تشويه بأكاذيب لا تُغتفر.. هكذا مَهَدَ إعلام مصر لمجزرة فض رابعة
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
قبل 10 أعوام، روجت وسائل إعلام مصرية لأكاذيب استهدفت تشويه المعتصمين في ميداني "رابعة العدوية" شرق القاهرة و"نهضة مصر" (غرب) وتهيئة الرأي العام للمجزرة التي ارتكبتها قوات من الشرطة والجيش بحق المعتصمين في 14 أغسطس/ آب 2013، ووصفتها منظمة "هيومان رايتس وواتش" الحقوقية الدولية بأنها "أكبر عملية قتل لمتظاهرين في العصر الحديث".
وهؤلاء المعتصمون كانوا يطالبون باستعادة الشرعية الدستورية، في أعقاب انقلاب عسكري، حين كان الرئيس الحالي عبد الفتاح السيسي وزيرا للدفاع، أطاح في 3 يوليو/ تموز 2013 بمحمد مرسي أول رئيس مدني منتخب ديمقراطيا، بعد أن أطاحت احتجاجات شعبية بنظام حكم الرئيس آنذاك حسني مبارك (1981-2011).
وفي حملة تشوية المعتصمين ونزع أي تعاطف معهم والزعم بضرورة تفريقهم، مهما كانت الخسائر، شاركت قنوات تلفزيونية وصحف ومواقع إخبارية، سواء مملوكة للدولة أو خاصة، عبر ترويج أكاذيب بينها "نكاح الجهاد" و"انتشار الأمراض" و"الاتجار بالأطفال" ووجود "أسلحة كيميائية"، بالإضافة إلى إعلان "مجلس حرب" من جانب قيادات جماعة الإخوان المسلمين التي ينتنمي إليها مرسي.
اقرأ أيضاً
الاستبداد بالقانون.. حُكم مصر بمنطق الانقلاب والتفويض والمذبحة
"نكاح الجهاد"
زعم إعلاميون، بينهم محمد الغيطي في قناة "التحرير" (خاصة)، وجود علاقات جنسية بين معتصمين ومعتصمات تحت مسمى "نكاح الجهاد"، وهو أمر غير موجود في الدين الإسلامي، واعتمد على شائعة أخرى مرتبطة بالثورة السورية، التي اندلعت أيضا في 2011 للمطالبة بتداول سلمي للسلطة.
ولتخويف المتعاطفين مع المعتصمين ومنعهم من التضامن معهم والذهاب إلى مقر الاعتصام، ادعت وسائل إعلام وجود "أمراض معدية"، وزعم الإعلامي إبراهيم عيسى في القناة نفسها انتشار "الجرب" بين المعتصمين في ظل عدم الاهتمام بالنظافة الشخصية.
وضربا على وتر العاطفة، في ظل الحشود المتواصلة في مقر الاعتصام، قالت تقارير إعلامية إن المعتصمين حشدوا أطفال ملاجئ ودور أيتام في الاعتصام، منددةً بما اعتبرته استغلال لهؤلاء الأطفال في أنشطة خطرة.
ورد قائمون على الاعتصام آنذاك بأن الأطفال كانوا مع أحد مسؤولي الجمعيات الخيرية في طريقهم لشراء ملابس العيد لهم، لكن أجهزة الأمن ألقت القبض عليهم ولفقت لهم تهم كاذبة لتشويه الاعتصام.
اقرأ أيضاً
بوسم الرئيس الشهيد.. مغردون يحيون الذكرى الرابعة لرحيل مرسي
أسلحة كيميائية
وتحت عنوان "رصد أسلحة ثقيلة في اعتصام الإخوان يؤخر فضه"، أرجعت جريدة "الشروق" (خاصة)، نقلا عن مصادر لم تسمها، أسباب تأخر فض اعتصام رابعة إلى أن المعتصمين أعلنوا "مجلس حرب" على الجيش والشرطة ويمتلكون أسلحة ثقيلة وأوتوماتيكية وكلاشنكوف وصواريخ.
