سواليف:
2025-02-22@06:02:46 GMT

الحقائق على الأرض تتنافى دماً مع الأرقام على الورق

تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT

في ظلال #طوفان_الأقصى “106”

الحقائق على الأرض تتنافى دماً مع الأرقام على الورق

بقلم د. مصطفى يوسف #اللداوي

أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، التي توخت الدقة والمصداقية، وحرصت على العملية والمهنية، بموجب القوائم المثبتة لديها، والأسماء التي وصلتها وتوثقت منها، والبيانات التي قدمتها إلى المجتمع الدولي عبر بيانها الرسمية، ومؤتمراتها الإعلامية، أن عدد شهداء العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، خلال أشهر الحرب التي تقترب من نهاية شهرها الحادي عشر، بلغ أربعين ألف شهيدٍ، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال، وجميعهم مدنيون غير مسلحين، وأغلبهم قتل في الأماكن المصنفة آمنة، والمدارس والمقرات المحمية بالأعلام الدولية.

مقالات ذات صلة هل بالضرورة ان اكون نائبا…ولماذا لا..؟ 2024/08/16

تحتفظ وزارة الصحة الفلسطينية وفقاً لمستنداتٍ وبطاقات هوية، وصورٍ شخصيةٍ، وشهادات الأهل والعائلات، وتعريف الأصحاب والجيران، بأسماء الشهداء الأربعين ألفاً، وهم جميعاً قد قتلوا قصفاً بالصواريخ وقذائف الدبابات، وقضى كثيرٌ منهم تحت الردم، وتحت ركام بيوتهم والمؤسسات التي لجأوا إليها، حيث يتعمد جيش العدو استهداف التجمعات السكانية، ومناطق الإيواء المزدحمة، والمدارس المأهولة، والأماكن التي يعلن عنها أنها آمنة، ويسمح للمواطنين بالإقامة فيها، ثم يقوم بقصفهم في خيامهم، ويحرقها بمن فيها من اللاجئين.

إعلان وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الشهداء بلغ أربعين ألف شهيد، بالتأكيدٌ عددٌ غير صحيحٍ، وهو مخالفٌ للواقع، ولا يتفق مع الحقيقة، ولكننا لا نعيب عليها ذلك، ولا نتهمها في نزاهتها، أو نشكك في مصداقيتها، فقد جاء تقريرها مهنياً موثقاً بالشهادات ومعززاً بالبيانات، وهي لا تستطيع مخالفة البيانات الرسمية أو تزوير المعطيات الموثقة، أو إدراج أسماء دون شهاداتٍ أو وثائق، ورغم ذلك يتهمها العدو، ويشكك في مصداقيتها، ويدعي أن أرقامها غير صحيحة، واحصائياتها غير دقيقة.

لكن الحقيقة أن العدد المعلن أقل بكثيرٍ من العدد الحقيقي للشهداء والمفقودين، حيث يتعذر إحصاء كل الشهداء وحصر جميع المفقودين الذين باتوا في حكم الشهداء، ومعرفة عدد الأسرى والمعتقلين الأحياء، إذ ساق جيش الاحتلال الآلاف من سكان قطاع غزة إلى مناطق غير معلومة، ربما إلى معتقلات النقب المفتوحة أو إلى معتقلاتٍ سريةٍ غير معروفةٍ، وقد ثبت أنه قتل بعضهم أمام أهلهم، وأعدم جنوده آخرين عبثاً وتسليةً، ومسابقةً ومنافسة، وهدايا لأطفالهم في عيد ميلادهم، وتذكاراً لعشيقاتهم خلال مكالماتهم، دون سببٍ أو مبررٍ يسوغ لهم قتلهم، اللهم إلا خبث نفوسهم وحقد قلوبهم، وقد تم توثيق عشرات عمليات الإعدام لأسرى مكبلي الأيدي ومقيدي الأرجل ومعصوبي الأعين.

