نقص السيولة المالية.. سيف آخر على رقاب الغزيين في ظل الحرب
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
يصطف عبد الله إسماعيل بين أسبوع وآخر -ساعات طويلة- تحت عين الشمس في طابور ممتد أمام جهاز صراف آلي تابع لبنك محلي بالمنطقة الوسطى في غزة، لسحب جزء من مدخراته التي شارفت على الانتهاء ليعيل به عائلته الصغيرة في ظل ظروف الحرب شديدة القسوة التي يعيشها قطاع غزة.
ويقول للجزيرة نت إنه يضطر لتكرار الأمر بشكل أسبوعي، متجنبا حمل نقد أكثر من الحاجة تجنبا لفقده أوقات القصف أو النزوح كونه يعيش في خيمة بدير البلح.
ويضيف "بعض الأيام أرجع خالي الوفاض، تنفذ الأموال من الآلة أو تتعطل، أو أنني أتعب من الانتظار" مشيرا إلى أن عودته بلا نقود "تتسبب في إحباط لأطفاله الذي ينتظرون قدومه بها".
إسماعيل ليس الوحيد، حيث يواجه سكان قطاع غزة صعوبة بالغة في سحب بعض أموالهم من حساباتهم البنكية بالقطاع، جراء إغلاق النظام المصرفي منذ بداية الحرب الإسرائيلية على القطاع في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
ومنذ بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، أغلقت جميع فروع البنوك في قطاع غزة أبوابها، كما دمر القصف الإسرائيلي العديد منها ومن أجهزة الصراف الآلي التابعة لها.
وتمنع إسرائيل دخول الأموال إلى القطاع ونقلها منه، مما تسبّب في أزمة خانقة للمواطنين الغزيين في ظل ظروف قاسية يعيشونها.
النظام المصرفي خارج الخدمةوقالت سلطة النقد الفلسطينية -في بيان سابق- إن عددا من فروع المصارف ومقارها تعرضت للتدمير، وقد تعذّر فتح ما تبقى من فروع للقيام بعمليات السحب والإيداع بمناطق القطاع كافة بسبب القصف والظروف الميدانية القاهرة وانقطاع التيار الكهربائي والواقع الأمني.
ونجمت عن هذا الوضع، بحسب بيان سلطة النقد، أزمة غير مسبوقة في وفرة السيولة النقدية بين أيدي الغزيين وفي الأسواق، وتفاقمت الأزمة مع خروج معظم أجهزة الصراف الآلي عن الخدمة.
وفي محاولة لإيجاد حلول بديلة عن النقد، أطلقت سلطة النقد الفلسطينية في 11 مايو/أيار الماضي خدمة الدفع الفوري إلكترونيا باستخدام التطبيقات البنكية والمحافظ الإلكترونية والبطاقات البنكية.
وأوجدت حلا لمشكلة انعدام خدمة الانترنت بإتاحة إمكانية استخدام أنظمة الاتصالات لتسهيل تقديم الخدمة.
لكن الإنترنت ليست المشكلة الوحيدة أمام التعاملات المالية اليومية لفلسطينيي غزة، حيث يفتقر القطاع بعد التدمير لأي من المتاجر التي قد تتيح استعمال الخدمة، بعد أن دمرت إسرائيل معظم الأسواق التجارية والمتاجر في غزة وأصبح على إثرها النشاط التجاري محصورا بشكل كبير على المحال المتنقلة على البسطات أو العربات التي تجرها الدواب.
استغلال الأزمةمحمد حماد، غزي يعمل في مؤسسة إغاثية في مدينة غزة (شمال الوادي) يتحدث للجزيرة حول معاناته لتسييل راتبه الشخصي الذي يتلقاه من الجهة التي يعمل بها، ويشير إلى أنه يضطر لدفع عمولات كبيرة لسماسرة الكاش للحصول على راتبه من خلال تحويله إلى حساباتهم المصرفية عبر التطبيقات البنكية ومن ثم تسليمه الكاش ناقصا العمولة والتي تصل بين 14-20%، ويقول متنهدا "هذا أمر بالغ القسوة، عائلتي تحتاج لكل قرش، الغلاء يضرب كل التفاصيل لكن لا حل آخر".
تدمير ممنهجواعتبر الدكتور معاذ العامودي المتخصص في الاقتصاد السياسي أن أزمة السيولة إحدى الأدوات الخشنة التي استخدمها الاحتلال الإسرائيلي لخنق الفلسطينيين بالأساس، والضغط على الجبهة الداخلية، بينما تكشف هذه الأزمة هشاشة المؤسسات النقدية الفلسطينية، ومخاطر انهيارها أو تعطلها أي لحظة، في ظل التبعية والسيطرة الكاملة للاحتلال عليها، وعلى رأسها سلطة النقد الفلسطينية.
