تشهد الضفة الغربية تصاعدا في المواجهات بين المقاومة الفلسطينية وجيش الاحتلال، ويأتي ذلك في ظل تنامي المخاطر التي تفرضها مخططات تيار اليمين الديني المتطرف في السيطرة على المنطقة وتوسيع المستوطنات وصولا إلى تغيير البنية الديمغرافية فيها.

وتشكل الضفة الغربية قيمة إستراتيجية ودينية تجعل منها مركزا مهما من مراكز الصراع في فلسطين.

ومع تصاعد دور اليمين الديني المتطرف والمستوطنين في المؤسسات الإسرائيلية السياسية والعسكرية وبروزهم ككتلة حاسمة في حكومة بنيامين نتنياهو تصاعدت التهديدات التي تتعرض لها الضفة الغربية على مستوى السيطرة على الأرض والضغط على الفلسطينيين لمغادرة أراضيهم، واستهداف بنى المقاومة وحاضنتها، وتفكيك أي كيان سياسي للفلسطينيين.

???? هجوم كبير من المستوطنين على بلدة جيت شرق قلقيلية pic.twitter.com/HUspT0s6R1

— ساحات – عاجل ???????? (@Sa7atPlBreaking) August 15, 2024

مبدأ "إدارة الصراع"

ومنذ قدوم رئيس الوزراء نتنياهو إلى السلطة عام 2009 حكم مبدأ "إدارة الصراع" التصورات الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة، وليس السعي إلى الحل، وأقيمت بناء على ذلك سياسات خاصة لكل منهما.

لكن منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 وتداعياته ومع تسارع الاستيطان والتهجير الداخلي للفلسطينيين يمكن القول إن انهيار تصور "إدارة الصراع" أصبح في حكم الواقع.

يضاف إلى ذلك ضرورة التأكيد على أن "إدارة الصراع" تهدف في نهاية المطاف إلى تجريد الفلسطينيين من أي مستقبل سياسي في الضفة الغربية، والحيلولة دون قيام دولة فلسطينية مستقبلية ضمن ما يُعرف بـ"حل الدولتين" والإبقاء مؤقتا على الدور الأمني للسلطة.

ويبرز تصور تيار اليمين القومي الديني المتطرف كتصور "القوى الحاكمة" اليوم للتعامل مع الصراع، وفيما يخص الضفة الغربية تقوم مجمل تصورات تيار اليمين الديني القومي المتطرف على متطلبات عدة:

تقسيم الضفة الغربية إلى مناطق عدة تحكمها إدارات مدنية منفصلة. احتفاظ إسرائيل بالمسؤولية الأمنية الكاملة والحرية العسكرية المطلقة للجيش في الضفة الغربية.  تفكيك السلطة الفلسطينية مع الإبقاء على وحدات فرض النظام والقانون فقط. خطة سموتريتش

ومن بين تصورات تيار اليمين الديني القومي المتطرف تظهر ما باتت تعرف بـ"خطة سموتريتش" كخطة يمتلك أصحابها التصور والخطة العملية والسلطة اللازمة وأدوات التنفيذ، فالضفة الغربية تمر في مرحلة حساسة ومفصلية قد تشكل مستقبلها وهويتها لعقود.

يتجه اليمين المتطرف في إسرائيل إلى فرض أمر واقع جديد في الضفة الغربية من خلال إضفاء الشرعية على مزيد من المستوطنات، إذ أعلن بتسلئيل سموتريتش وزير المالية الإسرائيلي وزعيم حزب "الصهيونية الدينية" اليميني المتطرف أول أمس الأربعاء الشروع في إقامة مستوطنة جديدة على أراضي بيت لحم جنوبي الضفة الغربية.

واعتبر سموتريتش في منشور على منصة "إكس" أن ربط الكتلة الاستيطانية "غوش عتصيون" في جنوبي الضفة الغربية بالقدس "مهمة وطنية".

