قمّة الدوحة: فشلت قبل أن تبدأ؟!
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
أغسطس 16, 2024آخر تحديث: أغسطس 16, 2024
د. علي عزيز أمين
ليس هناك إنسان على وجه الكرة الأرضية لا يتمنى نجاح قمة الدوحة، لوقف حرب الإبادة في غزة بصورة دائمة وشاملة، وهو يرى المجازر المتلاحقة وشبه اليومية التي ترتكبها آلة القتل والتدمير الإجرامية، عن سبق إصرار وترصّد، دون أدنى وازع أخلاقي أو ذرّة من إنسانية، ولكن “ما نيل المطالب بالتمنّي، ولكن تؤخذ الدنيا غلاباً”؟!
لسنا من دعاة التشاؤم، ولا من مروّجي الإحباط واليأس، لكن أية عملية يراد لها النجاح ، لا بدّ لها من مدخلات صحيحة، ومعالجة صحيحة، كي نتوقّع لها مخرجات صحيحة بالضرورة، وهو ما تفتقر له قمّة الدوحة ، التي يكتنفها الغموض المقصود وقبل أن تبدأ، فضلاً عن حقل ألغام “الكيان” المتوحّش التي زرعها مسبقاً في طريقها المحفوف أصلاً بالمخاطر، ناهيك عن سوء النيّة المبيّتة المفصح عنها ، وبلا خجل أو وجل، من الراعي الأمريكي الذي لا يمتلك مواصفات الراعي البديهية والحيادية أصلاً، والطرف الإسرائيلي الذي يُرغي ويُزبد قادته السياسيين ليل نهار برفض وقف الحرب، وعزمهم على المضي قُدماً في الثأر من الأطفال والنساء والشيوخ الأبرياء باعتبارهم أهدافاً “إرهابية” مفضّلة لديهم، دون أي وازع أخلاقي أو بقية ضمير إنساني، وكأنهم يبيدون حشرات ضارة أو حيوانات بشرية بحسب تعبير وزير حربهم جالانت؟!
كيف لقمّة أن يكتب لها النجاح، إذا كان راعيها ليس محايداً، بل ومنحازاً حتى النخاع لكيانه المجرم، بل وشريك له في الإجرام من خلال ترسانة الأسلحة اللامحدودة التي يُهيلها عليه هيلأ بلا كيل، هو وشركائه في الجريمة من دول أوروبا الغربية: بريطانيا، فرنسا، ألمانيا، وحتى إيطاليا وسواهم من دول الاستعمار القديم المتجدد، والتي حوت أحدث المقذوفات الفتّاكة والمحرّم استخدامها ضد الجيوش، فكيف ضد المدنيين ومدارس الإيواء وخيام اللاجئين في المناطق المعلنة آمنة من قادة “الكيان” نفسه، والتي تقطّع الأطراف وتحرق الأجساد، وتُلقى بمعرفة تامة ومسبقة بالأماكن المستهدفة، بل ونتائج الاستهداف.
وأكثر من ذلك تتستّر على جرائم “كيانها” المصطنع، وتبرر له كل ما يقترفه من جرائم بحجة “حق الدفاع عن النفس”، بل وتتحشّد بقدّها وقديدها للدفاع عن هذا “الكيان” في مواجهة الآخرين الذين لهم ذات الحق المشروع والمكفول رداً على اعتداءات كيانهم المدلّل بحقهم؟!
ثم أن هذا الراعي الأمريكي المنحاز، قد استبق دعوته الوهمية لقمة الدوحة بدعم عسكري إضافي للكيان، وخداع العالم بإيهامه أنه يسعى لوقف الحرب في حين يضمر تحقيق هدنة مؤقتة ليس إلّا، تكفل لكيانه النازي العودة متى شاء لحرب الإبادة والتدمير، بل والأبقاء على احتلاله لأي جزء يرغب باحتلاله من غزة، بعكس كل تصريحات مسؤولي “البيت الأسود” بخلاف ذلك. وهو الذي سعى لهذه القمة مضطراً لأسباب انتخابية داخلية، حيث يتسابق قادة الحزبين المتصهينيْن على كسب ودّ هذا “الكيان” الشاذّ، واللوبي الصهيوني المتغلغل بل والمتحكّم في كافة دوائر القرار الأمريكي، وبما يخالف ويتعارض مع مصالح الشعب الأمريكي الفردية والوطنية كذلك.
ثمّ أن هذا الراعي الذي بدل أن يطبق القانون وقرارات الشرعية الدولية، التي يدّعي حرصه عليها، وإلزام الآخرين بها، بل ويتنصّل من شعاراته الجوفاء التي أطلقها من أيام مجرم الحرب جورج بوش الإبن حول “حلّ الدولتين”، يحاول من خلال قمة الدوحة استبدال كل ذلك بتحالف عربي يمكن له أن يحقق ما عجز كيانه عن تحقيقه طيلة أحد عشر شهراً على التوالي، وتحويل الصراع إلى مجرّد مسألة عربية داخلية لا أكثر ولا أقل؟!
