قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علَّام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم إن الوسطية سمة للأمة الإسلامية ميزها بها الله سبحانه وتعالى فقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، وكانت الوسطية سببًا في تحقيق الخير للأمة على جميع مستوياتها، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المجتمع الداخلي أو على مستوى العلاقات الخارجية.

جاء ذلك خلال كلمته بمحاضرة لفضيلته في معهد إعداد القادة تحت عنوان "وسطية الخطاب الديني ومحاربة السلوكيات غير السوية".

وأضاف فضيلته أن طابع المجتمعات العربية والإسلامية الميل إلى التدين، ويمثل الخطاب الديني ركنًا رئيسيًّا في تكوينهم الثقافي وسلوكهم وتفاعلهم الاجتماعي، ومن هنا كان ولا بد أن يتمتع الخطاب الديني بالوسطية باعتبارها من أهم الخصائص الإسلامية.

وأكد فضيلة المفتي أن وسطية الإسلام شملت جميع جوانب حياة الأمة العلمية والعملية، فعلى المستوى العقدي جعل الله سبحانه وتعالى اعتقاد هذه الأمة وسطًا بين الغلو والتقصير؛ فالمسلمون وسط في اعتقادهم في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين؛ فهم مؤمنون برسل الله جميعًا، كما أنهم آمنوا بجميع الكتب المنزلة على الرسل والأنبياء.

وشدَّد فضيلته على أن الخطاب الوسطي يتطلب تضافر الجهود وتنسيق التحركات بين جميع الأطراف لبعث الخطاب الديني الوسطي ونشره بمبادئه ومفرداته السمحة التي تعبر عن جوهر الشريعة الإسلامية.

وأشار فضيلة المفتي إلى أنه لا يمكن أن نرى سلوكًا منحرفًا في جماعة إنسانية إلا ونجد بالضرورة وراءه خطابًا منحرفًا سوغ لهذا السلوك ودفع في اتجاهه، وإذا كان السلوك المنحرف نتيجة لخطاب منحرف، فالخطاب الوسطي الرشيد يخلف وراءه سلوكًا منضبطًا وعملًا رشيدًا، ويعد آلة فعالة في مواجهة كمِّ الظواهر السلوكية السلبية.

وعن دور الخطاب الوسطي في مواجهة ظاهرة التنمر قال فضيلة المفتي إن ظاهرة التنمر تمثل إحدى الظواهر السلبية التي وجدت طريقها للانتشار داخل مجتمعاتنا، والخطاب الوسطي الرشيد قادر على تبصير الفرد بمقصد الشريعة من الحفاظ على الكرامة الإنسانية وتحريم الاعتداء اللفظي والبدني على الغير؛ يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا».

وعن دور الخطاب الوسطي في مواجهة ظاهرة الطلاق المبكر قال فضيلته ينبغي ترسيخ مبدأ الفضل والإحسان في التعامل بين الزوجين بما له من أثر على إرساء معاني الود والتراحم وتفعيل الشراكة والتعاون والتكامل بين الأزواج، حيث إن الخطاب الإفتائي الوسطي يساعد في حماية البيوت بناء على فهم الواقع والعرف في فتاوى الطلاق.

وشدد فضيلة المفتي على أن الخطاب الوسطي يقابل خطاب الكراهية مقابلة مباشرة، فخطاب الكراهية يعتمد على إرساء مفاهيم من شأنها خلق حالة من العداء بين صاحب الفكر وكل من خالفه.

كما شدد على  دور الخطاب الوسطي في بيان دعوة الإسلام لتقبل الآخر، يقول تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.

وأوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن ظاهرة العنف الأسري باتت من الظواهر التي تؤرق مجتمعنا، وهي من الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا، فالخطاب الوسطي يؤسس للرحمة الأسرية؛ يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي».

وعن ظاهرة التحرش أكَّد فضيلته أن الشرع الشريف حذر من انتهاك الحرمات والأعراض، وقبَّح ذلك ونفَّر منه، وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة، حيث إن دور الخطاب الوسطي بناء ما تفكك من القيم التي تُميز مجتمعاتنا.

