بوابة الوفد:
2024-11-21@17:45:56 GMT

حرفة النسخ والنساخة والنساخين

تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT

ما معنى «نسخ»؟

نسخ الشىء: أزاله، ومنه نسخ الله الآية: أزال حكمها، ونسخ الكتاب: نقله وكتبه حرفاً حرفاً، وانتسخ الكتاب مثله، واستنسخه: طلب نسخه، والناسخ: من صنعته نسْخ الكتاب، وقد يكون الناسخ من تلاميذ المؤلف، أو من تلاميذ تلاميذه، أو من العلماء، والأصدقاء، أو من غير المعاصرين، والمنسوخ منه، إما نسخة المؤلف، بتوقيعه، أو نسخة تلميذه، أو زميله، أو عالم، أو من عصر آخر، مع حمْل المخطوط ما يدل على زمن كتابته من عبارات، مع العلم باختلاف دقة النسخ، وتفاوتها فيما بينها، وعلاج ذلك فى التحقق من عنوان المخطوط، والتحقق من اسم المؤلف، ودقة قراءة متن الكتاب.

للنسخ آدابه المرعية، وقواعده المتبعة، ظهرت فى ذلك كتب منها:

تذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم سنة 1273م لابن جماعة، و(الدرة النقية) للبدر الغزى (ت 1577م)، وكتاب فى آداب العلماء والمتعلمين للحسين بن القاسم المنصور اليمنى، وكتاب (المعيد فى أدب المفيد والمستفيد) لعبدالباسط بن موى بن محمد العلموى (ت فى دمشق 981هـ/1573م)، وفيه تفصيل القول عن آداب النسخ، والخط والقلم، والمعارضة، التى تنعدم إذا فقدت النسخة الأم، والمقابلة، والترقيم.

ولم تنفصل الوراقة عن التأليف؛ فقد كان بعض العلماء وراقا كأبى حيان التوحيدى، وكذلك كان حفيد هارون الرشيد (المستعين بالله)، كما دخل الوراقة غير المسلمين، ومنهم من أضر، ومنهم من نفع، كما حدث من تشويه فى (الكامل فى التاريخ) لابن الأثير، الذى تم إقحام حوار فيه، وكما أقحمت الزيادة، حدث النقص فى بعض المخطوطات، وكان من عيوب النسخ: جهل الناسخ بمادة المخطوط، أو ضعف قراءته وكتابته، أو سوء خطه، ويضاعف من ذلك فقدان النسخة الأم.

ولما اتسعت رقعة الدولة، وشاع اللحن، شرع المدونون فى النحو، شرعوا فى الحديث، وظل الخليفة عمر بن عبدالعزيز يستخير الله فى تدوين الحديث أربعين يوماً، ثم أذن بذلك، وسلك المصنفون طريقين: الكتابة المباشرة من المؤلف، فى (مسودة)، يعيد كتابتها، وعرفت النسخة التالية (المبينة)، وممن دون بنفسه: الجوهرى فى (صحاح اللغة) مؤرخة بتاريخ 383هـ، وابن حجر العسقلانى فى (تقريب التهذيب) والكرمانى فى (مجمع البحرين).أما الطريق الثانى فهو إملاء يرسله المؤلف لمن يكتب له، مراعاة لحال مثل حال أبى العلاء، أو للإصابة بالفلج عند الجاحظ، أو دون تلك الضرورة، كأن يملى على كاتب آخر بأجر، كما صنع الفراء، أو على تلاميذه كما صنع ابن دريد فى (الجمهرة)، وقد يكون مع التلاميذ زملاء للشيخ يصنعون مثلهم، وهكذا قام النساخ بدور كبير فى حفظ التراث العربى، يتحرون الدقة فى عدد الصفحات، ونظام الكتابة، وعدد الأسطر، ولون المداد، وكان لكل مكتبة ناسخها، أو نساخها. كان فى بيت الحكمة نساخ منهم من يذكره ابن النديم باسمه مثل علان الشعوبى، وكان بمكتبة بنى عمار بطرابلس الشام مائة وثمانون ناسخاً.