وعلى ما يبدو استقت "المصادر المجهولة"، التي تحدثت لـ"الشروق"، معلوماتها من مقطع مصور نشره شخص ما على موقع "يوتيوب" ونسبه كذبا إلى منصة اعتصام رابعة.
ولاحقا، اتضح أن المقطع تم تصويره في شبه جزيرة سيناء (شمال شرق) عن ردود أفعال "تنظيمات جهادية" على بيان السيسي بشأن عزل مرسي، إذ صعد شخص مجهول إلى منصة ودعا إلى إعلان "مجلس حرب".
كما زعمت صحيفة "الأخبار" (مملوكة للدولة) أن المعتصمين في ميداني "رابعة" و"النهضة" يمتلكون أسلحة كيميائية، ولحقت بها صحيفة "الوطن" (خاصة) بادعاء أن جماعة الإخوان المسلمين نقلت فجرا أسلحة كيميائية وصواريخ من سوريا إلى ميداني الاعتصام.
واستكمالا لحملة التشويه، زعمت وسائل إعلام، بينها "التحرير" على لسان أحمد موسى، أن قيادات الاعتصام عذبت عددا من الأشخاص ثم قتلتهم ودفنتهم تحت منصة اعتصام رابعة.
وعلى الرغم من مقتل أكثر من 800 معتصم خلال عملية الفض، إلا أن القضاء المصري بادر بتبرئة كل من تلطخت يده بدمائهم، وأصدر في المقابل أقصى العقوبات بحق الآلاف من أنصار جماعة الإخوان، وبينهم المئات من القيادات والكوادر.
اقرأ أيضاً
للتاريخ.. كيف علقت دول الخليج على مجزرة رابعة قبل 6 سنوات؟
فيلم وثائقي
ومع حلول الذكرى العاشرة لفض الاعتصام، يواصل إعلاميون مصريون محاولة تشويه كل ما يتعلق بالمجزرة، وأحدثها حقله نقاشية في لندن، الخميس الماضي، شهدت عرض فيلم وثائقي بعنوان "ذكريات مذبحة"، ومن بين مَن شاركوا في الحلقة نائب بريطاني و3 مصريين هم أكاديمية وباحث حقوقي وصحفي كان شاهدا بعينه على مجزرة 2013.
وجرى عرض الفيلم في مسرح الأكاديمية البريطانية للأفلام وفنون التلفزيون (BAFTA)، ويتضمن شهادات حصرية لناجين من المجزرة وشهود عيان، بينهم كريج سامرز رئيس الأمن السابق في قناة "سكاي نيوز" البريطانية، ومصعب الشامي مصور وكالة "أسوشييتد برس"، وديفيد كيركباتريك مدير مكتب صحيفة "نيويورك تايمز" في القاهرة حينها.
وقبل أيام هاجم الإعلامي نشأت الديهي، في قناة "تن" (خاصة)، الحلقة النقاشية وحاول التقليل من شأن المشاركين فيها، وانتقد الفيلم (باللغة الإنجليزية) الذي نظمت عرضه مؤسسة "إيجبت ووتش"، ومقرها لندن.
وفي محاولة للرد على الفيلم وتبرير المجزرة، خصص أحمد موسى حلقة من برنامجه لهذا الغرض، ووقف في ميدان رابعة وخاطب جمهوره زاعما أنه "قبل 10 سنين كان الإرهابيون هنا، وقبل 10 سنين كانوا يهددونا، وكانت رسالة التهديد قد خرجت من هنا، من هذا المكان".
ومع الهجوم على الفيلم من وسائل الإعلام المصرية التابعة للنظام، يبدو أنه نجح في إجبار هذه الوسائل الإعلامية على استحضار المجزرة في ذكراها العاشرة، مع مطالبات مستمرة بمحاكمة المسؤولين عن سقوط آلاف القتلى والجرحى من الرافضين للانقلاب على مرسي.
