هل ستكون الانتخابات الأمريكية المقبلة بداية مرحلة ما بعد العراق؟
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
بغداد اليوم – ترجمة
أثارت مجلة أمريكية، اليوم الأربعاء (9 آب 2023)، موضوعًا حول الانتخابات الأمريكية المقبلة، وامكانية أن تتحول إلى بداية لـ"مرحلة ما بعد العراق؟".
مجلة "نيوز ويك" الامريكية قالت في تقرير لها عن الانتخابات الامريكية المقبلة وترجمته "بغداد اليوم"، بأنها ستعلن بداية "مرحلة ما بعد العراق" بالنسبة للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الامريكية، مؤكدة أن "تركيز واشنطن بات منصب الان على الحرب الدائرة في أوروبا بين روسيا وأوكرانيا".
تكرار سيناريو العراق
وأضافت المجلة، أن "الولايات المتحدة عبر سياستها الخارجية الحالية تحت إدارة جو بايدن باتت تهدد بتكرار "سيناريو العراق"، موردة تصريحات للسفير الأمريكي السابق في بولندا دانييل فريد والتي أكد خلالها أن "الانفاق على الحرب في أوكرانيا هو في الواقع استثمار جيد جدًا"، في إشارة الى تكرار سيناريو مشاريع إعادة الاعمار في العراق والتي حصلت بموجبها الشركات الامريكية على ما يزيد عن المئة مليار دولار امريكي كأرباح.
الاستثمار الأمريكي في الحرب
الاستثمار الأمريكي في الحرب الأوكرانية بحسب تصريحات السفير السابق "باتت تحت التهديد نتيجة لاحتمال فوز الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب بالانتخابات المقبلة في الولايات المتحدة"، حيث وعد مؤخرًا عبر مقابلة أجرتها معه شبكة "فوكس" في السادس عشر من تموز بـ"انهاء الحرب الأوروبية خلال يوم واحد فقط"، الامر الذي اشارت المجلة الى أنه "لا يصب بمصلحة الولايات المتحدة بحسب تصريحات المسؤولين عن الحزبين"، بحسب وصفها.
فشل تطوير القوات الأمنية
وبدأت واشنطن خلال الأيام القليلة الماضية بــ "البحث عن إعادة هيكلة وتنظيم القوات الأمنية العراقية"، مؤكدة نيتها استضافة وزير الدفاع العراقي ثابت العباسي في واشنطن الأسبوع المقبل لــ "بحث استمرار تمويل تدريب القوات العراقية" و"فشل" المؤسسة العراقية بالالتزام بــ "متطلبات التطوير" الامريكية للقوات الأمنية المحلية، بحسب ما بينت مجلة "بريكنغ ديفنس" المعنية بشؤون الدفاع.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
إقرأ أيضاً:
السلم الاجتماعي في مرحلة ما بعد الحرب
على فراشِ الموت
يرسمُ الوطن خارطةً جديدة.
لكن الخطوط ترتعش،
كأنها تخشى أن تكون بدايةً،
لنهايةٍ أخرى.
(قصيدة: وطن معلق على حافة النسيان للشاعر ادوارد كورنيليو)
في مرحلة ما بعد الحرب، تبرز أهمية السلم الأهلي والاجتماعي كأولوية قصوى لإعادة بناء المجتمع والدولة في السودان، لا سيما في دارفور، حيث مزقت الحرب النسيج الاجتماعي وأضعفت الثقة بين المكونات السكانية. ولأن الدولة المركزية ومؤسساتها الرسمية (superstructure) باتت عاجزة، أو غير موجودة عملياً، في أغلب مناطق النزاع، فإن العبء الأكبر يجب أن تتحمله الإدارات الأهلية، كجزء من البنية التحتية الاجتماعية (substructure) التي ما زالت تتمتع بشرعية اجتماعية وقدرة على الوساطة والتأثير المحلي.
يمكن لآلية تقودها الإدارات الأهلية، إذا ما توفر لها الإطار الأخلاقي والمنهجي السليم، أن تلعب دوراً محورياً في رأب الصدع، خصوصاً في ملف دار مساليت الذي أصبح جرحاً مفتوحاً قابلاً للاستغلال من قبل أطراف متعددة. فبينما تعمدت بعض النخب المركزية على مدار عقود إلى بث الفتن بين مكونات المنطقة، ها هي اليوم تعمل على تجنيد شباب المساليت لأغراض التعبئة القبلية، وليس من أجل نزع الألغام المجتمعية والسياسية التي ظلت الاستخبارات العسكرية تستزرعها بوعي ممنهج.
