المواقف: ما بين الخرمجة واللامعقول
تاريخ النشر: 16th, August 2024 GMT
فيصل بسمة
بسم الله الرحمن الرحيم و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
مواقف بعض/كثير من السياسيين و الناشطين تجاه الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان تصيب المرء بالمَنَخُوليَا و الإِستَنقَلِينَا المصحوبتين بإحساس/شعور عجيب هو خليط من: الإندهاش و الإرتباك و الإستغراب...
و عموماً تتراوح هذه المواقف ما بين إيقاف الحرب و الإستمرار فيها ، و لكن الأمر ليس بهذه البساطة ، فالأرآء و الأفكار و المقترحات المطروحة كثيرة و بالغة التعقيد و التركيب إختلط فيها كثيراً الحابل بالنابل و حدث فيها تداخل و خلط عظيمين للمعطيات بدرجة كبيرة و مربكة تجاوزت في لامعقوليتها كل حدود الفهم/الإدراك/الإستيعاب.
و مما يزيد من مَخوَلَة الأدمغة هو إستشهاد و إستدلال الفرقآء بذات المعطيات لتقوية وجهات النظر و تبرير المواقف المتناقضة ، إن محاولات التدليس و الخلط المتعمد للأوراق و المواقف تفاقم كثيراً من الإرتباك العقلي و ربما تدفعُ بعضاً من الناس إلى مرحلة شد الشعور و خبط الرؤوس و محادثة الهوآء و ركل الأشيآء!!!...
و ما يتسبب في تعاظم تلك الأحاسيس الضبابية/الإزدواجية في المعايير و محاولات الكيزان و أذيالهم ، المستميتة و السمجة ، تجميل القبيح و قلب الموازين و رمي اللوم في إشعال الحرب على القوى المدنية المشاركة في الفترة الإنتقالية و تبرئة جماعة الكيزان المجرمة و المسيئة و وكلآءهم في الطآئفتين الباغيتين المتقاتلين: الجيش الكيزاني و مليشيات الجَنجَوِيد صنيعة الكيزان...
و الشاهد هو أنه هنالك من يحاول جاهداً إفشال مشروع الثورة و الترويج للبضاعة الكيزانية البآئرة/الفاسدة و تمرير عودة قيادات جماعة الكيزان من خلف كواليس العمل السري و التمثيل على خشبة مسرح عرآئس قيادات الجيش الكيزاني و أذيالهم من موظفي الجهاز التنفيذي و الخدمة المدنية و الدفع بهم إلى المقدمة و كراسي الحكم من جديد بدعاوى إعادة هيبة الدولة و الإصطفاف خلف الجيش في ”معركة الكرامة“ و إستغلال فريتي ”الإستنفار“ و ”المقاومة الشعبية“ و إسآءة توظيفهما في قمع و قتل الخصوم السياسيين...
و يجتهد كثيرون في إرباك المواقف و خلط الأوراق و تبني المواقف الغير مقنعة تجاه قيادات الجيش الكيزانية الفاسدة و التغاضي عن حقيقة أن الجيش السوداني ليس سوى منظومة عسكرية كيزانية مترهلة و فاسدة و عاجزة ، و أن الإنضمام إلى صفوف الجيش و الترقي و التدرج في مراتبه و البقآء في سجلات رتبه العليا و صفوف الضباط العظام خلال عقود حكم الجماعة الإنقاذية المتأسلمة (الكيزان) لا يتم إلا عبر بوابة و توصيات قيادات و منظومات/منظمات الحركة الإسلامية (الكيزان) الفاسدة...
و هنالك من يحاول الإستثمار الرديء في تعنت قيادات الجيش الكيزانية و إحجامها عن مفاوضات إيقاف الحرب لصالح ”الأشاوس“ و ”القآئد“ حِمِيدِتِي ”رجل السلام“ و إقناع السودانيين بأن مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) ، الصنيعة الكيزانية ، قوات نظامية بحسبان أنها قد أنشأت بموجب قانون أجازه البرلمان الكيزاني متغاضين عن حقآئق أن النظام الكيزاني الفاسد قد أتى عن طريق إغتصاب السلطة بقوة إنقلاب عسكري و أن ذلك النظام الطاغي الباغي الذي أنشأ الدعم السريع نظامٌ فاسد و كذا الحال مع جميع مشاريعه و قوانينه و مؤسساته بما فيها البرلمان...