وفي أحيان كثيرة، يصعب على المواطنين الحركة والانتقال، ويتعذر وصول سيارات الدفاع المدني والإسعاف، نتيجة القصف الشديد والغارات المتوالية العنيفة، فلا يتم الإبلاغ عن بعض الشهداء وهم كثير، ويتعذر نقلهم إلى المستشفيات أو المقابر، فيدفنون على عجل في أماكنهم خشية مواصلة القصف، أو بالنظر إلى تحلل جثثهم، وأحياناً يدفنون في مقابر جماعية، لا يستطيعون فيها تمييز الجثث أو تعليم الأكفان، كما حدث مع شهداء مستشفى الشفاء إثر اقتحام جيش الاحتلال له.

ولما كان جيش الاحتلال يتواجد في مناطق مختلفة من القطاع، فإنه يقوم إضافةً إلى القصف الجوي والمدفعي من بعيد، بقتل عامة الفلسطينيين دون تمييزٍ بينهم، وتقوم جرافاته العسكرية بجرفهم وتمزيق أجسادهم، وإهالة التراب عليهم، وربما دفنت العديد منهم وهم أحياء، وقد أظهرت الحفريات حول مستشفى الشفاء بغزة، ومستشفى ناصر بخانيونس، وفي أماكن أخرى مختلفة من القطاع، أن جيش الاحتلال كان يخلف وراءه عشرات الجثث، وقد وجد عناصر الدفاع المدني الفلسطينيين أشلاءً مبعثرةً، وأجساداً ممزقة، وعظاماً مهشمةً، وبقايا أطرافٍ لعشرات الفلسطينيين المجهولي الهوية.

ولما كان يقطع الطريق بين شمال القطاع وجنوبه بدباباته ودورياته وآلياته، ويسيطر على محور نتساريم وامتداده على شارعي الرشيد وصلاح الدين، ويمنع انتقال المواطنين عبرهما من الجنوب إلى الشمال والعكس، ما أدى إلى تمزق العائلات وتشتتها، حيث أصبح بعض أفرادها يقيمون في الشمال وبعضها انتقل إلى الجنوب، بينما كانت دباباته تطلق قذائفها على المواطنين خلال محاولاتهم الانتقال من الجنوب إلى الشمال والعكس، مما أدى إلى استشهاد المئات منهم، وتمزيق أجسادهم، وانتشار أشلائهم على امتداد شارعي الرشيد وصلاح الدين، وكان من المتعذر جداً على عائلاتهم وطواقم الإسعاف والدفاع المدني الوصول إليهم ومعرفة هوياتهم، وبالتالي تبقى هوية الشهداء مجهولة، وأعدادهم غير معروفة، وهؤلاء حتماً لم يدرجوا ضمن إحصائيات وزارة الصحة، ولم يتم الإبلاغ عنهم، وما زال كثيرٌ منهم في عداد المفقودين.

وخلال المذابح الكبرى والمجازر الدموية التي ارتكبها جيش الاحتلال، وهي بالمئات في كل مناطق قطاع غزة، ونفذها بقنابل أمريكية ضخمة وفتاكة، تزن الواحدة منها ألفي رطل، والتي كان آخرها قبل أيامٍ في مدرسة التابعين بحي الدرج، والتي استشهد فيها أكثر من مائة فلسطيني، حيث قصفهم أثناء تأديتهم صلاة الفجر.

فقد ذكر الناطق الرسمي باسم الدفاع المدني الفلسطيني، أن عشرات الجثث غير معلومة الهوية وغير مميزة الشكل، إذ أن القنابل الضخمة قد مزقت الأجساد، وقطعت الأوصال، ولم تعد هنالك أجسادٌ كاملة، بل أكوامٌ من اللحم مختلفة، ممزوجة بالدماء ومختلطة ببقايا حجارةٍ وبأجزاء من الركام، فلا يتميز أصحابها، ولا تعرف هوياتهم وشخصياتهم، فيضافون رقماً ويحسبون عدداً.

