لماذا تراجعت الثقة والمصداقية في المنتخبين وفي المؤسسات المنتخبة: زاوية أخرى للنظر
تاريخ النشر: 17th, August 2024 GMT
على الرغم من كل التقدم الذي عرفته تجربتنا الديموقراطية على مدى عقود، يجتاحني أحياناً، وبقوة، سُؤالٌ وُجودي (بالمعنى السياسي للكلمة) حول ما الجدوى من أن تكون سياسيا منتخَباً تمثلُ الناس، أو أن تكون برلمانيا، أو حتى رئيس فريقٍ برلماني، في سياقٍ يتَّسِمُ بتجاهل الحكومة، بقطاعاتها ومؤسساتها العمومية ووزرائها ومسؤوليها المركزيين، لمعظم المبادرات والاقتراحات والتنبيهات التي تأتي من مُنتَخَبٍ دوره الأساسي نَــــقْلُ هُموم المواطنين وآلامهم وآمالهم وانشغالاتهم إلى المدبرين العموميين.
وينتابني تساؤلٌ قوي، بالتالي، حول أيِّ مصداقية وأيِّ ثقة وأيّ مكانةٍ، في أرض الواقع، يمكن أن تكون لممثل الأمة، وهو الذي يراه الناسُ مثلهم تماماً، بعينٍ بصيرة ويدٍ قصيرة، لا حول له ولا قوة في إحداث الفارق بالشكل المتوخَّى، ولا في تغيير واقعٍ مرير، ولا في حلِّ مشكلٍ، رغم أنه قام بما يلزم من مبادراتٍ لإيصال صوت الناس وقضيتهم.
جُلُّ القضايا والمشاكل في المجتمع، محلية كانت أو ذات بُعدٍ وطني، يَتِمُّ طرحها في شكل أسئلة برلمانية أو مقترحات قوانين، أو يتم التنبيه إليها في مداخلات نائبات ونواب الأمة الملتصقين بهموم الناس فعلاً (بغض النظر عن نِسبتهم وذاك حديثٌ آخر ذو شُجون). لكن ما المغزى من أن تجد نفسك، حين تطرح مسألة، أمام حكومةٍ ومسؤولين لا يحركون ساكناً، ولا يشكلون لجنة للتحقيق، ولا يخصصون وقتاً للالتفات إلى قضية، ولا يُبدعون حلاًّ خاصاًّ، ويتخذون بالمقابل من التجاهل منهجاً مُمنهجاً في التعاطي مع معظم المبادرات !؟
نعم، لا يمكن إنكار أن الحكومة الحالية بدأت مؤخراً تتعامل بقليلٍ من الإيجابية مع بعض مقترحات القوانين، لكن بالمقابل فإن المبادرات التشريعية الأقوى التي من شأنها أن يكون لها وقعٌ وأثرٌ على المعيش اليومي للناس لا تزالُ تخضع لكثيرٍ من التجاهل. من قبيل « مقترح قانون تسقيف أسعار المواد المستفيدة من الدعم »؛ و »مقترح قانون منح إعانة مادية للشباب الباحث عن الشغل »؛ و »مقترح القانون المتعلق بمصفاة لاسامير »؛ و »مقترح قانون « المناطق الجبلية »؛ وغير ذلك بالعشرات.
بالفعل، إنَّ الديموقراطية التمثيلية تُواجِهُ صعوباتٍ عبر كل العالَم، لكن لا أحد إلى اليوم استطاع أن يبتكر أسلوباً أفضل (أو بالأحرى أقل سوءًا من نمط الديموقراطية التمثيلية من أجل تدبير الشأن العمومي).
وفي بلادنا المغرب، لدينا دستورُ متقدم جداًّ من حيث دور السياسة والسياسيين ومن حيث الأبعاد الديموقراطية. ولنا إرادة ملكية قوية في جعل المسؤولية مرتبطة بالمساءلة وفي جعل الممارسة السياسية مرتبطة بالأخلاقيات وبالنجاعة والفعالية والإنصات لنبض المجتمع والتفاعل مع قضايا الناس. ولنا أيضاً تاريخٌ محترم من تقاليد الممارسة الحزبية والسياسية المستندة إلى مبدأ التعددية.
