لا يدرك كثير ممن يتحدثون عن اقتراب الحرب العالمية الثالثة.. أنها بدأت بالفعل.. فالعقلية الغربية التى أنتجت حروب الوكالة.. وتدمير الخصم ذاتياً عبر الخونة وأغبياء الداخل.. لا يمكن أن ترسل بآلياتها العسكرية لمواجهة دولة مستيقظة مكتملة الأركان.. لذا يجب خلخلة استقرار الخصم أولاً.. وفى الاستراتيجية الجديدة يكون تدمير الاقتصاد وإفقار الشعوب.
اشتعلت الحرب.. عندما بدأ الرئيس السابق للولايات المتحدة دونالد ترامب فرض حصار اقتصادى على الصين.. بعد فرض إجراءات حمائية للصناعة الأمريكية.. تستهدف تحجيم نمو التنين الصينى.. ضارباً بذلك كل اتفاقات التجارة الحرة (جات) وسياسات السوق المفتوح.. وعلى الرغم من التباين الواضح بينهما.. جاء الرئيس بايدن.. ليستكمل المعركة.. لكن بصورة أكثر ذكاء.. فكان الالتفات إلى جوهر التقدم وتقنية العصر.. أشباه الموصلات.. أو ما يسمى بالشرائح الإلكترونية.. عقل كل جهاز وقلب الصناعة.. من الموبايل للحاسوب للأنظمة الدفاعية والطائرات وحتى مركبات الفضاء والروبوت.
يدرك الأمريكيون كغيرهم.. أن إمبراطورية الصين الصناعية قامت على سرقة التقنية والتقليد.. فى البداية.. لم يأبه لهم أحد.. فنمت فى صمت حتى تحولت لوحش قادر على التهام الجميع.. وهنا سارعت إدارة بايدن لإطلاق ما يسمى بقانون «شيبس» لحماية وتطوير صناعة الشرائح.. بما يتضمن ذلك إنفاق مئات المليارات لإنقاذ وتنمية تلك الصناعة.. لاستعادة الولايات المتحدة حصتها السوقية فى هذا المجال.. وإصدار أى قوانين تشجيعية أو حمائية مطلوبة.. لِمَ لا فالصناعة ليست قضية أمن وطن.. بل هى أمن الوطن الحقيقى.. نجحت الولايات المتحدة بالوصول لحصتها من سوق الشرائح العالمى إلى ١٠% فى عامين فقط.. بعد أن كانت قد وصلت لصفر.. بسبب هروب عناصر الإنتاج إلى الصين وشرق آسيا لما توفره من عناصر جذب.. أنفقت واشنطن المليارات على ذلك القطاع بداية بالأبحاث ثم التصنيع والتطوير وجوائز الابتكار والتميز.. وأخيراً الخطوط اللوجستية التى دعمتها بـ٥٣ مليار دولار.. لم تتوقف أمريكا فى حربها ضد الصين عند حد دعم وتنمية صناعتها.. بل أقنعت حلفاءها الغربيين.. بعدم السماح للصين باستيراد آلات تصنيع الشرائح الحديثة.. فأقصى ما تمتلكه الصين الآن من المصانع اليابانية والهولندية يعمل بدقة ٧ نانو.. وهى الآلات التى جعلت أجهزة هواوى الصينية تغزو العالم.. ورغم امتلاك أمريكا وحلفاؤها معدات دقتها ٢٢ نانو.. إلا أن القرار كان جماعياً بعدم امتلاك الصين تقنية أكثر مما حصلت عليه.. وهنا يبرز السبب الخفى للصراع الأمريكى الصينى حول تايوان.. فتايوان وحدها تملك ٥٤% من السوق العالمى للشرائح.. وبالطبع أغلبها تقنيات ومعدات غربية.. تريد الصين الانقضاض عليها.. وفى المقابل بدأت الصين حملة لدعم صناعاتها للشرائح فدعمتها للمرة الثالثة ولكن بمبلغ ٤٧ مليار دولار.. كما ينشط جواسيسها التقنيون فى جميع أنحاء العالم للحصول على ماكينات النانو الأكثر تطوراً.. وذلك بجانب تنشيط مراكزها البحثية لخلق تقنيتها الخاصة.. بعيداً عن حصار الغرب لاقتصادها.
هكذا بدأت الحرب الكبرى.. حرب عقول لا ثيران تتناطح.. ولن تندلع الحرب التى ألفتموها لتأديب الصغار.. إلا عقب المعركة الرئيسية والفاصلة فى الحرب.. معركة العلم والاقتصاد.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الشافعى لوجه الله الحرب العالمية الثالثة
إقرأ أيضاً:
مقال بمجلة نيوزويك: الصين ليست اتحادا سوفياتيا جديدا
منذ انهيار جدار برلين في 9 نوفمبر/تشرين الثاني عام 1989، ثمة انطباع خاطئ ترسخ في الفكر الإستراتيجي الأميركي بأن التنافس بين القوى العالمية العظمى سيتبع منطق الحدث التاريخي ذاته الذي أسدل الستار على حقبة الحرب الباردة، كما ورد في مقال بمجلة نيوزويك.
واعتبر كاتب المقال محمد سليمان -وهو مدير معهد الشرق الأوسط في العاصمة الأميركية واشنطن– أن هذا الاستنتاج يستند إلى افتراض مُغرٍ بأن الخصوم يمكن احتواؤهم، وأن التحالفات يمكن تجميدها في كتل، وأن النصر سيأتي من خلال الإنهاك الأيديولوجي.