ستثبت الأيام عندما تضع الحرب أوزارها وينسحب جيش الاحتلال من غزة، وتتمكن المؤسسات الوطنية الفلسطينية من إجراء إحصاءٍ دقيقٍ للشهداء والجرحى والأسرى، بعيداً عن تهديد القصف والغارات الجوية، أن عدد الشهداء الفلسطينيين يتجاوز بكثيرٍ جداً العدد الذي أعلنت عنه وزارة الصحة، وأن الكيان الصهيوني ارتكب أفظع المجازر، ونفذ أبشع المذابح، وقتل عشرات آلاف الفلسطينيين في أوضح هولوكوست مسجل، وحرب إبادةٍ موثقةٍ.

بيروت في 16/8/2024

moustafa.leddawi@gmail.com

المصدر: سواليف

كلمات دلالية: طوفان الأقصى جیش الاحتلال وزارة الصحة

إقرأ أيضاً:

معاملة الأسرى بين إنسانية المقاومة ووحشية الاحتلال

شاهد الكثيرون طريقة وشكل تسليم جثث أسرى الاحتلال في قطاع غزة، التي تؤكد للعالم بأسره إنسانية وأخلاقية وتحضّر المقاومة مقابل وحشية وطريقة ونازية الاحتلال في تسليم الاحتلال الأسرى الشهداء بأكياس بلاستيكية بلا كفن ولا تابوت، إضافة إلى استخدام عدد من الأساليب الوحشية التي يتبعها الاحتلال في التعامل والتنكيل بجثامين الشهداء في الضفة الغربية من خلال إلقائها من أسطح المباني، وتركها ملقاة في الشوارع، فضلا عن عمليات التسليم المهينة وغير الموثقة، كما حدث في عدة حالات في قطاع غزة، حيث دفن البعض في قبور جماعية مجهولة الهوية وتسليم بعضها الآخر في أكياس نايلون.

ينبغي أن يعلم العالم أن أسرى الاحتلال قتلهم مجرم الحرب نتنياهو وحكومته المتطرفة بصواريخ الطائرات الحربية والقنابل الأمريكية، ولعل العدو فهم رسائل المقاومة التي انطوت بعضها على تحذير نتنياهو الذي ظهرت صورته كمصاص دماء وسط منصة التسليم والمطلوب للعدالة الدولية؛ في حال قرر استئناف حرب الإبادة الجماعية ضد الشعب الفلسطيني في غزة. وعلى أسطح الأبنية والبيوت المهدمة في محيط عملية التسليم في منطقة بني سهيلا في خان يونس، رفعت المقاومة لافتات تُذكّر بالكمائن التي كبدت جيش الاحتلال خسائر كبرى، من بينها كمين الفراحين الذي أوقع 8 قتلى من قوات الاحتلال، وفي إشارة للكمين كتبت المقاومة: لم يكن نزهة بل محرقة. ولمنطقة بني سهيلا خصوصية، عندما اجتاحتها قوات الاحتلال لمدة 4 أشهر على فترات وقامت بنبش القبور وقتل فلسطينيين بحثا عن جثامين أسرى "إسرائيليين"، لكنها عجزت عن العثور عليهم.

وفي خطوة هامة وغير تقليدية تحمل رسائل سياسية وعسكرية واضحة، كشفت قناة "كان" العبرية أن كتائب القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، سلمت جثامين الأسرى "الإسرائيليين" بتوابيت مغلقة، وأرسلت معها مفاتيح لا تطابق الأقفال، مما أثار تساؤلات حول مغزى هذا التصرف وما يحمله من دلالات في سياق الصراع الدائر بين فصائل المقاومة وقوات الاحتلال.