لكن، ماذا ينقصنا !؟ ولماذا صار الناس لا يثقون في كل ما هو « سياسي » !؟ ولماذا لم ننجح في جعل مؤسساتنا المنتخبة جذَّابة وفضاءً لإخراج الحلول الحقيقية لمشاكل الناس !؟ ولماذا لم نُفلح في جعل مسارنا التنموي المتألق مُحَصَّناً ومُعَزَّزاً بمسارٍ ديموقراطي يحتضنه الناس ويجدون فيه انعكاساً لانتظاراتهم وتطلعاتهم !؟ لماذا لم ننجح في تحرير طاقات ملايين الشباب والمثقفين والنساء وجعلهم مؤمنين بأن الفعل السياسي له معنى ومغزى وجدوى، وبأن الانخراط في البناء الديموقراطي ليس ترفاً وليس حرفة وليس بِدعة!؟
من المؤكد أن الجواب على هذه الأسئلة الحارقة والمصيرية هو جوابٌ على حاضر ومستقبل وطننا العزيز. كما من المؤكد أن الأجوبة لن تكون نظرية أو مجرَّدة، بل عملية وواقعية ومركَّبَة وتتطلب النَّفَسَ الطويل. لكنها ليست أجوبة مستحيلة، فطريق الألف ميل تبدأ بخطوةٍ واحدة.
والخطواتُ الأولى هي التعاطي الجدي والمسؤول للحكومة (أي حكومة) مع القضايا والمبادرات التي يطرحها ممثلو الأمة. وهي الشروعُ جماعيا، مؤسساتيا ومجتمعيا وإعلاميا، في تثمين المبادرات الصادقة والوجيهة، بنفس القدر الذي نسلط فيه الأضواء على الممارسات السلبية والسيئة في الفضاء السياسي. ثم علينا، دولة ومجتمعاً وأحزاباً، أن نعمل كلَّ شيء لنجعل من المؤسسات المنتخبة فضاءً لا يَلِجُها سوى اللواتي والذين يريدون خدمة الصالح العام بأيدي نظيفة، وبطريقة نزيهة ومستقيمة وكفؤة. كما علينا التوقف عن إعطاء مفهومٍ خاطئ عن الكفاءة في مجال التدبير السياسي والحكومي، حيث لا تكفي هنا تلك الكفاءة التقنية والتخصصية مهما بلغت درجاتها، بقدر ما تقتضي الكفاءة السياسية القُدرة على التواصل مع الناس ومع المؤسسات المنتخبة، وفي مقدمتها البرلمان، والقدرة على إبداع الحلول، والتحلي بالشجاعة السياسية لاتخاذ القرارات والدفاع عنها.
هذه أولى الخطوات لاستعادة الثقة، واسترجاع المصداقية…. ولتحرير الطاقات كما جاء ذلك في وثيقة النموذج التنموي الجديد.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: فی جعل
إقرأ أيضاً:
عبد الرحمن محمد إبراهيم دبكة مقدم مقترح إعلان الإستقلال من داخل البرلمان
مقدم مقترح إعلان الإستقلال من داخل البرلمان ( أول برلمان سوداني) في الجلسة التأريخية يوم 19 ديسمبر 1955.. النائب عبدالرحمن محمد إبراهيم دبكة عن دائرة (البقارة غرب) إحدى دوائر إقليم دارفور وتمت إجازة المقترح بالإجماع وأعلن الإستقلال من داخل البرلمان .▪︎ والده الناظر (دبكة) ناظر عموم قبيلة البني هلبة ولد بعدالفرسان جنوب غرب نيالا ونشأ في بيئة قومها القرأن الكريم والفروسية والشجاعة والإقدام وتربي علي قيم الخير والفضيلة حتي أصبح من الشخصيات الوطنية البارزة والمتفردة.▪︎ ليس من صناع الإستقلال فحسب بل من رواد العمل السياسي والوطني وله إسهامات في مختلف المجالات وسيظل إنجازه بتقديم مقترح الإستقلال عملا وطنيا تأريخيا تفخر به الأجيال .. وعبر الحكومات التي تعاقبت علي البلاد تظل الأوسمة التي تقلدها ( النيلين والجمهورية والإنجاز السياسي / من الطبقة الأولي) علي صدر كل السودانيين فخرا وعزة وإباء ..▪︎ توفي إلى رحمة موﻻه بمدينة نياﻻ في يوم اﻹثنين اﻷول من فبراير عام 1988 م، نسأل الله له المغفرة، التحيه لهذا البطل فإنه أحد الذين ساهموا في صناعة استقلال بلادنا.إعلام القوات المسلحة إنضم لقناة النيلين على واتساب