حرفة النسخ والنساخة والنساخين
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
ما معنى «نسخ»؟
نسخ الشىء: أزاله، ومنه نسخ الله الآية: أزال حكمها، ونسخ الكتاب: نقله وكتبه حرفاً حرفاً، وانتسخ الكتاب مثله، واستنسخه: طلب نسخه، والناسخ: من صنعته نسْخ الكتاب، وقد يكون الناسخ من تلاميذ المؤلف، أو من تلاميذ تلاميذه، أو من العلماء، والأصدقاء، أو من غير المعاصرين، والمنسوخ منه، إما نسخة المؤلف، بتوقيعه، أو نسخة تلميذه، أو زميله، أو عالم، أو من عصر آخر، مع حمْل المخطوط ما يدل على زمن كتابته من عبارات، مع العلم باختلاف دقة النسخ، وتفاوتها فيما بينها، وعلاج ذلك فى التحقق من عنوان المخطوط، والتحقق من اسم المؤلف، ودقة قراءة متن الكتاب.
للنسخ آدابه المرعية، وقواعده المتبعة، ظهرت فى ذلك كتب منها:
تذكرة السامع والمتكلم فى أدب العالم والمتعلم سنة 1273م لابن جماعة، و(الدرة النقية) للبدر الغزى (ت 1577م)، وكتاب فى آداب العلماء والمتعلمين للحسين بن القاسم المنصور اليمنى، وكتاب (المعيد فى أدب المفيد والمستفيد) لعبدالباسط بن موى بن محمد العلموى (ت فى دمشق 981هـ/1573م)، وفيه تفصيل القول عن آداب النسخ، والخط والقلم، والمعارضة، التى تنعدم إذا فقدت النسخة الأم، والمقابلة، والترقيم.
ولم تنفصل الوراقة عن التأليف؛ فقد كان بعض العلماء وراقا كأبى حيان التوحيدى، وكذلك كان حفيد هارون الرشيد (المستعين بالله)، كما دخل الوراقة غير المسلمين، ومنهم من أضر، ومنهم من نفع، كما حدث من تشويه فى (الكامل فى التاريخ) لابن الأثير، الذى تم إقحام حوار فيه، وكما أقحمت الزيادة، حدث النقص فى بعض المخطوطات، وكان من عيوب النسخ: جهل الناسخ بمادة المخطوط، أو ضعف قراءته وكتابته، أو سوء خطه، ويضاعف من ذلك فقدان النسخة الأم.
ولما اتسعت رقعة الدولة، وشاع اللحن، شرع المدونون فى النحو، شرعوا فى الحديث، وظل الخليفة عمر بن عبدالعزيز يستخير الله فى تدوين الحديث أربعين يوماً، ثم أذن بذلك، وسلك المصنفون طريقين: الكتابة المباشرة من المؤلف، فى (مسودة)، يعيد كتابتها، وعرفت النسخة التالية (المبينة)، وممن دون بنفسه: الجوهرى فى (صحاح اللغة) مؤرخة بتاريخ 383هـ، وابن حجر العسقلانى فى (تقريب التهذيب) والكرمانى فى (مجمع البحرين).أما الطريق الثانى فهو إملاء يرسله المؤلف لمن يكتب له، مراعاة لحال مثل حال أبى العلاء، أو للإصابة بالفلج عند الجاحظ، أو دون تلك الضرورة، كأن يملى على كاتب آخر بأجر، كما صنع الفراء، أو على تلاميذه كما صنع ابن دريد فى (الجمهرة)، وقد يكون مع التلاميذ زملاء للشيخ يصنعون مثلهم، وهكذا قام النساخ بدور كبير فى حفظ التراث العربى، يتحرون الدقة فى عدد الصفحات، ونظام الكتابة، وعدد الأسطر، ولون المداد، وكان لكل مكتبة ناسخها، أو نساخها. كان فى بيت الحكمة نساخ منهم من يذكره ابن النديم باسمه مثل علان الشعوبى، وكان بمكتبة بنى عمار بطرابلس الشام مائة وثمانون ناسخاً.