وأوضح العامودي في حديث للجزيرة نت "منذ بداية الحرب فرضت إسرائيل حصارا ماليا صارما على النظام المصرفي في غزة، وعزلته بالكامل عن الضفة الغربية والسلطة الفلسطينية -وهو ما يمكن أن يحدث مستقبلا في الضفة الغربية- إضافة لتدمير البنية التحتية المالية بالقطاع من مكاتب صرافة وبنوك، ولم يتبق سوى أفرع قليلة تعمل وسط قطاع غزة غير كافية إطلاقاً لتلبية حاجة الناس".
وتعد فكرة التعطيل حسب العامودي هي الأخطر، فقد سبق أن دمرت طائرات الاحتلال غالبية مقرات السلطة الفلسطينية بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، وها هي الآن تعيد تعطيل المؤسسات المالية لسحق الناس في غزة وحرمانهم حتى من الوصول لأموالهم بالبنوك".
ولم يستغرب العامودي من السرعة التي تعطل بها النظام المصرفي الفلسطيني في القطاع، فكل شيء منذ اتفاق أوسلو مربوط بشكل أساسي في "حاجة إسرائيل الأمنية" وهذه الهشاشة جزء من معادلة صعبة يعيشها الفلسطيني باعتبار أمن الاحتلال المفتاح الأساسي لكل شيء، وهذا الطور الجديد من الحصار -رغم مخالفته كافة القوانين الدولية- أدى إلى حرمان الأسواق التجارية من النقد بسبب عدم قدرة المواطنين على سحب أموالهم، وتكثيف الضغوط الاقتصادية على الإنسان الفلسطيني.
ويشير إلى تأثير الحصار النقدي متعدد الطبقات وبعيد المدى، حيث أدى منع تدفق الأموال إلى غزة لإلحاق أضرار كبيرة بغالبية العملات الورقية والمعدنية، وغياب استبدال الأوراق النقدية التالفة مما شل النظام المالي في القطاع المحاصر، وخنق المواطنين ضمن دوائر من التدهور الاقتصادي يصعب كسرها، في الوقت الذي تخضع فيه البنوك الفلسطينية لإشراف سلطة النقد الفلسطينية، إلا أنها تخضع لسيطرة بنك إسرائيل المركزي بشكل كبير وفقا لإطار باريس الاقتصادي الموقع عام 1994، حيث يظل الشيكل الإسرائيلي العملة الأساسية في فلسطين، بمعنى سيطرة الاحتلال على المشهد المالي والاقتصادي في فلسطين من الأساس، والحديث عن مؤسسات فلسطينية مستقلة "وهم" دون فك التبعية عن الاحتلال، وسيطرة السلطة الفلسطينية على المعابر والحدود والبنوك.
وبحسب جمعية البنوك الفلسطينية، ومقرها رام الله، يوجد على مستوى القطاع 56 فرعا و92 صرافا آليا تتبع مختلف المصارف العاملة في الأراضي الفلسطينية، ولا تتوفر حتى اللحظة إحصائية دقيقة عن مستوى الدمار الذي حلّ بها بسبب الحرب.
ومنذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، تشن إسرائيل، بدعم من الولايات المتحدة، حملة عسكرية مدمرة ضد غزة، مما أدى إلى خسائر بشرية كارثية، فقد استشهد أكثر من 40 ألف فلسطيني وجرح أكثر من 90 ألفا آخرين، معظمهم من الأطفال والنساء، بالإضافة إلى فقدان أكثر من 10 آلاف شخص وسط دمار واسع ومجاعة مميتة تجتاح المنطقة.
ورغم تصاعد الاحتجاجات الدولية، تواصل إسرائيل عملياتها العسكرية متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي الذي يدعو إلى وقف إطلاق النار فورا. علاوة على ذلك، تجاهلت إسرائيل أوامر محكمة العدل الدولية التي طالبتها باتخاذ تدابير عاجلة لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الأوضاع الإنسانية المتدهورة التي يواجهها السكان المدنيون في غزة.