ومن رسائل الإيحاء بسيطرة المقاومة الكاملة على مسار التبادل من خلال إرسال مفاتيح لا تفتح التوابيت، وجهت حركة المقاومة الإسلامية "حماس" رسالة ضمنية إلى "إسرائيل" مفادها أن المقاومة وحدها تملك مفتاح هذا الملف، وأن أي محاولة لفرض إملاءات من الاحتلال ستبوء بالفشل، فالاحتلال الذي طالما ادعى أنه هو من يحدد شروط أي صفقة، وجد نفسه يتلقى الأسرى وفقا لشروط المقاومة وبتوقيتها الخاص.

لم يكن هذا التصرف مجرد خطأ تقني، بل كان إهانة مباشرة لجيش الاحتلال وحكومته، اللذين فشلا طوال الأشهر الماضية في استعادة أسراهم أحياء. فبعد كل عمليات البحث الاستخباراتي والهجمات الوحشية، انتهى الأمر بعودة الجنود في نعوش مغلقة، وبمفاتيح لا تعمل، وهو ما يعكس عجز الاحتلال في تحقيق أهدافه، سواء عسكريا أو تفاوضيا.

لا شك أن مع كل دفعة جديدة من الجثامين، يتزايد الغضب الشعبي "الإسرائيلي"، حيث يتهم أهالي الأسرى حكومة نتنياهو بالفشل في إدارة الحرب والتفاوض مع المقاومة. ومما يزيد الأزمة تعقيدا هو أن المرحلة الثانية من تبادل الأسرى لا تزال متعثرة بسبب تعنت الاحتلال، ما يفتح الباب أمام المزيد من التوتر الداخلي.

هذه الخطوة من حركة "حماس" ليست مجرد جزء من تبادل الأسرى، بل هي استراتيجية محسوبة تهدف إلى إدارة الصراع النفسي والسياسي بدقة ومهارة. وفي الوقت الذي يواصل فيه الاحتلال عدوانه، يثبت الواقع أن المقاومة لم تعد فقط تقاتل على الأرض، بل تدير المعركة على كل المستويات، بما فيها الحرب النفسية.

لذلك عند الحديث العالمي المتزايد عن تسليم جثامين الأسرى "الإسرائيليين" لدى غزة يجب أن يُقابل بتذكير العالم بمعاناة الشعب الفلسطيني، لأن احتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين لم يبدأ مع الحرب الحالية على قطاع غزة، بل هي قضية ممتدة على مدار التاريخ، وعلى كافة الجهات الدولية والمؤسسات الحقوقية الضغط على الاحتلال "الإسرائيلي" لتسليم جثامين الشهداء الفلسطينيين بما يليق بكرامتهم الوطنية والإنسانية، فنحن نعيش اليوم في ظل أساليب قمعية وغير إنسانية في التعامل مع الجثامين.

مقالات مشابهة

  • معاملة الأسرى بين إنسانية المقاومة ووحشية الاحتلال
  • هنا الزاهد: “المساكنة قبل الزواج تتنافى مع قيم الدين والتربية
  • العدو الصهيوني يحتجز جثامين 665 شهيداً فلسطينياً
  • الإعلام الحكومي في غزة: أكثر من 612 شهيدًا فلسطينيًا محتجزين لدى الاحتلال
  • ماهي مقابر الأرقام في الأراضي الفلسطينية المحتلة ..! 
  • الثوابتة: أكثر من 612 شهيدًا فلسطينيًا محتجزين لدى الاحتلال
  • العالم لا يرى إلا بعين واحدة.. هكذا تعامل جيش الاحتلال مع جثامين الشهداء الفلسطينيين
  • الكشف عن عدد الجثامين التي تحتجزها إسرائيل
  • يعود بعضها لستينيات القرن الماضي.. الاحتلال يحتجز 665 جثمان شهيد في مقابر الأرقام
  • ارتفاع حصيلة ضحايا العدوان الصهيوني على غزة إلى 48297 شهيداً و111733 مصاباً