وأشار إلى أن هذه المستوطنة هي "واحدة من 5 مستوطنات وافقت الحكومة الإسرائيلية قبل شهرين على إقامتها بالضفة الغربية ردا على إجراءات السلطة الفلسطينية ضد إسرائيل، والاعتراف الأحادي من قبل دول غربية عدة بالدولة الفلسطينية".

ويعتمد سموتريتش على عنصرين أساسيين في تحقيق مخططه هما:

تشريع البؤر الاستيطانية "غير القانونية" التي دشنها المستوطنون بدون الحصول على إذن من حكومة وجيش الاحتلال. التوسع في هدم المنازل والمرافق الإنشائية الفلسطينية بحجة أنها غير مرخصة.

واستطاع سموتريتش توظيف وجوده في الحكومة الحالية بالسيطرة على منصبين مهمين لتنفيذ خطته في الضفة الغربية، إذ إنه يشغل منصبي وزير المالية ووزير في وزارة الدفاع مسؤول عن الاستيطان بالضفة الغربية.

واستنادا إلى ذلك يعمل منذ دخوله الحكومة على إحكام السيطرة على البنية "الحكومية" والعسكرية المعنية بتوسيع وشرعنة الاستيطان بكافة أنواعه، بالإضافة إلى منح تراخيص البناء للفلسطينيين.

ولا تعكس هذه الأهداف الرؤية النهائية لخطة سموتريتش، إذ تهدف خطته المسماة "خطة الحسم" إلى السيطرة الكاملة على الضفة الغربية، ومنع قيام أي كيان سياسي للفلسطينيين فيها، وزيادة عدد المستوطنين ليصل إلى مليوني مستوطن، ودعم برامج التهجير الطوعي للفلسطينيين، واستخدام الحسم العسكري مع الرافضين للهجرة أو الامتثال لحكم إسرائيل.

وتعتمد العوامل التي تساعد سموتريتش على تنفيذ مخططاته بشكل أساسي على امتلاكه أوراق ضغط للتأثير على نتنياهو والجيش والسلطة الفلسطينية، بالإضافة إلى كونه لا يأبه للموقف الدولي ويترك لرئيس الوزراء مهمة التعامل مع الضغوط الخارجية.

وقبل كل ذلك، فإن مشروع الاستيطان في الضفة الغربية يشكل محط إجماع شبه مطلق في البيئة السياسية الحالية بكافة أطيافها، كما تنظر له المؤسسة الأمنية والعسكرية كحاجة أمنية، وتعززت هذه القناعات بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 والتصعيد في الشمال، فحاجة نتنياهو لبقاء التحالف مع التيار الديني القومي ملحة للغاية وسط إدارته الحرب على غزة والتصعيد في الشمال.

كما يمتلك سموتريتش ورقة ضغط للتأثير على توجهات الجيش والمتمثلة في كونه وزير المالية المسؤول عن إقرار الموازنات التي يطلبها.

وفيما يخص السلطة فإن قرار إعفاء البنوك الإسرائيلية من التعامل معها والإفراج عن أموال المقاصة بيد سموتريتش الذي عمد إلى تمديد الإعفاء كل 3-4 أشهر.

وفي كل مرة يتم طرح التمديد في المجلس الوزاري المصغر يقدم سموتريتش في مقابل الموافقة على التمديد مجموعة من القرارات المتعلقة بتنفيذ خطته في الضفة الغربية، وهو تماما ما فعله في القرارات التي حصل عليها من الكابينت مقابل الموافقة على تمديد الإعفاء لـ4 أشهر.

داخل الحكومة الإسرائيلية لا يوجد حاليا أي خلاف بشأن ضم المناطق "ج"، وبما أن الظروف السياسية والدولية التي سادت قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول كانت تمنع تنفيذ هذا الضم فعليا وقانونيا فإن إحدى المهمات التي وضعتها هذه الحكومة أمامها هي الإسراع وبشكل واسع النطاق في فرض حقائق استيطانية جديدة على الأرض.

