رد إيران المرتقب بين مصدّق وناكر
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
العالم ينتظر مآل التهديد الإيراني المعلن بضرب إسرائيل، ردًا على قيامها باغتيال إسماعيل هنية، وهو في طهران بدعوة رسمية. هل ستفي إيران بالتهديد فعلًا أم ستكتفي به قولًا، كما عوّدنا جيرانها العرب لعقود طويلة، بانتظار الوقت المناسب والتوازن الإستراتيجي المنشود؟
وبصرف النظر عما سيحدث، إذ إن الجزم بإجابة قد يوقعنا في تكهّن غير محمود، فإن من الواضح أن هناك أمنيتَين أو رهانَين في العالم العربي، وربما الإسلامي، يتمنى أصحابهما أن تفوز فيهما خيولهما.
أما أصحاب الأمنية الأولى فيُصَلُّون من أجل أن تخنع إيران، فتنكص على أعقابها ولا ترد، وذلك ابتغاء أمرين يريدونهما، أولًا حتى يقولوا للناس: أرأيتم صدق ما نقوله لكم منذ دهور، إيران وإسرائيل تعملان على خطّ واحد، وهو محاصرة العالم العربي، وإحباط كل جهد للنهوض فيه. وعلى هذا القول يترتّب الأمر الثاني، وهو أن هؤلاء يريدون أن يقولوا للناس في بلاد العرب قاطبة، غنيهم وفقيرهم، باديتهم وحواضرهم، شرقهم وغربهم: فليتحمل من قصدوا أبواب إيران عواقب أفعالهم، هم جَنَوْا على أنفسهم، فنحن، إذن، بُرآء من كل واجب تمليه كل الاعتبارات الدينية والتاريخية وأواصر العقيدة والقربى، إسماعيل هنية (رحمه الله) قصد إيران فلقي ما لقي!
وهم يريدون كذلك أن يذروا الرماد في عيون الشعوب التي، في معظمها، تدرك يقينًا أن من قصدوا إيران أُغلقت أبواب العواصم العربية في وجوههم، ولوحقوا وسجنوا بتهم مختلقة، وبعضهم ما زالوا خلف القضبان.
أما أصحاب القناعة الثانية، بأن إيران ستردّ لا محالة، فتتنوع مشاربهم إذ يغترف بعضهم من مشارب مذهبية، وبعضهم يصلّي أيضًا من أجل الرد؛ لأنه يؤمن بالمقاومة، أيًا كانت صبغتها، نهجًا وسبيلًا للتحرير والتحرر، ، وكلاهما مع هذا النهج المقاوم، وإن اختلفت المقاصد النهائية، ولا ضير.
لكنَّ وراء تسويغات أصحاب الأمنية الأولى مراميَ أخرى تبطنها نفوسهم. فهؤلاء يرون أن النكوص الإيراني الذي يتمنون، يوفر لهم ذريعة شعبية للتنصل من أي مسؤولية دينية أو أخلاقية أو إنسانية، تجاه آلام أهل غزة، وأهوال الإبادة التي تقترفها إسرائيل، ومن يدعمونها في فلسطين عمومًا، وكأن إيران أقرب منهم لفلسطين في الدم، والعِرق، والجغرافيا، والتاريخ. وهم كذلك يلجؤون للتاريخ فيستحضرون منه قصصًا وحكايات، معظمها غير موثق، ليؤكدوا لنا أن من قتلوا الحسين بن علي، رضي الله عنهما، هم أنفسهم من استضافوا "أبا العبد" فاغتيل على أرضهم.
وهم كذلك يتمنون ألا ترد إيران، لتكون معهم في صفوف المهزومين في الحرب الفاشلين في السلام، القابلين بالذل والإذلال، بعد أن هانت عليهم كرامتهم وعزة نفوسهم، وهم يكشفون خانعين، منذ قرنين من الزمان، ظهورهم لسياط المستعمر الأبيض، ويقدمون صاغرين لربيبته إسرائيل، منذ 76 عامًا، فروضَ الحراسة والطاعة والاستجداء.