أصبح فن النساخة فناً إسلامياً حضارياً له أعلامه، وصار صناعة إسلامية عربية، وسمى القلقشندى فى (صبح الأعشى)، والسمعانى فى (أدب الإملاء والاستملاء، المحبرة أم آلات الكتابة وسمطها الجامع، وكانت تؤخذ من أجود العيدان كالأبنوس، والساسم، والصندل، ثم النحاس الأصفر، والفولاذ، ورأوا وجودها ضرورة لكل محب للعلم حتى سئل وراق ماذا تشتهى؟ قال: قلماً مشاقاً، وحبراً براقاً، وجلوداً رقاقاً، واشترط بعضهم شروطاً فى الدواة، وأفاض الصولى فى (أدب الكاتب) فى وصف القلم شعراً ونثراً، حتى قال أحمد يوسف: «القلم لسان البصر يناجيه ما استتر»، وقال ابن المقفع.: القلم بريد القلب، وقال أبو دلف: «القلم صائغ الكلام»، واستقر فن النساخة، ووضع له العلماء شروطاً وآداباً حسب الناسخ والموضوع المنسوخ، وطرقاً للكتابة، والتذهيب، حتى لقد سقط ذهب وفضة مما أحرق من كتب الخوارج، ووضعوا رموزا للاختصارات، وفواصل، ودوائر، ومن النساخ من تخصص فى كتابة العناوين. من هؤلاء النساخ: محمد بن عبدالله بن غطوش، وإبراهيم بن أحمد الزرعى، وأبو عبدالله محمد بن عبدالله الصورى، وإسماعيل المعروف بالزمكحل، وأحمد بن عبدالدائم الفندقى.
ويتصل بالنساخة والنساخين ما يروى عن (الإسناد، والإجازة)؛ ففى مجال الحديث الشريف روايات عمن يكتبون، حتى ليكتب بعضهم مضطراً على خفيه، وعلى يديه قبل تدوين الحديث، وذكر السمعانى فى (أدب الإملاء والاستملاء) أصول الإجازات، كما وضحها الإشبيلى فى خمس بين: الإجازة الخاصة بالإخبار، والقراءة، والسماع، والجمع بين القراءة والسماع، والوجادة بالكتابة، والإذن إليك بالرواية، وفى النسخ المخطوطة نقرأ طبقة السماع على طرة الكتاب، ونجد أسماء الأعلام الذين قرأوها وطالعوها مصحوبة بجملة: « فرغ منه...» مؤرّخة، ورأوا فى الإجازة أن تكون بخط المصنّف على نسخة الطالب (بحق الرواية)، وكذلك إجازات بقية الفنون، ومن أقدمها إجازة بخط الراوى سمح بها الربيع تلميذ الإمام الشافعى بنسْح كتاب (الرسالة الشافعية)، ثم نشأت طبقة الوراقين، والنسّاخين والمسْتمْلين، وقال الجاحظ: « أمْليت على إنسان مرة:...».(انظر الإجازات وتطورها التاريخى، قاسم أحمد السمرانى، مجلة عالم الكتب، الرياض مج2، ع2، أغسطس 1986. يحدثنا عبدالستار الحلوجى فى كتابه ( المخطوط العربى منذ نشأته إلى آخر القرن الرابع الهجرى، جامعة الإمام محمد بن سعود، عن أدوات الكتابة العربية، واستعمالاتها وتطوراتها حتى أوائل عصر بنى العباس، ونشأة الكتاب، وعوامل انتشاره، وصناعة المخطوط العربى: إخراجاً، وتأليفاً، وإملاء، وكتابة، وألوان الفن فى المخطوطات: صوراً، ورسوماً، وحليات، وزخارف، وتذهيباً، وتناول ما فى المسودة من ضرب (شطب)، ومحو، وإلحاق بالحواشى، على غرار مسودة ابن دريد، وأدب الكاتب لابن قتيبة، والأغانى، ونهج البلاغة للشريف الرضى، وكيف يترك المصنفون أوراقا بيضاء بآخر كتبهم لتسجيل ما يشرد، وقد يعود لما ألفه بالتنقيح والزيادة، يدل على ذلك نسخ من البيان والتبيين للجاحظ، ويتيمة الدهر للثعالبى، وربما يكمل التلميذ عمل أستاذه، مثلما أكمل الليث بن رافع كتاب العين للخليل، ومثلما أخرج الأخفش كتاب سيبويه، وتلاميذ الشافعى فى كتبه، وهناك نسخة من (العين ) بخط الخليل نفسه، وهكذا تنامت أعداد المخطوطات، ومن حسن الحظ أن الببليوجرافيا أسهمت فى رصد ذلك التراث من المخطوطات، الذى شهد نهضة بلغت ذروتها خلال القرن الخامس الهجرى، وخلّف تراثا ضخما، برغم ما فقد، وضاع، أو دمّر ؛ذلك أن الجمل الملحقة بتراجم المصنفين، من مثل: « ومن مؤلفاته...»