أصبح فن النساخة فناً إسلامياً حضارياً له أعلامه، وصار صناعة إسلامية عربية، وسمى القلقشندى فى (صبح الأعشى)، والسمعانى فى (أدب الإملاء والاستملاء، المحبرة أم آلات الكتابة وسمطها الجامع، وكانت تؤخذ من أجود العيدان كالأبنوس، والساسم، والصندل، ثم النحاس الأصفر، والفولاذ، ورأوا وجودها ضرورة لكل محب للعلم حتى سئل وراق ماذا تشتهى؟ قال: قلماً مشاقاً، وحبراً براقاً، وجلوداً رقاقاً، واشترط بعضهم شروطاً فى الدواة، وأفاض الصولى فى (أدب الكاتب) فى وصف القلم شعراً ونثراً، حتى قال أحمد يوسف: «القلم لسان البصر يناجيه ما استتر»، وقال ابن المقفع.: القلم بريد القلب، وقال أبو دلف: «القلم صائغ الكلام»، واستقر فن النساخة، ووضع له العلماء شروطاً وآداباً حسب الناسخ والموضوع المنسوخ، وطرقاً للكتابة، والتذهيب، حتى لقد سقط ذهب وفضة مما أحرق من كتب الخوارج، ووضعوا رموزا للاختصارات، وفواصل، ودوائر، ومن النساخ من تخصص فى كتابة العناوين. من هؤلاء النساخ: محمد بن عبدالله بن غطوش، وإبراهيم بن أحمد الزرعى، وأبو عبدالله محمد بن عبدالله الصورى، وإسماعيل المعروف بالزمكحل، وأحمد بن عبدالدائم الفندقى.

ويتصل بالنساخة والنساخين ما يروى عن (الإسناد، والإجازة)؛ ففى مجال الحديث الشريف روايات عمن يكتبون، حتى ليكتب بعضهم مضطراً على خفيه، وعلى يديه قبل تدوين الحديث، وذكر السمعانى فى (أدب الإملاء والاستملاء) أصول الإجازات، كما وضحها الإشبيلى فى خمس بين: الإجازة الخاصة بالإخبار، والقراءة، والسماع، والجمع بين القراءة والسماع، والوجادة بالكتابة، والإذن إليك بالرواية، وفى النسخ المخطوطة نقرأ طبقة السماع على طرة الكتاب، ونجد أسماء الأعلام الذين قرأوها وطالعوها مصحوبة بجملة: « فرغ منه...» مؤرّخة، ورأوا فى الإجازة أن تكون بخط المصنّف على نسخة الطالب (بحق الرواية)، وكذلك إجازات بقية الفنون، ومن أقدمها إجازة بخط الراوى سمح بها الربيع تلميذ الإمام الشافعى بنسْح كتاب (الرسالة الشافعية)، ثم نشأت طبقة الوراقين، والنسّاخين والمسْتمْلين، وقال الجاحظ: « أمْليت على إنسان مرة:...».(انظر الإجازات وتطورها التاريخى، قاسم أحمد السمرانى، مجلة عالم الكتب، الرياض مج2، ع2، أغسطس 1986. يحدثنا عبدالستار الحلوجى فى كتابه ( المخطوط العربى منذ نشأته إلى آخر القرن الرابع الهجرى، جامعة الإمام محمد بن سعود، عن أدوات الكتابة العربية، واستعمالاتها وتطوراتها حتى أوائل عصر بنى العباس، ونشأة الكتاب، وعوامل انتشاره، وصناعة المخطوط العربى: إخراجاً، وتأليفاً، وإملاء، وكتابة، وألوان الفن فى المخطوطات: صوراً، ورسوماً، وحليات، وزخارف، وتذهيباً، وتناول ما فى المسودة من ضرب (شطب)، ومحو، وإلحاق بالحواشى، على غرار مسودة ابن دريد، وأدب الكاتب لابن قتيبة، والأغانى، ونهج البلاغة للشريف الرضى، وكيف يترك المصنفون أوراقا بيضاء بآخر كتبهم لتسجيل ما يشرد، وقد يعود لما ألفه بالتنقيح والزيادة، يدل على ذلك نسخ من البيان والتبيين للجاحظ، ويتيمة الدهر للثعالبى، وربما يكمل التلميذ عمل أستاذه، مثلما أكمل الليث بن رافع كتاب العين للخليل، ومثلما أخرج الأخفش كتاب سيبويه، وتلاميذ الشافعى فى كتبه، وهناك نسخة من (العين ) بخط الخليل نفسه، وهكذا تنامت أعداد المخطوطات، ومن حسن الحظ أن الببليوجرافيا أسهمت فى رصد ذلك التراث من المخطوطات، الذى شهد نهضة بلغت ذروتها خلال القرن الخامس الهجرى، وخلّف تراثا ضخما، برغم ما فقد، وضاع، أو دمّر ؛ذلك أن الجمل الملحقة بتراجم المصنفين، من مثل: « ومن مؤلفاته...»، أو « وله تآليف، أو تصانيف أخرى..» تلك الجمل التى أرشدتنا إلى كثير من المخطوطات، ومن ذلك أن ابن النديم، صاحب (الفهرست)، ذكر ما يناهز ستة آلاف كتاب مخطوط، ولفهرسة المحطوط بطاثة تتضمن فقرة المدخل، ففقرة العنوان، ففقرة التوريق، فالاستهلال، فمحتويات المخطوطة، فنسب المخطوطة، ففقرة المتابعات، أو المداخل الأخرى، ومن العلماء الذين كانوا يعيشون من النسخ أبو على محمد بن الحسن بن الهيثم، وأبو موسى الخامض، وغيرهما.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: د يوسف نوفل لغتنا العربية جذور هويتنا نسخ اسم المؤلف محمد بن

