مَكاسِب وخسائر (المليشيا) وداعميها وحلفائها (بالورقة والقلم والآلة الحاسبة)..!
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
أمسك بالورقة والقلم والآلة الحاسبة ولا داعي لاستخدام الاستيكة.
بعملية حسابيّة بسيطة وسريعة، ستعرف على وجه اليقين مكاسب وخسائر المليشيا وداعميها وحلفائها في حربها على الدولة السُّودانيّة، ومُحاولة ابتلاعها وهضم مُكوِّناتها وتحطيم إمكانياتها وتشريد سكانها.
دَعنا نبدأ بتحديد الأهداف ومن ثَمّ مآلات النتائج:
أرادت قوات الدعم السريع قبل العودة لطبيعتها المليشياوية المَحضَة (القتل والسلب والاغتصاب)، وقبل أن يضع حميدتي كدموله على رأسه في ١٥ أبريل بعد هجره لسنواتٍ، أرادت أن تُسيطر على الحكم والسُّلطة وتسطو على الدولة في عملية خاطفة تقارب الضربة القاضية العاجلة.
خارطة الانقلاب كانت واضحة ومُحدّدة بدقة:
أولاً: القبض على قيادة الجيش، وتجهيز كل ما يُساعد على ذلك من أسلحة وعِتاد وقُوات مع إحضار بوكلين لهدم حائط منزل البرهان.
ثانياً: اختيار قيادة ترميزية مُضلّلة كواجهة نظامية للانقلاب.
ثالثاً: السّيطرة على المواقع العسكرية الاستراتيجية، لذا كانت البداية بالسّيطرة على اللواء الآلي الباقير وما به من مُدرّعات ليلة ١٤ أبريل قبل ساعاتٍ من ساعة الصفر.
رابعاً: تحييد الطيران في كل المطارات، خاصّةً في مروي والأبيِّض، فجاء التحرُّك نحو مطار مروي يوم ١٢ أبريل قبل (٧٢) ساعة من ساعة الصفر.
خامساً: السّيطرة على الإذاعة والتلفزيون وتجهيز بيانات ما بعد نجاح الانقلاب من قِبل يوسف عزت..!
ثُمّ ماذا حَدَث؟!!
فشلت الخُطة (أ) لعدة أسباب من أهمها:
-بسالة حرس البرهان.
-قُوة دفاعات المُدرّعات ووادي سيدنا وبقية الوحدات المهمة.
-الطلعات الجوية للواء طيار طلال علي الريح، ولهذه (قِصّة وتفاصيل ستُروى مُستقبلاً).
الخُطة (ب)..!
قرّرت المليشيا بعد فشل الخُطة (أ) الانتقال إلى الخُطة (ب)، فما لم يتحقّق بالضربة القاضية يُمكن تحقيقه بالنقاط:
سيطرت المليشيا على مساحات واسعة من الأرض .
نتجت عن تلك السّيطرة السلبية انتهاكات وفظاعات كارثيّة ترتّب عليها التالي:
١/ كسبت المليشيا الأرض، ولكنها خسرت في المقابل السكان الذين هربوا من بطشها ووحشيتها إلى مناطق سيطرة الجيش أو إلى خارج البلاد وتحولت أماكن سيطرتها لمدن وقرى أشباح .
٢/ كسبت المليشيا الأرض، ولكن في مُقابل ذلك خسرت:
غالب قُوتها العسكرية المنظمة وأهم قياداتها الميدانية البارزة، فصرّح قائدها حميدتي في أول أيام الحرب بأنّ الجيش في ضربة واحدة قتل أكثر من أربعة آلاف من قُواته.
وأضاف في تصريح آخر بعد يومين، أن أكثر من (٦٠) مُقاتلاً في حراسته الشخصية قُتلوا أمام عينيه.
٣/ خسران المليشيا لأعدادٍ كبيرةٍ من قُواتها المنظمة والمُدرّبة، دفعت بها لتوسيع استعانتها بمن أسماهم حميدتي بالكسابة في لقائه بقيادات “تقدُّم”، والذي تحدّث عنه الدكتور بكري الجاك في فيديو مُسرّب، ووصفهم حميدتي في بيانه الأخير بالمُتفلِّتين.
٤/ التوسُّع في الاستعانة بالكسابة والمُـرتزقة الأجانب، زاد من حجم وفظاعة الانتهاكات.
وترتّب على ذلك تقارير وتحقيقات عالمية وإدانات دوليّـة، عزّزت من احتمال تعرض قيادة المليشيا للملاحقة الجنائية الدوليّـة.
وربما هذا ما دفع بالمبعوث الأمريكي توم بيرييلو بأن يُصرِّح في أكثر من مرة بألّا مُستقبل للمليشيا في الفضاء السياسي السوداني، لسبب بسيط جدا لأنها أصبحت في ذاتها وبسلوكها أكبر خطر مهدد للمواطنين الذين ترغب في حكمهم..!