، أو « وله تآليف، أو تصانيف أخرى..» تلك الجمل التى أرشدتنا إلى كثير من المخطوطات، ومن ذلك أن ابن النديم، صاحب (الفهرست)، ذكر ما يناهز ستة آلاف كتاب مخطوط، ولفهرسة المحطوط بطاثة تتضمن فقرة المدخل، ففقرة العنوان، ففقرة التوريق، فالاستهلال، فمحتويات المخطوطة، فنسب المخطوطة، ففقرة المتابعات، أو المداخل الأخرى، ومن العلماء الذين كانوا يعيشون من النسخ أبو على محمد بن الحسن بن الهيثم، وأبو موسى الخامض، وغيرهما.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: د يوسف نوفل لغتنا العربية جذور هويتنا نسخ اسم المؤلف محمد بن
إقرأ أيضاً:
في ثاني أيام معرض الكتاب 2025.. إقبال واسع وفعاليات تحتفي بالثقافة
عمان: استقبل مركز عُمان للمؤتمرات والمعارض زوّار معرض مسقط الدولي للكتاب في يومه الثاني بكثافة الحضور وتعدد الوجوه، بين قراء وأطفال وبحضور الكتاب والباحثين.
وشهد المعرض تدفقاً من الزوّار، في مشهد يعكس الشغف المتجدد بالكلمة المكتوبة. وما يُميز نسخة هذا العام من معرض الكتاب، ليس فقط التنوّع في العناوين والناشرين، بل الحضور المميز للفعاليات الثقافية المصاحبة.
فقد شهدت قاعات الندوات والمسرح الثقافي تفاعلاً مع الجلسات الحوارية منذ اليوم الأول، حيث نظمت جامعة نزوى محاضرة بعنوان "دور المؤسسات الثقافية في تعزيز المواطنة الرقمية"، تناولت التعريف بمفهوم المواطنة الرقمية والركائز الأساسية التي تقوم عليها ومنها الأخلاقيات الرقمية والتجارة والأمان الرقمي، بالإضافة إلى الدور المحوري الذي تقوم به المؤسسات الثقافية في التوجيه بكيفية استخدام التقنيات بشكل أخلاقي ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ29. ونظمت السفارة الألمانية جلسة حوارية بعنوان: الترجمة الألمانية الجديدة لرواية الدكتورة جوخة الحارثية" الأجرام السماوية "، هدفت إلى التعريف بروائع العمل الأدبي والترجمة وانعكاس الرواية على صورة المجتمع العُماني.
ونظمت محافظة شمال الشرقية "ضيف الشرف" ندوة عن المدارس العلمية والفكرية بالمحافظة، وسلطت الضوء على أهمية المدارس التعليمية لصقل الكوادر المؤهلة.
من جهة أخرى انطلقت في اليوم الأول من أيام المعرض منافسات النسخة الرابعة من "البطولة المفتوحة للمناظرات"، وتستمر ثلاثة أيام ضمن فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، في مبادرة تجمع بين الثقافة والإبداع وحركة الحوار المنهجي. وتأتي استضافة البطولة ضمن المعرض لتعزيز تفاعل الأجيال مع المحتوى الثقافي، وفتح آفاق الحوار والتبادل المعرفي أمام آلاف من الزوار. وتنقسم المنافسة في هذه النسخة إلى 3 فئات وهي المناظرات القيادية، والمناظرات الفردية باللغتين العربية والإنجليزية، ومناظرات الأطفال وهي فئة جديدة تهدف إلى غرس ثقافة الحوار المنهجي في نفوس الناشئة.