وقد تركت هذه الحرب المستمرة غزة في حالة دمار عميق، حيث يعاني سكانها من معاناة هائلة. وبينما يبقى المجتمع الدولي منقسما، وعلى الرغم من الدعوات الواضحة للتدخل وتقديم المساعدة الإنسانية، تتفاقم الأوضاع على الأرض دون بوادر لنهاية قريبة.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات سلطة النقد الفلسطینیة النظام المصرفی قطاع غزة أکثر من فی غزة
إقرأ أيضاً:
مدير مجمع الشفاء: الاحتلال عاملني كقائد عسكري وليس كطبيب
غزة- قال مدير مجمع الشفاء الطبي في مدينة غزة الدكتور محمد أبو سلمية إنه بكى كما لم يبك عند وفاة والديه، عندما عاد إلى المجمع بعد شهور طويلة من الاعتقال في سجون الاحتلال وتحرره في منطقة جنوب قطاع غزة، ووجده خرابا وقد تعمد الاحتلال تدميره بشكل يعقّد عودته للحياة مجددا.
أبو سلمية الذي قضى 7 أشهر في سجون الاحتلال، أضاف -في حوار مع الجزيرة نت- أنه تعرض للكثير من الإهانات القاسية والتعذيب الشديد، وتعامل معه جيش الاحتلال كقائد عسكري وليس كطبيب ومدير مجمع طبي يقدم خدمة إنسانية، غير أن تحرره من السجن بدون لائحة اتهامات نسف الرواية الزائفة عن المجمع الذي كان يصوره الاحتلال كقاعدة عسكرية.
وفيما يلي نص الحوار:
لا يخفى على أحد أن جيش الاحتلال في حربه المجنونة على قطاع غزة، كان أحد عناوينها استهداف المنظومة الصحية، وبالفعل دمر جميع مستشفيات مدينة غزة وشمال القطاع، وقتل الأطباء والاستشاريين واعتقل الكثيرين منهم، وإثر عودتنا للمجمع بعد انقطاع أكثر من عام وشهرين تقريبا، عندما اعتقلنا الاحتلال ونحن نغادره مكرهين، كان المشهد لا يوصف.
أنا لا أبكي كثيرا وعندي من الصبر والجلد الكثير، ولكن عندما رأيت المجمع بهذا الدمار النابع من حقد كبير، بكيت بكاء شديدا لم أبكه عندما توفي أبي وأمي، وهما الأغلى على قلبي. ولكن مجمع الشفاء هو البيت الكبير، وهو المستشفى الأكبر الذي يضم بين جنباته كل التخصصات، ويخدم القطاع كله، وهو الكبير باسمه وأطبائه وتخصصاته.
إعلانوكنا نجري فيه عمليات كبرى لا تُجرى في دول مجاورة، ومنها جراحة الكلى، والقلب المفتوح والقسطرة القلبية. وعندما دمر جيش الاحتلال كل ذلك ورأيته للمرة الأولى كانت لحظة مأساوية، ولم أتصور حجم هذا الحقد، وحتى الصور التي كانت تردني لم تعكس بدقة حجم الدمار الذي شاهدته في المجمع.
لقد كان حجم الدمار هائلا ومن أجل التخريب، وقد استخدم الجيش الإسرائيلي المتفجرات لنسف مبان مهمة داخل المجمع، وهذا يشي بأنه لا يريد له أن ينهض مرة أخرى، وأن يقتل أكبر عدد من الجرحى والمرضى. وبعد مرور أسبوعين من عودتي لعملي في المجمع، ما زلت تحت تأثير الصدمة من هول المشهد.
كنت من أوائل العائدين لمدينة غزة ولعملك. ألم تتردد في اتخاذ القرار بعد تجربة الاعتقال القاسية؟تحررت من السجن بمزيد من التصميم والإصرار على العودة للمجمع لأنني وجدت حب الناس والتعاطف أكثر مما كنت أتوقعه، ولذلك لم أتردد في العودة وتقديم الخدمة للناس، ورفضت عرضا بمنصب أعلى من إدارتي للمجمع وفضلت العودة إليه لتعزيز صمود الناس.
ونجحنا بتشغيل المجمع حتى اللحظة بطاقة 25%، ولكنها مهمة في ظل حالة الانهيار في مستشفيات الشمال التي تعمل بقدرة تتراوح بين 30 و40%، والعمل جار لترميم مستشفيات حكومية أخرى صغيرة بمدينة غزة وشمال القطاع.
على ماذا ركز محققو الاحتلال في التحقيق معك خلال الاعتقال؟كان التركيز على عملي في مجمع الشفاء الذي صورته إسرائيل على أنه قاعدة عسكرية، وكان المحقق يصر على هذه الادعاءات. وأنا من جانبي كنت متمسكا بأنه مؤسسة خدمية إنسانية طبية، وأتذكر أنه خلال لحظة اعتقالي كانت هناك فرحة كبيرة لدى جيش الاحتلال في محور نتساريم بذلك، وكأنني قائد عسكري.