إقرأ أيضاً:

هيئة الكتاب تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

صدر حديثا عن وزارة الثقافة من خلال الهيئة المصرية العامة للكتاب، برئاسة الدكتور أحمد بهي الدين، كتاب «كل النهايات حزينة» للكاتب عزمي عبد الوهاب.


يتناول الكتاب، اللحظات الأخيرة في حياة أبرز الكتاب والمبدعين في الأدب الإنساني، من بينهم دانتي أليجييري، أنطونيو جرامشي، وفولتير، ولودفيك فتجنشتاين، وصادق هدايت، وأوسكار ويلد، وراينر نعمت مختار، وجويس منصور، وجورجيا آمادو، وثيربانتس، وغيرهم.


ويقول عزمي عبد الوهاب في تقديمه للكتاب: «ظللت مشغولاً بالنهايات لسنوات طويلة، لكن بداية أو مستهل كتاب "مذاهب غريبة" للكاتب الكبير كامل زهيري كان لها شأن آخر معي، فحين قرأت الفقرة الأولى في هذا الكتاب، تركته جانبا، لم أجرؤ على الاقتراب منه مرة أخرى، وكأن هذه الفقرة كانت كفيلة بإشباع رغبتي في القراءة آنذاك، أو كأنها تمتلك مفاتيح السحر، للدرجة التي جعلتني أتمنى أن أكتب كتابا شبيها بـ"مذاهب غريبة". 
تذكرت على الفور أوائل القراءات التي ارتبطت بكتاب محمد حسين هيكل "تراجم مصرية وغربية" وبعدها ظلت قراءة المذكرات والذكريات تلقى هوى كبيرا لدي، كنت في ذلك الوقت لم أصدر كتابًا واحدًا، لكن ظلت تلك الأمنية أو الفكرة هاجسا، يطاردني لسنوات، إلى أن تراكم لدي من أثر القراءة كثير من مواقف النهايات، التي تتوافر فيها شروط درامية ما، وكلها يخص كتابا غربيًا؛ لأن حياة الأغلبية العظمى من كتابنا ومثقفينا تدفع إلى حافة السأم والتكرار والملل.

إنها حياة تخلو من المغامرة التي تصل حد الشطط، ربما يعود ذلك إلى طبيعة الثقافة العربية، التي تميل إلى التحفظ، وربما أن تلك الثقافة لم تكشف لي غرائب النهايات، هناك استثناءات بالطبع، شأن أية ظواهر في العالم، قد يكون الشاعر والمسرحي نجيب سرور مثالا لتلك الحياة المتوترة لإنسان عاش على حافة الخطر طوال الوقت، حتى وصل إلى ذروة الجنون، لكن دراما "نجيب سرور" مرتبطة بأسماء كبيرة وشخصيات مؤثرة، تنتمي إلى ثقافة: "اذكروا محاسن موتاكم" حتى لو كانت لعنة نجيب سرور ظلت تطارد ابنه من بعده، فقد مات غريبا في الهند مثلما عاش أبوه غريبا في مصر وروسيا والمجر».