اقرأ أيضا list of 4 itemslist 1 of 4إغناتيوس: الدولار في دائرة الخطر مع تصاعد الحرب التجاريةlist 2 of 4توماس فريدمان: لم أخف يوما على مستقبل أميركا مثل الآنlist 3 of 4كاتب أميركي: هكذا يمكن لقوة عظمى مارقة أن تعيد تشكيل النظام العالميlist 4 of 4وول ستريت جورنال: أميركا أمة في حالة استسلامend of listلكنه يرى أن هذا التفكير لا يمكن إسقاطه على الصين؛ فهي ليست دولة كالاتحاد السوفياتي السابق، وليست اقتصادا موجَّها معزولا، ولا إمبراطورية ترزح تحت وطأة تجاوزاتها العسكرية، بل هي في نظره دولة معولمة، مدعومة بالتكنولوجيا، ودولة حضارية ذات رأس مال وكفاءة واستمرارية، دولة ترفض لعب الدور الذي صاغته موسكو.
تنافس تاريخيوقال الكاتب إن ما من تنافس عبر التاريخ ترك بصمة على العقيدة الإستراتيجية الأميركية أعمق من الحرب الباردة. فعلى أمد نصف قرن من الزمان تقريبا، احتدم صراع منهجي عسكري وأيديولوجي واقتصادي بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي الذي كان اقتصاده في حالة ركود ونظامه السياسي "متصلبا ومستبدا".
إعلانوأضاف سليمان أن الاتحاد السوفياتي أسس تحالفاته بالإكراه، وتخلَّفت ابتكاراته عن الركب، وانهارت منظومته الصناعية تحت معول تناقضاته، فكان أن خرجت أميركا من ذلك الصراع منتصرة بعد تفكك خصمها في عام 1991.
ووفق المقال، فقد أصبحت قواعد اللعبة إبان الحرب الباردة القائمة على الاحتواء والردع والرسائل الأيديولوجية -والتي ترمي في النهاية إلى إسقاط الخصوم- مفاهيم نظرية استخدمتها الولايات المتحدة في إدارة صراعها مع منافسيها.
ويعتقد الكاتب أن صناع السياسة الأميركية يحاولون الآن تطبيق الصيغة نفسها على الصين، التي يصف نظام حكمها بأنه هجين رأسمالي-تكنوقراطي ذو سيادة ويتمتع بانضباط إستراتيجي وله طموحات تكنولوجية، على عكس الاتحاد السوفياتي السابق.
حالة الصينعلى أن سليمان لا يرى أن صعود الصين معجزة، بل هو عودة إلى ماض كانت فيه الدولة صاحبة أكبر اقتصاد في العالم، حيث كانت تستحوذ على أكثر من 30% من الناتج المحلي الإجمالي العالمي في عام 1820.
ومن العوامل التي تجعل من الصين بتلك القوة أنها لم تتنازل قط عن أدواتها الاقتصادية للسوق أو لرأس المال الأجنبي عندما انضمت إلى منظمة التجارة العالمية في عام 2001.
ويصف مدير معهد الشرق الأوسط في مقاله محاولات أميركا "احتواء" الصين كما فعلت من قبل مع الاتحاد السوفياتي، بأنها غير موفقة وخطرة أيضا.
ومع أن أنصار إستراتيجية الحرب الباردة يدعون إلى تبني نهج عالمي للاحتواء، مصمم لمحاصرة الخصم تحت وطأة تناقضاته الداخلية، فإن سليمان يرى أن هذا منطق استند آنذاك على شن حملة موسعة استُخدمت فيها موارد كثيفة لمواجهة القوة السوفياتية في كل منطقة ومجال.
اختلاف العواملولكن تطبيق هذا المنطق على الصين يتعارض مع واقع الحال، فالولايات المتحدة لم تعد -في نظره- ذلك العملاق الصناعي الذي كانت عليه في عام 1950. وعلى النقيض من ذلك، باتت الصين مصنع العالم، وجزءا لا يتجزأ من سلاسل التوريد العالمية وتدفقات السلع وشبكات البنية التحتية.
إعلانويرى الكاتب أن الصين لم تعد تخوض تنافسا داخل النظام الدولي القائم فحسب، بل إنها تحدد أطرا جيوسياسية جديدة تماما قوامها الجيوتكنولوجيا (الجيولوجيا التقنية أو التقنية الجيولوجية).
ثم إن الصين لا تشارك في العولمة فقط، فهي تشكل أيضا شروط التحول الرقمي العالمي. وفي هذا الصدد، يقول سليمان إن بكين نشرت التكنولوجيا على نطاق غير مسبوق؛ بدءا من شبكات الجيل الخامس والبنية التحتية السحابية لشركة هواوي إلى نماذج الذكاء الاصطناعي الرائدة لشركة ديبسيك، ومن السيارات الكهربائية لشركة بي واي دي وليس انتهاء بالروبوتات الصينية الصنع.
ببساطة، فإن أميركا لم تعد قادرة على تحمل إستراتيجية الاحتواء المنهجي التي تتعامل بها مع العالم بأسره باعتباره مسرح مواجهة واحدا، حسب الكاتب.