فإيران المحاصرة من الغرب، وهو ما ينفيه هؤلاء، استطاعت أن تتحول إلى قوة إقليمية تستطيع تعديل الموازين، وقلب الحسابات، وربما فرض معادلات جديدة بالقوة الناعمة، وبالقوة الخشنة سواء بسواء. ونحن لا نقول هذا إطراء لإيران، ولا مدحًا، ولا توافقًا مع سياساتها أو انحيازاتها المذهبية، وما ترتب عليها من وقائع وتطورات ودماء في بلدان عربية عدة.
بل إن بعضهم يتمنّون ألا ترد إيران حتى لا يتشتت جهد إسرائيل وجيشها، فلا يستطيع أن يقضي على حماس والمقاومة، كما يتمنون ويريدون. وهم كذلك يريدون ألا يتصاعد الموقف إلى حرب إقليمية، يتولد عنها واقع جديد، يفرض معادلات تقلب كل الحسابات والرؤى، التي وعدت بها الشعوب.
لكن هؤلاء يتناسون، وهم يدسّون رؤوسهم في الرمال، أن نكوص إيران الذي يتمنوْن، أخطر على مستقبل المنطقة بأسرها من الرد؛ لأنه يعني انتصار إسرائيل ولو في المدى المنظور. فبعد كل ما وقع من اغتيالات للعلماء والقادة العسكريين داخل أراضي إيران وخارجها، فإن إسرائيل قد تشعر أن يدها الطويلة تستطيع أن تطال كل مرة مستويات إيرانية وعربية أعلى وأعلى، ولا تخشى أو تخاف من العواقب.
وهؤلاء يتناسون أن إسرائيل المنتصرة الهائجة لا ترحم فرائسها، سواء منها من يتلوون تحت أنيابها من أهل فلسطين، الذين يقاومون منذ مئة عام أو يزيد، أو من هم في غابتها الإقليمية ينتظرون، وقد خارت عزائمهم، الدورَ كي يؤكلوا من دون مقاومة، ولو بأضعف الإيمان. وإن كانوا يعتقدون أن أميركا ستحمي الضعفاء فعليهم أن يراجعوا التاريخَ قديمَه وحديثَه، فأميركا، شأنها شأن كل الإمبراطوريات الجبارة بالقوة الغاشمة، لا ترحم الضعفاء، ومن يريد منها أن تبقيه على قيد الحياة، ولا أقول ترحمه، عليه أن يستكين ويستكين حتى يبلغ منزلة من يعيش في الطين، وهل يحيى في الطين إلا أدنى درجات الخَلق؟
هؤلاء يتناسون أن الغرب هو الذي أوجد إسرائيل؛ كي تكون قاعدة دائمة، تؤمن له مصالحه وسيطرته على الشرق الأوسط برمته، انطلاقًا من ميراثه المسيحي الإنجيلي، وانطلاقًا من فكره العلماني، الذي يرى العالم مجرد أراضٍ يجب أن تظل بمن عليها من بشر وخلق، وما فيها من موارد، سخرة له، حتى يستمر رفاهه المادي الاستهلاكي بلا حدود. ومن يحاول من أصحاب تلك الأراضي أن يُغيِّر أو يثور سيواجه بالعصا الغليظة حتى يستكين من جديد، اللهم إلا من كانت كرامته واستقلاله أغلى من كل الدنيا، ومن لا يدرك هذا فليسأل أفغانستان مقبرة الإمبراطوريات، وفيتنام التي هزمت فرنسا وأميركا، والجزائر التي قدمت ملايين الشهداء وهزمت فرنسا.
لكن حين يستوي الذل مع الكرامة طلبًا لحياة، ولو تحت السياط، لا يهم من يكون السيد الآمر.
