أمريكا من محاولات ترويض السودان إلى العمل على تفكيكه.. كتاب جديد
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
الكتاب : السياسة الخارجية الأمريكية تجاه أفريقيا السودان أنموذجا
الكاتب: د. هاني محمد امبارك
الناشر: المركز العربي الديمقراطي للدراسات الإستراتيجية والسياسية والاقتصادية، ط1 برلين المانيا،2023.
عدد الصفحات: 170 صفحة
ـ 1 ـ
قبل بداية الحرب الباردة، لم تكن الولايات المتّحدة الأمريكية تضع أفريقيا ضمن أولوياتها ولم تكترث بتقسيمها بين القوى الاستعمارية الأوروبية.
ـ 2 ـ
يعسر تحديد مفهوم السياسة الخارجية التحديد الدقيق الذي يسلّم به مختلف الباحثين في العلوم السياسية. فهو يرتبط بالمتحولات الكثيرة على مستوى الفكر والممارسة ويتأثر بطبيعة العلاقات الدّولية بين مرحلة وأخرى. فاستقلال القرار الوطني اليوم، على سبيل المثال، بات مفهوما مائعا بالنّظر إلى عولمة الاقتصاد وتحوّل الشركات العالمية الكبرى إلى كيانات تخترق الدّول الكثيرة أو بالنّظر إلى عولمة الاتصال الذي أوجد وضعيات عابرة للدول شأن الجرائم الإلكترونية أو العملات الافتراضية. ومع ذلك فإن رصد تطور فهم السياسة الخارجية يؤرخ بشكل مّا للتحوّل في العلاقات بين الدّول ويبرز ظهور قوى إقليمية وتراجع أخرى. غير أنّ هاني محمد امبارك يحدد السياسة الخارجية من خلال ارتباطها بأهداف تعمل الدول وفقها على تحقيق مصالحها، من ذلك تعبئة الموارد واكتساح الأسواق وضمان حقوق مواطنيها في الخارج.
لترويض السودان عملت الولايات المتحدة على تعزيز روابطها العسكرية والاقتصادية مع أوغندا وأثيوبيا وإريتريا. ووراء ذلك غاية أعظم هي كسر الهيمنة الأوروبية على إفريقيا بحثا عن نصيبها من الغنيمة السمراء.وتكمن أهمية تحليل أبعاد السياسة الخارجية لدولة ما في شرح خلفياتها الإيديولوجية وطموحاتها الإقليمية والدّولية. فتكون زاوية خاصّة ضمن المنظور الكلي الذي يحاول تفسير العلاقات الدولية في مرحلة تاريخية بعينها.
تصاغ السياسة الخارجية إذن في سياق دولي محدّد، وتشمل العديد من القضايا الأمنية العسكرية، والسياسية الديبلوماسية، والاقتصادية التنموية، والثقافية العلمية، وغيرها. وتنفذ من خلال مجموعة من الوسائل المناسبة. ولا بدّ لصانع القرار السياسي قبل أن يرسم أهداف سياسته الخارجية أن يأخذ بعين الاعتبار إمكانيات دولته والمادية والمعنوية والاقتصادية والبشرية. وطبيعي أن تميل الدول النامية إلى التركيز على الأدوات الدبلوماسية والاقتصادية والرمزية. ولكن كثيرا ما تعمد الدّول العظمى إلى الضغط على شركائها لضمان مصالحها باستعمال نفوذها كاستدعاء السفراء للتشاور أو قطع العلاقات. وقد يصل الأمر إلى القوة الإلزامية لفرض تصوّراتها واكتساب الولاء لها في بعض الأحيان.
ورغم أن سياسة أي بلد الخارجية لا تنفصل في جوهرها عن سياسته الداخلية، من جهة علاقتها بطبيعة النظام السياسي، وخصائصه الأيديولوجية وخصائص القيادة السياسية، ورغم كونها تعدّ مصدرا من مصادر اكتساب الشرعية وحشد المناصرين وتقوية الأطراف الحاكمة لجبهاتها الدّاخلية، يسود الاتفاق غالبا على تحييدها عن الجدال السياسي الداخلي.