ويضيف عبد الوهاب: « يمكن أن أسوق أسماء قديمة مثل "أبي حيان التوحيدي" الذي أحرق كتبه قبل موته، أو ذلك الكاتب الذي أغرق كتبه بالمياه، في إشارة دالة إلى تنصله مما كتب، أو ذلك الكاتب الذي أوصى بأن تدفن كتبه معه، وإذا كان الموت هو أعلى مراحل المأساة، فهناك بالطبع شعراء وكتاب عرب فقدوا حياتهم، بهذه الطريقة المأساوية كالانتحار ، مثل الشاعر السوداني "أبو ذكري" الذي ألقى بجسده من فوق إحدى البنايات، أثناء دراسته في الاتحاد السوفيتي السابق، والشاعر اللبناني "خليل حاوي" الذي أطلق الرصاص على رأسه في شرفة منزله، والروائي الأردني "تيسير سبول" الذي مات منتحرا بعد أن عاش فترة حرجة من عام ١٩٣٩ إلى ۱۹۷۳م.
لكن المختفي من جبل الجليد في تلك الحكايات، أكبر مما يبدو لنا على سطح الماء، خذ على سبيل المثال "خليل حاوي" فقد أشيع في البداية أن الرصاصات، التي أطلقها على رأسه، كانت إعلانًا للغضب، ومن ثم الاحتجاج على الصمت العربي المهين، إزاء اقتحام الآليات العسكرية الإسرائيلية للجنوب اللبناني، ومن ثم حصار بيروت في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي، وفيما بعد، حين استفاق البعض من صدمة الحدث، قيل إن ما جرى كان نتاج علاقة حب معقدة، دفعت بالشاعر إلى معانقة يأسه والانتحار، فهل كان انتحار الروائي الأردني "تيسير سبول" صاحب أنت منذ اليوم أيضًا احتجاجا على ما جرى في العام ١٩٦٧ م ؟
ربما يوجد كثير من النماذج، لكن تظل الأسماء الغربية الكبيرة، قادرة على إثارة الدهشة كما يقال، ونحن دائما مشغولون بالحكاية أكثر من المنجز، وكأن هذا من سمات ثقافتنا العربية، فالاسم الكبير تصنعه الحياة الغريبة لا الإنتاج الأدبي.
ومع ذلك يمكننا أن نتوقف أمام اسم كبير مثل "إدجار آلان بو" وكيف كان آخر مشهد له في الحياة، فهو أحد الكتاب الذين غادروا الحياة سريعا، وحين مات وجدوه في حالة مزرية، يرتدي ملابس لا تخصه، وحين تعرف عليه أحد الصحفيين، نقله إلى المستشفى، ومات وحيدا، بعد أربعة أيام، في السابع من أكتوبر عام ١٨٤٩م، ولم يعلم أقاربه بموته إلا من الصحف».

مقالات مشابهة

  • العالم الدكتور عبد الله الغنيم شخصية معرض الكتاب الدولي بالكويت: القاهرة صاحبة الفضل في تشكيل رؤيتي الفكرية والثقافية
  • هيئة الكتاب تصدر «كل النهايات حزينة» لـ عزمي عبد الوهاب
  • موجز تاريخ الحرب كما يسطره المؤرخ العسكري غوين داير
  • نائب رئيس جامعة الأزهر يفتتح معرض الكتاب بكلية الدراسات الإسلامية للبنات
  • حاكم الشارقة يفتتح معرض مخطوطات قرآنية
  • تقديم كتاب الذكرى الخمسون للحكم بردة محمود محمد طه
  • محافظ سوهاج: تخصيص أرض لإنشاء قرية التلي.. وصندوق خاص لدعم العاملين بالحرفة
  • آبل تدعو مستخدمي iOS 8 لتحديث الأجهزة قبل إيقاف دعم النسخ الاحتياطي في ديسمبر
  • مكتبة الإسكندرية تحتفل بإطلاق كتاب "قاضٍ في صعيد مصر" للمستشار محمد النجار
  • مكتبة الإسكندرية تحتفل بإطلاق كتاب «قاضٍ في صعيد مصر» للمستشار محمد النجار