامب بأفكاره الكارثية.

من هذا المنطلق، وفي السياق ذاته، فقد صاروا يراهنون ويعولون ويعمدون عمداً إلى زرع البلادة والتوحش في الشعوب، لكي تتقبل ذلك الصراع. لقد صرنا نصحو ونبيت كل يوم على أخبار العشرات، بل المئات من الشهداء في غزة، حتى وقع ما كنا نخشاه ونحذر منه: لقد اعتاد الناس على ذلك وألفوه.

هو عالمٌ جديد شجاع ليس بعيداً عن الذي تنبأ به هكسلي، عالمٌ قبيح، حيث تُساق الجماهير الواسعة من قبل المصالح الكبرى المستترة بالقوميات الشعبوية، إلى طمس القيمة والكرامة الإنسانيتين.

ملمحٌ آخر لافت هو أنه على الرغم من المظاهرات، وما بدا من تعبيرٍ عن السخط على الدور المنحط للحكومات الغربية في حرب الإبادة تلك، إلا أن الحكومات لم تغير مسارها.

بل آثرت أن تنتهج سياسة النفس الطويل والمرونة، إلى أن تستهلك موجة السخط نفسها ثم تنحسر، والنتيجة أنه عقب أن انتهى العام الدراسي وتدخل الأمن في الجامعات، فُضت الاعتصامات وصارت أعداد الضحايا خبراً يومياً مألوفاً كالنشرة الجوية.

من جملة التخفف أيضاً من «البضاعة البائرة» هو مسلك الأنظمة العربية، تلك التي كلما أرادت أن تبرر قمعها ساقت المؤامرة الصهيو- كونية والتربص الإسرائيلي بثرواتنا ورفاهيتنا وسؤددنا، وإذا بها تتخطى أحلك تقديراتنا لانحطاطها، حيث نجدها تحارب مع إسرائيل في الخندق نفسه بصفاقةٍ مدهشة، فتدافع عنها من الصواريخ الإيرانية.
الأنظمة العربية دون استثناء تقريبا مندمجة منسجمة تماما في الخط العريض للسياسة الغربية
لقد تبين أن الأنظمة العربية، دون استثناء تقريباً، مندمجةٌ منسجمةٌ تماماً في الخط العريض للسياسة الغربية في المنطقة، ومن ثم فإنه من السذاجة المفرطة والسخافة أن نتصور أن الولايات المتحدة أو غيرها من القوى الغربية، في هذا المنعطف، بل المأزق التاريخي، ستضغط على نظام السيسي، أو أي نظامٍ آخر لتحسين أوضاع الناس، سواءً الاقتصادية أو في ما يخص الحقوق السياسية أو الإنسانية.



وحدها معلوماتٌ تفيد بأن سياسات هذه الأنظمة قد تؤدي إلى انفجارٍ وشيك بما قد يؤدي إلى خلخلة الأوضاع، بما يهدد مصلحة الغرب من شأنه أن يحملها على ممارسة أي ضغطٍ من هذا النوع.

لقد أضاءت الحرب على غزة المساحات المعتمة، فأتاحت الرؤيا لمن أراد أن يتبصر؛ نحن نعيش في عالمٍ يزداد قسوةً، تصورَ أو آمن أنه طرح عنه أوهام السرديات الكبيرة وإمكانية الحقيقة المطلقة وبلغ الغايات، إلا أن تلك هي أكبر كذبة، سيزداد العنف وستزداد التفاوتات وستُبخس قيمة الحياة البشرية أكثر فأكثر ولا خلاص للبشرية سوى بإعادة الاعتبار لقيم التحرر فوق المكاسب والمصالح الضيقة ولمشروعٍ يهدف إلى إقامة مجتمعٍ عادل.

القدس العربي

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة اليمين المتطرف غزة اليمين المتطرف العدوان حرب مدمرة مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة صحافة صحافة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأنظمة العربیة

إقرأ أيضاً:

خصومات تصل إلى 50% على تذاكر 4 من أشهر المدن الترفيهية في جزيرة ياس

أعلنت مدن ياس الترفيهية عن عرض مميز يمنح الضيوف فرصة استثنائية للاستمتاع بأجواء المرح والمغامرة بأسعار مخفضة تصل إلى 50%، حيث يُمكن للضيوف استكشاف أربع من أشهر الوجهات الترفيهية في جزيرة ياس مقابل 169 درهماً فقط لكل مدينة، بما في ذلك عالم فيراري جزيرة ياس أبوظبي، وياس ووتروورلد جزيرة ياس، أبوظبي وعالم وارنر براذرز جزيرة ياس، أبوظبي وسي وورلد جزيرة ياس أبوظبي.
ومقابل 675 درهماً فقط للشخص الواحد، يُمكن للضيوف الانطلاق في تجربة استثنائية تجمع بين الترفيه والمغامرة في أشهر المدن الترفيهية بجزيرة ياس، مع توفير يصل إلى 685 درهماً. تمنح تذكرة الدخول المتعددة الزوار فرصة لا مثيل لها لاستكشاف أفضل ما تقدمه جزيرة ياس، والاستمتاع بباقة من التجارب والفعاليات الترفيهية المتنوعة، حيث يمكن للضيوف زيارة المدن الترفيهية الأربعة خلال فترة تصل إلى ستة أيام من زيارتهم الأولى.

ويقدم هذا العرض الحصري فرصة مثالية لاستكشاف ما تزخر به هذه المرافق الترفيهية الرائعة براحة وسهولة، سواء كنت ترغب في اختبار مشاعر الحماس والتشويق التي تنفرد بها الألعاب والجولات الترفيهية في عالم فيراري جزيرة ياس أبوظبي، أو الاستمتاع بأروع المغامرات المائية في ياس ووتروورلد جزيرة ياس أبوظبي، أو تبحث عن تجربة ترفيهية عائلية مليئة بالمرح في عالم وارنر براذرز جزيرة ياس أبوظبي، أو تتطلع للتعرف على عجائب عالم المحيطات في سي وورلد جزيرة ياس أبوظبي.
لإضفاء مزيد من الراحة والسهولة على تجربة الضيوف، توفر جزيرة ياس خدمة النقل المجاني بالحافلات من عدة مواقع منتشرة في مختلف أنحاء الإمارات العربية المتحدة، بما في ذلك دبي، والشارقة، ورأس الخيمة، وعجمان، وغيرها، حيث يمكن للضيوف بكل سهولة التوجه إلى إحدى هذه الحافلات من أقرب نقطة لهم، والاستمتاع برحلة مريحة وسهلة.


مقالات مشابهة

  • أفضل 6 تطبيقات لتعزيز مهارات الأطفال وتعليمهم
  • خصومات تصل إلى 50% على تذاكر 4 من أشهر المدن الترفيهية في جزيرة ياس
  • الخضروات النيئة تساعد على التحكم في الوزن
  • “دبي الصحية” تطلق “أكاديمية دبي الصحية للقيادة” وتعلن عن برنامجها الافتتاحي بالتعاون مع جامعة أكسفورد
  • أنظمة وظيفية بواجهات عربية
  • رد حاسم من عالم أزهري على محامي المساكنة
  • "الحج والعمرة": التزام الأنظمة يسهل أداء المناسك ويضمن راحة المعتمرين
  • عالم روسي يحذر: سحابة البلازما ستصل إلى الأرض مساء 10 سبتمبر
  • قبل طرحها.. الجمهور يزداد حماسه لأغنية "عودتني الدنيا" لـ شيرين
  • عالم بالأوقاف: هذه الأعمال يصل ثوابها للأب المتوفي - (فيديو)