ـ 3 ـ
وليست السياسة الخارجية الأمريكية واحدة على مرّ التاريخ. فقد مرّت بجملة من الأطوار. فكانت تستند في تاريخ الولايات المبكّر، إلى مبدإ العزلة الذي نادى به الرئيس جورج واشنطن. ومداره على عدم الانخراط في العلاقات الخارجية المتعدّدة والاتجاه إلى التنمية والاستغراق في الإنتاج ومراكمة الثروة. ولهذا المبدإ خلفيات جغرافية وعسكرية. فالولايات المتحدة المتوارية بعيدا وراء الأطلسي لم تكن بحاجة إلى الانخراط الكبير في مجتمع دولي تهيمن عليه القوى العظمى تنفّذ مشاريعها الاستعمارية في ظل تقاسم وتخطيط مسبقين.
وفي 1919م ومع نهاية الحرب العالمية الأولى بلورت الولايات المتحدة فكرة الأمن الجماعي فأسهمت في بعث عصبة الأمم وسهرت على تحقيقه. ولكن مجلس الشيوخ المأخوذ بفكرة العزلة رفض التصديق عليها مما أعاد سياستها الخارجية إلى الانكفاء من جديد حتى 1939. ولكن الهجوم الياباني على ميناء بيرل هاربر وضع نهاية لهذه السياسة ودفع بالولايات المتّحدة إلى الانخراط لاحقا في الحرب العالمية الثانية. فتحوّلت بذلك من طور العزلة إلى عقد التحالفات التي أساسها فكرة التعاون لتحقيق جملة من الأهداف الاقتصادية أو العسكرية. وكان تأسيس الحلف الأطلسي (الناتو) بما هو معاهدة للدفاع المشترك ردة الفعل الغربية التي قادتها الولايات المتحدة على حصار برلين من قبل الاتحاد السوفييتي وعلى الانقلاب الشيوعي في تشيكوسلوفاكيا 1948.
تظل شخصية الرئيس مؤثرة في توجيه السياسة الخارجية للولايات المتحدة (من ذلك التحوّل الكبير في علاقة الولايات المتحدة بروسيا وبلدان الخليج بين عهدي ترامب وبايدن مثلا). ولكنّ عنصرين قارّين يجسّدان ثوابتها هما الأمن القومي ويشمل حماية المصالح الأمريكية في الخارج والدفاع عن الإيديولوجيا الليبرالية الرأسمالية. لذلك تتحرّك هذه السياسة في دائرة البراغماتية. فتعمل على تحقيق المصالح وتحدّد طبيعة علاقتها بالطّرف المقابل عبر إدراك مصادر قوتها وحجم إمكانياتها الذّاتية وبالنّظر، في الآن نفسه، إلى البيئة الخارجية من قوى ومواقف ومتغيّرات ومكاسب.
ـ 4 ـ
السياسة الخارجية الأمريكية وإفريقيا:
دفعت التحولات التي باتت تعيشها إفريقيا منذ الخمسينيات الولاياتِ المتحدة إلى إعادة النظر في سياساتها السابقة تجاه إفريقيا. ضمن هذا الأفق وقطعا مع مبدإ العزلة أرسل الرئيس ايزنهاور " في عام 1957م نائبه ريتشارد نیکسون إلى أفريقيا. فزار ثماني دول دفعة وحدة من أجل تحليل الأوضاع المتغيرة التي تشهدها القارة في ذلك الوقت. وانطلاقا من تقريره ضُبطت أبعاد السياسة الأمريكية في القارة السمراء التي تظل قائمة حتى اليوم رغم تغيّر الظروف الجيو ـ سياسية. فقد دعا التقرير إلى ضرورة وضع سياسة أمريكية مستقلة تجاه أفريقيا. ورأى أن ذلك يتحقّق عبر مساندة موجة الاستقلال والتحرر الوطني فيها. وعليه فقد دعا إلى أن تعترف كافة إدارات الحكومة الأمريكية بالأهمية المتزايدة لأفريقيا بالنسبة للمصالح الأمريكية. ولكن ما لم يذكره الباحث أن هذا المبدأ يتنزّل ضمن خطة أمريكية تعمل على تجريد القوى الأوروبية من مصادر قوتها بعد أن باتت هي القوة العالمية العظمى.
