تشهد الليلة حفل ختام فعاليات المهرجان القومى للمسرح المصرى فى دورته السابعة عشرة، والتى سوف تقتصر على توزيع الجوائز على العروض الفائزة، من العروض المشاركة فى المهرجان، والتى وصل عددها إلى ثلاثة وثلاثين عرضاً، كما سيتم توزيع الجوائز على المشاركين فى مسابقات التأليف المسرحى، ومسابقة المقال النقدى، والدراسة النظرية، ويخرج حفل الختام المخرج إسلام إمام.

 

واستطاع المهرجان القومى أن يصنع حراكاً فى المسرح المصرى، وأن يصبح هدف المسرحيين، حيث تمت مناقشة العديد من القضايا المسرحية عبر ندوات مختلفة خلال أيام المهرجان، والتى رفع شعار «المرأة المصرية والفنون الأدائية»، كما قدم العديد من الورش الفنية، والتى كان نتاجها عدداً من الفنانين الصاعدين قدموا لنا عرض «أستاذ جمهور» والذى عرض خلال الافتتاح بالمهرجان فى دورته الحالية. 

كما أتاح المهرجان القومى للمسرح المصرى، مشاهدة جيدة للعديد من العروض التى قدمت على مدار عام كامل، ولم يلق بعضها مشاهدات جيدة، وكان منها: العمل المسرحى «نساء بلا غد»، والذى عرض على خشبة مسرح الهناجر للفنون بدار الأوبرا المصرية، ولفت الإنتباه بموضوعه الذى قدم صورة للمرأة التى تعانى من قسوة الحياة لها، حيث عرض النص المسرحى صورة لثلاثة نساء هربن من ويلات الحرب فى سوريا، محملات بوجع الحرب التى لم تنته، واستطاع مصمم الإضاءة التعبير عن الحالة النفسية للهاربات، كما جسد لنا الديكور معاناة ويلات الهروب من الحروب، وكأنهن يظهرن فى وقت الهلع ومحاولة فى أوقات الصراع بينهن، والعمل من تأليف جواد الأسدى، إعداد وإخراج نور غانم.

كما قدم عرض «الطاحونة الحمراء»، الذى تقدمه الهيئة العامة لقصور الثقافة، عن قصة الكاتب الأسترالى باز لورمان، والذى عرض على مسرح السامر بالعجوزة، وسط حضور لافت، حيث استطاع المخرج حسام التونى، والكاتب أحمد حسن البنا، والشاعر أحمد زيدان، أن يصنعوا قالباً غنائياً استعراضياً حول فكرة القسوة والصراع من أجل المال والتملك، لتوضيح فكرة أنه لا مكان للمشاعر أو الحب فى عالم مزدحم بالقوة، كما استطاعت نهاد السيد مهندسة الديكور والملابس، ومهندس الإضاءة أحمد أمين، تقديم ما أشبه بالطاحونة التى تطحن كل شىء، من خلال «البطلة» التى تعيش قصة حب فى زمن لا يعترف به، وفى مكان لا يصلح لوجوده، وتشهد حياتها صراعات عدة تنتهى بنهاية مأساوية. 

كما جذب العرض الفلسطينى أنظار الجمهور، على مسرح الغد بالعجوزة، حيث استطاع المخرج أشرف على، تجسيد قضية أصحاب الأرض، عبر عرض «كاسبر»، أن يبرز العرض قضية أصحاب الأرض ليصور معاناة الشعب الفلسطينى على مر التاريخ، بشكل غير مباشر، حيث يتم الإسقاط على ذلك داخل مصنع والصراع فيه بين العمال للحصول على قطعة الأرض التى تورد لهذا المصنع المادة الخام، ويتم الاستيلاء تدريجياً على الأرض وتتوالى الأحداث.

كما عبرت الموسيقى باستخدام لونين، اللون الغربى، الذى يعبر عن المغتصبين للأرض، اللون الشرقى الذى يعبر على أصحاب المكان والأرض الأصليين، استطاعت دنيا عزيز مصممة ديكور العرض أن تصميمه بناء على فكرة العرض، واستخدم شجرة الزيتون التى ترمز إلى الأرض «فلسطين»، واستخدمت مكونات وأدوات وإكسسوارات للمصنع الذى تدور فيه المؤامرات التى تتم للاستيلاء على الأرض.