وقد تعرضت لإهانات قاسية وتعذيب شديد، وعندما اقتحموا المجمع للمرة الثانية جاءني سجانون في الزنزانة عند منتصف الليل ليقولوا لي "دمرنا لك (مجمع) الشفاء" ولم نكن نعلم ما يدور بالخارج في غزة.
إعلانولكن بعد خروجي من السجن بدون أي لائحة اتهام، ورغم أنهم قدموني لـ4 محاكمات، فقد دحض تحرري كل مزاعم الاحتلال بخصوص المجمع، ونسف روايته الزائفة.
ما الخدمات التي فقدها زهاء مليونين و400 ألف فلسطيني بقطاع غزة جراء تدمير مجمع الشفاء؟
هذا المجمع أُنشئ عام 1946، أي أنه أكبر من دولة الاحتلال. وهو رمز عاصر محطات كثيرة مهمة مثل نكبة 1948، والعدوان الثلاثي سنة 1956، ونكسة 1967، وحرب 6 أكتوبر 1973، وكل الحروب والانتفاضتين الأولى والثانية وأحداث كثيرة مهمة، وكان يقدم خدماته المتنوعة.
ويضم التالي:
3 مستشفيات كبيرة: الولادة، الباطنة والجراحة، الجراحة التخصصي. أكبر حضانة في فلسطين بسعة 60 حضانة. أكبر مركز غسل كلى في فلسطين بسعة 60 سريرا، ويعمل به أكثر من 2300 عامل بين طبيب وممرض وفني وإداري. يتردد يوميا على قسم الطوارئ 1000 مراجع قبل اندلاع الحرب، وعلى العيادة الخارجية أكثر من 1500 مريض يوميا. كنا نجري أكثر من 30 ألف عملية جراحية في المجمع، ويصل عدد الولادات فيه إلى حوالي 14 ألف مولود جديد سنويا. كنا على وشك توطين خدمة زراعة الكلى، وزرعنا سنة 2023 نحو 25 عملية زراعة كلى. يضم 35 سرير عناية مركزة كبيرة ولعناية القلب. يضم 3 أجهزة تصوير طبقي، وجهاز رنين مغناطيسي، و10 أجهزة أشعة عادية، و10 أجهزة تصوير تلفزيوني، وجهاز قسطرة قلبية، وجهاز أشعة تداخلية حصلنا عليه قبل الحرب بشهرين بتكلفة مليون ونصف المليون دولار.وكل هذه الخدمات التي كانت تقدم للناس فقدناها الآن، ونقول بكل مرارة إن هذا الوضع سيترك آثارا كارثية على السكان، لأن المجمع كان الجدار الحامي لأي مشكلة تحدث مع مريض في أي مستشفى بالقطاع، حكومية وخاصة وأهلية.
كما أنه مستشفى تعليمي، ويتم فيه تدريب طلبة كليات الطب، والكوادر الطبية في البورد الفلسطيني، ومنهم من تخرج وحمل شهادة البورد داخل المجمع. وهناك اعتراف من مجلس الطب العربي بمجمع الشفاء كونه مركزا تدريبيا للأطباء بقطاع غزة، وجميع الكوادر الطبية الذين يزورون غزة عندما يرون النهضة الكبيرة بالمجمع كانوا يشيدون به.
إعلان إزاء هذا الواقع المؤلم كيف تصف الخدمة الطبية في غزة وشمال القطاع؟أصبح الوضع شمال القطاع كارثيا بعد عودة النازحين، لدينا في الشمال حاليا مليون و400 ألف فلسطيني ولا يوجد سوى محطة أكسجين واحدة، في حين كان لدينا في مجمع الشفاء -وحده قبل الحرب- 6 محطات أكسجين وفقدناها.
وفي كل الشمال توجد 3 غرف أسرّة عناية مركزة فقط، وكانت قبل الحرب 35 وبالكاد تلبي الحاجة، وكان لدينا 130 جهاز غسل كلى والآن 25 فقط. وكان لدينا 90 حضانة وتقلصت إلى 10 فقط في كل مستشفيات شمال القطاع، بمعنى أي مولود خديج يولد الآن فرصته بالحياة ضئيلة جدا لعدم توفر الحضانات والأكسجين.
وكان لدينا قسم القسطرة القلبية يعمل على مدار الساعة، ليلا ونهارا، أما الآن فالوفاة حتمية لأي مريض بالجلطة القلبية لعدم توفر أي جهاز قسطرة. وفي كل القطاع لا يوجد جهاز رنين مغناطيسي، فقط جهازا تصوير طبقي: واحد في المستشفى الأوروبي بمدينة خان يونس جنوبي القطاع، والثاني بالمستشفى الأهلي العربي (المعمداني) بمدينة غزة.
