صحيفة الاتحاد:
2025-01-23@14:30:30 GMT

د. عبدالله الغذامي يكتب: انتصار الكتابة

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

في زمن الصورة تنتصر الكلمة، وإنْ كان القول المتواتر بأن الصورة عن ألف كلمة، لكن الواقع يشير إلى أن الكلمة تقاوم كل أنواع الإزاحات، ومنذ توجه الإنسان للكتابة، فقد كان ذلك من أجل حفظ زمن الكلمة ومحاولة منحها الخلود والتمدد الزمني والمكاني، والكلمة في حالتها الشفاهية ظلت الرباط الأول الواصل بين البشر، وبقيت كذلك رغم وجود بدائل فطرية مثل الإشارة ولغة الجسد من بسمة العينين كما بسمة الشفتين وبشاشة أو تجهم الوجه وحركات اليد التي تتخذ صيغاً عدة تحيل لمعانٍ سريعة تتغلب على سرعة الكلمات، ثم تطور الأمر لاختراع الرموز والشفرات عبر الرسم والحفر، ولكن ذلك كله ظل عالة على الكلمة التي تفردت بقدراتها على تفسير تلك الرموز وتحليلها وترجمتها لمعانٍ مفهومة، ولا يتحقق فهم أي حركة أو نقش إلا بمعونة الكلمات.


وحين تطور فن الصورة وتحول لصناعات كبرى في السينما وفي التلفزيون ظلت الكلمة تصاحب هذا التطور وتسعى للاستفادة منه كوسيلة مساندة وليس كبديل، وفي «تويتر» و«الواتس» نشاهد كيف انتعش سوق الكلمة المكتوبة رغم وجود فن الإيموجي، وسهولة استخدام الصور، لكنها تظل صوراً قاصرةً ولا يسد قصورها سوى ترجمتها لكلمات يجري التعارف عليها تعارفاً يماشي حضورها ويلازمه، وهي ترجمة قسرية لأنها تحصر كل صورة بمعنى واحد، ولا يشكل جملاً ولا يسمح بتأسيس سياق دلالي يتيح مجالاً لتعدد الدلالات، واللغة أصلاً مشروطة بتعدد المعاني مقابل محدودية الألفاظ، ولذا لزم أن يدل اللفظ الواحد على العديد من المعاني كما هي مقولة ابن سينا، ولا يقيد ذلك ويرتبه إلا سياق الجملة، حيث يتغير معنى اللفظ بسبب مجاورته لألفاظ أخرى تجتمع وتنتظم لتكون نظاماً دلالياً يحرر اللفظة من معناها المعجمي المثبت إلى معانٍ تظل تتغير وتتبدل حسب شروط السياق، على أن الكتابة تنتصر في زمن الانفتاح الوسائلي لأن الوسائل فتحت فضاءات التواصل على كل مجالاتها وآفاقها، وهذا أغرى كل إنسانٍ وإنسانة لدخول معترك التعبير اللغوي دون أية شروط، وتحركت مغامرات الكتابة التلقائية بحرية مطلقة، مما استنهض حس الرغبة لدى الجميع وكسر هيمنة النخبة على حقوق التعبير والنشر، وهنا أصبح الكل - كُتَّاباً وكاتبات - وانكسر الشرط الطبقي والاحتكار النخبوي، وبالتالي فالكلمة المكتوبة تنتصر على الصورة وتنتصر على الطبقية، ومن ثم تنطلق اللغة لتصبح هوية حرةً ومطلقة، ولتفتح كوناً جديداً للتعبير والإنشاء وللتفكير ولشجاعة المواجهة مع الكل، ولم يعد هناك كبيرٌ وصغير، إذ اشترك الجميع على مائدة واحدة، هي وسائل التواصل الاجتماعي في مجتمع مفتوح لا تقيده قيود.
كاتب ومفكر سعودي
أستاذ النقد والنظرية/ جامعة الملك سعود - الرياض

أخبار ذات صلة د. عبدالله الغذامي يكتب: جماليات الهزيمة د. عبدالله الغذامي يكتب: نازك الملائكة بين منهجيتين

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: الغذامي عبدالله الغذامي

إقرأ أيضاً:

اقرأ.. في البدء كان الكلمة .. اليوم افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب (فيديو)

عرض برنامج “صباح البلد” المذاع على فضائية صدى البلد، عن افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب فى دورته الـ 56 بأرض المعارض بالتجمع الخامس.

وقالت مراسلة صدي البلد، إن الفعاليات تستمر حتى يوم 5 فبراير لفته بأن من المقرر بأن تتطلق مبادرة المليون كتاب اليوم في تمام الساعة 12 ظهرا.

وأشارت إلي شعار معرض الكتاب 2025 "اقرأ.. في البدء كان الكلمة" الذي يحمل في طياته رسالة عميقة تلخص أهمية القراءة ودورها المحوري في حياة الإنسان وتطور المجتمعات، ويجمع هذا الشعار بين العمق الديني والقيمة الثقافية للمعرفة، ما يجعله رمزًا خالدًا للدعوة إلى العلم والتعلم.


 

مقالات مشابهة

  • اقرأ.. في البدء كان الكلمة .. اليوم افتتاح معرض القاهرة الدولي للكتاب (فيديو)
  • في أكتوبر.. لم تنتصر غزة ولم تنتصر مصر!!
  • دراسة تكشف فقدان "جيل Z" لمهارات الكتابة اليدوية
  • شعب يستحق الانتصار..
  • د.حماد عبدالله يكتب: القاهرة فى إحتياج إلى "جان" !!
  • د.حماد عبدالله يكتب: ظاهرة" البلطجة " بالشارع المصرى !!
  • الغذامي شخصية مهرجان القرين الثقافي 2025
  • أنغام: أكرم حسني جرئ في الكتابة وجريئة إني غنيت له
  • غزة تنتصر
  • عبدالله بن زايد: أهمية تعاون الجميع لتعزيز المنظومة التعليمية