وتفاعل الجمهور مع مسرحية «نور فى عالم فى البحور» الذى قدم درساً للأطفال فى كيفية الحفاظ على البيئة فى عرض مسرحى استعراضى فى دور توعوى للمسرح فى نشر المفاهيم الصحيحة للمحافظة على البيئة، خاصة أنه للأطفال الذين هم شباب المستقبل.

 وتدور قصة المسرحية والتى عرضت على خشبة المسرح القومى للطفل «متروبول» بالعتبة، حول رحلة البحث عن «نجمة الأمان»، فى إطار كوميدى استعراضى، حيث يبدأ «نور» بطل المسرحية الذى يقدمه الفنان محمد عادل «ميدو»، و«حور» ابنة ملك البحور وتقوم بالدور الفنانة هدى هانى، والفنان سيد جبر الذى يجسد دور مارد يسمى يا لهوى، لتتوالى الأحداث والتى تسلط الضوء على كيفية حماية الكائنات البحرية التى تعيش فى البحار والتى من الممكن أن يصيبها الضرر بفعل التلوث الذى يتسبب فيه الإنسان.

كما شهدت الجلسة الأخيرة من جلسات المهرجان، العديد من التوصيات التى من شأنها رفع وتعزيز أفكار تطوير المهرجان فى الدورات المقبلة، ومناقشة التحديات التى حدثت خلال الدورات السابقة.

وقال الفنان محمد رياض، إننا استطعنا تحقيق انتشار المهرجان، بداية من الورش الفنية التى تم تنفيذها قبل ميعاد الافتتاح بأكثر من شهر فى مجالات المسرح المختلفة لعدد كبير من المتدربين، ونجحت فى الاتفاق على تصوير عدد من العروض المشاركة لعرضها بقناة الحياة حتى تصل لأكبر شريحة من الجمهور، فالمهرجان يجب أن يحدث حراك مسرحى، وأتمنى للمهرجان الدورة القادمة أن يقام فى المحافظات، ولا يصبح مجرد مسابقة وحفل افتتاح وتكريمات.

فيما قال الدكتور سامح مهران، علينا النظر إلى الأبنية المعمارية، وهنا يثار عدة تساؤلات منها: هل ما زالت مناسبة لتنفيذ عروض عليها، ولماذا لا توجد مسارح جديدة فى المدن الجديدة، وكيف لا يتم النظر إلى تخلف خشبات المسارح التى تنتمى للقرن الـ١٨ ولم يتم تحديثها حتى الآن رغم كون كل العالم العربى يتحرك بسرعة الصاروخ.

كما أنه بالنظر إلى قطاع الإنتاج الثقافى فنجد أنه عبارة عن بيوت فنية مستقلة، وكل منهم له سياسة خاصة، وبالتالى فهناك معاناة من غياب السياسة المسرحية لكل مسرح وغياب مفهوم الفرقة التى بها كل الأعمار مع تدنى الأجور.

وأوضح أنه للأسف هناك غياب دراسات المتفرج، وتعد آخر دراسة قدمت فى التسعينيات من نسرين بغدادى، مع انخفاض سقف الحريات، مع فرضية تساؤل حول النصوص والخطاب النصى.

وقال محمد سمير الخطيب، أستاذ الدراما والنقد، يجب وضع لائحة تسمح بامتداد الورش وفعاليات المهرجان طول العام، كما أطالب بعمل مجموعة بحثية واستبيان حتى يتم معرفة طبيعة الجمهور ودراسة متطلبات تطوير العملية المسرحية.

وقالت الدكتورة عايدة علام: يجب على المهرجان، أن يقدم لنا الكتاب الذين أسسوا جذور المسرح وملامحه، وتذكير الجيل الحالى بكتاب المسرح، الذين أصبحوا فى المتحف.

وقال المخرج حمدى حسين، إنه يجب تدعم قطاع صندوق التنمية الثقافية مالياً، موضحاً أن هناك ٣٠٠ عرض مسرحى يتم عرضها فى الأقاليم، ويجب أن يكون الحضور بتذاكر لصالح الصندوق، وكذلك الحفلات التى يتم إقامتها فى الساحل والجونة يفرض عليها نسبة ٢٪، وطالب بأن تكون فعاليات المهرجان القومى للمسرح المصرى، من إقامة ورش بمقابل مادى، كما يجب عرض العروض الفائزة بالمهرجان القومى فى مسارح الأقاليم.

