الزواج العرفى... داء... ودواء
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
حقيقة لا يمكن تجاهلها أو غض الطرف عنها، المفكر نتاج مجتمعه، وعين مجتمعه الذى وجد فيه، مهموم بقضايا بنى جلدته، وإن لم يفعل ذلك فليذهب بفكره مع الذاهبين.
انتشرت فى مجتمعاتنا العربية والإسلامية ظاهرة غريبة علينا، ألا وهى ما يسمى بالزواج العرفى، ومن قبل زواج المسيار، الزواج المحدد، والموقوت بوقت، وزواج الدم، وغيرها من المسميات البئيسة التى ما أنزل الله بها من سلطان.
تعالوا معى نشخص الداء، المرض الزواج العرفى، ما المقصود بزواج العرف، أى المتعارف عليه، أى الشكلى، الظاهرى، الأجوف المفرغ من المضمون المحتوى، أى الذى يفقد الضوابط الشرعية والقانونية والأخلاقية والاجتماعية لمفهوم الزواج.
والمتمثل فى هذه العبارة اللعينة (نضرب ورقتين عرفى)
ألا تدرون ما الذى سيترتب عليه ضرب هاتين الورقتين التعيستين.
متعة تمت، مبلغ من المال أنفق، تم الانفصال.
والذى يفعل ذلك لا يتردد أن يكرر فعلته مرات عديدة، طالما المسائل ستمر هكذا.
الكارثة هب أن هذه الفتاة كانت تخفى هذه الجريمة عن أهلها واكتشفت أنها حملت، وهذا الرجل رفض الاعتراف بهذا الجنين، ما الذى سيحدث لهذه الفتاة، ولأسرتها إن علمت بالأمر.
بالنسبة للفتاة قد يؤدى بها الأمر إما إلى قتل هذا الرجل، وان لم تستطع فقد تنتحر، وان لم تطاوعها نفسها على فعل ذلك، تذهب لإجهاض نفسها، وإن لم تتمكن، واكتشفت الأسرة هذه المصيبة.
وهذه الأسرة قد تكون على قدر من التفتح وليس بها حمية أو عصبية وأرادت أن تلجأ إلى المحاكم لإثبات هذا النسب، تعيش مع المحاكم والتحليلات الـ«دى إن إيه»، قد يستغرق الأمر سنين وقد يولد الطفل دون شهادة ميلاد، فلا تستطيع هذه الأسرة إلحاق الطفل بالمدرسة، وكل هذه الأمور الحياتية، ابن غير معترف به، وغير مدون فى سجلات المواليد.
لكن إذا كان هذا هو الداء، وتشخيصه، فما هى أسبابه، الأسباب كثيرة، أولها: غياب الخطاب التوعوى الدينى إلا ما رحم ربى، فلابد من خطاب دينى متزن يشرح رأى الدين فى هذه المسألة وما حكم الدين فى هذه القضية، وما رأى علماء أصول الفقه دون مجاملة لأحد لأن هذه شهادة أمام الله.
شرح الرأى الشرعى فى هذا الأمر وما يترتب عليه.
وثانيها: طرح هذه القضية فى الإعلام المرئى عن طريق تقديم الأفلام والمسلسلات التى تطرح الإشكالية، فقط دون تقديم حلول ناجعة لها، وإن قدمت فتقدم حلولاً وقتية أو حلولاً تؤدى إلى القتل بالنسبة للضحية، والسجن للجانى الزوج.
أو عن طريق طرح القضية فى البرامج التليفزيونية والإذاعية واستضافة بعض الشخصيات لا تقدم حلولاً لعدم علمهم بأصول الدين ولا علماء نفس ولا علماء اجتماع، فيتركون المشاهد والمشاهدة معلقين فى فضاء الأوهام.
أو يأتون بأحد الشيوخ فيفتى بفتوى تشرعن لهذا الأمر ولا حول ولا قوة إلا بالله، فيتخذ هذه الفتوى بعض أصحاب النفوس المريضة لإباحة مثل هذه الافاعيل.
قس على ذلك من ينصبون أنفسهم بما عرف فى أيامنا بالدعاة من أصحاب اللحى الطويلة والجلباب القصير والسواك، وأصحاب الحناجر الجهورية، طبعاً لا أعمم - إلا من رحم ربى.
وثالثها: الانتشار الرهيب لمواقع التواصل الاجتماعى، والسوشيال ميديا والشات، والجلوس ليلاً ونهاراً على الإنترنت والتعارف بين البنين والبنات، وأخذ المواعيد واللقاءات، التى قد تقود إلى ارتكاب مثل هذه الموبقات.
