المفتي يؤكد أهمية دور الخطاب الوسطي في بيان دعوة الإسلام لتقبل الآخر
تاريخ النشر: 9th, August 2023 GMT
قال فضيلة الأستاذ الدكتور شوقي علَّام مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم إن الوسطية سمة للأمة الإسلامية ميزها بها الله سبحانه وتعالى فقال: {وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا} [البقرة: 143]، وكانت الوسطية سببًا في تحقيق الخير للأمة على جميع مستوياتها، سواء على مستوى الأفراد أو على مستوى المجتمع الداخلي أو على مستوى العلاقات الخارجية.
جاء ذلك خلال كلمته بمحاضرة لفضيلته في معهد إعداد القادة تحت عنوان "وسطية الخطاب الديني ومحاربة السلوكيات غير السوية".
وأضاف فضيلته أن طابع المجتمعات العربية والإسلامية الميل إلى التدين، ويمثل الخطاب الديني ركنًا رئيسيًّا في تكوينهم الثقافي وسلوكهم وتفاعلهم الاجتماعي، ومن هنا كان ولا بد أن يتمتع الخطاب الديني بالوسطية باعتبارها من أهم الخصائص الإسلامية.
وأكد فضيلة المفتي أن وسطية الإسلام شملت جميع جوانب حياة الأمة العلمية والعملية، فعلى المستوى العقدي جعل الله سبحانه وتعالى اعتقاد هذه الأمة وسطًا بين الغلو والتقصير؛ فالمسلمون وسط في اعتقادهم في أنبياء الله ورسله وعباده الصالحين؛ فهم مؤمنون برسل الله جميعًا، كما أنهم آمنوا بجميع الكتب المنزلة على الرسل والأنبياء.
وشدَّد فضيلته على أن الخطاب الوسطي يتطلب تضافر الجهود وتنسيق التحركات بين جميع الأطراف لبعث الخطاب الديني الوسطي ونشره بمبادئه ومفرداته السمحة التي تعبر عن جوهر الشريعة الإسلامية.
وأشار فضيلة المفتي إلى أنه لا يمكن أن نرى سلوكًا منحرفًا في جماعة إنسانية إلا ونجد بالضرورة وراءه خطابًا منحرفًا سوغ لهذا السلوك ودفع في اتجاهه، وإذا كان السلوك المنحرف نتيجة لخطاب منحرف، فالخطاب الوسطي الرشيد يخلف وراءه سلوكًا منضبطًا وعملًا رشيدًا، ويعد آلة فعالة في مواجهة كمِّ الظواهر السلوكية السلبية.
وعن دور الخطاب الوسطي في مواجهة ظاهرة التنمر قال فضيلة المفتي إن ظاهرة التنمر تمثل إحدى الظواهر السلبية التي وجدت طريقها للانتشار داخل مجتمعاتنا، والخطاب الوسطي الرشيد قادر على تبصير الفرد بمقصد الشريعة من الحفاظ على الكرامة الإنسانية وتحريم الاعتداء اللفظي والبدني على الغير؛ يقول تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾، ولقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «إِنَّ دِمَاءَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ وَأَعْرَاضَكُمْ عَلَيْكُمْ حَرَامٌ، كَحُرْمَةِ يَوْمِكُمْ هَذَا، فِي بَلَدِكُمْ هَذَا، فِي شَهْرِكُمْ هَذَا».
وعن دور الخطاب الوسطي في مواجهة ظاهرة الطلاق المبكر قال فضيلته ينبغي ترسيخ مبدأ الفضل والإحسان في التعامل بين الزوجين بما له من أثر على إرساء معاني الود والتراحم وتفعيل الشراكة والتعاون والتكامل بين الأزواج، حيث إن الخطاب الإفتائي الوسطي يساعد في حماية البيوت بناء على فهم الواقع والعرف في فتاوى الطلاق.
وشدد فضيلة المفتي على أن الخطاب الوسطي يقابل خطاب الكراهية مقابلة مباشرة، فخطاب الكراهية يعتمد على إرساء مفاهيم من شأنها خلق حالة من العداء بين صاحب الفكر وكل من خالفه.
كما شدد على دور الخطاب الوسطي في بيان دعوة الإسلام لتقبل الآخر، يقول تعالى: {وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا}، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ}.
وأوضح فضيلة مفتي الجمهورية أن ظاهرة العنف الأسري باتت من الظواهر التي تؤرق مجتمعنا، وهي من الظواهر الدخيلة على مجتمعاتنا، فالخطاب الوسطي يؤسس للرحمة الأسرية؛ يقول تعالى: ﴿وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُون﴾ قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم: «خَيْرُكُمْ خَيْرُكُمْ لأَهْلِهِ، وَأَنَا خَيْرُكُمْ لأَهْلِي».
