إجماع إقليمى ودولى على أن البيان الثلاثى المشترك لقادة مصر والولايات المتحدة الأمريكية وقطر حول الحرب الدائرة على غزة منذ ما يزيد على الـ10 أشهر، هو بمثابة الفرصة الأخيرة لنزع فتيل التوتر فى المنطقة، وهى محاولة حثيثة أخيرة من الوسطاء المعنيين بالأزمة من أجل لملمة الوضع المعقد الذى تتشابك خيوطه، ومنع انفلاته وانزلاق المنطقة لحرب إقليمية شاملة ومفتوحة الجبهات.
بالتالى هذا البيان الثلاثى المشترك من الناحية العملية هو المسار الوحيد والأخير الأكثر قابلية للتحقق من أجل احتواء التصعيد المتزايد يوما بعد يوم، والحيلولة من أن تتحول حرب غزة إلى نار تبتلع الشرق الأوسط بأكمله.
لكن هذا البيان يواجه عقبات وتحديات صعبة؛ أولى هذه العقبات هو رئيس الوزراء الإسرائيلى وحكومته من اليمين المتطرف. نتنياهو لا يريد الذهاب إلى المفاوضات وتوقيع اتفاق، حتى لو أن هذه المفاوضات صفقة إسرائيلية بشروط إسرائيلية، على الرغم من إعلان مكتبه إرسال وفد للتفاوض فى الموعد الذى حدده البيان الثلاثى ما بين 14 و15 أغسطس. وكم من وفود إسرائيلية حضرت للتفاوض فى عديد الجولات وسحبها نتنياهو فى اللحظات الأخيرة قبل توقيع اتفاقات للتهدئة والهدنة. نتنياهو يشعر بأنه خرج من عنق الزجاجة المتمثل فى ضغوط الداخل الإسرائيلى سواء من داخل حكومته أو من أسر الرهائن، والمعارضين لحربه المستمرة منذ 10 أشهر. هو يشعر بالقوة ولو مؤقتا، عاد له جزء من شعبيته المتراجعة والمتآكلة خاصة بين التيارات المتطرفة فى إسرائيل، يحقق انتصارات سياسية من عمليات الاستهداف والاغتيال. ومن ثم من وجهة نظره لا حاجة ملحة لتوقيع اتفاق قد يحقق نجاحات للطرف الآخر ممثلا فى حماس والفصائل فى غزة، خاصة وأن مثل هكذا اتفاق سيكون بمثابة اعتراف دولى بالسنوار القائد الجديد لحماس، وبدوره كمفاوض على رأس الحركة. وهو ما يتناقض مع الهدف الأول للحرب على غزة التى سعت بكل الطرق لرأس السنوار باعتباره العقل المدبر الأول لهجوم السابع من أكتوبر.
العقبة الثانية تتمثل فى إيران ووكلائها فى المنطقة والرد المزعوم على اغتيال إسماعيل هنية فى قلب العاصمة طهران، وفؤاد شكر القيادى فى حزب الله، وهو التهديد الذى تزداد وتيرته مع كل تصريح وتلميح إيرانى بالهجوم الوشيك. حجم هذا الرد إن وقع وتداعياته قد يكون محددا رئيسيا للدفع نحو إتمام اتفاق هدنة وتهدئة من عدمه، وعلى الرغم من إعلان ممثلة إيران فى الأمم المتحدة عن هذا الرد منفصل تماما عن جهود التهدئة، وهو رد لا يضر بالهدنة. لكن نتنياهو قد يستغله كذريعة وحجة لعدم التفاوض.
الإدارة الأمريكية الحالية هى الأخرى فى مأزق كبير؛ الحرب فى غزة فرضت نفسها كورقة مؤثرة فى الانتخابات القادمة. الرئيس بايدن يريد أن بقدم هدية لنائبته كاملا هاريس مرشحة الحزب الديمقراطى فى شكل اتفاق حتى ولو على سبيل الهدنة المؤقتة، يريد أن يقول إنه وإدارته نجحوا فى منع حرب إقليمية شاملة بما لها من تداعيات خطير فى الشرق الأوسط، وهو فى هذا السياق يواجه مزايدة شرسة من الرئيس السابق ومرشح الحزب الجمهورى ترامب، الذى يزايد بورقة أمن إسرائيل وفشل الإدارة الديمقراطية فى حماية أمنها ويعلن عن دعمه اللا محدود واللا نهائى لإسرائيل فى حربها على غزة. فى المقابل الإدارة الأمريكية تقول إنه، حتى لو هناك خلاف مع رئيس الوزراء الإسرائيلى فهو خلاف بين الأصدقاء، وسارعت بمجرد تصاعد التهديدات الإسرائيلية بإرسال المزيد من التعزيزات العسكرية لصد أى هجوم منتظر على إسرائيل. وفى ذات السياق لا ترغب فى أى حال من الأحوال خسارة أصوات اليهود الأمريكان ودعمهم لصالح ترامب، خاصة وأنه من المعروف تاريخيا أن اليهود فى الولايات المتحدة أكثر ميلا ودعما للحزب الديمقراطى.