كذلك انتشار المواقع الإباحية التى ليس لها هم اللهم إلا بث الفحشاء والرذيلة بين الناس، وللأسف الشديد معظم مرتادى هذه المواقع من الشباب من الجنسين، فلا يجدون مهرباً لهم إلا بارتكاب ما يسمى بالزواج العرفى، اعتقاداً منهم أن ذلك حلل، طالما حضر شاهدان ووقعا على هاتين الورقتين.
إن الأصل فى الزواج لوقوعه الإشهار وليس الإخفاء، حتى ان تم إعداد قانون يجرم عدم توثيق هذه الورقة،
يا سادة عقلاً الذى يقوم بهذه الفعلة فى الخفاء هل سيذهب ليوثق ورقة فى المحكمة أو الشهر العقارى، إذن فلماذا أخفى.
يا سادة الذى يوثق هو مأذون شرعى موثق ومعتمد فى المحاكم الشرعية، وتوثق قسيمة الزواج بمعرفته، فقد وقع عقد الزواج بمعرفته وهذا يكون مكتوباً ومصحوباً ببصمة الزوج والزوجة وصورة شخصية لهما لضمان الحقوق وحفظ الأنساب لا إهلاك الأحراث والأنسال.
أما رابع هذه الأسباب، التنشئة الاجتماعية القويمة للبنين قبل البنات، وتربية الأولاد تربية اجتماعية سليمة، وأنصح لمن يريد قراءة المرشد الأمين فى تربية البنات والبنين لرفاعة الطهطاوى، وكذلك رسالة أيها الولد للإمام الغزالى، وأيضاً رسالة فيلسوف الأخلاق أحمد مسكويه تهذيب الحدث والصبيان.
تربية يسودها معرفة الحلال والحرام، الحق والباطل، الصواب والخطأ، هذا حسن نفعله، هذا مشين وقبيح نبتعد عنه.
المتابعة الجيدة، لا أقول المراقبة ولكن المتابعة ومصاحبة الأبناء ومعرفة همومهم ومشاكلهم، ومصاحبتهم.
التربية الخلقية القويمة، التربية الدينية، وتعليمهم أمور دينهم منذ الصغر، وفى جميع مراحل أعمارهم وخصوصاً فترات المراهقة، ففى هذه الفترة يكون هناك عدم اتزان عاطفى سواء عند الفتى أو الفتاة.
فلا يمكن بحال من الأحوال ترك أبنائنا تتقاذفهم الأهواء والميول والرغبات بحجة انشغال الأب والأم فى عملهما، وضغط ظروف الحياة والسفر للخارج لتوفير الحياة الكريمة، الحياة الكريمة ليست فى جمع المال فكل ذاك سيفنى.
وقد يلعننا أبناؤنا لانشغالنا عنهم وعدم مراعاتهم، ونفيق متى عندما تحدث الكارثة، ويقع المحظور.
هذه بعض الأسباب، اسباب المشكلة.
أما الدواء فكما ذكرت ليس مستحيلا،قد يستغرق بعض الوقت لكن سيكون مفيداً.
عدة نقاط أولاها: بناء خطاب توعوى يشمل كل المتخصصين، التربويين، فليس العلاج مقصوراً على علماء النفس أو علماء الاجتماع، أو حتى فلاسفة الأخلاق، بل نحتاج خطاباً تربوياً فى مراحل التعليم المختلفة، وأعتقد أن أقسام علم النفس تحلل هذه المشكلة وتوضح مخاطرها النفسية، وكذلك علماء الانثربولوجيا والاجتماع يتسابقون فى دراسة حالات هذا الزواج.
خصوصاً أن هذه الظاهرة استشرت وانتشرت بشكل رهيب فى جامعاتنا العربية ومنها المصرية.
وثانيها: عدم المغالاة فى المهور وكتابة القائمة وإثقال كواهل الشباب بما لا يطيقونه من أمور، وهو يحب هذه الفتاة، وهى تحبه، فيلجأ كلاهما إلى الأبواب الخلفية.
النبى زوج فاطمة لعلى كرم الله وجهه وهو أفقر أهل المدينة لم يغالِ فى مهر، أقلهن مهوراً أكثرهن بركة.
نفذوا حديث النبى (صلى الله عليه وسلم)، من جاءكم من ترضون دينه وخلقه فزوجوه، وإلا تفعلوا يكن فساد فى الأرض كبير. فدعوا المغالاة واتقوا الله فى أبنائكم وبناتكم.