لقد بدا هذا واضحا في تشريعات الحكومة والخطط المصادق عليها والميزانيات المرصودة وسرعة التنفيذ في بناء الوحدات السكنية وتطوير البنية التحتية والمرافق العامة للمستوطنين.

صحيح أن كل هذا كان قائما منذ بداية 2023 (فترة تولي سموتريتش مسؤولية الإدارة المدنية) لكن ما يحصل في الضفة الغربية منذ بداية الحرب يوحي بحصول تحولات جديدة.

وبحسب مسؤول عسكري إسرائيلي، فإن النفوذ المتصاعد للمستوطنين يمهد الطريق لواقع جديد قد يتمكن فيه المستوطنون المتطرفون والمسلحون من التصرف والتدخل في إدارة شؤون الضفة الغربية وممارسة التوسع الاستيطاني بـ"شكل مستقل" عن الإدارة المدنية أو القنوات الرسمية.

تعزيز مستقبل التيار اليميني الديني

بلا شك أن تداعيات خطة سموتريتش حاسمة على وجود ومصير الفلسطينيين في الضفة الغربية وعلى مجمل الصراع، لكن لذلك انعكاس مهم على البيئة السياسية للعدو وتسريع حسم اتجاه الدولة والمجتمع نحو اليمين المتطرف وليس فقط اليمين، إذ إن سياسات سموتريتش وخطط الاستيطان وضم الأراضي تهدف إلى زيادة عدد المستوطنين الذين يميلون في العادة للتوجهات اليمينية والدينية منها، الأمر الذي يعد ارتفاعا في نسبة التأييد لليمين الديني.

كما أن نجاح التيار في تنفيذ أجندته يعد نجاحا داخل البيئة السياسية للعدو، وسينظر إلى قادة ورموز التيار كونهم قادرين على فرض رؤيتهم، كما أن تعزيز نفوذ التيار في مؤسسات الحكومة وفي المجتمع سينعكس تلقائيا على المؤسسات الأمنية والجيش، وهو ما تظهر مؤشراته وتتصاعد بشكل مستمر، خاصة بعد طوفان الأقصى.

يشار إلى أن مخططات تيار اليمين الديني القومي المتطرف على موعد مع رافعة جديدة، وقد تكون الأكثر تأثيرا وحسما في مسار مخططاتهم، والتي تتمثل بتولي آفي بلوط قيادة المنطقة الوسطى في جيش الاحتلال والمسؤولة عن الضفة الغربية.

ولطالما حكم تصورات الجيش اتجاه متحفظ حيال مخططات جماعات الاستيطان وتيار اليمين الديني القومي المتطرف، إذ يعتبر الأخير أن سياسات الجيش في الضفة الغربية والمسؤولة عن تنفيذها قيادة المنطقة الوسطى شكلت عائقا أمام مخططاتهم، وحالت في بعض الأحيان دون سرعة تنفيذ مشاريع استيطانية.

مواجهة سابقة بين الأهالي والمستوطنين عند مدخل قرية اللبّن جنوب نابلس (الجزيرة)

وتعد سيطرة اليمين بكافة أطيافه على الحكومة واستمرار حاجة نتنياهو للتحالف مع اليمين الديني القومي المتطرف وقرب انتهاء ولاية إدارة بايدن واحتمالية عودة إدارة ترامب وتراجع قدرة الجيش على التأثير في البيئة السياسية عوامل تسهم في مواصلة سموتريتش والحكومة اليمينية تنفيذ مخططاتها للضم خلال سنوات قليلة قادمة.

ويضاف إلى تلك العوامل تزايد تأثير الصهيونية الدينية في أوساط الجيش وتركيزها على قيادة المنطقة الوسطى، وتعمق القناعة بإستراتيجية الاستيطان في الضفة الغربية وعدم القدرة على التعايش مع وجود الفلسطينيين بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول، علاوة على تواطؤ السلطة الفلسطينية في قمع المقاومة بالضفة الغربية، وتركز المقاومة في بؤر محدودة.

