سودانايل:
2024-09-11@12:04:39 GMT

مارك أوجيه و”أنا”: الحفر في ذاكرة المدينة ‏

تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT

د. محمد عبد الله الحسين

عفوا مستر أوجيه. لا يمكن أن استرسل في الكتابة عن موضوعي الخاص بعنوان إطلالة كوزموبوليتانية على المدينة ‏من داخل تلك الكبسولة الأرضية المتحركة(الأسانسير)، لا يمكن أن أسترسل دون أن أوفيك حقك في التعريف بك وبكتابِك، ‏فذلك حق عليّ قبل كل حق. كانت تستوقفني من حين لآخر تعبيرات مارك أوجيه وأفكاره في كتابه" إثنولوجي في المدينة" ‏وهو يستطلع ملامح مدينة ما بعد الحداثة ممثلة في باريس.

وهي الملامح التي وصفها بأنها ملامح ‏تفتقر للحميمية، وعدم وجود أثر لها في ذاكرة ومشاعر إنسان المدينة. ومن هنا نبعت دعوة ‏أوجيه الجريئة لضرورة ابتداع منهج أنثروبولوجي/إثنولوجي ليستوعب التغيير في العلاقة بين ‏المدينة كفضاء جغرافي ما بعد حداثي، ‏وبين إنسان هذه المدينة. علما أن أسلوب أوجيه في ‏كتابه لم يقتصر على الجانب الأنثروبولوجي فقط. بل شمل حديثه التاريخ والأدب وغير ‏ذلك، بمنهج يشبه المنهج الكلي مع السلاسة والمرونة التي تُميِّزه. ‏
كتاب أوجيه "إثنولوجي في الميترو"-عبارة عن ملاحظات وآركيولوجيا من (شخص شغوف بمتابعة ‏الأعراق والثقافات(الإثنولوجيا). ألف أوجيه الذي يوثق من خلال تواجده المتكرر، كإثنولوجي وكراكب وكمشاهد ضمن ركاب الميترو في مدينة باريس، باعتبارها مدينة كوزموبوليتانية(عولمية)، تفتقر للتواصل الحميم بين المدينة وسكانها المدينة. كما كل المدن الكوزموبوليتانية المابعد حداثية.
يقول أوجيه إن الحداثة المفرطة التي تشكِّل المدينة ينتج عنها بما سماه ب "اللأمكنة أي بمعنى أن ‏المدينة المعاصرة بمفرداتها وتفاصيلها من بنايات ومرافق وخدمات وعناصرها المختلفة تفتقر للحميمية وليس لها مكان ‏في ذاكرة قاطني المدينة. يفتقر المكان كذلك للثبات في الزمان لأنه عابر، وكذلك المدينة. فالمدينة بعناصرها المختلفة مثل الأسواق ‏والمولات والمطارات وأماكن الخدمات، يتعامل معها الإنسان معاملة آنية متعجلة وعابرة دون أن تترك بصماتها في ذهن وذاكرة الإنسان، إلا في لحظات التواجد اللحظي وأوقات العبور، ولحظات التواجد المؤقت فقط. وبالتالي فإن اللامكان أو بالأحرى اللاحميمية، فهي سِمة العلاقة بين تلك المدينة الكوزمية/‏العولمية، بهويتها وعناصرها وملامحها القابلة للتغير باستمرار، ويكون بالتالي وجودها سطحيا وهشاً في الذاكرة والمشاعر.
مساحة خارج النص: ‏الآن انفرجت أساريري (اللغوية)، بأن وجدت مخرجا لتفادي كلمة كوزموبوليتانية (طويلة ‏التيلة)، وبكلمة بديلة(إجرائيا هنا على الأقل) وهي كلمة "كوزمية باعتبارها استبدال(ونحت) لغوي خفيف الظل ، ويمكن بالتالي اعتبارها ‏مبرئة للذمة اللغوية على الأقل من حيث التخفيف. ‏
ما هي العلاقة بين ما كنت قد أنتويت كتابته وما كتبه مارك أوجيه؟