وتوفي مرسي في 17 يونيو/ حزيران 2019، خلال جلسة لمحاكمته بتهمة التخابر مع حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس)، في حين يتأهب السيسي، الذي يتولى الرئاسة منذ 2014، لخوض انتخابات جديدة في 2024، بينما يعاني المصريون من تداعيات انسداد سياسي حاد وأزمة اقتصادية متفاقمة.
اقرأ أيضاً
مدير مكتب «نيويورك تايمز» بالقاهرة يندد بـ«مجزرة رابعة»
المصدر | الخليج الجديدالمصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: مصر اعتصام رابعة فض مجزرة إعلام أكاذيب اقرأ أیضا
إقرأ أيضاً:
المفسدون فى الأرض.. كيف خلصت 30 يونيو الجامعات من اختراق الإخوان؟
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
نظرت جماعة الإخوان الإرهابية بحقد شديد للكتلة الطلابية فى الجامعة المصرية، وتربصت بها فى وقت مبكر، لما لهؤلاء الطلاب من أهمية كبيرة، فهم وقود الثورات، والمخزون النشط لأي حزب سياسي قوي، والرقم الأصعب فى أى معادلة سياسية.
وبحسب وصف الراحل فكرى أباظة فإن التنظيمات الطلابية كانت جيش الوفد، لذا أرادت الجماعة الوليدة آنذاك أن تدخل عالم الجامعة وتخترق صفوف الطلبة وتسحبهم إلى عالمها لينقضوا على حزب الوفد، الحزب الشعبى الأقوى أمام الملك وضد الإنجليز.
وحول ظروف نشأة جماعة الإخوان، رأى المفكر الراحل طلعت رضوان، أن الجماعة تمثل بامتياز نموذجا للوعي الزائف والحل السحري لعودة المحتل الأجنبي، ويعتقد "رضوان" أن نمو الوعي القومي في أعقاب ثورة المصريين ١٩١٩ شكلَّ خطرًا كبيرا على الوجود الإنجليزي في مصر، ما دفع المحتل للبحث عن حلول سحرية لمواجهة مثل هذا الوعي بوعي بديل زائف يمكن تغذيته لضمان وجودهم وشعورهم بالأمان، فكان الحل في دعم جماعة الإخوان لتمكين شعارات الانتماء للدين بدلا من الانتماء للوطن الذي يسهل معه الجمع بين كل طوائف الشعب في هدف واحد.
كرست جماعة الإخوان الإرهابية بمساعدة بقية التيارات المتطرفة دورها فى اختراق الجامعات وإفراغ الحركة الطلابية من دورها الوطنى، واستغلت التجمعات الطلابية لبث أفكارها، وتجنيد الطلاب الذين جاءوا للجامعة من مناطق بعيدة، لضمان انتشار أفكارهم لكل مكان في ربوع الوطن، خاصة وأن هؤلاء الطلبة هم الذين يتولون الوظائف والمناصب في الدولة.
وفى الوقت الذى نادى فيه طلاب حزب الوفد مثلا بالعودة لدستور ١٩٢٣ ورفض دستور ١٩٣٠، فإن أعضاء الجماعة يتظاهرون أنه لا دستور إلا القرآن، وهى محاولة لضرب الحركة الوطنية التى تحرز مكتسبات وترفض التفريط فيها، لصالح نقل المعركة إلى ساحة أخرى وأن تكون المعركة حول القرآن فتضيع المكتسبات، وتخطو الحركة الوطنية مع الجماعة آلاف الخطوات إلى الوراء.