وهذا سينعكس على المساحة التي يسيطر عليها الفلسطينيون أو تحت سيطرة السلطة الفلسطينية، إذ تستهدف مخططات سموتريتش ضم 70% من مساحة الضفة الغربية في المدى المتوسط، مما سينعكس على عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وجغرافيا توادهم وحصرها فيما تعرف بمناطق "أ".

ولا يظهر أن بيئة التفاعلات الإسرائيلية الداخلية تتجه إلى لجم خطة سموتريتش واليمين الديني القومي وجماعات الاستيطان، بل على العكس تظهر المؤشرات تزايد القناعة في هذا المسار وتغطيته من قبل نتنياهو والسكوت عنه وتمريره من قبل الجيش والمؤسسة الأمنية.

ويمكن الادعاء بأن سياسات "حسم الصراع" لسموتريتش وأيديولوجية التهجير (الترانسفير) والمزيد من العنف العسكري هي مقاربات قد تصبح "العقيدة الجديدة" للجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية، وأن تتحول هذه السياسات اليمينية في ظل انتفاء أي أمل في التسوية السياسية إلى مركّب أصيل من مركّبات الحكم العسكري في المستقبل.

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: حراك الجامعات حريات أکتوبر تشرین الأول السلطة الفلسطینیة فی الضفة الغربیة البیئة السیاسیة خطة سموتریتش إدارة الصراع السیطرة على

إقرأ أيضاً:

الضفة الغربية في بؤرة الاستهداف والضّم الصهيوني

تظهر المعطيات أن الضفة الغربية (بما في ذلك شرقي القدس) ستكون في عين الاستهداف الإسرائيلي في الأيام القادمة. بالطبع فإن مخطط تهويد الأقصى والقدس وباقي الضفة لم يتوقف طوال السنوات الماضية، وسار بشكل حثيث تحت حكم الليكود، وأخذ نسقا متصاعدا تحت حكومة نتنياهو المتحالفة مع الصهيونية الدينية. غير أن الاتجاه قد يأخذ مسارات أكثر حسما برعاية أمريكية، بما في ذلك مخاطر ضم الكتل الاستيطانية في الضفة، وكذلك مخاطر ضم مناطق ج (أو أجزاء كبيرة منها) التي تشكل 60 في المئة من مساحة الضفة الغربية، وبالتالي القضاء على مسار التسوية السلمية وعلى أحلام تحوّل السلطة الفلسطينية إلى دولة فلسطينية، بل وإمكانية تفتيت السلطة إلى عدة كانتونات، تتولى على أساس أمني إدارة التجمعات الفلسطينية في الضفة.

أبرز معطيات الاستهداف:

أما أبرز المعطيات التي تصب في مشروع الاستهداف والضّم الصهيوني فهي:

* فشل الاحتلال الإسرائيلي الذريع في تحقيق أهدافه في قطاع غزة، وانتصار المقاومة وتمكنها من فرض شروطها، جعل الاحتلال يتطلع إلى تعويض فشله وإعادة تقديم نفسه للمجتمع الصهيوني من خلال إنجاز كبير يحاول تحقيقه في الضفة. إذ بعد دخول الهدنة مع غزة، أضافت الحكومة الإسرائيلية هدفا أساسيا لأهداف الحرب هو إحكام السيطرة على الضفة والقضاء على المقاومة، واستقدمت تعزيزات عسكرية كبيرة، وبدأت حملة واسعة شرسة لاجتثاث المقاومة.