وقال الدكتور محمد الشافعي: يجب أن يكون هناك دعاية للمهرجان، ويجب أن تكون مدة المهرجان أكبر من ذلك، كما يجب تغير ميعاد المهرجان، والذى يتزامن مع اقتراب توقيت المهرجان التجريبى، وعلى المجتمع المدنى مسئولية فى دعم فعاليات المهرجان، مؤكداً أن مؤسسات المجتمع المدنى، يهمها وجود النجوم، وبعض النجوم يهربون من المسرح، حتى فى حالة تكريمهم، وعندما نطلب نجوم توافق على التكريم والانضمام لفعاليات المهرجان، نجد نقداً كبيراً.

ويجب أن تدعم الوزارة فكرة الخروج بالمسرح فى الفضاءات المغايرة، وضرورة تقديم العروض المسرحية، فى الأماكن الأثرية ودعم الآثار.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: فعالیات المهرجان المهرجان القومى القومى للمسرح یجب أن

إقرأ أيضاً:

موريس بيرل مؤلف كتاب «ادفعوا للناس»: أحب كوني مليونيرا ثريا لكني أطمع في بلاد فيها إحساس بالإنصاف.. تزدهر فيها الأعمال الجيدة

«موريس بيرل»، مليونير أمريكى له خبرة كبيرة فى الأسواق المالية الأمريكية والعالمية.

شغل من قبل منصب العضو المنتدب فى شركة «بلاك روك» الأمريكية، وهى واحدة من أكبر شركات إدارة الأصول فى العالم، وشمل عمله تقييم الخسائر المحتملة للحكومات من عمليات إنقاذ البنوك فى الولايات المتحدة وأوروبا.

يرى «بيرل» أن رفع الأجور لا يمثل إلا وجه العملة الأول، أو نصف معادلة الحل الذى يمكن أن يعيد جزءاً من العدالة المفقودة إلى المجتمع الأمريكى.

أما النصف الآخر من المعادلة، والوجه الآخر للعملة، فكان فى كتاب آخر أصدره هو ومجموعته حمل عنوان: «ارفعوا الضرائب على الأثرياء!».

وكان ذلك الكتاب هو الذى حمل بذرة الفكرة التى يتبناها المليونيرات الوطنيون الذين جسدوا شعار «ابدأ بنفسك»، مطالبين «الكونجرس» الأمريكى منذ عام ٢٠١٠ بزيادة الضرائب عليهم وعلى أمثالهم من أصحاب الملايين لصالح المجتمع الأمريكى.

كان ذلك الكتاب فرصة نادرة للنظر داخل عقل «مليونير» قرر أن يصف نفسه بأنه «وطني»، لشخص جمع بين حب الثراء (الذى لا ينكره «بيرل»)، وبين حب الوطن، عندما يفكر شخص ما فى الجمع بين المصلحتين، المادية والوطنية، فإن نموذجاً آخر ينشأ عن هذا الأمر، صورة أخرى مختلفة ونمط تفكير مميز ينظر إلى حقائق الأشياء ويرى النتائج المترتبة عليها بصورة تختلف عما يراه أصحاب المال فقط، أو أصحاب الوطنية فقط.

ينشأ ساعتها عندنا نموذج «المليونير الوطنى» الذى يبدو أكثر أهمية فى دراسته وفهم تفكيره ودوافعه، وما يريده وما يحركه، أكثر من دراسة تحليلاته الاقتصادية التى قد يتفق البعض معها أو يختلف، يراها واقعية أو حالمة، قابلة أو غير قابلة للتطبيق.

إنه الإنسان الذى يحرص على مصلحته لكنه يأخذ أيضاً مصلحة الآخرين فى الاعتبار، ويفعل ذلك دون مطالبة أو ضغط من أحد، بل إنه هو من يطالب بالسماح له بدعم الآخرين.