ويختزل الباحث هذه السياسة في عدد محدّد من النقاط. فقائمة المصالح والأهداف القومية التي كانت تشكل محددا للسياسة الأمريكية تجاه إفريقيا اشتملت على أربع قضايا أساسية هي احتواء الشيوعية أولا (في مرحلة الحرب الباردة) وحماية خطوط التجارة البحرية ثانيا وتأمين الوصول إلى مناطق التعدين والمواد الخام ثالثا ودعم القيم الليبرالية، ولاسيما تلك الخاصة بالديمقراطية وحقوق الإنسان رابعا، وإن كنّا نحترز على هذا الفصل الرابع ونقدّر أنه ليس غير مسألة شكلية وغير مبرر للتدخّل في الشأن الداخلي لهذه الدّول. وتورطها في دعم بعض الانقلابات ضد الحكومات المنتخبة أو مباركتها على الأقل دليلنا على ذلك.
ـ 5 ـ
السودان وأمريكا:
للعلاقات السودانية الأمريكية تاريخ متقلّب بتقلب الحكام أو باختلاف الإستراتيجيات التي تعتمدها الولايات المتّحدة الأمريكية. وأوّل مراحلها كان بعد انقلاب 17 نوفمبر 1958م على يد الرئيس الأسبق إبراهيم عبود.
كان المبدأ الذي يحكم السياسة الأمريكية عندئذ هو الاعتماد على الأنظمة العسكرية. فللأسباب الكثيرة كانت ترى فيها طرفا طيّعا يمكن التعامل معه بيسر. ولكن سريعا ما تدهورت هذه العلاقة بعد الإطاحة بعبود في أكتوبر 1964 ثم قطعت نهائياً بعد حرب 1967م. وساءت أكثر بعد انقلاب مايو 1969م الذي قاده جعفر النميري وانحاز إثره إلى المعسكر الشرقي. فاعترف بألمانيا الشرقية وتبنى نزعة معادية للرأسمالية. ولكن سريعا ما عدّل سياسته بعد المحاولة الانقلابية الشيوعية الفاشلة (1971) التي دبّرها الرّائد هشام العطا ضدّه. فحصل التقارب بين السودان وأمريكا ممن جديد.
بديهي أن ثمار هذه العلاقة ستكون اقتصادية أساسا. فاستثمرت الشركات الأمريكية في مجال النفط وقدّم صندوق النقد الدولي قروضه إلى السودان. وقدّم الرئيس النميري العون بالمقابل في عملية نقل اليهود الفلاشا إلى إسرائيل. النزاع في دارفور.
ـ 6 ـ
من العزلة إلى العمل على عزل نظام حكم الجبهة الإسلامية في السودان
يتنزّل إذن التفات الولايات المتحدة الأمريكية إلى السودان في سياق عام من سياستها، ظهر بعد نهاية الحرب الباردة وكان يستهدف فرض نظام عالمي جديد أحادي القطب. وفي هذه الأثناء كشف حكم عمر البشير الذي ترسّخ بعد ذلك، عن نزعته الإسلامية وعن عمله على استقطاب رموز الإسلام السياسي المنبوذين في بلدانهم. فكان الصّدام المحدث للتحوّل الكبير الثالث في تاريخ هذه العلاقات. فسجّل في قائمة الولايات المتحدة للدول الراعية للإرهاب مدة طويلة وعوقب بالحظر الاقتصادي منذ 1997م. وجعلت الحكومة الأمريكية تسعى إلى تغيير نظام الحكم. ففرضت إدارة كلينتون عليه حزمة إضافية من العقوبات لاحقا بسبب حرب دارفور. وفي هذه الأثناء تصاعد نسق الحرب في جنوب السودان إلى أن وقع تقسيم البلاد عمليا إلى سلطة في الشمال وأخرى في الجنوب.
يتنزّل عزل السودان ضمن سياق عام للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. يتثمل في اتجاهها إلى إفريقيا للسيطرة على مصادر الطاقة، ف نحو (15%) من البترول الذي تحتاجه الولايات المتحدة يأتي من وسط أفريقيا وغربها وهو مرشّح اليوم ليصل إلى (20%).