و هنالك من السياسيين و الناشطين من ساقته إدعآءات قآئد مليشيات الجَنجَوِيد (الدعم السريع) حول مساندة الثورة و مدنية الحكم و إعادة تشكيل دولة ستة و خمسين (٥٦) و ”جنوحه“ للسلم (و ربما أسباب أخرى) إلى محاولة إقناع السودانيين بإعادة قرآءة الأحداث بصورة مغايرة و تناسي جميع الإنتهاكات و الفظاعات التي إرتكبتها تلك المليشيات الباطشة خلال ثورة ديسمبر ٢٠١٨ ميلادية و إعتصامات القيادة العامة و إبان الفترة الإنتقالية و أثنآء الحرب الدآئرة الآن في بلاد السودان و التي تسببت في حالات الموت و الدمار و الخراب و ضياع الممتلكات و المدخرات و النزوح الجماعي و اللجوء إلى دول الجوار بأعداد و صور و طرق غير مسبوقة ، هذا عدا الإبادات الجماعية في إقليم دارفور و حوادث قمع إحتجاجات الجماهير في الأقاليم الأخرى...
و هنالك من يتحاشى إدانة التدخل الخارجي الصارخ في الحرب و يدعو إلى التغاضي عن تدخلات دول بعينها و إمداداتها للمليشيات المتمردة بالعتاد و السلاح و المؤن و كذلك دعمها السياسي و إحتضانها لقوى مدنية سياسية شاركت في فشل الفترة الإنتقالية و خلق الأزمة الحالية ، قوى ما تزال تحاول المشاركة في البحث عن الحلول لما تسببت فيه من أزمات!!!...
و هنالك من يريد إعادة إنتاج و تدوير قيادات سياسية فشلت/عجزت عن إثبات صلاحيتها/فعاليتها أبان الفترة الإنتقالية ، و أن يرغموا السودانيين على تناسي أن أفراداً و قوى سياسية قد ساهمت بصورة مباشرة في إرباك و إفشال الفترة الإنتقالية بضعف الأدآء و ميوعة المواقف و لين التعامل مع المسيئيين و التهاون/التغافل/التغاضي عن معاقبتهم و إسآءة إستخدام الزخم الثوري و عدم توظيفه في تحقيق أهداف الثورة و إحداث التغيير...
و هنالك من يحاول جاهداً/مستميتاً إعادة تجميل قيادات حركات ”التحرير المسلح“ المتناسلة و ترفيعها حتى يكون لها دور في الحرب و إدارة فترة ما بعد الحرب ، بالإضافة إلى التسويق و الترويج لأرتال من جماعات الأرزقية و السواقط الحزبية و الطفيلية السياسية و الإقتصادية التي ظهرت فجأة في منابر إعتصام القيادة و مع إرهاصات نجاح الثورة و عقب خلع البشير و أثنآء محاصصات جوبا ، ذات الشخصيات التي في يومٍ ما دبرت إعتصام القصر (الموز) و روجت للإنقلاب على الثورة و التنصل من المواثيق و ضخمت حميدتي (صاحب البَلِف) و قدمته و جعلته رجل السلام و مفكر الإقتصاد و راعي العمل التطوعي و الرياضي و حكيم الإدارة الأهلية و الرباني خادم شيوخ الطرق الصوفية!!!...
و هنالك من السودانيين و الأجانب من لا يثقون و يشككون في مقدرة السودانيين على حل الأزمة الحالية بأنفسهم ، و يعولون كثيراً على التدخل الدولي و يروجون له بحسبان أنه العصا السحرية التي سوف تحل جميع المشاكل ، و يبدوا أنهم لا يعلمون أو يتجاهلون عمداً إنعدام الدليل الملموس على نجاحات التدخلات الدولية السابقة في الأزمات و أراضي الدول حول العالم ، و أن سجل التدخلات الدولية السابقة في شئون الدول في الوقت المعاصر و الماضي القريب غير مشرف و لم يستخدم إلا لخدمة المصالح الغربية و تحديداً مصالح الولايات المتحدة الأمريكية و الصهيونية...