وثالثها: فبعد أخذ الرأى الفقهى والشرعى فى هذه المسألة لابد أن يجرم فاعلها وتغلظ العقوبة، فمن أمن العقاب أساء الأدب، فإذا كانت عقوبته مغلظة فلن يقدم على فعل هذا الأمر مرة أخرى، ولن تسول له نفسه العبث ببنات الناس.
العقوبة للطرفين الفاعل والمفعول بها، ورب سائل يقول هى غرر بها، قد يكون الكلام صحيحاً، لكن أين عقلها حينما انقادت، ما الذى غيبها عن وعيها، حتى تكون عبرة لبنى جيلها، لابد أن تعاقب.
ورابعها: التنشئة الاجتماعية القويمة وقد ذكرت ذلك فى حديثى عن الداء، أضف إلى ذلك ضرورة مراعاة الله سبحانه وتعالى فى السر والعلن وضرورة تربية أبنائنا على خصال الخير.
بل لابد أن نزرع فى أولادنا، الله معنا، الله يرانا، الله شاهد علينا.
أستاذ ورئيس قسم الفلسفة بآداب حلوان
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: الزواج العرفى داء ودواء مجتمعاتنا العربية الزواج المحدد زواج المسيار الزواج العرفى فى هذه
إقرأ أيضاً:
في مواجهة حركة إم23.. جيش الكونغو الضخم يكافح لمحاربة ميليشيا أصغر حجمًا بكثير
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
على الرغم من امتلاك جمهورية الكونغو الديمقراطية لأحد أكبر الجيوش فى أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، فإنها تكافح لاحتواء التقدم السريع لميليشيات حركة إم٢٣. وقد كشف الصراع، الذى تصاعد فى الأسابيع الأخيرة، عن نقاط ضعف عميقة الجذور داخل جيش الكونغو، الذى عانى طويلًا من الانقسامات الداخلية ونقص التمويل.
سعى الرئيس فيليكس تشيسكيدى إلى تعزيز الجيش لمواجهة التهديد المستمر الذى تشكله حركة إم٢٣ وغيرها من الميليشيات فى شرق الكونغو. ومع ذلك، ومع استيلاء الميليشيا على المدن الرئيسية والمطارات والأراضي، فإن فشل هذه الجهود جعل تشيسكيدى عُرضة للخطر سياسيًا، مع توقف محادثات السلام وتراجع الدعم الدولي.
الرئيس فيليكس تشيسكيدىدور رواندا
تؤكد الأمم المتحدة وتقارير مستقلة متعددة أن حركة إم٢٣ مدعومة من رواندا، التى قامت قواتها بتدريب وتسليح الميليشيا. وفى حين اعترفت رواندا بوجودها العسكرى فى الكونغو، فإنها تنفى سيطرتها على حركة ٢٣ مارس.
قال فريد باوما، المدير التنفيذى لمعهد الأبحاث الكونغولى إيبوتيلي: «هذا الصراع له جانبان. أحدهما هو الدعم الرواندى لحركة ٢٣ مارس. والآخر هو نقاط الضعف الداخلية للحكومة الكونغولية».
ألقى تشيسكيدى باللوم على سلفه لفشله فى إعادة بناء الجيش، بحجة أن رواندا شنت هجومها فى عام ٢٠٢٢ لتعطيل الإصلاحات العسكرية التى تشتد الحاجة إليها. ومع ذلك، فشلت هذه الإصلاحات فى إحداث تحسينات ملموسة، وتستمر القوات المسلحة الكونغولية فى التعثر ضد ميليشيا حركة ٢٣ مارس الأصغر حجمًا ولكنها أفضل تدريبًا وأفضل تجهيزًا.
على الرغم من وجود ما بين ١٠٠ ألف و٢٠٠ ألف جندي- أكثر بكثير من رواندا أو حركة ٢٣ مارس- لا يزال الجيش الكونغولى غير فعال. والإمدادات العسكرية نادرة، حيث تستخدم القوات غالبًا دراجات نارية أجرة للنقل بسبب نقص المركبات. وقال بير شوتن، الباحث فى المعهد الدنماركى للدراسات الدولية: «يعمل الجيش حقًا مثل مجموعة مسلحة». ومع تقدم مقاتلى حركة ٢٣ مارس، تشير التقارير إلى أن القوات الكونغولية استسلمت أو فرت، وأحيانًا قبل بدء المعركة.