وفى اللحظة التى يهتف فيها الطلبة للوفد أو للحياة النيابية بتنوعها نلاحظ طلاب الإخوان يرفعون شعار حسن البنا المؤسس والمرشد الأول للجماعة وهو «لا للحزبية»، وهو شعار يروجه لضرب الحياة الحزبية وقطع الطريق أمام أى مكتسبات ديمقراطية لتكون فى صالح الحزب الواحد.
والملاحظ لتاريخ الجماعة، فإن مرشدها الأول نادى بحل الأحزاب، وهي المتنفس الصحي للمشاركة في الحياة السياسية في الأنظمة الديمقراطية، إنما نادى بحلها لصالح الحزب الواحد، والملاحظ أيضا حاليا أن الجماعة انقلبت على أفكار مؤسسها، وأصبح للجماعة حزب أو أكثر في كل دولة، وهو المنطق النفعي الذي تعمل به الجماعة الإرهابية دائما.
ويستطيع المراقب لنشاط وتاريخ الجماعة أن يلمس انتهازيتها ببساطة وطريقها لتخريب الجامعات وتفريغها من دورها العلمى والوطنى وإبطال مفعولها وتحويل طلابها لكتائب غاضبة وحاقدة مستعدة للمشاركة فى المظاهرات وتنفيذ مطالب الجماعة لاستغلالهم فى الصفقات السياسية، وللمزيد من الأضواء حول طريق جماعة الإخوان فى اللعب بمشاعر الطلبة وتحويل قضاياهم لقضايا شكلية، ومن معركة حول تحرير الوطن والنهوض به إلى معركة حول استعادة الخلافة ونصرة الإسلام، والتكريس فى ذهن الجموع باستمرار أن هناك قوى تتربص باستمرار بالإسلام لتقضى عليه مما تجعله مستعدا ومتحمسا للمشاركة فى الجهاد والدفاع عن الإسلام ونصرته، فى تجاهل تام للأوطان التى تسقط سريعا بمثل هذه الأفكار فى يد هذه الجماعات المتطرفة والعميلة.
فى كتابه «الإخوان أحداث صنعت التاريخ»، يعترف مؤرخ جماعة الإخوان محمود عبدالحليم أن تأثيرهم فى طلاب الجامعة كان محدودا للغاية وغير مقنع، فالطلبة لم يستجيبوا للشعارات الكاذبة التى أطلقتها الجماعة حول ما أسموه بـ«الفكرة الإسلامية» وهو مصطلح يحبذون استخدامه للتعبير عن مجمل أفكار ومشروع الجماعات الإسلاموية.
يحكى عبدالحليم، أنه بمشاركة آخرين توجهوا لإدارة كلية الزراعة وكان طالبا بها، للمطالبة بتجديد فرش المُصلى للطلبة لما بها من حصير متهالك.
كما طالبوا بإنشاء مساجد فى الكليات وأولها كلية الآداب، وغير المطالبة بالمساجد تمسك الإخوان بالحديث باستمرار عن القضية الفلسطينية فوجدوا التفاتا شديدا من الطلبة وغير مسبوق مما دفعهم إلى الإطالة والتمسك بموضوع فلسطين لما وجدوه فيها من حيلة وخدعة تنطلى على الطلبة، وهو ما يلفت إليه مؤرخ الإخوان محمود عبدالحليم بقوله إن الإخوان اختصروا كثيرا من الوقت لمجرد أن رددوا هتافات من أجل فلسطين، ولم تختصر فى رأيه الزمن لانتشار الإخوان داخل الجامعة فحسب بل وفرت عليهم الكثير من الخطب والمحاضرات التعريفية. وقال: «لو ١٠٠ خطيب راح يشرح معانى الفكرة الإسلامية والإخاء والجهاد للناس لما كان له تأثير مثل خطب الجمعة عن بيع فلسطين وواجب إنقاذها وجمع التبرعات لها».