الختام:
إن كلا الطآئفتين الباغيتين: مليشيات الجَنجَوِيد و الجيش قد بغوا و تسببوا في إرهاق الشعوب السودانية كثيراً بإشعالهم الحرب و إرتكابهم المجازر و الإنتهاكات و الفظاعات ، و الموقف الحالي في بلاد السودان غير مطمئن على الإطلاق و محزن و محبط و غير مبشر ، و هنالك نذر و شواهد تدل على أن أمد الحرب سوف يطول ، و أن ليس من منتصر ، و أن مآسي الحرب سوف تتفاقم ، و أن الحرب لن يوقفها سوى التعب و الإرهاق و نفاد صبر الداعمين لها...
و أنه لا بد أن تتفق الأذهان التي أشعلت الثورة عن أفكار و وسآئل جديدة تقتلع زمام المبادرة من الطآئفتين الباغيتين و تعيده إلى الثوار ، أصحاب المصلحة الحقيقية في إستمرار الثورة السودانية و في إحداث التغيير ، الثوار الذين لن تعجزهم قتامة الحرب و مآسيها عن تسيد المواقف و الشوارع و الساحات من جديد و دافعهم إلى ذلك الإيمان العميق بالأهداف...
إن حتمية نجاح الثورة و إستعادة الزخم لن يكونا إلا عن طريق تقديم القيادات السياسة الحقيقية التي لا تتنازل عن المباديء ، القيادات القوية القادرة على تأسيس دولة القانون و المؤسسات التي تحقق: العدالة و تخدم الأمن و الإستقرار و الإنتاج و النمو و الرفاه ، القيادات التي تأكد/تحقق رغبات الشعوب السودانية في أن:
- لا دور في الدولة السودانية الجديدة لعسكر الجيش الكيزاني و الصنيعة الكيزانية: مليشيات الجَنجَوِيد
- لا بد من المحاسبة القانونية و العقاب لكل المتورطين المتسببين في الحرب و الإبادات و المجازر و بقية الفظاعات و الإنتهاكات
- لا بد من حل مليشيات الجَنجَوِيد و جميع المليشيات و الكتآئب حيث أنه قد إنتفت الحوجة إلى خدماتهم
- لا بد من إعادة تكوين الجيش حتى يصبح جيشاً قومياً ، محترفاً و مهنياً يلتزم بالقوانين و النظم و اللوآئح العسكرية المتعارف عليها في حفظ الأمن و حماية الحدود و الدستور ، و ينأى عن تدبير الإنقلابات و ممارسة السياسة و أمور الحكم و خدمة الطغاة و المستبدين
- لا بد من تفكيك و تصفية نظام الثلاثين (٣٠) من يونيو ١٩٨٩ ميلادية و محاسبة و محاكمة كل من شارك في ذلك الإنقلاب و معاقبة المسيئيين و المجرمين و الفاسدين و المفسدين
و الحمدلله رب العالمين و أفضل الصلاة و أتم التسليم على سيدنا محمد.
فيصل بسمة
fbasama@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: الفترة الإنتقالیة هنالک من لا بد من
إقرأ أيضاً:
معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي: تم استنزاف الجيش.. وحركة حماس ستتعافى
القدس المحتلة - الوكالات
قال معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي إنه تم استنزاف الجيش الإسرائيلي في مهام لم يكن لها تأثير على شروط إنهاء الحرب.
وأضاف أن اتفاق وقف إطلاق النار يعني أن إسرائيل لن تدمر حماس لأنها لم تكن قادرة على ذلك، وأن إصرار إسرائيل على مواصلة الحرب كان لأسباب سياسية أو بسبب قصر النظر.
وأكد أن الحقيقة الأساسية أن حركة حماس ستتعافى أكثر وقيادتها المستقبلية ستغادر السجون، مشيرة إلى أن قرارات نتنياهو وحكومته والمؤسسة الأمنية كانت على حساب حياة الجنود والرهائن.