وشدَّد فضيلة مفتي الجمهورية على أن الإدمان أصبح شبحًا يهدد قوة الأمة الحقيقية المتمثلة في شبابها، حيث إن الخطاب الوسطي يبين خطورة الإدمان ويحذر منه؛ يقول تعالى: {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}، ويقول: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. فالخطاب الوسطي يرشد الشباب ويوجِّه سلوكهم لما ينفع الأمة وينفعهم.

 

المسلم الحق هو الذى يعمل جاهدًا على دعم مقومات الدولة والحفاظ على مؤسساتها

 


وأشار فضيلة المفتي إلى أن المسلم الحق هو الذي يحب وطنه ويعمل جاهدًا على دعم مقومات الدولة والحفاظ على مؤسساتها؛ لأن في ذلك حفاظًا على شعائر الدين ورعايةً لمصالح الخلق وانضباطًا لحياتهم. وهذا من الإصلاح الذي قال الله تعالى عنه: ﴿وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف 142] .فالمتدين بحق هو أبعد الناس عن معاني الإفساد في الأرض.


أكد فضيلته  أن الدعوة لخطابٍ ديني وسطي هي الدعوة للدين الحق والقول الحق والمنهج الحق، الذي دلت عليه النصوص الشرعية الصحيحة، الذي هو في حقيقته عدل كله وخير كله، لا غلو فيه ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط؛ لأنه من لدن لطيف خبير، .

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الوسطية العلاقات الخارجية

إقرأ أيضاً:

علماء الأزهر يوضحون الحكمة من سرية الدعوة في مهدها

 قال الدكتور السيد بلاط، أستاذ التاريخ والعقيدة بكلية اللغة العربية جامعة الأزهر، إن النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم الدعوة- بدأ سرًا وهذا لحكم عظيمة، الأولى هي "التدرج" وتهيئة عقول أهل مكة لاستقبال هذا الدين الجديد، لافتا أن التدرج سنة من سنن الإسلام المحمودة، حتى تعلم قريش طبيعة هذا الدين وما هي أحكامه، وألا تتعرض الدعوة في مهدها للخطر، فإذا استهدفت الدعوة التغيير السريع لنظام حيات المكيين لم تلق القبول المنتظر، وقال العلماء أيضا ربما أن الرسول أراد من أن تكون الدعوة سرا؛ تأجيل الصدام المتوقع بين المسلمين  المشركين حتى يشتد عود المسلمين.


وأكد السيد بلاط، خلال الملتقى الأسبوعي بالجامع الأزهر، والذي جاء بعنون "دعوة حكيمة وجاهلية جائرة"، أن من الدروس المستفادة من سرية الدعوة،  هي الوقوف على عوامل نجاحها، وأهم تلك العوامل هي الكتمان والسرية، لافتا أن عدد من آمن برسول الله ٥٣ منهم ١٠ من النساء، وعندما ضاق بهم بيت السيدة خديجة أم المؤمنين، التقى رسول الله المسلمين في دار الأرقم بن أبي الأرقم المخزومي، والحكمة من ذلك أن الأرقم دخل الإسلام وهو صغير، فإذا أرادت قريش تقصي أمر رسول الله، ستجري البحث في بيت من بيوت أكابر قريش، ونتعلم من ذلك حسن التخطيط.

وأشار إلى أن بعد الدعوة السرية أمر الله -تعالى- رسوله بالجهر بالدعوة فبدأ بأهله وعشيرته، حتى يجد فيهم السند وحسن الإقبال، ثم انتقل من دعوة عشيرته إلى دعوة أهل مكة، وهنا بدأ ينادي الرسول على قريش كلها، وأشهدهم على صدقه أولا فشهدوا، ثم دعاهم إلى الدين الحق، موضحا أن دعوة النبي ظلت سلمية على مدار  ١٣ عاما ولم يرفع فيها الرسول سيفا وهذا يدحض تدليس المستشرقين أن الدعوة بدأت بحد السيف، كما ركز الرسول في بدء الدعوة على الأمور العقائدية والتوحيد، حتى ينقي النفوس من دنس عبادة الأصنام، ولن يأتي ذلك إلا بصلاح العقيدة.