يبدو أن ترامب الذي رأى غرق جيش الاحتلال في مستنقع غزة، والذي ضغط باتجاه الهدنة، والذي لا يرغب بالاستمرار في دفع مليارات الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، ليس لديه مانع من توفير الغطاء اللازم لضم أجزاء واسعة من الضفة لاحقا للكيان الإسرائيلي، وربما شكل ذلك تعويضا للاحتلال عن فشله في غزة، وحافزا للخروج من المستنقع، والمضي قدما في الهدنة في غزة
* إن أرضية القناعة بضم الضفة موجودة أساسا لدى حزب الليكود الحاكم، فقد صوتت اللجنة المركزية للحزب في 31 كانون الأول/ ديسمبر 2017 لصالح قرار يطالب نواب الحزب في الكنيست بالدفع باتجاه ضم الضفة الغربية. وكان نتنياهو لا يرغب في هكذا تصويت لأنه يكشف تطلعات الحزب في غير وقتها و"يحرق المراحل"، غير أن نتنياهو تبنى في برنامج الليكود الانتخابي في أيلول/ سبتمبر 2019 ضم منطقة الأغوار وشمال البحر الميت، وهي مناطق واسعة تقدر بنحو 23 في المئة من مساحة الضفة. غير أن الوقت لم يكن ناضجا لإجراءات الضم، خصوصا مع إعلان ترامب لصفقة القرن أوائل 2020، ثم فشل ترامب في الانتخابات الأمريكية في تشرين الثاني/ نوفمبر من السنة نفسها، ثم خوض المقاومة لمعركة سيف القدس 2021.

* إن التحالف الحاكم الذي نشأ في 29 كانون الأول/ ديسمبر 2022، ودخول الصهيونية الدينية بقوة فيه من خلال حزبي سموتريتش وبن غفير، أتاح لهما صلاحيات واسعة لتسريع وتيرة تهويد الأقصى والقدس والضفة الغربية، حيث مضى المشروع بقفزات غير مسبوقة، ولولا معركة طوفان الأقصى، لربما جرى ضم أجزاء واسعة من الضفة.

وكان حزب الصهيونية الدينية قد تبنى سنة 2022 "خطة الحسم" التي سبق لسموتريتش طرحها، واعتمدها في مؤتمره العام؛ وهي تسعى لحسم الصراع في فلسطين التاريخية وضم الضفة الغربية.

* فوز ترامب بانتخابات الرئاسة الأمريكية، وهو داعم كبير للتوسع الصهيوني، وسبق له تصريح بأن الأرض التي تحكمها "إسرائيل" صغيرة، وأنها يفترض أن تكون أكبر من ذلك. وترامب نفسه لا يؤمن باتفاقية أوسلو ولا بمسار التسوية الحالي ولا بحلّ الدولتين، وسبق له نقل السفارة الأمريكية للقدس، والاعتراف بالضم الإسرائيلي للجولان السوري المحتل؛ وخطته "صفقة القرن" تأكل أصلا مساحات كبيرة من الضفة، والخطة نفسها تترك قطاع غزة تحت سيطرة الفلسطينيين.

ويبدو أن ترامب الذي رأى غرق جيش الاحتلال في مستنقع غزة، والذي ضغط باتجاه الهدنة، والذي لا يرغب بالاستمرار في دفع مليارات الدولارات لتغطية تكاليف الحرب، ليس لديه مانع من توفير الغطاء اللازم لضم أجزاء واسعة من الضفة لاحقا للكيان الإسرائيلي، وربما شكل ذلك تعويضا للاحتلال عن فشله في غزة، وحافزا للخروج من المستنقع، والمضي قدما في الهدنة في غزة.

* عيّن ترامب مارك روبيو وزيرا للخارجية وهو ذو ميول صهيونية متشددة، وكان قد اتهم إدارة بايدن بعدم بذل ما يكفي لدعم "إسرائيل"، وأدان تعليق أو تضييق دول أوروبية لصادرات السلاح إلى "إسرائيل"، كما أدان فرض إدارة بايدن عقوبات على مستوطنين وكيانات استيطانية، بسبب عنفها ضد الفلسطينيين في الضفة.