كانت اللحظة الفارقة فى حياة «موريس بيرل»، التى جعلته يتخذ قراره بتحويل مسار حياته، من أحد أثرياء بورصة «وول ستريت» الأمريكية، إلى «مليونير وطنى» يقود حركة كاملة فى البلاد، هى اللحظة التى رأى فيها ما يحدث حقاً على الأرض، من وراء الزجاج الهش لقاعات المؤتمرات الاقتصادية، بعيداً عن صخب البورصات المالية فى الولايات المتحدة الأمريكية، وتحديداً فى اليونان.

فى ذلك اليوم، كان «بيرل» يتناول الغداء أثناء لقاء جمعه ببعض رجال البنوك فى اليونان خلال عمله فى مؤسسة «بلاك روك».

وعندما ألقى نظرة من زجاج النافذة وجد حشوداً من الناس يسيرون فى اتجاه البرلمان اليونانى، كما عرف فيما بعد، فى مظاهرات احتجاجية. نظر «بيرل» إلى المشهد للحظات قبل أن يطرح على نفسه تساؤلاً مهماً: «هل ما أقوم به يقدم أى نفع لأى شخص فى اليونان، غير رجال البنوك الذين كنت أتناول الغداء معهم؟».

ويواصل: «كانت تلك واحدة من لحظات الوضوح التام التى مررت بها فى حياتى، وبعدها بفترة قصيرة، شعرت أننى قد قمت بما يكفى وبكل ما يمكننى القيام به من أجل حاملى الأسهم فى شركة «بلاك روك» لإدارة الأصول (التى كنت أشغل منصب العضو المنتدب فيها)، ثم استقلت من وظيفتى لأصبح رئيس مجلس إدارة مجموعة (المليونيرات الوطنيين) كمتطوع بدوام كامل».

فى تلك اللحظة تحول رجل الأعمال الذى كان يحرص على مصلحة حملة الأسهم قبل غيرهم، إلى رجل يسعى لإحداث تأثير فى السياسات الاقتصادية التى تمس حياة الجميع. بدأت الصورة فى عينه تصبح أكثر وضوحاً، واتسعت رؤيته لتشمل طبقات أخرى تحيا فى المجتمع الأمريكى، بعد أن كانت قاصرة على طبقة واحدة تجلس على قمته.

لم يعد المليونير الأمريكى الوطنى معزولاً وراء زجاج قاعات المؤتمرات الهش الذى يمكن أن ينكسر بطوبة طائشة من جموع غاضبة، ولم تعد تلك الجموع مجرد أرقام على الورق فى اجتماعه التالى مع حملة الأسهم فى شركته.

صاروا أشخاصاً لهم حقوق، وعدالة لا بد أن ينالوها حتى لا يتحولوا إلى مصدر للخطر على المليونيرات من أمثال «بيرل» نفسه.

يذكر «بيرل» تقريراً نشرته مجلة «نيويوركر» الأمريكية ذائعة الصيت حول مجموعة من المليارديرات الذين قرروا بناء «مخابئ» على أعلى مستوى من الرفاهية فوق جزرهم الخاصة لتحميهم من أى هجوم حتى لو كان هجوماً بالقنابل عليهم. نوع من الأماكن المعزولة المجهزة على أحدث طراز لحمايتهم من أى سيناريو متوقع لـ«نهاية العالم» كما يعرفونه.

وعلى ما يبدو، كانت «نهاية العالم» التى يخشونها أكثر من غيرها هى نوع من هجوم الطبقات الفقيرة والمهمشة فى المجتمع على الطبقات العليا فيه.

يقول «بيرل»: «شعرت بالغضب وبالحزن نوعاً ما لهذا الأمر. إن هؤلاء الناس مستعدون لدفع ملايين الدولارات لكى يعيشوا مستريحين ومرفهين خلال الفترة التى قد ينهار فيها المجتمع بأكمله. لكن السؤال هنا هو: كم واحداً منهم قد دفع الكثير أو حتى القليل لكى يغير الأسباب التى أدت إلى وجود هذا التهديد فى المقام الأول؟. كم واحد من هؤلاء الأثرياء لديه استعداد للاعتراف بأنه قد ساهم بشكل ما فى وجود تلك الحالة الاجتماعية التى تثير مخاوفه اليوم؟».