كنت قد وجدت لاحقا فيما كتبه أوجيه، ما يشبه التناص، أو في شكل تخاطر متأخر، ‏ إن صح التعبير، ‏وهو التخاطر الذي ترافق مع شغفٍ خاص لاكتشاف وتلمس بعضاً من ملامح التآلف البشري للإنسان ذلك الكائن الاجتماعي. أقصد تلك الرغبة المتمثلة في تبادل ‏المشاعر الإنسانية إطار فضاء اجتماعي كوزمي(ضيِّق). كان ذلك الشغف يحدث ذلك من خلال تتبع الرحلات المكوكية اليومية المتتابعة (طوال 14 ساعة في اليوم) للمصاعد الثلاثة الواسعة، في تلك البناية العالية. حيث أوعز إلي شغفي (الإثنولوجي) العابث والجاد في آنٍ واحد التمتع باستجلاء الدواخل والمشاعر الإنسانية من خلال تفحص وجوه وملامح مرتادي البناية خلال رحلات صعودهم إلى الأسانسير وهبوطهم اليومي المتكرر منه. تحول الأمر لاحقا لما يشبه الملاحظ المنتظمة (كمنهج انثربولوجي) ليس ذلك وقفاً على من يقصدون الأسانسير بل حتى الذين ينتظرون في الردهات أو الذين يتسكعون في مدخل تلك البناية. وهكذا كنت أنا مدفوعا بشغف خاص وكذلك ببعض تأثيرٍ من دراستي للعلوم الاجتماعية. إذن هي محاولة لممارسة بحثية، دون تقيدٍ راسخ بمنهجية تلك العلوم.
وهكذا كنت خلال فترات زمنية يومية استقطعها من وقت عملي في نفس البناية، أحاول أن أتفرغ لدقائق عدة مرات في اليوم لأتابع تلك الوجوه والسحنات وكذلك تلك الدفقات الشعورية/العاطفية الإنسانية التي يكشف عنها السلوك الاجتماعي الفطري في الإنسان. كانت تلك السمات تتبدى في ردود الأفعال والاستجابات التلقائية ملامح الوجوه وملامح الابتسامات الودود كرد على عبارة التحية والابتسامات وإيماءات العرفان المقتضبة. كنت في كل ذلك أحاول استوقف الخط الزمني (التايم لاين) لمطالعة السلوكيات الاجتماعية المختلفة المكللة بالروح الإنسانية وتجلياتها التلقائية تعبيرا عن الكوامن الشعورية الكاشفة عن التآلف الإنساني.
قد لا يمكنك أن تتخيل أن يحدث كل ذلك ‏في فضاءٍ مكانيِّ محدود يحتشد بأشخاصٍ بخلفياتها الكوزمية المتعددة وبأحاسيسها البشرية المكللة بقلقها ‏الوجودي، وبتوقها الفطري للاندماج والتآلف مع الآخر عبر إيماءات ذات معنى، وإشارات ‏وتلويحات إنسانية عابرة، تتخطى في نزوعها حدود ذلك الحيز المكاني، ‏وتتخطي أيضا حواجز اللغة، وحواجز الهويات القومية ومتجاهلة كذلك ‏-ولو مؤقتا تحيّزات اللون والجنسية ‏والسمات، احتراما لهذا السياق. كان مناط اهتمامي الرئيسي (هو التقاط بعض أطراف ‏الخيوط التي تقود للتعرف على تلك الروح الخفية والإحساس الحقيقي الذي يجمع بين كل ‏هؤلاء الأشخاص بخلفياتهم وسماتهم وطبائعهم واهتماماتهم المتعددة والمتنوعة كبشر. ‏‏في نفس السياق، لم يكن ذلك الفضول المعرفي وقفاً على رفقاء الانتقال اليومي في الأسانسير فقط. كان مكتب ‏الترجمة الذي أعمل به والذي يقع في نفس البناية يستقبل العشرات من الزوار القاصدين ‏خدمات الترجمة. كنت كذلك أختار أحيانا بعضا ممن يقصد المكتب لكي افتح معه حواراً (مقابلة غير مقننة، حسب المنهج البحثي). كان الحوار عبارة عن أسئلة عن الشخص المُستَجوب، ومعلومات يدلي بها عن وجهات نظره حول موضوعات تتعلق بالتواجد في الخليج واختلاف الثقافات، وعن علاقاته الاجتماعية وعلاقاته مع الجنسيات الأخرى وما إلى ذلك. بالطبع ليست كل المقابلات تسير كما ينبغي أو مخطط له، ولكنها في المجمل تضيف الكثير ضمن التراكم العام من جملة المقابلات، وبما يسمح بالمقارنة بين الأجوبة المختلفة وتقييم وجهات النظر المختلفة والخروج منها بفكرة عامة تصلح للبناء عليها لاحقا.