ولترويض السودان عملت الولايات المتحدة على تعزيز روابطها العسكرية والاقتصادية مع أوغندا وأثيوبيا وإريتريا. ووراء ذلك غاية أعظم هي كسر الهيمنة الأوروبية على إفريقيا بحثا عن نصيبها من الغنيمة السمراء.
ـ 7 ـ
وعامة يحاول الباحث أن يردّ علاقة الولايات المتّحدة بالقارة الإفريقية إلى أربع مراحل. فالمرحلة الأولى عند، تمتدّ منذ تأسيس دولة الولايات المتحدة خلال القرن 18م إلى الحرب العالمية الأولى سنة 1914م، وقد تميزت بضعف الارتباط بين الجانبين نتيجة سياسة العزلة. وتمتد المرحلة الثانية منذ بداية الحرب العالمية الأولى إلى الخمسينيات. فكانت أمريكا حذرة في تعاملها مع القارة الإفريقية باعتبارها منطقة نفوذ الدول الاستعمار. ومثلت فترة الحرب الباردة المرحلة الثالثة ، فمع اشتداد الاستقطاب بين المعسكرين، سعت الولايات المتّحدة إلى احتواء الأنظمة في المنطقة. وتمثل مرحلة ما بعد تفكك الاتحاد السوفييتي المرحلة الرابعة وسمتها توسيع النفوذ. فتعاملت الإدارة الأمريكية مع إفريقيا باعتبارها تمثّل المستقبل.
يتنزّل عزل السودان ضمن سياق عام للسياسة الخارجية للولايات المتحدة الأمريكية. يتثمل في اتجاهها إلى إفريقيا للسيطرة على مصادر الطاقة، ف نحو (15%) من البترول الذي تحتاجه الولايات المتحدة يأتي من وسط أفريقيا وغربها وهو مرشّح اليوم ليصل إلى (20%).في هذه المرحلة يتضح وجود اتجاهين رئيسيين يتوازيان في التفكير الاستراتيجي الأمريكي بشأن مستقبل أفريقيا في السنوات القادمة وعلاقتها بالسودان تحديدا. يتمثّل الأول في ترسيخ صورة فوضوية وتشاؤمية عن أفريقيا في الأذهان، ويجد أن عددا من الدبلوماسيين والمفكرين يروجون له ومن أمثلة ذلك مقالة كابلان عن الفوضى القادمة في أفريقيا فيمثل العصا. وعلى خلافه يمثله الاتجاه الثاني الجزرة. فيروّج لأفريقيا المزدهرة المندمجة في الاقتصاد العالمي. والفيصل بينهما هو مدى استجابتها لبرامج التكيف الهيكلي، وقيامها بالتحول نحو الديمقراطية الليبرالية، أي مدى سيرها في ركب تصوّر الولايات المتحدة الأمريكية للعالم الذي تتسيّده هي ويكون الآخرون مجرد تابع وهامش ملحق بالأصل.
ضمن الأفق الثاني يمكن أن ننزل علاقة السودان ما بعد البشير بالولايات المتحدة الأمريكية. فقد رحّبت به عضوا كامل الانخراط في المجتمع الدولي بعد ربع قرن من القطيعة وتعهّدت بالعمل على بناء علاقات قوية معه لمساعدته على السير في "طريق الديمقراطية" والعمل معه على استكشاف الفرص التعاون الاقتصادي المستقبلية.