أقول للأثرياء أمثالى حول العالم: لا يمكنكم الجلوس والاستمتاع بثرواتكم بينما ينهار العالم من حولكم نحو الفقر والفوضى واقرأوا كتب التاريخ

ويتابع: «ربما كانت قراءة عناوين الأحداث كافية لإصابة المرء بالإحباط. إلا أن هذا لا يعنى أننا فقدنا كل شىء. ما زال أمامنا الكثير لنقوم به. لكن الأمر سيكون فى غاية الصعوبة لو أن أمثالى من المليونيرات والمليارديرات رفضوا أن يكونوا جزءاً من الحل، أو أن يكفوا على الأقل عن زيادة مشكلاتنا سوءاً. إننى أطالبهم بألا يدفنوا رءوسهم فى الرمال وأقول لهم: أنتم تدمرون البلاد، بلادنا، بلادى أنا. كل الناس، بمن فيهم نحن الأثرياء، سوف ندفع الثمن غالياً ما لم نعدل مسارنا الآن.

إننى أوجه تحذيراً لأمثالى من الأثرياء فى الولايات المتحدة وحول العالم: لا يمكنكم الجلوس والاستمتاع بثرواتكم فى الوقت الذى ينهار فيه باقى العالم من حولكم نحو مزيد من الفقر والفوضى. اقرأوا كتب التاريخ لكى تتأكدوا أن اختلال المجتمع لا يصب فى صالح الأغنياء كذلك، وهناك عشرات الأمثلة لما يحدث فى المجتمع عندما يملك الكثير جداً فيه ما هو قليل جداً، فى الوقت الذى تملك فيه فئة قليلة جداً الكثير جداً. وأود أن أسألكم: هل تعتقدون أن بإمكانكم فعلاً حماية أنفسكم من حشود الناس الغاضبة والجائعة؟.

لن أعتمد على قدرة الحوائط والحواجز على إبقاء الخطر بعيداً عن أسرتى.. خاصة فى أمريكا التى يزيد عدد الأسلحة فيها على عدد الأفراد

أنا شخصياً لن أعتمد على قدرة الجدران وحوائط الصد على إبقاء العالم بعيداً عنى لوقت طويل، خاصة إذا كنت أحيا فى بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية، يزيد عدد الأسلحة الموجودة فيه على عدد البشر (مواطنو أمريكا يملكون ٣٩٣ مليون قطعة سلاح حالياً. أى إن هناك ١٢٠ قطعة سلاح فى يد كل ١٠٠ مواطن أمريكى)».

يحرص «بيرل» على التأكيد على أنه رجل يحب المال، ويحب كونه ثرياً، فهو لا يدعى المثالية، ولا ينكر أيضاً أنه شخص يحرّكه دافع الطمع نحو الأكثر، مثله مثل أى شخص آخر. لكنه يضيف: «أنا فقط أطمع أيضاً فى بلاد من نوع آخر، يوجد فيها إحساس أكبر بالإنصاف لكى نحيا فيها أنا وعائلتى. أطمع فى بلاد تزدهر فيها الأعمال الجيدة ويحظى فيها العمل الجاد بالتقدير والمقابل العادل، ويشعر فيها الناس بالأمن فى شوارعهم وأحيائهم السكنية. أريد أن أحيا فى بلاد فيها الكثير من الأثرياء وفيها أيضاً طبقة متوسطة ضخمة، ومن وجهة نظرى، فإن السبيل الوحيد لإيجاد مثل هذه البلاد لا بد أن يمر من خلال رفع الضرائب على الأغنياء للتخفيف من غياب المساواة».

أفضل العمل على إصلاح الخلل من حولى بدلاً من الانسحاب وراء أسوار مجتمع معزول محاط بالحراسات الخاصة.. ولا أريد أن أحيا فى قلق من أن يتعرض أبنائى وأحفادى للاختطاف

رفع الضرائب على الأغنياء هو جزء من الحل، لكنه ليس كل الحل، كما يرى «بيرل». يقول إنه أمر لا مفر منه حتى إن لم يكن كافياً، لذلك، اتخذ قراره بأن يبذل كل ما فى وسعه للدفع نحو سياسات لزيادة الضرائب على الأغنياء من أمثاله، وأولهم هو نفسه، بأقصى ما يمكن من الفعالية والسرعة.