هى تشابكات معقدة جدا فى لحظة بالغة الخطورة والحساسية يمر بها الشرق الأوسط، ولا أمل فى عبورها إلا بالاستماع لصوت العقل والحكمة المصرى. الآن أصبح العالم غربا وشرقا على وعى وإدراك تام بأهمية التحذيرات المصرية منذ الساعات الأولى للعدوان، وخطورة أن يتسع نطاق الحرب فى غزة لجبهات أخرى. لأن الكل سوف يدفع الثمن. لذلك؛ هو اتفاق الفرصة الأخيرة للجميع.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: وليد عتلم اتفاق الفرصة الأخيرة الحرب الدائرة غزة
إقرأ أيضاً:
سيف على رقاب الجميع
إنه الرحيل. ومعه تتبخر الأشياء، ويرتد كل إنسان إلى المنتهى. لا يبقى هناك ما يسمى بالسلطة والنفوذ. وهنا يتذكر ما حل بالآخرين. أين ذهب "هتلر" نموذج الحاكم المنتشي بالسلطة؟ لقد تبخر كل شىء، ضاع مع الريح، لم يصمد.لم يكن أحد ليتصور أن تحل به هذه النهاية فى يوم من الأيام. رحل ولم يجرؤ أحد على الاقتراب منه. مع الرحيل تختلف الأوضاع. يصبح المرء بلا رفيق، ولا يوجد من بات بذكره أو حتى يورد اسمه أو يستدعى سيرته. الكل لا يريد أن يتذكر من بات شبحا، جسدا ميتا مليئا بالثقوب، جثة عفنة لا حول لها ولا قوة. بات صاحبها عبئا على الطريق والرفيق، لا أحد يذكره. حتى إذا جاءت سيرته لفظها الكثيرون، وآثروا الانقياد وراء مواضيع أخرى. لا أحد يريد أن يتذكر من كان يملأ الحياة صخبا وضجيجا إرهابا وعنفا.
انتهى كل شىء. لا حول ولا قوة إلا بالله. راحت الدنيا وحلت الآخرة التى لا يراها أحد ما دام على قيد الحياة. من يحيا لا يرى إلا الحياة والقوة والاستقواء والسطوة و الهيمنة والنفوذ والتجبر. هذه هى فنون الحياة والبقاء، فليس له علاقة بالآخرة. فهذا الشخص مأفون عنيد لئيم رهيب فج غليظ وحش كاسر طغى وتجبر، وغيب عن نفسه عمدا أن الحياة قصيرة ولا ضمان لها، وأنها تنتهى فى لحظة دون تنبيه خلافا لعقيدة صاحبنا الذى كان يرى أنها باقية له إلى الأبد، ولهذا ومع هذا الشعور ينسى أن هناك رحيلا حتميا فى يوم من الأيام. قد يكون اليوم أو غدا أو فيما بعد ولكنه آتٍ على أى حال.
عندما يُذكر الرحيل يشعر المرء بالحزن. إنها لوعة الرحيل وتعاسة الفراق. لا يريد المرء أن يبدو حزينا. ولكن هذه هى الحياة أو هكذا تكون، فهى تبدأ وتنتهى فجأة دون أن تخبرنا بوثيقة حول موعد الرحيل، فهو أمر صعب على كل منا رغم أنه حق علينا جميعا. ورغم ذلك دائما ما نربط بينه وبين عنصر المفاجأة. نعلم أن الرحيل قادم، ولكن ما أن يأتى حتى نشعر بغصة وكأنه كان مفاجئا لنا. إنه الرحيل الصعب على الجميع التعامل معه، لا سيما عندما يرحل من نحب ومن كان يمسح دموعنا ويرفق بنا ويأخذ بيدنا لكى نرى معه وبرفقته جادة الطريق.
إنه الفراق بيننا وبين الأحبة وبيننا وبين هذه الدنيا التى كنا نعيش فى كنفها ونستنشق نسائمها. ولكنها الحياة وهكذا تكون. نشعر بالحلم الجميل ولكن لا يلبث أن يتبدد ويتحول إلى كابوس قاتل أمام البعض ممن لا يملكون أمامه إلا الاستسلام، فهذا هو القدر الذى يباغت الجميع بما لم يتوقعوه.
ما أصعب رحيل الأحباب وذوى القربى. وهنا تكون اللوعة مرة ومعها تتبدد الآمال وتطمر الفرحة ويغيب الشعور بالسعادة والحياة. إنه القدر الذى يتعين على الجميع الاستسلام له حيث لا يملكون أمامه سبيلا للهروب. وهذه هى الحياة. نقطة بداية ومولد حلم حتى نصل إلى النهاية التي يحكمها ويتحكم فيها الرحيل. يرحل الأحباب ونأسى لرحيلهم، ولكن ورغم هذا الفراق والرحيل الذى سيحل بالجميع يتعين علينا أن نبحث عن حلم جديد.نعم.. يجب أن ننظر إلى الحياة بروح جديدة كلها أمل. يجب أن نتجاوز مرحلة الأحزان، وأن نتجاوب مع حياة جديدة، والزمن كفيل بأن يخفف عن الإنسان همومه وأوجاعه سواء أكان يعانى فراقا بسبب الحب أو يضاجعه الأسى لفقد عزيز لديه. وهنا ينبغي على الإنسان الإفاقة، وأن يحاول النسيان ويندمج مع الأصدقاء، وأن يؤمن بأن الحياة يجب أن تكمل مسيرتها وأن تأتى بالجديد.