وهؤلاء الذين يتمنون ألا ترد إيران يتحدثون عن احتمال أن تلجأ إسرائيل للسلاح النووي، ردًا على أي هجوم إيراني. ولو أحسنوا حساباتهم ووزن معادلاتهم، لوجدوا أن لجوء إسرائيل لأسلحة التدمير الشامل ضد بلد كبير في الإقليم، سيجلب الدمار على المنطقة كلها من البحر المتوسط إلى بحر العرب، وأنها لن تلجأ للتهديد بذلك إلا حين تشعر أن وجودها أصبح مهددًا.
وحين تصل الأمور هذا الحد سيحشد الغرب، كما يفعل اليوم، خيله وخيلاءه وأساطيله وجنده. لكن هل يسمح لإسرائيل أن نستعمل السلاح النووي؟ أم إن إسرائيل لا تأبه لمن أقاموها وتفعل ما تريد؟ فلماذا، إذن، لم يدركْ تلك المخاطر أولئك الذين يحذرون من مخاطر الخيار النووي الإسرائيلي، في المآلات النهائية، فيعدوا العدة المكافِئة التي تجعل الغرب يفكر ألف مرة، قبل أن يؤول الوضع لهذا الخيار.
هم يحذرون أيضًا من مخاطر الخيار النووي الإيراني، ويتوعّدون بخيار مثله، إن حازته إيران، فلو صنعناه نحن العرب ردًا على وجوده لدى إسرائيل، منذ أن حازته بمعونة غربية في العقد الأول من عمرها، لما كنا الآن أمام مأزق تاريخي، لا يجد بعضنا مخرجًا منه، إلا المزيد من الاستكانة والخضوع.
ليس اللجوء للسلاح النووي من قبل إسرائيل خيارًا سهلًا لها نفسها، وللغرب الذي يبقيها على قيد الحياة، أيها السادة. فيوم استعملته أميركا لتجبر اليابان على الاستسلام في الحرب الثانية، كان بيد أميركا وحدها.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outlineالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات رد إیران
إقرأ أيضاً:
هل تغيّر موقف إسرائيل من إيران بعد عودة ترامب؟
رأت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه على مدى سنوات، عارضت إسرائيل الاتفاق النووي مع إيران، واستمرت في عرض انتهاكاتها للعالم، لكن مع عودة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الذي عرض إجراء محادثات مع طهران، يبدو أن تغييراً قد حدث.
وقالت يديعوت أحرونوت تحت عنوان "هل إيران والولايات المتحدة على الطريق نحو اتفاق نووي؟ موقف إسرائيل والخيارات المتبقية"، أنه بعد أشهر طويلة من التهديدات بإمكانية مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وسلسلة من التقارير التي تتحدث عن أن إسرائيل تدرس تنفيذ "هجمات كبيرة" في النصف الأول من عام 2025، يبدو أن دخول ترامب إلى البيت الأبيض هو الذي غيّر الخطط.
وأشارت الصحيفة إلى أن إسرائيل لم تعد تؤيد بالضرورة إمكانية القيام بعمل عسكري ضد إيران، وأنها بعد سنوات من معارضة الاتفاق، تفضل الدبلوماسية على القوة، وهي في الواقع أكثر دعماً لخيار عسكري موثوق به ضد إيران، ولكن إذا كان من الممكن التوصل إلى ترتيب جيد من شأنه أن يمنع طهران من الحصول على الأسلحة النووية، فإن إسرائيل، بعد سنوات من معارضة الاتفاق، سوف تفضل الدبلوماسية على القوة.
ولفتت يديعوت إلى إعلان ترامب بأنه بعث رسالة إلى المرشد الإيراني علي خامنئي، طلب فيها التفاوض بشأن اتفاق على البرنامج النووي الإيراني، قائلة إنها حصلت على معلومات تفيد بأن طهران، من جانبها، اتصلت بالولايات المتحدة عبر سويسرا لاستكشاف المحادثات الرامية إلى المضي قدماً في الاتفاق النووي مع إدارة ترامب.