ولكن لماذا؟

لا أريد أن أحيا وراء جدران من الأسلاك الشائكة.. ولا أن أسير بسيارة فارهة لكنها مصفحة خوفاً من الناس.. ولا بد لنا أن نبدأ فى مواجهة مشكلاتنا

السبب عبر عنه «بيرل» كأفضل ما يكون قائلاً: «لأننى لا أريد أن أكون رجلاً ثرياً فى بلد فقير. لا أريد أن أحيا فى بلاد فيها قليل من ذوى الثراء الفاحش وملايين من الفقراء. لا أريد أن أحيا وراء أسوار من الأسلاك الشائكة. ولا أريد أن أتجول فى الشوارع داخل سيارة فارهة لكنها مصفحة، بصحبة حراس أمنيين محترفين. لا أريد أن أحيا فى قلق من أن يتعرض أبنائى وأحفادى للاختطاف (لطلب فدية)، أو لما هو أسوأ».

تلك الروابط الأسرية كان لها أثر فى تشكيل فكر «بيرل» وغيره من المليونيرات الوطنيين الذين يقولون إنهم ليسوا فقط من أصحاب الملايين لكنهم أيضاً من أصحاب العائلات، وأن أبناءهم وأحفادهم لا يعيشون فى فراغ، وأن غياب العدالة الاقتصادية فى المجتمع الذى يعيش فيه هؤلاء الأبناء والأحفاد لا يمكن أن يعود عليهم بخير.

وفى حالة «بيرل»، كان زواج ابنه من فتاة من أمريكا اللاتينية، وتحديداً من دولة «بيرو»، أحد الأسباب التى جعلته يفتح عينيه على «الجانب الآخر» من العالم، حيث يحيا مَن لا يملكون حظ أسرته من الثروة والرفاهية. هؤلاء الذين يعانون الفقر الذى بدأت معدلاته تتزايد على نحو مخيف فى الولايات المتحدة الأمريكية، على الرغم من تزايد معدل ثروات المليارديرات فيها.

يحكى «بيرل» أنه منذ أن تزوج ابنه، بدأت أسرته تقضى وقتاً فى «بيرو» فى أمريكا اللاتينية، موطن زوجة ابنه. يصفها بأنها: «بلاد جميلة، لكن من المؤلم حقاً رؤية شعبها يكافح فى مواجهة الفقر البائس الضارب بجذوره فى أعماق البلاد، فى الوقت الذى تلهو فيه الطبقة العليا بثرواتها وراء أسوار المنتجعات ذات الأسلاك الشائكة». ويضيف: «أنا لا أريد أن أحيا فى مثل تلك البلاد، لكن هذا هو الاتجاه الذى نسير فيه. لا بد لنا إذن أن نبدأ فى مواجهة مشكلاتنا. ربما يستغرق الأمر مالاً ووقتاً، إلا أننى شخصياً أفضل العمل على إصلاح الخلل بدلاً من الانسحاب وراء أسوار مجتمع معزول، تقف على حراسته قوة أمنية خاصة، فى الوقت الذى يتداعى فيه العالم الذى يقع خارج أسوار تلك البوابات».

من هنا بدأت خطة المليونيرات الوطنيين لإصلاح الاقتصاد الأمريكى بشكل يضمن مزيداً من العدالة الاقتصادية للجميع.

هى خطة من ثلاثة محاور كما يصفها «بيرل»، يقول: «أهدافنا هى: فرض مزيد من الضرائب على المليونيرات، وأن يكون هناك تمثيل سياسى لكل طوائف الأمريكان، بدلاً من ترك المجال فقط للسياسيين الذين يتلقون تبرعات من الأثرياء لحملاتهم الانتخابية ثم يتعهدون بحماية مصالح هؤلاء الأثرياء بعد ذلك من خلال التشريعات القانونية، هذا نظام فاسد لتمويل الحملات الانتخابية ولا بد من تعديله.

أما الهدف الثالث فهو أجر عادل يسمح بحياة لائقة للعاملين أياً كان مستواهم (وهو محور أحدث كتبه «ادفعوا للناس») عبر إجراء تعديلات فى قوانين العمل والأجور، تسمح بتلقيهم نصيباً عادلاً من ناتج العمل الذى يساهمون بجهودهم فيه. لو أننا نجحنا فى هذا فسنصبح أمة أكثر استقراراً ومساواة، وأيضاً أكثر رفاهية، حتى إن قلَّت درجة الرفاهية التى يتمتع بها المليارديرات قليلاً. يمكن لمثلى عندها أن يقول إنه قد أصبح رجلاً غنياً فى دولة غنية ومستقرة».