-أخيراً وليس آخراً-
إذاً، مكاسب السّيطرة الميدانية على الأرض في الراهن تَحَوّلت لخسائر سياسيّة واجتماعية ونفسية فادحة تهدد الوجود في المستقبل و تمثّلت في الآتي:
١/ خسارة السكان وتوسيع قاعدة الأعداء على امتداد البلاد وتعاقب الأجيال.
٢/ استعداء المُجتمع الخارجي وإحراج الحُلفاء الإقليميين برفع فاتورة العلاقة وتبعاتها.
٣/ استنزاف القوات خلال هوس السّيطرة على الأرض دون وضع اعتبار
للخسائر البشرية، بينما المعادلة في طرف الجيش على غير ذلك .
وكما قال الطيب صالح:
من الذي يبني لك المُستقبل (يا هداك الله) وأنت تذبح الخيل وتُبقي العربات، وتُميت الأرض وتُحيي الآفات؟
نواصل في الكتابة عن خسائر الداعمين وحلفاء الداخل.
إلى اللقاء،،،
ضياء الدين بلال
إنضم لقناة النيلين على واتسابالمصدر: موقع النيلين
إقرأ أيضاً:
رجال غزة.. حُماة الثغور عبر التاريخ
حمد الناصري
قد تصنع جغرافيا صغيرة، تاريخًا كبيرا، وهذا ما حدث في غزة على مدار عقود طويلة، أكدتها في السابع من أكتوبر 2023، استطاعت تلك المساحة الضئيلة أن تشكّل مُجتمعا صامدا، مُجتمعا لم يضعف ولم يهن ولم يخضع؛ بل يزداد صُمودًا إلى درجة أنه حُرم من العيش الآمن ونال من قسوة الاحتلال الصهيوني ما لم ينلهُ شعب عبر امتداد طويل وواقع سياسي صعب وقاسٍ، وتلقى النكبات تلو الأخرى، ولم يجزع ولم يهِن ولم يضعف ولم يُظهر غير الصبر والثبات.
77 عامًا من النكبات والشتات، بدءًا من نكبة 1948، والتي شهدت أكبر عملية تهجير أولى عرفها الشعب الفلسطيني بعد أن دُمّرت قراهم ومُدنهم، فعانى الشعب الفلسطيني الويلات والنكبات المُتتالية ومن القسوة والشتات في كل بقاع الأرض.. في هذا اليوم المشؤوم أعلن تأسيس دولة إسرائيل على أرض فلسطين.
ولم يتكيّف الفلسطيني مع الوضع ولم يرضخ له أو يعترف به، وظلت الأجيال تتوارث فكرة المقاومة من جيل إلى جيل برغم قسوة التهجير والحرب غير المُتكافئة في معظم الأحيان، فمضت نكبة التهجير المريرة وتلتها نكبة الصراع الطويل. وفي هذا الواقع المرير لعِب رجال هذه الأرض المباركة دور المُواجهة الدائمة مع الاحتلال الإسرائيلي، وبقي الفلسطيني صامدًا مُحتسبًا مدافعًا عن أرضه ووطنه، وأسّس حركة الفداء للأرض والوطن، حركة عُرفت بـ"الفدائيين"، ثم جاء بعدها العُدوان الثلاثي عام 1956، ثم نكسة أكبر من التي قبْلها، نكسة الخامس من يونيو 1967، وفي هذه النكبة المُدمّرة، التهمتْ الصهيونية الإسرائيلية الأراضي والمباني وعيْنها على ما تبقى من المساحة الخضراء لغزة.
77 عامًا لا هدوء فيها ولا فرح؛ بل هي سِنين من أسرار المُواجهة الصامدة من أجل الأرض والوطن وبحرها الذي أصبح النافذة الوحيدة لكل قطاع غزة.. احتلال غاشم مُتطفّل لا كيان له، سوى "وعد بلفور" الصادر بتاريخ 2 نوفمبر 1917، وعْدٌ صدر من المُستعمر البريطاني خلال الحرب العالمية الأولى، دعمًا لتأسيس "وطن قومي لليهود" في فلسطين، نصّه كالتالي: "تنظر حكومة صاحب الجلالة بعين العطف إلى إقامة وطن قوميّ للشعب اليهوديّ في فلسطين، وستبذل غاية جهدها لتسهيل تحقيق هذه الغاية، على أن يفهم جليًا أنه لن يُؤتى بعمل من شأنه أن ينتقص من الحقوق المدنية والدينية التي تتمتع بها الطوائف غير اليهودية المقيمة في فلسطين، ولا الحقوق أو الوضع السياسي الذي يتمتع به اليهود في أي بلد آخر".
