صحيفة الاتحاد:
2025-01-24@00:32:43 GMT

د. نزار قبيلات يكتب: كيف يكون الخطيب مقنعاً؟

تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT

نحن بأمسّ الحاجة إلى تعليم الطلبة والناشئة أدوات وثقافة الإقناع بالتوازي مع تعليمهم أدبيات الحوار ومهارات التواصل مع الآخرين، وذلك عبر تدريبهم أولاً على استيعاب توجّهات مستمعي خطابهم، ثم نوع الحجة التي يقدمونها، بالإضافة إلى التبصّر بما يقوله المنطق الذي لا يملكه أحد، فالمنطق بطبيعته سياج إنساني أشمل لا يمكن لأحد ادّعاء امتلاكه، ومع اندياح وسائط التواصل الرقمي اليوم بِتنا أمام خطاباتٍ مرئية ومكتوبة لا تقوم على اعتبار المستمعين أو القارئين، فبعضها راح يقدم خطاباتٍ جوفاء وأحاديثَ تخلو من المضمون الواضح، هذا فضلاً عن التدنّي الواضح في مستوى المهارة اللّغوية نحواً وصرفاً، فكيف إذن يصبح كلامُنا مقنعاً للآخرين ما لم يَقم على بناءٍ لغوي سليم ثم بِناء مسلّحٍ بالحجّة والبرهان؟ فالبيان القرآني المعجز تجلّى بقدرته على النّفاذ إلى قلوب المستمعين قبل آذانهم، فأدركهم بالخشوع ثم بالتوافق والإذعان، واليوم يحرص صانِعو المحتوى وفق التقنيات الإلكترونية الحديثة على رصد أثرِ حديثهم من خلال معرفة عدد المتفاعلين معه، والذين قد يُبدون إعجابَهم بضغطة زرّ، أو بمشاركة المنشورات والتعليق عليها، وهذا لا يتأتّى بسهولة كما أظهرنا.


لقد وضع أرسطو أُسسَ الخطاب الحجاجي في كتابه «فن الخطابة»، وهو كتابٌ أسّس مبكراً للكيفية التي تجعل الخطاب مؤثراً ومقنعاً، من خلال حججٍ تأخذ بعين الاعتبار مرجعية متلقِي الخطاب والحجج التي يمكن أن تُصنع له، فقد مايز أرسطو بين حججٍ جاهزة يمكن مثلاً اقتباسها من أقوال الحُكماء والزعماء ومن مواقفهم ثم تقديمها للمتلقي، وبين حجج غير جاهزة يتم بناؤها عقلياً وفق مقتضيات سياق الحديث، فلكي لا يكون حديثنا منفصلاً عن الواقع صنع أرسطو الحجج من بنية الواقع القائم ومن المنطق ذاته، لكنها كما ذكرت تقف على لبنة أساسية وهي سلامة لغة المتحدّث، فالحجاج ليس جدلاً عقيماً، بل هو خطابٌ يهدف إلى التّضامن مع الآخرين بغية كَسب تأييدهم، حيث أصل الحجاج القضاء، لكننا نُمارسه كل يوم، سواء مع الكبار أم الصغار، نمارسه يومياً في كل حديث مع الآخرين ولو كان ذلك في سبيل إقناع الأهل أو الأصدقاء بزيارة مكان دون آخر، ليبقى أمر رصد استجابة الآخر وتقبّله مرهوناً بطريقة الانفعال التي تصدر عن المستمع، تماماً كما يحدث عند تصفيق الجمهور للخطيب أو للمغني على المسرح، وبالإضافة إلى السّلامة اللّغوية، اشترط أرسطو على الخطيب (المرسِل) تمتعه بالخُلق الحَسن وإظهار التّأدب والتخلّق، فالحجاج استراتيجية تمثل أحد أنواع القوّة الناعمة، فلا يكفي الخطيب عند محاولته إقناع الآخرين تقديم ما يحفظه أو ما يعتَقِده للمستمعين وحسب. لقد درّبت طلبتي قبل مدّة على فنّ المناظرة، ولاحظت حينها أن المواضيع الإنسانية جدليّة بطبعها، لا يحل عقدتها إلا المتحدث الذي يملك لساناً سليماً وعقلاً يقظاً وقدرة على استيعاب الآخر دون غضب أو رفض، وهو ما يعني بناءَ مجتمعٍ يقبلُ الاختلافَ، ويصون قيمَ التّقبل والاحترام والتّسامح.
أستاذ بجامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