ثم مَن ذا الذي يعوّل على تضحية نتنياهو بمستقبله الشخصي والسياسي مقابل وقف الحرب، وهو المهدد والمكبّل بتحالف حكومي يحافظ عليه ويحرسه برموش العين، فهو مبتغاه وملاذه الأخير؟!
وأما الوسطاء المصريين والقطرين، فهم مجرّد شهود زور وبهار الطبخة، لا يملكون من أمرهم شيئاً، ولا يستحقّون حتى الكتابة عنهم سوى في وسائل الإعلام الإسرائيلية الفرحة بدورهم الضاغط على الضحيّة؟!
وحسناً فعلت حركة المقاومة الإسلامية “حماس” برفضها المشاركة باسم كافة فصائل المقاومة، في مسرحيّة الدوحة سيئة الإخراج والمونتاج، فالمكتوب يُقرأ من عنوانه؟!
المصدر: وكالة الصحافة المستقلة
كلمات دلالية: ة الدوحة
إقرأ أيضاً:
الإعلام السوداني والتحديات التي تواجهه في ظل النزاع .. خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية
خاص سودانايل: دخلت الحرب السودانية اللعينة والبشعة عامها الثالث ولا زالت مستمرة ولا توجد أي إشارة لقرب انتهاءها فكل طرف يصر على أن يحسم الصراع لصالحه عبر فوهة البندقية ، مات أكثر من مائة ألف من المدنيين ومثلهم من العسكريين وأصيب مئات الالاف بجروح بعضها خطير وفقد معظم المصابين أطرافهم ولم يسلم منها سوداني فمن لم يفقد روحه فقد أعزً الاقرباء والأصدقاء وكل ممتلكاته ومقتنياته وفر الملايين بين لاجئ في دول الجوار ونازح داخل السودان، والاسوأ من ذلك دفع الالاف من النساء والاطفال أجسادهم ثمنا لهذه الحرب اللعينة حيث امتهنت كرامتهم واصبح الاغتصاب احدى وسائل الحرب القذرة.
خسائر المؤسسات الاعلامية البشرية والمادية:
بالطبع كان الصحفيون السودانيون هم أكثر من دفع الثمن قتلا وتشريدا وفقدا لأعمالهم حيث رصدت 514 حالة انتهاك بحق الصحفيين وقتل 21 صحفي وصحفية في مختلف أنحاء السودان اغلبهن داخل الخرطوم وقتل (5) منهم في ولايات دارفور بعضهم اثاء ممارسة المهنة ولقى 4 منهم حتفهم في معتقلات قوات الدعم السريع، معظم الانتهاكات كانت تتم في مناطق سيطرتهم، كما فقد أكثر من (90%) من منتسبي الصحافة عملهم نتيجة للتدمير شبه الكامل الذي الذي طال تلك المؤسسات الإعلاميّة من صحف ومطابع، وإذاعات، وقنوات فضائية وضياع أرشيف قيم لا يمكن تعويضه إلى جانب أن سلطات الأمر الواقع من طرفي النزاع قامت بالسيطرة على هذه المؤسسات الاعلامية واضطرتها للعمل في ظروفٍ أمنية، وسياسية، بالغة التعقيد ، وشهد العام الماضي وحده (28) حالة تهديد، (11) منها لصحفيات ، وتعرض العديد من الصحفيين للضرب والتعذيب والاعتقالات جريرتهم الوحيدة هي أنهم صحفيون ويمارسون مهنتهم وقد تم رصد (40) حالة اخفاء قسري واعتقال واحتجاز لصحفيين من بينهم (6) صحفيات ليبلغ العدد الكلي لحالات الاخفاء والاعتقال والاحتجاز منذ اندلاع الحرب إلى (69) من بينهم (13) صحفية، وذلك حسب ما ذكرته نقابة الصحفيين في بيانها الصادر بتاريخ 15 أبريل 2025م بمناسبة مرور عامين على اندلاع الحرب.
هجرة الاعلاميين إلى الخارج:
وتحت هذه الظروف اضطر معظم الصحفيين إلى النزوح إلى بعض مناطق السودان الآمنة داخل السودان منهم من ترك مهنة الصحافة ولجأ إلى ممارسة مهن أخرى، والبعض الاخر غادر إلى خارج السودان إلى دول السودان حيث اختار معظمهم اللجوء الى القاهرة ويوغندا وكينيا أو اللجوء حيث يمكنهم من ممارسة أعمالهم الصحفية هناك ولكن أيضا بشروط تلك الدول، بعض الصحفيين الذين لجأوا إلى الخارج يعيشون أوضاع معيشية وانسانية صعبة.