وعد بلفور المشؤوم في 1917، والذي يُنسب إلى آرثر بلفور وزير خارجية بريطانيا العظمى وأيرلندا وهو رسالة إلى اللورد ليونيل دي روتشيلد؛ وهي عائلة بريطانية يهودية، مُهيمنة على الوعد وحوّلته إلى واقع شرّاني بائس وقبيح، وصار يُعرف بالاتحاد الصهيوني البريطاني.
ومن وسط ركام الحروب يُولد دائمًا الأمل؛ فمن بين المحن التي توالت على الأمة عامة، وعلى فلسطين خاصة، استطاعت حركة حماس التي أسسها الشهيد القعيد الشيخ أحمد ياسين، أن تتجاوز التوقعات المرة، وأن تصنع أملًا جديدًا تحيا عليه الأمة حتى الساعة، تصنع فيه المعجزات التي صنعها صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا، وتتفوق على آلة الحرب الصهيونية في الأراضي المقدسة، فمنذ القرن العشرين وحركة حماس في تحدٍّ يفوق الخيال؛ إذ أصبح الغرب مدهوشًا بالأفكار السريالية التي تقوم بها حركة حماس وركّزت المقاومة على تحرير العقل الغزّاوي، ودعتهم إلى تجاوز واقع القسوة والشتات إلى واقع فيه لبُوس من العزة والكرامة.. فحرّرت غزة رغم التواطؤ العالمي والمحلي، ورغم أنّ الجيش الإسرائيلي المُتطور تقنيًا والمدعوم بقوة غربية أوروبية وأسلحة حديثة، لم يستطع تحقيق هدفه أو الدخول إلى عُمق مساحة غزة لأكثر من 630 يومًا من بدء طوفان الأقصى في 7 أكتوبر.. حيث شهدت هذه الفترة دمار مُستشفيات، وقتلا وحشيا للأطفال، وهدم منازل، وحصارا شاملا، وتجويع شعب كامل أمام أنظار العالم، ولم تُحرك عواطف الإنسانية فيه، قيد أنْملة.
77 عامًا من القتل والدمار والتشريد والتهجير، يُقابلها صنف من الرجال الصامدين، يُسطرون أعمالًا بطولية كل يوم، رغم ألوان من العذاب والتنكيل، وهم يقولون الأرض الأرض..
تُذكّرني أحداث معركة أُحُد العظيمة، زمن صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم في العام الثالث للهجرة المُباركة والمعركة تُنسب إلى جبل أُحُد العظيم، الذي قال عنه النبي محمد صلى الله عليه وسلم: "أُحُد يُحبنا ونحن نحبّ أُحُد"، وتذكّرني حادثة ارتباط الغزّاوي بأرض الأقصى المباركة وتمسّكه بوطنه الفلسطيني بحرًا وأرضًا، بالصحابي الجليل بلال بن رباح وهو يتلقى أشد العذاب وألوان التنكيل من سيّده أمية بن خلف ليترك الإسلام، ولكنه يُواجهه بكلمة "أحد أحد" رافضًا الاستسلام ورافضًا التخلي عن الإسلام بتاتًا، وقد ثبت على إيمانه، حتى اشتراهُ أبو بكر الصديق رضي الله عنه ثم أعتقه لوجه الله.
ويظل الأمل باقيا في رجال الأمة ما بقي الزمان..
خلاصة القول.. تظل أعمال البطولة الشامخة تاريخًا لا يُنسى، وستذكُره الأجيال المُتعاقبة جيلا بعد جيل.. لقد صدق الغزّاويون حين ثبتوا على الأرض وصمدوا لأجْل الأقصى المبارك وتحدّوا الظالمين بقوة بما كانوا يعلمون بأنّ العدو الغاشم خاسر لا محالة وأن وعد الله قريب، فما حدث في المشهد البطولي، الذي هو مثار حديث بطولة جبّارة لا تُستنسخ، مُقاتل غزّاوي تسلّق مجنزرة تابعة لوحدة الهندسة الإسرائيلية وألقى بداخلها عبوة ناسفة أدت إلى مقتل سبعة جنود إسرائيليين كانوا بداخلها.
إنه لمشهد بطولي من مسافة صِفر، جهاد في سبيل الأرض المباركة ووقفة صُمود وعِزة من رجال صدقوا ما عاهدوا عليه الله، وقفة بُطولية عالية، وقفة الأحرار في زمن الصّفقات والخيانات.. الغزّاويون أمة مُؤمنة بربّها، أمة لا تنكسر، شامخة، أمة صابرة، عقيدتها جهادٌ من أجل الأقصى المبارك ومن أجل الوطن والأرض، عقيدة لا مساومة عليها، أمّة الصُمود أثبتت للعالم أجمع أنّ المدرعات لا تُهيب الرجال وأنّ القوة التي لا تُقْهر، قُهِرت بأيدي رجال غزة الأوفياء، وإنه لحديث له ما بعده، بعد أن غيّرت حماس وجه الشرق الأوسط وترسم خريطته من جديد.