* عيَّن ترامب مايك هاكابي سفيرا جديدا للولايات المتحدة في "إسرائيل"، وهو قس معمداني، ومن قادة المسيحية الإنجيلية التي تؤمن بالحق الديني لليهود في فلسطين؛ ويرى أن "إسرائيل" لديها "سند ملكية" في الضفة الغربية، ويرفض تسمية المستعمرات اليهودية في الضفة "مستوطنات" ويسميها أحياء.

* عين ترامب إليس ستيفانيك سفيرة للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، وقد تحدثت على المكشوف بأن لـ"إسرائيل" حقا توراتيا في الضفة الغربية.

* لقي مستوطنو الضفة الغربية رعاية خاصة من ترامب، فقد تمت دعوة وفد رسمي موحد من مجلس مستوطنات الضفة (يشع) لحضور حفل تنصيب ترامب رئيسا للولايات المتحدة، وقام المجلس بدوره باستئجار أشهر مساحة إعلانية في العالم في تايمز سكوير في نيويورك لتهنئة ترامب. وكان من أوائل قرارات ترامب في بداية حكمه إلغاء العقوبات على جماعات وأفراد المستوطنين المتطرفين الذين ارتكبوا ويرتكبون أعمال عنف ضد الفلسطينيين، وهي عقوبات كان قد أقرّها بايدن في بداية شباط/ فبراير 2024.

وعلى ذلك فإن العناصر السابقة تتضافر للدفع باتجاه جعل الضفة في بؤرة الاستهداف الصهيوني الأمريكي، وحالة "تعويض" عن الفشل في قطاع غزة، بحيث يتسارع العمل الممنهج لإجراءات التطويع والضم، بمحاولة سحق المقاومة وبؤرها، ومحاولة تطويع سلطة رام الله بما يتوافق مع معايير إسرائيلية تحولها إلى حالة أمنية خدماتية مكشوفة، هذا إن لم تقم بتفتيتها، وإيجاد بيئة قمع وتهجير لأبناء الضفة، وعمل قفزات كبيرة في مشاريع التهويد والضم لأجزاء واسعة من الضفة. وبحسب رسالة نتنياهو إلى ترامب بعد حفل تنصيبه، "أعتقد أن عملنا معا من جديد سيرتقي بالتحالف الأمريكي الإسرائيلي إلى قمم عظيمة"!!

وبغض النظر عما ظهر من خلاف بين ترامب ونتنياهو، فلعله كان مرتبطا بطريقة التعامل مع الحرب على غزة، وعدم استعداد أمريكا للمضي قُدما في الإنفاق العسكري على حربٍ يبدو أنها ليست ذات جدوى، بينما تبدو الضفة "كبشا سمينا" لا يختلف عليه ترامب ونتنياهو.

ترامب بسبب شخصيته النرجسية والمتقلبة غير القابلة للتوقع، وبسبب عقلية التاجر صاحب "الصفقات"، والبراجماتي الواقعي المستعد للانتقال من موقع لآخر ولو تكتيكيا لتحقيق مصالحه، قد يضطر للتوقف عن مسار دعم الضمّ إذا رأى أن هذا يعطل مصالح أهم، وأنه يمكن تأجيله ولو مرحليا لأوقات قادمة. ولذلك، فإن صمود أهل الضفة وأداءهم الانتفاضي القادم سيلعبان دورا أساسيا في إفشال خطط الضم والتهجير
إمكانية إفشال الضم:

في المقابل، تظهر أربعة تحديات تواجه الصهاينة والأمريكان، في حال المضي في برامج ضم الضفة الغربية:

الأول: أن ذلك سيعني عمليا إغلاق مسار التسوية تماما في شكله الحالي، وعدم وجود مبرر لبقاء السلطة الفلسطينية؛ فإذا ترافق ذلك مع إجراءات التضييق وإيجاد أجواء التهجير لأبناء الضفة؛ فإن ذلك سيفتح المجال واسعا لتهاوي السلطة، ولانتفاضة واسعة شاملة، حيث سيكون هذا هو الخيار الوحيد المتاح لأبناء الضفة، وعند ذلك فمن الممكن أن ينقلب السحر على الساحر، فتتعزز المقاومة وتفشل الخطط الصهيونية الأمريكية.