mohabd505@gmail.com  

المصدر: سودانايل

إقرأ أيضاً:

تعليق ناطق “أنصار الله” على الغارات الأمريكية والبريطانية التي أسفرت عن ضحايا في مدرسة للبنات بتعز

الجديد برس:

قال الناطق الرسمي باسم حركة “أنصار الله” ورئيس وفد صنعاء المفاوض، محمد عبد السلام، إن الغارات التي شنتها الولايات المتحدة وبريطانيا، يوم الثلاثاء، بالقرب من مدرسة للبنات في محافظة تعز، والتي أسفرت عن سقوط شهداء وجرحى، تمثل تصعيداً خطيراً.

وأشار عبد السلام في تغريدة على حسابه في منصة “إكس” إلى أن “طالبتين استشهدتا وأصيبت 9 طالبات بجراح، جراء عدوان أمريكي بريطاني غاشم على اليمن بشن غارتين على منطقة الجند جوار مدرسة أم المؤمنين عائشة للطالبات في محافظة تعز”.

وأضاف عبد السلام: “إننا إذ ندين هذا العدوان الغاشم والجريمة النكراء فإننا نؤكد أن استهداف المدنيين والمنشآت التعليمية يعد تصعيداً خطيراً، وهو يعكس حجم الإحباط الأمريكي البريطاني جراء فشلهم في توفير الحماية للملاحة الإسرائيلية في البحر الأحمر”.

وتابع: “اليمن متمسك بقراره في إسناد غزة، ولن يتراجع عن هذا القرار المبدئي والأخلاقي قيد أنملة”.

وذكرت وكالة “سبأ” الرسمية في صنعاء أن “التدافع بين الطالبات بعد استهداف العدوان الأمريكي البريطاني لمحيط المدرسة أدى إلى استشهاد الطالبتين حماس عبد الله عبد السلام من الصف السابع، وشجى أحمد دحان من الصف الخامس، بالإضافة إلى إصابة تسع أخريات”.

مقالات مشابهة

  • تعليق ناطق “أنصار الله” على الغارات الأمريكية والبريطانية التي أسفرت عن ضحايا في مدرسة للبنات بتعز
  • “الحفر” تتربص بسيارات المارة.. والبلدية كمن “كحلها فأعماها”..
  • “التعاون الإسلامي” تُدين بشدة المجزرة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الإسرائيلي بقطاع غزة
  • شرطة أبوظبي تُطلع وفد “تنظيم الاتصالات” على إنجازاتها التطويرية في “المدينة الآمنة”
  • عاجل - "الفجر" تنشر صورا من الحفر العميقة التي خلفتها صواريخ الاحتلال في مجزرة المواصي غرب خان يونس
  • برشلونة يعلن خضوع لاعبه مارك بيرنال لعملية جراحية
  • أسرار تعزز ذاكرة الطلاب
  • برشلونة يكشف مدة غياب مارك بيرنال
  • برشلونة يعلن غياب لاعبه مارك بيرنال لمدة 12 شهراً بسبب الإصابة
  • أطول برج خشبي في العالم..من المدينة التي ستحتضنه؟