وقفزا إلى الأمام، تاركين مرحلة التأسيس مع حسن البنا وطلاب الجامعة فى مرحلة مبكرة، لنلاحظ بعض الأمور التى استقرت وتكرست بشدة فى ذهن أعضاء الجماعة وهى سحب بساط الطلبة من تحت أقدام أى فكر وطنى أو قومى لصالح فكر يبحث عن القضايا التى لا طائل منها، وهى حماسية وتلعب على المشاعر وليست حقيقية أبدا، فلقد عملت على المطالبة بإنشاء أماكن للصلاة وهتفت فى قضية فلسطين لأنها اكتشفت أن مثل هذه الأمور تزيد من التفاف الطلاب حولها وتختصر لها الوقت اختصارا.
حاولت جماعة الإخوان أن تحرج الرئيس جمال عبدالناصر بإطلاق الشائعات وبثها بين الطلبة وبين الفئات الشعبية المحبة للزعيم ناصر، فقالت إنه جعل الإنجليز يحتفظون بقاعدة عسكرية في السويس لضمان عودتهم، ووقفوا يبثون الشائعات ضده أثناء المفاوضات مع الإنجليز، فكانوا ضد الجلاء، وادعوا أنهم يفضلون الكفاح المسلح. ووسط الصراع الدائر بين الجماعة من ناحية وبين الضباط الأحرار من ناحية، جرى تجنيد واستغلال الطلبة ضد المشروع الناصري آنذاك، ولم يشغلهم أن يطلقوا المزيد من الأكاذيب والشائعات لضمان إحراج ناصر أو الوصول إلى السلطة.
شرح علي عشماوي، قائد التنظيم الخاص والمنشق عن الجماعة لاحقا، في كتابه "التاريخ السري لجماعة الإخوان المسلمين" كيفية استغلال الجماعة لمفاوضات الجلاء من أجل إحراج ناصر، قائلا: "الواقع أن اختلاف الإخوان في هذا الأمر (يقصد الجلاء) كان نابعًا من إحساسهم بخروج عبدالناصر ومن معه على قيادتهم، وقد تم اختيار هذا الموضوع ليكون سببا للصدام لما له من ثقل وطني في حس الناس، مما يعطي للإخوان تأييدًا شعبيًا في صدامهم مع رجال الثورة".
وأضاف: "بدأت المنشورات توزع على الإخوان في الشُعب وفي أماكن تجمعهم تشرح الخلاف من وجهة نظر الإخوان، فقد كانوا يرون أن احتفاظ الإنجليز بقاعدة قناة السويس هو بيع للقضية وأن الإخوان يفضلون الكفاح المسلح".
في مذكرات عشماوي، يلاحظ القارئ الشائعات التي أطلقتها الجماعة بعد مظاهرات عابدين فبراير ١٩٥٤، منها أن الحكومة تنوي اغتيال المرشد العام، فوضعت الجماعة حراسة له.
تحدث عشماوي تفصيليا عن خطة الصدام ومؤامرة الإخوان لتنفيذ انقلاب دموي يطيح بمجلس القيادة يتمثل في: أولا، تأمين الجيش عن طريق بعض الإخوان الذين كانوا في الخدمة ولا يعلم بهم عبدالناصر، وكان على هؤلاء واجب تحييد الجيش فقط والتأكد من عدم تحرك وحدات أخرى لقمع الحركة الشعبية المخططة. ثانيا، القبض على بعض الشخصيات المهمة والتي لها ثقل عند الصدام، وإذا لم يتمكن من القبض عليهم هناك خطة بديلة لاغتيالهم. ثالثا، قيام جميع الإخوان على مستوى الجمهورية بالاستيلاء على أقسام البوليس والمباني المهمة كلٌ في حدوده مستعينا بأقل عدد من الإخوان المدربين. رابعا، تقوم المجموعات الوافدة إلى القاهرة بالانضمام إلى إخوان القاهرة في عملية الاستيلاء على المباني الحكومية ذات التأثير مثل مبنى الإذاعة، أقسام البوليس، قطع الطرق المؤدية من ثكنات الجيش إلى داخل القاهرة، قطع الطرق الداخلة إلى القاهرة من جهة الإسماعيلية. خامسًا، حصار الطلبة بعد مظاهرات مسلحة للقصر الجمهوري والاستيلاء عليه.