الثاني: إن مخاطر الضم والتهجير ستمس الخطوط الحمراء للأمن القومي الأردني، خصوصا مع التصورات التي تتحدث عن تهجير مليوني فلسطيني من الضفة، وستجعل من الأردن مناهضا قويا لهذا التوجه، وسيضع علاقته القوية مع أمريكا وتطبيعه مع "إسرائيل" على المحك، وهو ما سيحاول الطرفان تجنبه.

الثالث: إن أحد الأهداف الكبرى لترامب في ولايته هذه هو تطبيع السعودية لعلاقاتها مع الكيان الإسرائيلي؛ بينما ستكون أي إجراءات مرتبطة بالضم أو انهيار "حل الدولتين" وسقوط السلطة عقبة كبيرة في مشروع التطبيع. وكما أن طوفان الأقصى عطَّل قطار التطبيع العربي والسعودي، فإن الانتفاضة في الضفة ستكون قادرة على تعطيل استئناف مسار التطبيع مع السعودية أو أي دولة عربية.

الرابع: إن محاولة حسم مصير المسجد الأقصى لصالح اليهود الصهاينة، هو عنصر تفجير هائل، طالما كان سببا في انتفاضات وثورات الشعب الفلسطيني، وفي تثوير البيئات العربية والإسلامية. ويكفي طوفان الأقصى نموذجا ما زلنا نعيش أجواءه.

وأخيرا، فإن ترامب بسبب شخصيته النرجسية والمتقلبة غير القابلة للتوقع، وبسبب عقلية التاجر صاحب "الصفقات"، والبراجماتي الواقعي المستعد للانتقال من موقع لآخر ولو تكتيكيا لتحقيق مصالحه، قد يضطر للتوقف عن مسار دعم الضمّ إذا رأى أن هذا يعطل مصالح أهم، وأنه يمكن تأجيله ولو مرحليا لأوقات قادمة. ولذلك، فإن صمود أهل الضفة وأداءهم الانتفاضي القادم سيلعبان دورا أساسيا في إفشال خطط الضم والتهجير. غير أن سلطة رام الله مدعوة للمرة الألف لمراجعة مواقفها التي تُعطّل ترتيب البيت الفلسطيني، وبرامج الوحدة الوطنية، والتي تُصر على التنسيق الأمني مع العدو، وبالتالي، تُسِّهل على الصهاينة والأمريكان المضي قدما في برامج التهويد والاستيطان؛ بل والتخلص من السلطة نفسها بعد انتهاء مدة صلاحيتها بالنسبة لهم.

x.com/mohsenmsaleh1

مقالات مشابهة

  • المصادقة على مشروع قانون يتيح للمستوطنين شراء أراض بالضفة الغربية
  • كتاب "الطريق إلى عقل ديني مستنير" يقدم قراءة في مشروع الخشت لتجديد الخطاب الديني
  • تظاهرات ضد اليمين المتطرف في كل أنحاء ألمانيا
  • صدور الطبعة الأولى من كتاب الطريق إلى عقل ديني مستنير: قراءة في مشروع الدكتور محمد الخشت لتجديد الخطاب الديني
  • مظاهرات ضد اليمين المتطرف في أنحاء ألمانيا
  • ألمانيا: أكثر من 15 ألف متظاهر في كولونيا ضد صعود اليمين المتطرف قبل انتخابات شباط الحاسمة
  • خطة الحاكم الخفي لابتلاع الضفة.. ماذا يريد سموتريتش؟
  • وصول حافلات الأسرى المُحررين إلى الضفة الغربية.. صور
  • نتنياهو يلجأ للتصعيد في الضفة الغربية هربا من أزماته الداخلية
  • الضفة الغربية في بؤرة الاستهداف والضّم الصهيوني