كشف تحقيق لــ  «بي بي سي» عن إطلاق مقاتلين يتبعون لقوات الدعم السريع النار بشكل متعمد على مدنيين في قرية ود النورة الواقعة في ولاية الجزيرة بوسط السودان.

التغيير _ وكالات

ناجون من مجزرة ود النورة وصلوا مستشفى المناقل

وطبقا لروايات ناجين مما سمي بـ”مجزرة ود النورة” فإن قوات الدعم السريع اقتحمت القرية خلال هجومين متعاقبين مستخدمة أسلحة ثقيلة، وقتلت أكثر من مائة شخص وأصابت العشرات من سكانها بجروح خلال ساعات معدودة.

وهي أكبر حصيلة من القتلى المدنيين تقع خلال ساعات منذ بدء الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في أبريل عام 2023.

“قصف في المساء”

تمكنت «بي بي سي» بي بي سي من الوصول إلى عدد من الضحايا والناجين من أحداث ود النورة، وذلك في مستشفى المناقل الحكومي الذي نقلوا إليه من أجل تلقي العلاج.

المستشفى يقع على بعد نحو 80 كيلومترا من القرية، وقد وصل كثير من الناجين والضحايا بعد ساعات طويلة من الهجوم، وذلك بعد أن منعتهم قوات الدعم السريع، طبقا لرواياتهم، من الخروج من القرية ونهبت معظم السيارات.
استمعت بي بي لشهادات عدد من الناجين الذين أكدوا خلال شهاداتهم أن عناصر قوات الدعم السريع هاجمت القرية مرتين متعاقبتين مستخدمة أسلحة ثقيلة في الهجوم، وهو الذي أدى إلى سقوط عشرات القتلى والجرحى.

جرحى مجزرة ود النورة بمستشفى المناقل

ومن بين هؤلاء علي إبراهيم الذي يعمل مزارعا ويبلغ من العمر 40 عاما.

ويقول في شهادته إن عناصر قوات الدعم السريع بدأوا الهجوم في الخامسة عصر الأربعاء 5 يونيو/ حزيران الماضي عبر قصف القرية بالأسلحة الثقيلة من خارجها.

ويضيف قائلا: “لم نر مثل هذا القصف منذ خلقنا الله .. لمدة أربع ساعات استمر القصف وتسبب في هدم البيوت.. بكى الأطفال وعجزت النساء وكبار السن عن الهرب”.

وعن سكان القرية، قال نحن مزارعون بسطاء و”لم نحمل السلاح يوما ليس لدينا أعداء نحن مواطنون فقط ونريد أن نحفظ أنفسنا فقط “.
بعد ساعات الرعب التي عاشوها أثناء القصف، والمحاولات المحمومة من سكانها في سبيل إيجاد طريقة لنقل المصابين، ودفن الموتى الذين قتلوا جراء القصف، فوجئ سكان ود النورة بهجوم كبير شنته قوات الدعم السريع على القرية في الصباح الباكر، كما أفادت بذلك نسرين إحدى الناجيات من الهجوم.

وتقول نسرين، التي تعمل ربة منزل، إن الجنود دخلوا عليهم في المنزل وانهالوا عليها وعلى إخوانها بالضرب، وسألوا عن الذهب والممتلكات. “دخلوا علينا البيت، ضربوني أنا وإخوتي وقالوا أين الذهب؟ خافت أختي الصغيرة وقالت لأمي أن تمنحهم الذهب.. كان يساوي مليارات من الجنيهات”.

الدولار يساوي نحو 2600 جنيه سوداني في السوق الموازية، وعادة ما تلجأ عائلات سودانية كثيرة للذهب كمورد لحفظ الأموال.

شهادة نسرين تطابقت مع شهادات ناجين آخرين أكدوا جميعا أن عناصر قوات الدعم السريع “هاجموا القرية من ثلاثة اتجاهات، ودخلوا إلى البيوت، وقتلوا المدنيين، ونهبوا الممتلكات بما فيها الذهب والسيارات والحاصلات الزراعية الموجودة في المخازن”.

” قتلوا إخواني”

تبدو شهادة حمد سليمان، 42 عاما، الذي يعمل في تجارة التجزئة مروعة، إذ يقول إن عناصر من قوات الدعم السريع دخلوا منزل شقيقه وبدأوا في إطلاق النار من دون سابق إنذار.

وأوضح يقول “ذهبتُ إلى بيت أخي ووجدتهم هناك.. قتلوا أخي وابن أخي.. وابنه الآخر أصيب وهو معي هنا في المستشفى”.

