قالت صحيفة "نيويورك تايمز" إن حزب الله اللبناني "عالق" بين مطرقة ضرورة الرد على إسرائيل بعد مقتل أحد قادته البارزين الشهر الماضي، وسندان المخاطرة بتأليب الشارع اللبناني ضده في حال تسبب ذلك باندلاع حرب شاملة مع إسرائيل.
وتوعد حزب الله، المدعوم من إيران، بالانتقام من إسرائيل بعد مقتل القائد العسكري في الحزب فؤاد شكر في 30 يوليو في ضربة جوية في الضاحية الجنوبية لبيروت.
ولكن بعد مرور أكثر من أسبوعين، لم يأت الرد في الوقت الذي يحاول حزب الله تحقيق توازن دقيق بين الانتقام الذي يسعى إليه ومخاطر حدوث رد فعل عنيف في الداخل، وفقا للصحيفة.
ويعاني لبنان بالفعل من اضطرابات عميقة بسبب أزمة سياسية واقتصادية مستمرة منذ عدة سنوات، وقد سئم مواطنوه الصراع.
فقد انتقلت البلاد من أزمة إلى أخرى منذ اندلاع الحرب الأهلية التي استمرت 15 عاما في عام 1975.
وتشير الصحيفة إلى أنه في حال انتهى الأمر باندلاع حرب شاملة جديدة كتلك التي حصلت في 2006 بين حزب الله وإسرائيل، فمن الممكن أن ينقلب الداخل ضد الحزب.
وتضيف الصحيفة أن حزب الله وباعتباره القوة السياسية والعسكرية المهيمنة في البلاد، يحاول التعامل بحذر وعدم خسارة كل شيء.
وتنقل الصحيفة عن النائب المسيحي المتحالف مع حزب الله آلان عون القول إن "حزب الله عالق.. فهو بحاجة للانتقام لاغتيال أحد قادته، لكن في الوقت نفسه لا تزال صورة حرب 2006 في ذهنه".
ويتابع عون أن حزب الله يعلم أن الشعب اللبناني لا يستطيع تحمل ذلك بعد الآن".
في عام 2006، خاض حزب الله وإسرائيل حربا دامية استمرت شهرا وتسببت بتدمير مساحات واسعة من جنوب لبنان.
وأدى الرد الإسرائيلي القاسي إلى التفاف العديد من الفصائل اللبنانية حول حزب الله، لكن الخطر اليوم يتمثل في أن الكثيرين في البلاد قد يلومون الحزب على أي دمار إضافي للبلاد بدلا من دعمه.
قبل اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر الماضي كان لبنان يعاني أصلا نتيجة سنوات من الشلل السياسي والتدهور الاقتصادي.
انهار الاقتصاد اللبناني في عام 2019، بعد أن فقدت العملة أكثر من 95 في المئة من قيمتها، مما أدى إلى محو مدخرات الكثيرين.
وأدى ذلك بالنهاية لانهيار سياسي، حيث لم تتمكن الحكومة المؤقتة التي تم تشكيلها في بداية عام 2020 من توفير الخدمات الأساسية للبلاد.
ونتيجة لهذه الأسباب وغيرها، تقول الصحيفة إنه ليس لدى معظم اللبنانيين الرغبة في خوض أي حرب كبيرة أخرى مع إسرائيل.
وفتح حزب الله الذي تمده إيران بالمال والسلاح، جبهة ضد إسرائيل من جنوب لبنان، منذ الثامن من أكتوبر، بعد يوم من اندلاع الحرب في القطاع الفلسطيني، إثر هجوم غير مسبوق لحماس في جنوب إسرائيل.
ورغم أن حزب الله وإسرائيل يتبادلان القصف يوميا عبر الحدود منذ عشرة أشهر، إلا أن منسوب الخوف من التصعيد ارتفع في الآونة الأخيرة في لبنان بعدما توعدت طهران وحزب الله بالرد على اغتيال رئيس المكتب السياسي لحركة حماس الفلسطينية إسماعيل هنية، ومقتل القيادي في حزب الله فؤاد شكر.
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: حزب الله
إقرأ أيضاً:
حزب الله ... والانفتاح المشروط على الحوار
بات مؤكدًا وفق السياسة الاميركية تجاه لبنان أن صدقية الحكومة تعتمد على قدرتها على فرض احتكار الدولة للسلاح، ولا تكفي التصريحات ما دام حزب الله يحتفظ بسلاحه خارج إطار الدولة، ورغم ذلك يعيد حزب الله طرح موقفه من موقع المقاومة في المعادلة الوطنية، عبر تأكيد مزدوج على التمسك بخيارها كقوة دفاع عن لبنان، والانفتاح المشروط على حوار داخلي بشأن الاستراتيجية الدفاعية.ينطلق حزب الله في مقاربته من اعتبار أن ما يهدد لبنان يتجاوز الانقسامات الداخلية إلى مشروع خارجي واسع يستهدف الكيان والصيغة اللبنانية. فبحسب قراءته، يتعرض لبنان لضغوط دولية تهدف إلى إخضاعه أو إعادة دمجه في صراعات إقليمية، وسط دعوات متكررة إلى نزع سلاحه أو فرض وصايات جديدة عليه. في هذا السياق، يطرح الحزب أن التمسك بالسلاح شمال الليطاني ليس مجرد خيار حزبي أو فئوي، بل ضرورة وطنية ووجودية لحماية لبنان من مشاريع التقسيم والتدويل، مع تشديده أيضا على أن طرح ملف السلاح قد يؤدي إلى ترك الشعب مكشوفا أمام أي عدوان، في ظل غياب ضمانات حقيقية لردع إسرائيل التي لم تلتزم بالاتفاقات.