وقبل عودتنا إلى شمال القطاع كان عدد المراجعين في مجمع الشفاء 70 حالة يوميا، أما حاليا فقد وصلوا إلى 400 مريض رغم عدم وجود إمكانيات. وما زلنا في بداية طريق ترميم المجمع، فالناس تثق بالأطباء وبالخدمة فيه، وبالتالي متوقع زيادة أعداد المراجعين بشكل كبير، ونحن نسابق الزمن لترميم بعض الأقسام مثل مستشفى الولادة.
لقد حوّل الاحتلال مجمع الشفاء لخرابة فما فرص إعادة الحياة له في ظل القيود الإسرائيلية؟جيش الاحتلال تعمد تدمير المستشفيات المركزية في المجمع لإيجاد حالة من التيه للناس، لأن لأي إنسان إن لم يجد الخدمة الطبية في منطقة سكنه سيهجر هذا المكان، والاحتلال خطط لذلك بشكل ممنهج، وبالتالي نحن نتحدث عن دمار بالمجمع لا يمكن إصلاحه، وعن إعدام الحياة فيه.
إعلانولكن ليس أمامنا من خيارات إلا النهوض من جديد، ونجحنا في افتتاح بعض الأقسام، وهي الطوارئ، وقسم للمبيت بقدرة 40 سريرا. وخلال أسبوعين سيكون لدينا قسم للعناية المركزة بسعة 15 سريرا، وقسم آخر للمبيت بقدرة 60 سريرا، ولكنها تبقى خطوات بسيطة على طريق إعادة الحياة للمجمع الذي يحتاج لنحو نصف مليار دولار من أجل إعادة إعمار المباني والأجهزة والمعدات الطبية بالكامل.
تدير ملف الإخلاء الطبي للجرحى والمرضى بجانب إدارتك للمجمع. فماذا عن الخروق الإسرائيلية بهذا الملف؟هذا من الملفات الشائكة والمعقدة، ومنذ اندلاع الحرب، في أكتوبر/تشرين الأول 2023، وحتى إغلاق معبر رفح إثر إعادة احتلاله ضمن عملية اجتياح مدينة رفح في مايو/أيار الماضي، سافر للعلاج بالخارج نحو 5 آلاف مريض. ومنذ مايو/أيار الماضي وحتى قبيل الإعلان عن اتفاق وقف إطلاق النار، سافر 450 مريضا من خلال معبر كرم أبو سالم التجاري.
وبموجب الاتفاق يُسمح بسفر 150 مريضا وجريحا يوميا عبر معبر رفح البري، ولكن جيش الاحتلال لم يلتزم ويطلب يوميا قائمة تضم 50 مريضا فقط، فنرسلها للجانب المصري ومنه للجانب الإسرائيلي الذي يرفض سفر بعض الأسماء، وهذه عملية عقيمة مع وجود حوالي 16 ألف جريح ومريض بحاجة ماسة للسفر بغية العلاج.
وإن استمرت هذه الوتيرة نحتاج سنين من أجل سفرهم. وجراء ذلك نفاجأ يوميا بوفاة من 5 إلى 10 حالات وهي تنتظر على قائمات انتظار السفر، وهذا قتل غير مباشر يرتكبه الاحتلال، ويجب مراجعة هذه الآلية العقيمة من الوسطاء مع الاحتلال.
ما تعليقك على وفاة 40% من مرضى الفشل الكلوي؟قبل اندلاع الحرب كان في قطاع غزة 1150 مريضا بالفشل الكلوي، وتناقص العدد إلى أقل من 700 جراء وفاة حوالي 40% من إجماليهم بسبب عدم توفر الخدمة الطبية. وهؤلاء كانوا يخضعون قبل الحرب لـ3 جلسات غسل أسبوعيا بمعدل 4 ساعات في الجلسة الواحدة، ليمارسوا حياتهم الطبيعية.
إعلانوجراء عدم توفر الأجهزة بسبب الحرب والنزوح الكبير، تم تقليصها لجلستين أسبوعيا بمعدل ساعتين بالمرة الواحدة، وهذا غير كافٍ. وعلى سبيل المثال لدينا في مجمع الشفاء 250 مريضا يتلقون الخدمة على 25 سريرا، وهذا ينعكس على المريض بمضاعفات كبيرة، وإذا لم يتم تدارك الأمر بسرعة فسنفقد الكثير منهم.