وأضاف قائلا إنه حاول التحدث إلى عناصر قوات الدعم السريع ومعرفة الأسباب التي دعتهم إلي قتل أسرته. يقول: “حاولتُ الحديث معهم فقالوا لي.. انطق الشهادتين، فأطلقوا النار على يدي وهربوا.. نهبوا كل السيارات، لدرجة أنني أصبت في السابعة صباحا، ولم أجد وسيلة مواصلات إلا في العاشرة مساء”.

” تشويه صورة”

تواصلنا مع قوات الدعم السريع، ونقلنا لهم شهادات الناجين والضحايا واتهاماتهم بالهجوم عليهم، وما تلا ذلك من عمليات قتل ونهب وترويع.

غير أننا لم نجد منهم ردا حتى ساعة نشر هذا التحقيق، لكن الناطق الرسمي باسم قوات الدعم السريع العميد الفاتح القرشي أصدر بيانا مصورا بعد يوم من الحادثة، ونفى فيه أن يكونوا قد استهدفوا المدنيين.

وقال إن قواتهم تعاملت مع عناصر يتبعون للجيش السوداني وجهاز المخابرات بالإضافة الي المستنفَرين – مجموعة من المقاتلين المدنيين يقاتلون إلى جانب الجيش – كانوا داخل القرية وقت الهجوم عليها.

كما أن قائد هذه القوات الفريق محمد حمدان دقلو تحدث عن هذا الموضوع خلال خطاب له بمناسبة عيد الفطر الماضي. وسرد فيه نفس مبررات الهجوم على القرية.

وأضاف أن هنالك حملة تهدف إلى تشويه صورة قوات الدعم السريع على حد قوله.

قوات الدعم السريع قصفت أهدافا غير محددة في اتجاه القرية
قام فريق بي بي سي المختص بتقصي الحقائق بتحليل مقاطع الفيديو التي تقول قوات الدعم السريع إنها أماكن وخنادق لتجمعات “المستنفرين” في قرية ود النورة، وبينت نتائج التحليل أن هذه الأماكن تقع جميعها خارج نطاق القرية، وليس بداخلها.

وأظهر التحليل أيضا أن عناصر قوات الدعم السريع قامت بإطلاق النار تجاه القرية، مستخدمين أسلحة ثقيلة من مسافة كيلومتر و600 متر تقريبا.

صورة بالأقمار الصناعية يوضح اتجاه الهجوم على ود النورة

ولا تختلف قرية ود النورة عن مئات القرى المنتشرة في ولاية الجزيرة في شيء. فهي قرية تقع في الأجزاء الغربية من الولاية بالقرب من ولاية النيل الأبيض. ويعمل معظم سكانها في الزراعة والتجارة، ولديها سوق أسبوعي صغير، يأتي إليه الباعة من القرى المجاورة لبيع وشراء الماشية والمحاصيل الزراعية.

واندلعت الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع في ابريل/نيسان من العام الماضي في العاصمة الخرطوم، قبل أن تتوسع إلى معظم ارجاء السودان.

وطبقا لتقارير الأمم المتحدة فإن الحرب في السودان أدت إلى مقتل 14000 شخص وإجبار نحو مليوني شخص على مغادرة مناطقهم، هذا فضلا عن الدمار الكبير الذي لحق بالبنية التحتية.

وتعتبر ولاية الجزيرة من أكثر الولايات تضررا من الحرب لأنها انتقلت إليها في وقت مبكر، وكانت ملجأ لآلاف النازحين الذين فروا من القتال من الخرطوم ودارفور.

ومنذ أن سيطرت عليها قوات الدعم السريع نهاية العام الماضي، تعرضت قرية تلو الأخرى في الولاية لأعمال عنف.

ولاحقت قوات الدعم السريع تهم من جهات عدة من بينها مجموعات حقوقية مثل هيومان رايتس ووتش ومواطنون بارتكاب جرائم حرب، كالقتل والنهب والاغتصاب وحرق القرى.

وظلت قوات الدعم السريع تنفي هذه التهم، وتقول ان ما اسمتهم المتفلتين يقومون بمثل هذه الأفعال.

لكن ما حدث في ود النورة، كان كارثيا بسقوط عشرات الضحايا ما بين قتيل وجريح في ساعات معدودة.

ودعت الأمم المتحدة، ممثلة في مديرة مكتب تنسيق الشؤون الإنسانية في السودان كليمنت سلامي، إلى إجراء تحقيق شامل وشفاف لمعرفة ملابسات الهجوم.