من جانبها عقدت وزارة الإعلام، على هامش فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب بمركز عُمان للمؤتمرات والمعارض، لقاءً مع عدد من الإعلاميين الخليجيين والعرب والأجانب المشاركين في تغطية فعاليات معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته التاسعة والعشرين. ويعمل المركز الإعلامي لمعرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ 29 على تسهيل مهام أعمال الإعلاميين الذين يمثلون مختلف وسائل الإعلام المحلية والعربية والأجنبية، وذلك لتسليط الضوء على الفعاليات والأنشطة المتعلقة بالمعرض. كما سينظِّم المركز برنامجًا للإعلاميين يتضمن زيارة لأبرز المعالم الثقافية والحضارية في سلطنة عُمان، مثل: دار الأوبرا السلطانية مسقط، ومتحف عُمان عبر الزمان في ولاية نزوى، بالإضافة إلى متحف بيت الزبير. ويحتوي المركز الإعلامي على أحدث الأجهزة والأدوات والوسائل التي تساعد الإعلاميين على أداء مهامهم، بالإضافة إلى غرفة للبودكاست لتقديم محتوى إعلامي يسلط الضوء على الفعاليات المتعلقة بالمعرض.
وشهد اليوم إقامة عدد من الفعاليات أبرزها، جلسات حوارية استعرضت الجلسة الأولى تجربة الفنان الكويتي جابر أحمد خضير، وجلسة حوارية حول آفاق وتحديات النشر المعاصر، وجلسة تربية الأبناء عن السمت العماني.. الواقع والأهمية والتحديات. وجلسة حوارية عن عمان كما تراها نساء ألمانيات، وجلسة "ويبقى الأثر" للفنانين الراحلين "محمد نظام، وأيوب ملنج، وموسى عمر"، وجلسة حول تعزيز التواصل بين الأجيال، وجلسة عن مفدى زكرياء شاعر رسالة وقضية، وأخيرا جلسة حوارية وتدشين كتاب فصيلة الدم (C).
وتوالت الفعاليات فتم تقديم محاضرة ملكة سبأ.. الأسطورة والحقيقة، ومحاضرة عن واقع الكتاب العلمي في العالم العربي بين الترجمة والتأليف، كما أقيمت حول ندوة الإعلام الإلكتروني.. تحولات رقمية وآفاق مستقبلية، ولقاء حواري مفتوح حول القراءة والوعي وقضايا الواقع، وأمسية شعرية فصيحة، وورشة تجويد كتابة القصة القصيرة.
وسيتضمن جدول اليوم الثالث فعاليات تستقطب فئة الشباب المبدع، بورش متخصصة في الكتابة الإبداعية، كورشة تجويد كتابة القصة القصيرة، وورشة صناعة المحتوى في عصر الذكاء الاصطناعي. مع جلسات حوارية حول الخيل والإبل في محافظة شمال الشرقية، وعن المواقع الأثرية في السعودية وعمان.. كنوز الماضي ورهان المستقبل، وتحويل الرواية العمانية إلى أفلام سينمائية، وجلسة عن الكتب الصوتية في منصة عين.. مهارات الأداء الصوتي والكتب الصوتية للأطفال والناشئة، وجلسة توظيف بيئة النص في العمل الروائي.. دلشاد نموذجا، وتجليات الحكاية الشعبية في الأدب العماني، وتجليات المسكوت عنه في النص والحياة، وجلسة حوارية حول الصحافة الثقافية في عالم الفضاء الرقمي.
وسيتضمن اليوم أيضا ندوات ثقافية، بقراءة في كتاب "الماء والاستطيان القبلي في جنوب شرق المنطقة العربية ".. دراسة عن الأفلاج في عمان لجون ولكنسون، وندوة المواقع الأثرية والمقومات السياحية في محافظة شمال الشرقية، وندوة المكتبات والمراكز الثقافية والمخطوطات في محافظة شمال الشرقية، ومحاضرة آليات الاستجابة والتدخل مع حالات العنف ضد الأطفال، إضافة إلى أمسية شعرية للشعراء الفائزين في الملتقى الأدبي (27)، والبطولة المفتوحة للمناظرات تصفيات المناظرات الفردية باللغة العربية والإنجليزية لمركز مناظرات عمان، وتقييم المشاركات في جائزة لجنة المبادرات المجتمعية الثقافية لمعرض مسقط الدولي للكتاب لجنة المبادرات المجتمعية.