ويمتلك السودان من الأهمية الجيو ـ إستراتيجية ما يجعله يثير لعاب أهم الفاعلين الدوليين. فهامش التنمية فيه كبير وأراضيه الغفل القابلة للاستصلاح الزراعي شاسعة. لذلك يمثّل اليوم موضوع تنافس بينها وبين الصين التي تنتشر بوتيرة سريعة في إفريقيا وروسيا التي اتفقت مع الخرطوم على إنشاء قاعدة روسية في البحر الأحمر.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي أفكار كتب تقارير كتب الكتاب السودان العلاقات امريكا السودان علاقات كتاب عرض كتب كتب كتب كتب كتب كتب أفكار أفكار أفكار سياسة سياسة أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار أفكار سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة المتحدة الأمریکیة الولایات المت حدة الولایات المتحدة السیاسة الخارجیة الحرب العالمیة الحرب الباردة حدة الأمریکیة الد ول
إقرأ أيضاً:
الرّسوم الجمركية الأمريكية.. محاولات لحماية الدولار من السقوط
يمانيون../
أثار معركة دولية منذ أيام بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وبقية دول العالم على خلفية ما يسمى “بالرسوم الجمركية”.. فما طبيعة هذه المعركة وما حيثياتها؟
يعمل ترامب على ابتزاز العالم، من خلال فرض رسوم جمركية بطريقة غير قانونية، بهدف التوصل إلى مفاوضات يجري الترتيب لها، والتي تخدم الدولار، والمتمثلة في التفاف اليهود وتحديداً عائلة روتشيلد على سندات الخزانة العالمية المستثمرة في سندات الخزانة الأمريكية، وهناك خطط للالتفاف عليها بطريقه غير مسبوقة في العالم.
من المعروف أن الآجال في السندات قصيرة لمدة ثلاثة أشهر أو سنة، ومتوسطة ست سنوات وثلاثين عاماً، ولكن اليوم وظيفة ترامب ومن يقف خلفه، بهذا الاستفزاز المتمثل في فرض الرسوم الجمركية، تتمثل بتمديد آجال سندات الخزانة واستثماراتها، خاصة العربية، وهي ذات حجم كبير إلى مائة عام، وسيصنع خزانة وسندات خزانة خاصة بالاتحاد الأوروبي عسكرية، وهذا لأول مرة يسمع بها العالم منذ 50 عاماً، وفي الواقع فإن هذه الرسوم عملية نهب واحتيال بطريقه غير مسبوقة.
الجذور الحقيقية لأزمة الرسوم الجمركية:
وفي السياق يقول الخبير الاقتصادي الدكتور محمد أحمد الآنسي: إن جذور أزمة الرسوم الجمركية، تعود إلى التعامل بالربا في النظام المالي العالمي المفروض على جميع الدول الغربية والعربية، حيثُ يمارس الربا ويخلق أموالاً رابية منتفخة تبرز في أشكال التضخم”.
ويضيف “أن الربا معروف بأنه من الأنشطة التي يحبها اليهود ويمارسونها، بغض النظر عن آثارها السلبية على الآخرين، والربا في معناه الاقتصادي يخلق أموالاً ليس لها قيمة، والاقتصاد عند العقلاء، وكما حماه الله رب العالمين، يجب أن يكون العائد المالي فيه من مصدرين لا ثالث لهما، المصدر الاول من بيع سلعة لها قيمة ونفع، والثاني مقابل أجرة على عمل فيه نفع.
ويضيف الآنسي أن الجذور الحقيقية هي محاولات للهروب من الربا الناتج عن السياسة المالية الأمريكية، حيثُ إن الدولار الأمريكي هو العملة الوحيدة في العالم التي تحظى بأن يتحمل العالم أعباء تضخمها، فعندما فرض الدولار كعملة في التبادل التجاري بين الدول، أصبح التضخم الربوي موزعاً على العالم، بمعنى أن العالم يتحمل أعباء الربا وأعباء ومشاكل الاقتصاد الأمريكي.
الاستثمارات العربية في الغرب:
وفي ظل هذه الأزمة الأمريكية الاقتصادية الناتجة جراء الرسوم الجمركية، يؤكد الخبير الاقتصادي الآنسي، أن الدول العربية والإسلامية سوف تخسر، وذلك من خلال حجم الاستثمارات العربية المحسوبة على الأمّة الإسلامية، في دول الغرب، التي يوجد فيها مجموعة من الصناديق التي من المؤسف تسمى سيادية وهي ولا علاقة لها بالسيادة لماذا؟ لأن أموالها ذات الحجم الكبير مسخرة في خدمة اليهود منذ أن تأسست.