والآن بعد مرور أكثر شهرين من الحادثة لم يتم تشكيل لجنة تحقيق من جهة مستقلة ومعروفة.

ويأمل سكان القرية التي فقدت العشرات من أبنائها، بين عشية وضحاها، في أن تُشكل لجنة التحقيق التي تمت المطالبة بها وأن يُلاحَق الجناة، ولا يفلتوا من العقاب، كما حدث في مرات سابقة في السودان.

نقلاً عن «بي بي سي» نيوز عربية/ محمد محمد عثمان

 

الوسومالدعم السريع ضحايا قتلى مجزرة ود النورة ولاية الجزيرة

المصدر: صحيفة التغيير السودانية

كلمات دلالية: الدعم السريع ضحايا قتلى مجزرة ود النورة ولاية الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الغارديان: الدعم السريع ينشر مقاطع فيديو تدينه بجرائم حرب

اتحيت الفرصة للمحاكم الدولية لاستخدام مقاطع فيديو لمقاتلين متمردين في السودان يبدو أنهم يمجدون فيها حرق المنازل وتعذيب السجناء لملاحقتهم بتهم ارتكاب جرائم حرب، وفقا لما قاله مراقبون لصحيفة الغارديان.

وبحسب تقرير للصحيفة تم اتهام مقاتلين من قوات الدعم السريع ٬ وهي مجموعة شبه عسكرية، بشن حملة تطهير عرقي في السودان خلال العام الماضي أثناء محاولتهم السيطرة على البلاد.

ومع اجتياح قوات الدعم السريع للمنطقة الغربية من دارفور، يبدو أن المقاتلين صوروا ونشروا أدلة على أفعالهم على وسائل التواصل الاجتماعي.

وقد شاهدت صحيفة "الغارديان" مقاطع تدينهم وتم التحقق منها من قبل مركز متانة المعلومات.

ويقول المراقبون إن اللقطات قد تصبح دليلا لمحققي جرائم الحرب، بعد أن وجهت المحكمة الجنائية الدولية نداء لتقديم أدلة مرئية وصوتية من دارفور العام الماضي.

وقالت أليكسا كونيغ، المشاركة في إنشاء بروتوكول بيركلي، المصمم لإنشاء معيار دولي لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للتحقيق في جرائم الحرب: "الحالة هي أن يدين طرف نفسه. إنه ليس مثل الإقرار بالذنب، ولكنه يشكل بشكل ما جزءا كبيرا من الأحجية الذي يتعين على محققي جرائم الحرب تجميعها".


ولقي أكثر من 10 آلاف شخص - معظمهم من جماعة المساليت العرقية الأفريقية - حتفهم في مدينة الجنينة بدارفور خلال فترتين من القتال العنيف في عام 2023.

 واكتشف تحقيق للأمم المتحدة لاحقا مقبرة جماعية لعشرات المدنيين من المساليت الذين يُزعم أنهم قُتلوا على يد قوات الدعم السريع.

ويظهر مقطع فيديو تمت مشاركته بواسطة حساب مؤيد لقوات الدعم السريع على منصة إكس في حزيران/ يونيو 2023 أثناء الاستيلاء على المدينة مقاتلا يقف أمام منزل سلطان المساليت قائلا "لم يعد هناك مساليت ... العرب فقط".

وفي مقطع فيديو آخر تم تداوله من المدينة بعد أن استولت عليها قوات الدعم السريع، صوره شخص يسير في شوارع فارغة. وهو يصف السكان بالكلاب ويظهر جثثا ملقاة في منتصف الشارع، قائلا إنها تعمل كحواجز طرق.

وفي مقاطع فيديو أخرى من بلدة أرداماتا، بالقرب من الجنينة، في تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، تظهر رجالا يرتدون زي قوات الدعم السريع وهم يحاصرون مجموعات من الناس ويصرخون عليهم بالشتائم.


وفي أحد مقاطع الفيديو، يمسك رجل يرتدي زيا رسميا بالكاميرا وكأنه يلتقط صورة لنفسه بينما يقوم مقاتلون بجواره مباشرة بجلد رجل محتجز وضربه ببندقية.

ويكشف المقطع عن بعض ما يحدث على الأرض في أجزاء من منطقة دارفور في غرب السودان، حيث لم يتمكن الصحفيون والناشطون من توثيق العنف بأمان.

وقال أليساندرو أكورسي، المحلل البارز في منظمة كرايسز غروب غير الحكومية: "نحن في وضع يصور فيه المعتدون أنفسهم، ويعطوننا أدلة على ما يحدث في وقت لا نمتلك فيه الكثير من المعلومات بشكل عام".