وفي وجه الأصوات المطالبة بحصرية السلاح بيد الدولة، يقدم حزب الله مقاربة تفصيلية، يميز فيها بين سلاحه الذي كان هدفه الاساس مواجهة الاحتلال الإسرائيلي وصد الاعتداءات، وبين السلاح المتفلت الذي يشكل تهديداً فعلياً للأمن الداخلي. ووفق هذا المنطق، فإن الدعوة إلى ضبط السلاح يجب أن تستهدف أولاً السلاح غير الشرعي الذي ينتشر بين المجموعات الخارجة عن القانون أو يستخدم في النزاعات المناطقية والطائفية أو سلاح المخيمات. أما المقاومة، فيرى الحزب أنها جزء لا يتجزأ من معادلة الأمن القومي.
في المقابل، لا يغلق حزب الله باب الحوار، بل يعرب عن استعداده للدخول في نقاش وطني حول الاستراتيجية الدفاعية الشاملة، شرط أن يتم هذا الحوار انطلاقا من الاعتراف بدوره في حماية لبنان. بهذا، يسعى الحزب إلى تثبيت موقفه كجزء من منظومة الدفاع الوطني، لا كجسم معزول أو خارجي عنها. وهو يرفض في الوقت نفسه أي محاولة لعملها تحت شعار الحصرية، معتبراً أن مثل هذا الطرح يخدم، بشكل مباشر أو غير مباشر، المشاريع التي تستهدف لبنان من الخارج.
وهنا يبرز التباين مع القوات اللبنانية كواحد من أوضح وجوه الانقسام الوطني حول هذا الملف. فالقوات تتبنى موقفا مبدئيا يدعو إلى حصرية السلاح بيد الدولة فقط، وتعتبر سلاح حزب الله تعديا مباشرا على السيادة وتفريغا لمفهوم الدولة من مضمونها. وفي نظرها، لم يعد لسلاح الحزب أي مبرر منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي عام 2000، بل تحول إلى أداة إقليمية استخدم في سياقات تجاوزت لبنان، وخدمت مصالح إيران أكثر مما خدمت الأمن اللبناني.
وتطالب القوات بأن تكون الاستراتيجية الدفاعية مدخلاً لتوحيد القرار العسكري والأمني تحت سلطة الجيش من دون شراكة أو ازدواجية. من هذا المنظور، فإن كل تسوية تبقي على سلاح الحزب، تعد في نظرها تنازلاً عن السيادة الوطنية ومصدراً دائماً للاختلال الداخلي والتدخلات الخارجية.
في خطابه السياسي، يحمل حزب الله مسؤولية تأزيم الواقع اللبناني إلى من يتبنون خطاب التخوين والكراهية، ويرى أن ضرب الوحدة الوطنية هو أكبر خدمة تقدم لإسرائيل وللمشروع الأميركي في المنطقة. ولذلك يدعو إلى العودة إلى مفهوم الوحدة في وجه الخطر، وهي المعادلة التي لطالما أكد عليها منذ ما بعد عام 2006.
من جهة أخرى، يلاحظ مصدر سياسي وسطي أن الحزب يستخدم خطابا سياديا في الشكل، لكنه يخفي خلفه رغبة في إعادة تثبيت المعادلة الثلاثية كصيغة دفاعية دائمة،علما أن هذه المعادلة بالنسبة للبنان الرسمي أصبحت من الماضي ولا يمكن إعادة تبنيها، ولذلك فإن خطاب الحزب، وإن حمل في طياته دعوة إلى الحوار، يبقى منضبطا ضمن حدود لا تسمح بالتخلي عن جوهر السلاح أو استقلالية قراره، ما يعكس حذرا سياسيا من مواقفه.
من هنا، تبدو الحاجة ملحة إلى رؤية سياسية تقوم على التدرج في بناء الثقة، وإعادة تعريف الأدوار ضمن إطار وطني جامع. وهذا لا يتحقق، بحسب مصدر سياسي بارز، إلا من خلال حوار جدي، مسؤول ومحصن عن الاستغلال الإقليمي والدولي، تشارك فيه القوى السياسية الرئيسية، ويقوم على مبادئ ثلاثة وهي: الاعتراف المتبادل بالمخاوف والحقوق، بدلاً من تخوين الخصم أو تسفيه روايته، ربط السلاح بالشرعية الوطنية تدريجياً ضمن آلية واضحة متفق عليها وترتكز على حماية لبنان بعيدا عن محاور الخارج، تحصين الجيش اللبناني سياسياً وتسليحياً ليكون المرجعية النهائية في الدفاع، مع صيغة تفاهم مرحلية تراعي الواقع ولا تتجاهله.
المصدر: خاص لبنان24 مواضيع ذات صلة بو صعب: موضوع سلاح حزب الله على الطاولة وجزء أساسي من الحوار Lebanon 24 بو صعب: موضوع سلاح حزب الله على الطاولة وجزء أساسي من الحوار