أخبار ذات صلة وزير بناء السلام الإثيوبي يشيد بدور الإمارات في تعزيز قيم التسامح والتعايش تعاون بين جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية و«مؤسسة السلام» الإندونيسية

المصدر: صحيفة الاتحاد

كلمات دلالية: نزار قبيلات أرسطو الخطابة جامعة محمد بن زايد للعلوم الإنسانية

إقرأ أيضاً:

ميقاتي رعى حفل إطلاق إسم نزار شقير على أحد شوارع العاصمة بيروت

رعى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي اليوم حفل إطلاق إسم نزار شقير، والد الوزير السابق محمد شقير، على أحد شوارع العاصمة بيروت في منطقة كاراكاس، في حضور  رئيسي الحكومة الأسبقين تمام سلام وفؤاد السنيورة.
كما حضر أبناء المغفور له نزار شقّير، محمد وهادي وأسامة وهالة شقّير، وعائلته وذويه، وكذلك ووزراء ونواب حاليين وسابقين من بيروت وأعضاء الهيئات الاقتصادية اللبنانية وفاعليات  رسمية ودينية وسياسية وإقتصادية واجتماعية ونقابية بيروتية، بالإضافة إلى أعضاء تجمع "كلنا بيروت" وإعلاميين.
وفي المناسبة تحدث شقّير فشكر دولة الرئيس نجيب ميقاتي على رعايته وحضوره افتتاح شارع نزار شقّير، وتقدم بالشكر لكل من ساهم في اتخاذ الإجراءات النظامية لتسمية الشارع لا سيما الرئيس ميقاتي ووزير الداخلية والبلديات القاضي بسام مولوي ومحافظ بيروت مروان عبود ورئيس مجلس بلدية بيروت عبدالله درويش. كما شكر كل من حضر وشارك "في هذه المناسبة العزيزة على قلوبنا".
واعتبر شقّير أن "تسمية الشارع بإسم الوالد نزار شقّير هو تكريم لمسيرة عصامية مليئة بالتحديات والنجاحات  الكبيرة التي أدت الى رفع إسم لبنان عالياً في الكثير من دول العالم وبشكل خاص الدول الأكثر تطلباً.
وقال شقير "تكمن أهمية تسمية الشارع بإسم نزار شقير، ليس فقط لتخليد إسمه ومسيرته، إنما ايضاً لجعله مثالاً أعلى لأجيالنا الطالعة من أجل تحفيزها على الإقدام والمبادرة والريادة التي تشكل أصلاً إحدى ركائز هوية لبنان واللبنانيين.  

مقالات مشابهة

  • «مصر» جذور اللوتس التي لا يمكن اقتلاعها.. موسوعة القوات المسلحة في معرض الكتاب
  • ميقاتي رعى حفل إطلاق إسم نزار شقير على أحد شوارع العاصمة بيروت
  • القادري لـ سانا: ندعو جميع الكوادر التعليمية إلى وضع أنفسهم تحت تصرف مديرياتهم الأصلية التي هم على ملاكها، كما يمكن للراغبين بالنقل تقديم طلباتهم عند فتح باب النقل قريباً، بما يضمن تنظيماً قانونياً وإحصائيات دقيقة
  • السفير الروسي يبحث مع نزار كعوان حل الأزمة الليبية
  • ما هي "ديبنوفوبيا" فوبيا تناول الطعام أمام الآخرين؟
  • «تحولات الخطاب الصهيوني وتحليل السرد» طبعة جديدة للدكتورة سارة فوزي
  • انتصار المقاومة الفلسطينية يوثق الخطاب الانهزامي للعدو الصهيوني
  • تفاصيل حفل ماجدة الرومي في عيد الحب 2025
  • أصداء الخطاب السامي (2)
  • 3 أبراج تفضل العزلة عند الخذلان.. لا تحب إظهار ضعفها أمام الآخرين