ويبين أن من أبرز هذه الصناديق العربية، صندوق جهاز أبوظبي للاستثمار، الذي يصل إجمالي أصوله إلى 853 مليار دولار، وأيضاً هناك هيئة الاستثمار الكويتية التي يصل إجمالي الأصول فيها إلى 803 مليار دولار، هذا بالنسبة لإحصائيات أخر 2023، وكذلك صندوق الاستثمار العام السعودي الذي يصل إجمالي أصوله النقدية المالية إلى 776 مليار دولار، وجهاز قطر للاستثمار الذي يصل إجمالي أصوله إلى 475 مليار دولار، ومؤسسة دبي للاستثمار تصل أصولها إلى 320 مليار دولار، وشركة مبادلة للاستثمار الإماراتية تصل أصولها إلى 276 ملياراً، شركة أبوظبي التنموية القابضة أصولها تصل إلى 157 ملياراً ، حياة الإمارات للاستثمار 87 مليار دولار، جهاز الاستثمار العماني 20 مليار دولار، ممتلكات صندوق استثمار خاص بالبحرين 18 مليار دولار، إجمالي أصول هذه الصناديق العشرة فقط الخليجية العاملة ثلاثة تريليونات و760ملياراً، هي مسخرة في خدمه الدولار.
وبحسب الآنسي فإن تلك الأموال يقدمها العرب دائماً لخدمة الدولار، العملة القشة التي لولا هذا السند والدعم العربي لما استمر الدولار إلى اليوم، ولكان قد سقط، حيثُ كان الدولار على وشك السقوط الحتمي في 1971، وسارع آل سعود لإنقاذه، من خلال التزامهم ببيع النفط بالدولار، وتوريد العوائد إلى البنوك الأمريكية في الغرب، تحت عنوان الاستثمار في سندات الخزانة، وبالتالي فإن هذه هي المحركات التي تعمل على تدوير الدولار وتوزيعه في العالم، وهي التي تعمل على توزيع التضخم في العالم.
بمعنى آخر أنها تقوم بتوزيع مشاكل الدولار على الشعوب، ولولا هذه الروافع المالية لما استمر الدولار، ولما استمر الطغيان الأمريكي، ولما استمرت الهيمنة الأمريكية، ولما استمر النهب الذي يقوم به اليهود المصرفيون وأدواتهم.
ابتزاز وتهديد:
في الواقع، فإن الرسوم الجمركية كما يقول الدكتور محمد الآنسي، هي مجرد تهديد وابتزاز؛ لكي يتمكن ترامب من فرض إجراءات أخرى مهمة جداً، للدولار والاقتصاد الأمريكي الذي يوشك على السقوط، والمتمثلة في ترتيبه لعمليات نهب غير مسبوقة، وسوف تنعكس آثارها السلبية على الشعوب وسوف يكون الضحايا هم الفئات المستضعفة والمستهلكة.
ويوضح أن مساعيَ ترامب لها نتائج خطيرة على الاقتصاد الأمريكي، منها رفض الشعوب التداول بالدولار، وهذا ما نتمنى أن يحدث، حيثُ تتحرر الشعو1ب من هيمنة الدولار الأمريكي، والتبعية له؛ لأنها جميعاً متضررة.
ويؤكد الآنسي أن الأنظمة العربية والإسلامية العميلة، سبب رئيسي في هيمنة الدولار، حيثُ تعمل على جعل شعوبها أداةً للهيمنة الأمريكية الغربية وهيمنة الدولار والمصرفيين اليهود، حيثُ تقوم بفتح أبواب بلدانها لتكون أسواقاً للمنتجات الغربية، ولولا ذلك التواطؤ والعمالة العربية لما تحولت البلدان العربية من الاكتفاء الذاتي إلى الاستهلاك الذي عمل من أجله اليهود الكثير من المؤامرات حتى تحق لهم.
ووفق الآنسي فإن تحوّل الشعوب إلى الاستهلاك خاصة في موضوع الغذاء، شكل واحدة من أهم الروافع للدولار، ولأن من يمتلك الدولار ويمتلك المصارف هو نفس الفريق الذي يمتلك منظمات وشركات السيطرة على الغذاء وعلى المدخلات الزراعية، والتي تتمكن من تحريك كميات كبيرة من الدولار من خلال تحول الشعوب إلى مستهلكين، وهذا أدى إلى حصولها على إيرادات فرص لتوزيع التضخم الأمريكي.