أما الجهات الغربية، فقد اختزلت ما جرى في دار مساليت في سردية الإبادة الجماعية، متناسية أن الجريمة وقعت نتيجة لصراعات مركبة غذتها الدولة المركزية وأدارتها ضمن سياسة “فرّق تسد”، فتمّت عسكرة الهوية وتسييسها من أجل إضعاف أي إمكانية لبناء تحالفات محلية قادرة على فرض معادلة حكم عادلة أو إحداث اختراقات تنموية ذات طابع جهوي.
ولا يغيب عن أي متابع لتاريخ دارفور السياسي والاجتماعي التداخل العميق بين السودان وتشاد، خاصة في البعد العسكري. فزغاوة دارفور هم من اقتلعوا حسين هبري ومكّنوا إدريس دبي من الحكم، ومع ذلك فإن زغاوة تشاد اليوم يتحفظون على دعم مني أركو مناوي وجبريل إبراهيم، لسببين اثنين: أولاً، إدراكهم أن النخب العسكرية في المركز تريدها حرباً قبلية تُضعف الزغاوة والزرقة معاً وتخرجهم من معادلة الحكم. وثانياً، لعلمهم أن جبريل ومني لا يمثلان الهامش بصدق، فقد قبض الأول ثمن صفقة أبوجا ورهن نفسه لتجار الحروب، بينما استخدم الثاني حركة العدل والمساواة كأداة لتنفيذ أجندة الإسلاميين، لا سيما خلال تحالفه مع خليل إبراهيم الذي أدخل دارفور في أتون صراع لصالح مركز الخرطوم، لا لصالح أبنائها.
اليوم، دفعت ذات الحركة الإسلامية بالكادر التنظيمي صالح عبد الله، رئيس مجلس شورى الزغاوة، بهدف توظيف فصيلي جبريل ومناوي واستخدامهما لتفجير صراع بين أهل دارفور، وهو صراع لا يخدم الزغاوة بل يخدم المركز، وتحديدًا يخدم "عصابة الإنقاذ" التي تسعى للهيمنة على أي محاولة لبناء كتلة سياسية جديدة تنطلق من الهامش.
ما لم تعمل النخب الواعية بقضايا الدولة وأسس البناء السياسي على رأب الصدع بين مستويات الحكم والسلطة، بين الـsuperstructure والـsubstructure، فإننا نخاطر بإعادة إنتاج دولة فاشلة. ومجرد انفصال دارفور أو أي إقليم آخر عن السودان لا يضمن بالضرورة الخلاص من أمراض الفساد والاستبداد، ما لم تكن هناك مراجعات حقيقية للمنظومة السياسية والقيمية التي زرعها نظام الإنقاذ وأدمنتها نخب ما بعد الإنقاذ.
الحذر كل الحذر من اختزال تحرير الفاشر في كونه مناجذة قبلية، بل هذه انتفاضة شعبية يجب أن تعقبها مساومة تاريخية تقيم لكل قبيلة وزنها من مساهمتها في التنمية والسلام الأهلي والاجتماعي. هنالك دور مهم يجب أن تقوم به نخب الرزيقات والزغاوة خاصة، سيما أنهما الكيانان اللذان تم استغلالهما وتوظيفهما من قبل المركز العروبي الإسلامي، ولذا فهما يتحملان مسؤولية أكبر في محاولتهما لخلق السلام ورتق النسيج الاجتماعي.
وإذا ما ورثت حكومة التأسيس القادمة نظام المحاصصة الراهن، فإنها ستخفق في استقطاب الكادر المؤهل القادر على بناء الدولة، وسندخل ذات الدائرة الشريرة التي غرقت فيها دولة جنوب السودان. لا بد من تجاوز معيار كبر القبيلة أو صغرها، والانحياز بدلاً من ذلك إلى معيار العدالة والمشروعية، وتأسيس بنية قاعدية تشجع على الانتقال التدريجي من الوعي القبلي إلى الممارسة المدنية.
وإذ تعمد بعض نخب المركز إلى الدفع نحو خيار الانفصال لإحساسها بأن الكفة الديمغرافية والاقتصادية لم تعد في صالحها، فإن المطلوب اليوم هو مقاومة هذا الاتجاه الضيق، والانخراط في مشروع وطني يغلّب الخيار المدني الديمقراطي. فغرب السودان يمتلك الموارد البشرية والمادية، لكن عليه ألا يركن فقط إلى منطق السلاح، بل أن يقود مسار التحول الديمقراطي، مسلحاً بالفكر والرؤية الأخلاقية والسياسية العميقة.
auwaab@gmail.com