وفي النقطة الأخيرة تجدر الإشارة لانتفاخ الجماعة بعد المظاهرات التي وقفت أمام قصر عابدين ولم تهدأ إلا بعد استعانة الرئيس محمد نجيب بعبدالقادر عودة، أحد قيادات الجماعة، الذي لمحه في الصفوف يلوح بقميص ملوث بالدماء، هذه الحادثة أشاعت وسط الإخوان أن هذه اللحظة كانت فرصة للانقضاض على القصر وإلقاء القبض على مجلس قيادة الثورة، ومن ثم الانفراد بالسلطة، ما سيجعلهم يفكرون بجدية في استعادة هذه الفرصة مجددا.
وبالقفز إلى مرحلة السبعينيات نلاحظ فى كتاب «عبدالمنعم أبوالفتوح شاهد على تاريخ الحركة الإسلامية فى مصر» لمؤلفه حسام تمام، فإن أبوالفتوح يحقد لكون الجامعة فى هذه الفترة كانت مليئة بالتيارات القومية والناصرية واليسارية، هى التى تسيطر على الجامعات واتحادات الطلاب فيها وكانت أفكار هذه التيارات خاصة اليسارية بمثابة الصدمة لى ولأمثالى من الشباب البسيط المتدين.
ويروج أبوالفتوح فى شهادته لهذه الصدمة، ويزعم أن هذه التيارات كانت تتعمد العداء للإسلام والسخرية منه وسبه ومثل هذه التهم التى هى من عادة جماعة الإخوان أن تلصقها بأى تيار مخالف لها مهما كان موقفه من الدين، فيقول إن "مجلات الحائط التى يعلقها اتحاد الطلاب تنتقد الإسلام وتخوض فيه بجرأة". وهذا الزعم أيضا يؤيد فكرة تجييش الشباب لما يسمونه بنصرة الإسلام وما هو إلا هجوم على أحزاب مخالفة أو عقد صفقات سياسية.
ويعترف أبو الفتوح أن اللقاء بين تيار الإسلاميين فى الجامعة وشباب التيارات الأخرى ينتهى بفوز الشباب، فيوضح: «كان أن تصادمنا مع اليساريين والشيوعيين فى حوارات كنا الذين ننال الهزيمة فيها غالبا نظرا لثقافتنا القليلة السطحية وعدم خبرتنا بالحوار والجدل النظرى فلم تكن لدينا القدرة على الرد أمام القضايا التى يثيرها هؤلاء الطلاب المثقفون المدربون جيدا على مثل هذه المناقشات».
من ضمن اعترافات أبوالفتوح، ما قاله عن اللجنة الفنية: «هدفنا من الترشح للجنة الفنية والفوز بها هو إيقاف المنكر والانحلال الذى تبثه بين الطلاب ومن ثم عطلنا عملها بمجرد أن فزنا بها، ولا أتذكر لها نشاطا يذكر لسنوات حتى بدأنا وقتها بالأناشيد الثورية والجهادية».
وهكذا فقد كرست جماعة الإخوان الإرهابية بمساعدة بقية التيارات المتطرفة دورها فى اختراق الجامعات وإفراغ الحركة الطلابية من دورها الوطنى والعلمى لصالح الجماعة التى انطلقت لتمكين مشروعها التدميرى لا فى الجامعة فحسب، بل فى الوطن ككل وفى كامل المنطقة، وهو ما استطاعت مصر أن تتخلص منه مع ثورة الثلاثين من يونيو فى العام ٢٠١٣، كى تستعيد عافيتها مجددا بعيدا عن فصيل متواطئ لا يرضى بغير الخراب والتدمير.