وأضاف "إنهم قادرون على القيام بذلك لأنهم ربما لا يشعرون بالخوف من العواقب ولأن فرصة توجيه الاتهام أكبر بكثير من العقوبة".

وقالت أنوك ثيونيسن، من مشروع "شاهد السودان" التابع لمركز متانة المعلومات، إنهم جمعوا وتحققوا من آلاف اللقطات المفتوحة المصدر حتى الآن لتوفير المعلومات والبيانات للجهود المستقبلية لمحاسبة الجناة.

وهناك سابقة لاستخدام لقطات صورها الجناة. ففي تسعينيات القرن العشرين، صورت الميليشيات شبه العسكرية الصربية المعروفة باسم العقارب نفسها وهي تعدم رجالا وأولادا بوسنيين بالقرب من سربرينيتشا، خلال المذابح التي تم الاعتراف بها على أنها إبادة جماعية.


تم تداول اللقطات على عدد محدود من أشرطة الفيديو، والتي تم تدمير العديد منها لاحقا، لكن بعضها انتهى في أيدي المحامية الصربية لحقوق الإنسان ناتاشا كانديتش بعد بلاغ سمح لها بالحصول عليها واستخدامها في محاكم جرائم الحرب.

وفي الآونة الأخيرة، تسربت لقطات من حي التضامن في العاصمة السورية دمشق، تظهر إعدام مدنيين وهم واقفون في حفرة، من ملفات محفوظة على كمبيوتر محمول لجهاز استخبارات عسكري حكومي.

 وقد استخدمت هذه اللقطات في محاولات مقاضاة مرتكبي جرائم الحرب بموجب الولاية القضائية العالمية ــ وهو المبدأ الذي يسمح بمقاضاة جرائم الحرب في بلدان أخرى غير تلك التي وقعت فيها.

وفي حين واصل أمجد يوسف، المسؤول في الاستخبارات العسكرية الذي ظهر وهو يطلق النار على المعتقلين، عمله من قاعدة عسكرية بالقرب من دمشق، فإن محاكمة أحد مساعديه، الذي تم التعرف عليه في مقاطع الفيديو من قبل شاهد، جارية في ألمانيا منذ أيار/ مايو.

ويقول الخبراء إن لقطات الفظائع تنتشر أحيانا بين مجموعة صغيرة قبل تسريبها، ولكن في بعض الأحيان يتم مشاركتها على نطاق واسع عمدا من أجل ترهيب الضحايا المحتملين في المستقبل.


وقال آدم موسى أوباما من منظمة دعم ضحايا دارفور: "إنهم يفعلون ذلك ليظهروا للناس من هم. إنهم فخورون بأنفسهم وبانتهاكاتهم. إنهم يرسلون رسالة مفادها أنه لا يمكنكم هزيمتنا، فنحن شجعان للغاية، ونعرف كيف نقاتل".

وقوات الدعم السريع هي تشكيلات عسكرية أُنشئت من مليشيا الجنجويد واعتُرف بها رسمياً من قبل الدولة السودانية في عام 2013.

يقود هذه القوات محمد حمدان دقلو، المعروف بلقب "حميدتي". تُكلف قوات الدعم السريع بمهام متعددة تشمل مكافحة حركات التمرد في دارفور غرب السودان، وحراسة الحدود، ومكافحة عمليات التهريب.

مقالات مشابهة

  • الغارديان: الدعم السريع ينشر مقاطع فيديو تدينه بجرائم حرب
  • الجيش السوداني نفذ ضربات جوية لمواقع تجمعات قوات الدعم السريع في مناطق كبكابية وجبل عامر والضعين
  • قوات الدعم السريع نهبت أدوية من الإمدادات الطبية بالخرطوم تقدر قيمتها بـ521 مليون دولار منذ بدء الحرب
  • "قصف مدنيون عُزَّل ومناطق آمنة" بيان حماس للرد على مجزرة المواصي بـ خان يونس
  • قوات الدعم السريع تقتل 31 شخص في مدينة سنار السودانية
  • الدعم السريع يستهدف سوق سنار ويخلف عشرات القتلى
  • الجيش يحبط أكبر هجوم بمسيرات الدعم السريع على الفاشر
  • 21 قتيلا في السودان جراء قصف نُسب لقوات الدعم السريع
  • في قصف نُسب لقوات الدعم السريع.. 21 قتيلا في سنار السودانية
  • مجزرة جديدة على يد الدعم السريع.. 20 قتيلا بقصف سوق بمدينة سنار جنوبي البلاد