حكم صلاة المرأة في البنطلون الضيق .. الإفتاء تحسم الجدلحكم بيع العملات القديمة والعملات من بلاد أخرى.. دار الإفتاء تجيب
من جانبه، أوضح الدكتور نادي عبد الله أستاذ الحديث وعلومه وكيل كلية الدرسات الإسلامية لشؤون الدرسات العليا، أن الأمور كانت مبعثرة عند أهل قريش، ونبينا الكريم كان عليه أن يرتب المجتمع بصبغة جديدة بدلا من صبغة الجاهلية، التي كان الفقير والضعيف فيها مهان، لا أمن له ولا سلام، معلنا ميلاد عهد جديد يعلي من شأن الإنسان بعيدا عن مقياس النسب والمكانة، وتم قياس قيمة الإنسان بالإيمان والتقوى، ومن هنا نتعلم أن النبي لو أراد نجاح الدعوة سريعا لعمل على استقطاب الأقوياء وعلية القوم، ولأزاح الفقراء عن مجلسه، لكن وضع صلاح الإنسان وكرامته فوق كل اعتبار، وأنه لا فرق بين غني و فقير وقوي وضعيف.

وبين أن مفهوم الجاهلية اخْتُلف في معناها، فقال العلماء أنها سلوك وممارسات، وكل سلوك جائر فهو جاهلية، ولذلك لما أراد النبي أن يُذهب هذا المفهوم من قلوب الصحابة كان يتابع أصحابه في كل فعل وسلوك وممارسة، وينبههم إذا وقعوا في سلوك جاهلي، حتى أسس النبي مجتمعا سليم النفس والعقيدة لا جاهلية فيه.

يعقد "ملتقى السيرة النبوية" يوم الأربعاء من كل أسبوع، في رحاب الجامع الأزهر الشريف، تحت رعاية فضيلة الإمام الأكبر أ.د أحمد الطيب، شيخ الأزهر، وبتوجيهات من فضيلة الدكتور محمد الضويني وكيل الأزهر الشريف، وإشراف الدكتور عبد المنعم فؤاد، المشرف العام على الرواق الأزهري، والدكتور هاني عودة، مدير عام الجامع الأزهر، حيث كان بمسمى "شبهات وردود" وتم تغييره لملتقى الأزهر للقضايا المعاصرة، بعد نجاحه طوال شهر رمضان والذي كان يعقد يوميًا عقب صلاة التراويح، ويتناول هذا الملتقى في كل حلقة قضية تهم المجتمع والوطن، والعالَمَين العربي والإسلامي.

مقالات مشابهة

  • إحسان القول وبشاشة الوجه: دعوة إنسانية وإسلامية
  • في حال اختلاف الفتاوى.. كيف يختار المسلم الرأي الصحيح؟ المفتي يجيب
  • «الأوقاف» تطلق 10 قوافل دعوية لنشر الفكر الوسطي وتصحيح المفاهيم
  • المفتي: الشريعة الإسلامية سبقت كل الشرائع في تحقيق المساواة بين الرجل والمرأة
  • رئيس الجمهورية يؤكد أهمية دور العشائر في دعم الدولة وترسيخ سلطة القانون
  • سلطان بن أحمد يؤكد أهمية التعاون بين المؤسسات القضائية
  • وزير الأوقاف يؤكد أهمية التعاون في نشر الفكر الوسطي وتعزيز العلاقات مع سنغافورة
  • فتاوى: يجيب عنها فضيلة الشيخ د. كهلان بن نبهان الخروصي مساعد المفتي العام لسلطنة عُمان
  • التأكيد على أهمية تعزيز الهوية الإيمانية وتجسيد مبادئ الإسلام في مختلف جوانب الحياة
  • علماء الأزهر يوضحون الحكمة من سرية الدعوة في مهدها