السيطرة على الاقتصاد الزراعي:
وحول بداية السيطرة اليهودية والأمريكية على الاقتصاد الزراعي العربي، يؤكد الخبير الاقتصادي الآنسي، أن الحركة الصهيونية اليهودية استخدمت في بداية السيطرة على الاقتصاد الزراعي العربي، وذلك من خلال تعيين المجرم شارون عام 1977 وزيراً للزراعة في حكومة كيان العدوّ الإسرائيلي المحتل، والذي استمر من 1977 الى 1981، وعمل المجرم شارون خلال هذه المرحلة مع فريق من المخابرات الأمريكية والإسرائيلية على تحويل الشعوب العربية من الاكتفاء الذاتي إلى الاستيراد.
ويوضح أن “أبرز أسلحتهم كان المدخلات الكيماوية أو الكيميائية بكل أنواعها وكان أبرزها الأسمدة الكيميائية والمبيدات، مشيراً إلى أن الشركات اليهودية عملت على صناعة الأسمدة وجعلت من خصائصها أنها تحفز الطلب على المبيدات، حيثُ تقوم الأسمدة بدعم النباتات بمعادن صناعية أكثر من احتياجها، أكثر من المقادير التي أرادها الله، فيخرج الزائد في شكل سوائل ومواد على النبات وهذه تجذب الحشرات والكائنات وتحولها من كائنات حية كانت لها وظيفة طبيعية الى كائنات ضارة، وهذا العمل مدروس ومن أجل تحفيز الطلب على عدد من المبيدات؛ وصولاً إلى إنهاء الزراعة والاعتماد على الاستيراد.
في السبعينيات كان الدولار يوشك على السقوط، ومن ضمن المؤامرات التي حدثت تحويل الشعوب العربية من الاكتفاء الذاتي إلى الاستيراد والاستهلاك.
الأهداف الخفية:
وفي سياق متصل، ينوه الدكتور الآنسي، إلى أن “من الأهداف الخفية هي أن الأمريكيين يحاولون التهام مبالغ مالية كبيرة، تحت عناوين سندات خزانه ذات أجل طويل غير معروفه على العالم، وكذلك نهب الأموال العربية (الصناديق السيادية، وأموال شركات التأمين، وأموال صناديق التقاعد التي يعجبها الهرولة في الاستثمار في الحصول على أرباح ربوية سيلتهم الكثير منها).
أيضاً يرغب ترامب في الضغط على الشركاء في الناتو للاستثمار في سندات طويلة الأجل بخمسين عاماً واسمها سندات عسكرية، وهذا يعني أن هذه الأموال تخصص لشراء أسلحة من المصانع الأمريكية بشكل دائم باعتبارهم أعضاء في الناتو.
كما تتمثل الأهداف الخفية من الرسوم الجمركية التي تحاول أمريكا فرضها، في عملية احتيال ونهب تقوم به أمريكا على أموال المستثمرين في الغرب، حيثُ تهدف من خلال هذه الأزمة إلى الصناديق العشرة الخليجية التي يتم نهبها بسندات واستثمارات حكومية، بالإضافة إلى أموال البنوك التجارية وشركات التأمين الموضوعة كلها في بنوك الغرب.
وبعد أن ينهبونها تبدأ دورة أخرى من الاقتصاد الربوي القائم دائماً على دوره الازدهار والكساد، وهي محاولات تؤدي إلى السقوط الحتمي، والسقوط الاقتصادي الأمريكي في هذه المرحلة وشيك، واحتمالاته كبيرة.
وفي ختام حديثه، يعبر الخبير الاقتصادي الدكتور محمد الآنسي، عن تمنياته “بأن تتخذ بعض الشعوب أو معظم الشعوب المظلومة، قرار التحرر من الهيمنة والعبودية الأمريكية الغربية، وهناك الكثير من الشعوب تعاني في معيشتها بسبب الدولار بسبب الربا، وبسبب توزيع التضخم على الشعوب، فالبنوك المركزية التابعة للدولار تقوم بمهمة نهب شعوبها خدمةً للدولار، ولهذا نأمل أن يحدث تحرر وقرار بالاستقلال عن الهيمنة الغربية التي مارست طغيانها وبلغت أضرارها مراحل كبيرة في معيشة الناس في حياتهم”.
عباس القاعدي |المسيرة