نتائج ضئيلة
ضاعف تشيسكيدى الميزانية العسكرية للكونغو فى عام ٢٠٢٣ من ٣٧١ مليون دولار إلى ٧٦١ مليون دولار، متجاوزًا ميزانية الدفاع فى رواندا البالغة ١٧١ مليون دولار. ذهب بعض هذا التمويل لشراء طائرات بدون طيار هجومية من الصين وطائرات من شركة دفاع جنوب أفريقية. بالإضافة إلى ذلك، أنفقت الكونغو ٢٠٠ مليون دولار على قوة إقليمية تتألف من قوات من جنوب أفريقيا. ومع ذلك، يرى الخبراء العسكريون أن بناء القدرات عملية طويلة الأجل. وقال نان تيان من معهد ستوكهولم الدولى لأبحاث السلام: «إن زيادة القدرات ليست شيئًا يمكن أن يحدث بين عشية وضحاها».
وفى الوقت نفسه، استفادت حركة إم ٢٣ من تاريخها الطويل فى شرق الكونغو ودعمها من حوالى ٤٠٠٠ جندى رواندى مدرب جيدًا، مما يجعلها قوة هائلة.
الجذور التاريخية
إن عدم استقرار الكونغو متجذر بعمق فى تاريخها. بعد استقلالها عن بلجيكا فى عام ١٩٦٠، انزلقت البلاد إلى حالة من الاضطراب عندما دعمت الولايات المتحدة وبلجيكا الإطاحة برئيس الوزراء باتريس لومومبا. وشهدت العقود اللاحقة صعود موبوتو سيسى سيكو، الذى أدى حكمه الفاسد إلى إضعاف مؤسسات الدولة.
وأدت الحرب الأهلية فى تسعينيات القرن العشرين إلى المزيد من عدم الاستقرار.. وحتى اليوم، تعمل أكثر من ١٠٠ جماعة مسلحة فى شرق الكونغو مع الإفلات التام تقريبًا من العقاب. تظل الدولة ضعيفة، مع فصل أجزاء كبيرة من البلاد عن السلطة المركزية.
الرئيس الرواندى بول كاجاميمعاناة المدنيين
لقد تعثرت الجهود الدبلوماسية لحل الأزمة مرارًا وتكرارًا. فقد رفض تشيسكيدى مرتين حضور محادثات السلام، فى حين كافحت القوى الإقليمية للتوسط فى التوصل إلى تسوية. وحاول زعماء الكنيسة تنظيم مفاوضات جديدة، لكن تشيسكيدى لا يزال غير راغب فى التفاوض بشكل مباشر مع حركة ٢٣ مارس، وهو الموقف الذى يصر عليه الرئيس الرواندى بول كاجامي.
فى غضون ذلك، تستمر الخسائر الإنسانية فى الارتفاع. فقد قُتل أكثر من ٧٠٠٠ مدنى كونغولى منذ يناير، وفقًا للأمم المتحدة. ودُفنت أكثر من ٢٥٠٠ جثة دون تحديد هويات أصحابها، مما يسلط الضوء على حجم الأزمة. كما نزح أكثر من سبعة ملايين شخص، مما يجعل الأزمة واحدة من أكبر أزمات النزوح فى العالم. وأعلنت مالاوي، التى ساهمت بقوات فى قوة جنوب أفريقيا لمساعدة الكونغو، مؤخرًا عن الانسحاب بعد مقتل ثلاثة من جنودها فى يناير/كانون الثاني. كما هددت أوغندا بالعمل العسكرى فى شرق الكونغو، مما زاد من تعقيد الوضع المتقلب بالفعل.
دعا تشيسكيدى المجتمع الدولى إلى الضغط على رواندا لسحب دعمها لحركة إم٢٣، لكن التحرك العالمى كان محدودًا. عندما هاجمت حركة إم٢٣ آخر مرة فى عام ٢٠١٢، أجبرت الإدانة الدولية رواندا على التراجع، وهُزمت الميليشيا فى النهاية. ولكن هذه المرة، تبدو رواندا أكثر تصميمًا، وكانت القوى الأجنبية مترددة فى التدخل بشكل حاسم.
فى ظل الفوضى التى تعيشها المؤسسة العسكرية، والمشهد السياسى الهش، وملايين المدنيين النازحين، تتفاقم أزمة الكونغو. وإذا استمرت محادثات السلام فى التعثر وظل الدعم الدولى ضعيفًا، فإن البلاد معرضة لخطر المزيد من عدم الاستقرار ومعاناة شعبها المستمرة.
نيويورك تايمز