وعن ظاهرة التحرش أكَّد فضيلته أن الشرع الشريف حذر من انتهاك الحرمات والأعراض، وقبَّح ذلك ونفَّر منه، وتوعد فاعل ذلك بالعقاب الشديد في الدنيا والآخرة، حيث إن دور الخطاب الوسطي بناء ما تفكك من القيم التي تُميز مجتمعاتنا.
وشدَّد فضيلة مفتي الجمهورية على أن الإدمان أصبح شبحًا يهدد قوة الأمة الحقيقية المتمثلة في شبابها، حيث إن الخطاب الوسطي يبين خطورة الإدمان ويحذر منه؛ يقول تعالى: {يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ}، ويقول: {وَلاَ تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ}. فالخطاب الوسطي يرشد الشباب ويوجِّه سلوكهم لما ينفع الأمة وينفعهم.
المسلم الحق هو الذى يعمل جاهدًا على دعم مقومات الدولة والحفاظ على مؤسساتها
وأشار فضيلة المفتي إلى أن المسلم الحق هو الذي يحب وطنه ويعمل جاهدًا على دعم مقومات الدولة والحفاظ على مؤسساتها؛ لأن في ذلك حفاظًا على شعائر الدين ورعايةً لمصالح الخلق وانضباطًا لحياتهم. وهذا من الإصلاح الذي قال الله تعالى عنه: ﴿وَأَصْلِحْ وَلَا تَتَّبِعْ سَبِيلَ المُفْسِدِينَ ﴾ [الأعراف 142] .فالمتدين بحق هو أبعد الناس عن معاني الإفساد في الأرض.
أكد فضيلته أن الدعوة لخطابٍ ديني وسطي هي الدعوة للدين الحق والقول الحق والمنهج الحق، الذي دلت عليه النصوص الشرعية الصحيحة، الذي هو في حقيقته عدل كله وخير كله، لا غلو فيه ولا جفاء، ولا إفراط ولا تفريط؛ لأنه من لدن لطيف خبير، .
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: مفتي الجمهورية الوسطية العلاقات الخارجية
إقرأ أيضاً:
«المفتي»: الإسراف في استهلاك المياه خروجًا على تعاليم الإسلام
أكد الدكتور نظير عياد، مفتي الجمهورية، رئيس الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم- أن الإسلام سبق كل النُّظُم الحديثة في الاهتمام بالبيئة والحفاظ عليها، حيث وضع منهجًا متكاملًا لحمايتها من الفساد والتدمير، انطلاقًا من مبدأ الاستخلاف الذي جعله الله للإنسان في الأرض، وجعله مسؤولًا عن إعمارها وعدم الإضرار بها.
وقال الدكتور نظير عياد، خلال لقائه مع الإعلامي حمدي رزق في برنامج "اسأل المفتي" على قناة صدى البلد، إن الاعتداء على البيئة هو خروج على القانون الإلهي، وظلم للأجيال القادمة، وتناقض مع مبدأ التعمير الذي أمر به الإسلام، والذي يعد أحد الأسس الكبرى في المنظومة الإسلامية.
وأوضح أن مسؤولية الإنسان تجاه البيئة نابعة من كونه خليفة لله في الأرض، وهذه الخلافة تقتضي الأمانة وحسن التعامل مع الكون بما فيه من نباتات وحيوانات ومياه وأراضٍ، مشيرًا إلى أن الله تعالى أوضح في كتابه الكريم ضرورة الحفاظ على البيئة، فقال: {وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]، كما قال عز وجل: {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ} [الأعراف: 31].
وأشار إلى أن هذا المنهج يعكس رؤية الإسلام القائمة على الاعتدال والتوازن في استخدام الموارد الطبيعية، دون استنزافها أو إفسادها، وهو ما يتجلى في توجيهات النبي صلى الله عليه وسلم، حيث قال: "لا تسرف ولو كنت على نهر جارٍ".
وأكد أن هذا الحديث يعكس حرص الإسلام على ترشيد استهلاك الموارد وعدم الإسراف في استخدامها، حتى في الأمور المشروعة مثل الوضوء، إذ يعد الإسراف في استهلاك المياه والموارد الطبيعية خروجًا على تعاليم الإسلام، لأنه يؤدي إلى إهدار النعمة وعدم شكرها، والله تعالى يقول: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7].