غالبية المليونيرات الآخرين يريدون بلاداً فيها عدد ضئيل من أصحاب الملايين وملايين من الفقراء وبلا طبقة وسطى على الإطلاق

  يدرك «بيرل» جيداً أن مثل هذه الخطة ذات المحاور الثلاثة لن تحظى بتأييد الكل، وأن حجم المعارضة الحقيقى لما يريده «المليونيرات الوطنيون» سيأتى فعلياً من كل المليونيرات الآخرين غيرهم. هؤلاء الذين سيرفضون بشراسة التفريط فى أدنى جزء من أموالهم، مهما بلغت النداءات والتحذيرات من تدهور أوضاع المجتمع بسبب غياب العدالة الاقتصادية فيه. هم هؤلاء المليارديرات الذين يصفهم «بيرل» بأنهم: «يريدون العيش فى بلاد فيها عدد ضئيل من أصحاب الملايين، وملايين من الفقراء، وبلا طبقة وسطى على الإطلاق»، إلا أنه فى الوقت نفسه، لا يقبل بأن توصف خطة المليونيرات الوطنيين بأنها «حالمة»، أو أن أصحابها لا يعرفون ما الذى يتحدثون عنه. هو على العكس، يرى أن مجموعته تعرف قواعد اللعبة جيداً لأنها تلعبها بالفعل!، لأنهم جزء من النظام المالى الأمريكى ومن أكبر المستفيدين منه. لذلك يقع عليهم العبء الأكبر لإصلاحه.

يقول «بيرل»: «نحن نعرف قواعد اللعبة، نعرف طريقة حشد جماعات الضغط، وثغرات القوانين، والأكاذيب التى يرددها مَن هم فى داخلها لمن هم خارجها. نحن نعرف أن الخطب العلنية لصناع التشريعات والقوانين الأمريكية حول الإصلاح تدارى فى الواقع صفقات واتفاقيات خاصة لصالح المتبرعين الأثرياء الذين يدعمون حملات السياسيين من كلا الحزبين، الديمقراطى والجمهورى فى أمريكا.

نحن «عملاء من الداخل»، نمتلك كل المعرفة والنفوذ التى تأتى مع كوننا أثرياء فى الولايات المتحدة الأمريكية. لدينا قدرة فريدة، ومسئولية كبيرة، لكشف الأكاذيب، وإظهار مكامن الخلل، وتشكيل نظام ضريبى يجعل الاقتصاد يعمل لصالح الجميع، بمن فيهم الأثرياء».

إن عملية صناعة التشريعات الاقتصادية الأمريكية كما يصفها «بيرل» بكلماته: «هى عملية فوضوية، غير موثوق فيها، خاصة فيما يتعلق بنظام الضرائب الذى يحيط به كثير من الضجيج من كل الأطراف فى «واشنطن» لأن العديد من السياسيين بالفعل يريدون ويقصدون إرباك الناس. كلما قل ما يعرفه المواطن الأمريكى العادى عن طريقة عمل نظام الضرائب، صار من السهل على السياسيين (الذين يعملون لصالح المتبرعين الأثرياء لحملاتهم الانتخابية) أن يجعلوا النظام يعمل فى صالحهم.

ربما لذلك، بدا واضحاً أن أحد أهداف «بيرل» الرئيسية هو توعية الناس بما يحدث حقاً فى أروقة صنع القرار الاقتصادى الأمريكى. يقول: « لقد رأيت على نحو مباشر وشخصى كيف تسير العملية السياسية والتشريعية من الألف إلى الياء. وعلى الرغم من الفوضوية التى تبدو عليها بشكل يجعلها عسيرة على الفهم، فإن الواقع أن القرارات التى يتخذها هؤلاء الذين ننتخبهم كمسئولين سياسيين تؤثر على حياة الناس من جوانب عدة. وعلينا نحن كمواطنين مسئولية الفهم، وألا نتعامل مع السياسة كما نتعامل مع الأحداث الرياضية: بأن نشاهدها دون أن نتدخل فيها إلا بتشجيع فريقنا المفضل أياً كانت القرارات التى يتخذها فريقنا. وسياسات الضرائب بالذات تستحق اهتماماً خاصاً منا لأن أقل تغيير فيها يمكن أن يحدث تأثيراً كبيراً على رفاهية الجميع».