انتشار خطاب الكراهية والأخبار الكاذبة والمضّللة
ونتيجة لغياب دور الصحافة المسئولة والمهنية المحايدة عمل كل طرف من أطراف النزاع على نشر الأخبار والمعلومات الكاذبة والمضللة وتغييب الحقيقة حيث برزت وجوه جديدة لا علاقة لها بالمهنية والمهنة تتبع لطرفي الصراع فرضت نفسها وعملت على تغذية خطاب الكراهية والعنصرية والقبلية خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي وجدت الدعم والحماية من قبل طرفي الصراع وهي في مأمن من المساءلة القانونية مما جعلها تمعن في رسالتها الاعلامية النتنة وبكل أسف تجد هذه العناصر المتابعة من الالاف مما ساعد في انتشار خطابات الكراهيّة ورجوع العديد من أفراد المجتمع إلى القبيلة والعشيرة، الشئ الذي ينذر بتفكك المجتمع وضياعه.
منتدى الإعلام السوداني ونقابة الصحفيين والدور المنتظر منهم:
ولكل تلك الاسباب التي ذكرناها سابقا ولكي يلعب الاعلام الدور المناط به في التنوير وتطوير قطاع الصحافة والاعلام والدفاع عن حرية الصحافة والتعبير ونشر وتعزيز قيم السلام والمصالحة وحقوق الانسان والديمقراطية والعمل على وقف الحرب تم تأسيس (منتدى الاعلام السوداني) في فبراير 2024م وهو تحالف يضم نخبة من المؤسسات والمنظمات الصحفية والاعلامية المستقلة في السودان، وبدأ المنتدى نشاطه الرسمي في ابريل 2004م وقد لعب المنتدى دورا هاما ومؤثرا من خلال غرفة التحرير المشتركة وذلك بالنشر المتزامن على كافة المنصات حول قضايا الحرب والسلام وما يترتب عليهما من انتهاكات إلى جانب التقاير والأخبار التي تصدر من جميع أعضائه.
طالب المنتدى طرفي النزاع بوقف القتال فورا ودون شروط، وتحكيم صوت الحكمة والعقل، وتوفير الحماية للمدنيين دون استثناء في كافة أنحاء السودان، كما طالب طرفي الصراع بصون كرامة المواطن وحقوقه الأساسية، وضمان الحريات الديمقراطية، وفي مقدمتها حرية الصحافة والتعبير، وأدان المنتدى التدخل الخارجي السلبي في الشأن السوداني، مما أدى إلى تغذية الصراع وإطالة أمد الحرب وناشد المنتدى الاطراف الخارجية بترك السودانيين يقرروا مصيرهم بأنفسهم.
وفي ذلك خاطب المنتدى المجتمع الدولي والاقليمي بضرورة تقديم الدعم اللازم والمستدام لمؤسسات المجتمع المدني السوداني، خاصة المؤسسات الاعلامية المستقلة لكي تقوم بدورها المناط بها في التنوير ورصد الانتهاكات، والدفاع عن الحريات العامة، والتنديد بجرائم الحرب المرتكبة ضد المدنيين، والمساهمة في جهود تحقيق العدالة والمصالحة الوطنية.
وكذلك لعبت نقابة الصحفيين السودانيين دورا هاما أيضا في رصد الانتهاكات التي طالت الصحفيين والمواطنين حيث أصدرت النقابة 14 تقريرًا يوثق انتهاكات الصحفيين في البلاد.
وقد وثّقت سكرتارية الحريات بنقابة الصحفيين خلال العام الماضي 110 حالة انتهاك ضد الصحفيين، فيما بلغ إجمالي الانتهاكات المسجلة منذ اندلاع النزاع في السودان نحو 520 حالة، من بينها 77 حالة تهديد موثقة، استهدفت 32 صحفية.
وأوضحت النقابة أنها تواجه صعوبات كبيرة في التواصل مع الصحفيين العاملين في المناطق المختلفة بسبب الأوضاع الأمنية المتدهورة وانقطاع الاتصالات وشبكة الانترنت.
وطالبت نقابة الصحفيين جميع المنظمات المدافعة عن حرية الصحافة والتعبير، والمنظمات الحقوقية، وعلى رأسها لجنة حماية الصحفيين، باتخاذ إجراءات عاجلة لضمان أمن وسلامة الصحفيين السودانيين، ووقف حملات التحريض الممنهجة التي تشكل انتهاكًا صارخًا للمواثيق الدولية التي تكفل حماية الصحفيين في أوقات الحروب والنزاعات المسلحة.
خطورة ممارسة مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات
أصبح من الخطورة بمكان أن تمارس مهنة الصحافة في زمن الحروب والصراعات فقد تعرض كثير من الصحفيين والصحفيات لمتاعب جمة وصلت لحد القتل والتعذيب والاعتقالات بتهم التجسس والتخابر فالهوية الصحفية أصبحت مثار شك ولها تبعاتها بل أصبح معظم الصحفيين تحت رقابة الاجهرة الامنية وينظر إليهم بعين الريبة والشك من قبل الاطراف المتنازعة تهمتهم الوحيدة هي البحث عن الحقيقة ونقلها إلى العالم، ولم تسلم أمتعتهم ومنازلهم من التفتيش ونهب ومصادرة ممتلكاتهم خاصة في المناطق التي تقع تحت سيطرة الدعم السريع.