قدرات عسكرية إيرانية جديدة تثير قلق إسرائيلhttps://t.co/Bv6F6zv48T pic.twitter.com/UuMa2wIQnZ
— 24.ae (@20fourMedia) March 6, 2025 الحوار غير مستبعدكما أشارت الصحيفة الإسرائيلية، إلى توقيع ترامب على تشديد العقوبات ضد إيران الشهر الماضي، بعد أن صرح مصدر إسرائيلي بأنه بعد الهجوم في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وضعت إسرائيل خططاً لشن هجوم مشترك مع الولايات المتحدة الأمريكية ضد المنشآت النووية، مستطردة: "الآن، لم يعد الحوار بين إيران والولايات المتحدة أمراً مستبعداً في إسرائيل، وهناك قدر كبير من التنسيق بين البلدين فيما يتعلق بطهران، وما يجب القيام به لمعالجة انتهاكاتها".
هل غيرت إسرائيل موقفها؟وأوضحت الصحيفة العبرية أن الخيارات المطروحة على الطاولة بالنسبة لإسرائيل قد تكون العقوبات، وإمكانية معقولة للعمل العسكري، بالإضافة إلى حقيقة أن ترامب مستعد للتحدث مع إيران والتوصل إلى اتفاق معها، وهو الاحتمال الذي ذكره حتى قبل الانتخابات الأخيرة، موضحة أنه خلال مايو (أيار) 2018، خلال ولايته السابقة، أعلن ترامب انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بعد أن قدم رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتانياهو "الأرشيف النووي"، وقال الرئيس الأمريكي آنذاك: "اليوم لدينا دليل قاطع على أن الوعد الإيراني كان كذبة".
وتقول يديعوت إنه على الرغم من انعدام الثقة العميق، الذي لا يزال قائما لأسباب واضحة، فإن إسرائيل لا تستبعد التوصل إلى اتفاق جديد، إذا حققت هدفها في منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية، مشيرة إلى أنهم في إسرائيل لا يعتقدون أن الحل الوحيد هو قصف إيران، إلا أنهم مستعدون لهذه الإمكانية ويستكملون الإجراءات اللازمة لذلك.
وفي الوقت نفسه، تحتاج إسرائيل إلى زيادة التنسيق العسكري وإظهار القوة، مثل التدريب المشترك الذي أجرته هذا الأسبوع طائرات مقاتلة إسرائيلية مع قاذفة أمريكية.
وعلقت: "هذه الأحداث وقعت في الماضي، وهذه ليست المرة الأولى، ولكن الآن، عندما تحدث في عهد إدارة ترامب، فهناك رسالة هنا إلى إيران مفادها أن الدول منسقة فيما بينها وتريد تحقيق نفس الهدف، بغض النظر عن الأسلوب والطريقة، ويبدو أن إسرائيل غيرت موقفها، وأصبحت تفضل الطريق الدبلوماسي".
بزشكيان تحت المجهر.. أزمات إيران تتفاقم في عهد الرئيس الإصلاحيhttps://t.co/wlEH9S8p7A
— 24.ae (@20fourMedia) March 6, 2025 تهديدات ترامبوفي ظل المحاولات على المسار الدبلوماسي، أطلق الرئيس ترامب، من البيت الأبيض تهديداً جديداً تجاه إيران، وقال للصحافيين "الشيء التالي الذي ستتحدثون عنه هو إيران، ماذا سيحدث لها، هذا كل ما أستطيع أن أخبركم به، نحن في المراحل النهائية ضد إيران، سيكون الأمر مثيراً للاهتمام، نحن في اللحظات الأخيرة".
وأضاف ترامب مهددا: "على أي حال، سيكون الأمر كبيراً، إنها فترة مثيرة للاهتمام في تاريخ العالم، ولكن هناك موقف مع إيران حيث سيحدث شيء ما قريباً، قريباً جداً، ستتحدثون عنه قريباً، وآمل أن نتمكن من التوصل إلى اتفاق سلام، أنا لا أتحدث من موقع القوة أو الضعف، أنا فقط أقول إنني أفضل أن أرى اتفاق سلام بدلاً من الخيار الآخر، لكن الخيار الآخر من شأنه أن يحل المشكلة".