إلا أن هذا الكلام لم يجعل الكل راضياً عن «بيرل»، ووصفه البعض على حد قوله هو نفسه بأنه «خائن لأبناء طبقته»، وهو الوصف الذى قال عنه «بيرل» إنه يجعله يشعر بالفخر، مضيفاً: «على العكس من الكثير من المليونيرات الآخرين، لا يسعدنى أن أحيا فى بلد يفرض على المستثمرين من أمثالى معدلات ضرائب أقل من تلك التى يفرضها على من يضطرون للعمل لتأمين معيشتهم. لا أريد أن أستمر فى دفع ضرائب قليلة، خاصة إذا كانت تلك الضرائب تصب فى نظام يضمن أن الأثرياء من أمثالى يزدادون ثراء، فى الوقت الذى تتقلص فيه الطبقة الوسطى أكثر فأكثر، ولا يملك الفقراء أمامهم إلا مزيداً من اليأس».

هل «موريس بيرل» شخص يدعو فعلاً للإصلاح؟ هل يملك ما يكفى للدفع فى اتجاه تحقيق رؤيته؟ أم أنه مجرد لاعب سياسى يبتكر لغة جديدة لجذب الأنظار والانتباه إليه فى «سيرك» السياسة المالية الأمريكية الذى لا يعرف الملل؟

هل يملك «المليونيرات الوطنيون» شجاعة المضى قدماً فى خطتهم ذات المحاور الثلاثة، أم أنهم مجرد «حالمين» لا يملكون أقداماً ثابتة على الأرض؟

هم «مليونيرات» بالفعل، لكن إلى أى مدى هم «وطنيون» حقاً؟. وهل يعملون بإخلاص لصالح مجتمعهم أم أنها مجرد دعاية لأنفسهم؟. هل يمكن أن يأتى اليوم الذى تؤثر فيه مجهوداتهم فى تغيير نظرة صانع التشريعات الاقتصادية الأمريكى لوضع قوانين أكثر عدالة وإنسانية كما يطالبون؟ أم أن النظام الاقتصادى الأمريكى سيظل على ما هو عليه، فى حالة تتزايد فيها حدة الفوارق الاقتصادية بين الطبقات، إلى حد ينذر بانفجار وشيك، كما يحذر «المليونيرات الوطنيون» فى كتبهم ومؤتمراتهم؟

هل يمكن حتى أن يأتى يوم يصل فيه واحد منهم إلى موقع مسئولية يمكِّنه من إحداث تغيير جذرى فى السياسات الاقتصادية الأمريكية من قمتها إلى قاعها بجرة قلم؟

إنها أمريكا، بلد العجائب التى يمكن أن يحدث فيها أى شىء!!

مقالات مشابهة

  • موريس بيرل مؤلف كتاب «ادفعوا للناس»: أحب كوني مليونيرا ثريا لكني أطمع في بلاد فيها إحساس بالإنصاف.. تزدهر فيها الأعمال الجيدة
  • مجلس الدولة يختتم فعاليات البرنامج التدريبي الأدوات العملية والعلمية لمفوض الدولة
  • مجلس الدولة يختتم فعاليات البرنامج التدريبي «الأدوات العملية والعلمية لمفوض الدولة»
  • مجلس الدولة يختتم فعاليات البرنامج التدريبي «الأدوات العملية والعلمية»
  • بالمراكب الشراعية.. انطلاق فعاليات مهرجان أسوان للثقافة والفنون في دورته الـ12
  • انطلاق فعاليات منتدى بغديدي الثقافي في نينوى
  • مكي «الجريء» (بروفايل)
  • «الغاوي».. أكشن ودراما شعبية في حواري الجمالية (ملف خاص)
  • محمد عبدالجواد يكتب: سفينة نوح.. وبرميل البارود!
  • الحديث عن على قاقارين لاينتهى